إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 29 يوليو 2013

زكاة الفطر


زكاة الفطر


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال : (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) [متفق على صحته].
وفي لفظ للبخاري: (( ... على الصغير والكبير، والحر والمملوك)).
وعن ابن عباس، قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو(1) والرفث(2)، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات)) [رواه أبو داود وابن ماجه، وقال الشيخ ناصر: إسناده حسن، وحسنه ابن قدامة والنووي].

فهذه الأحاديث تبين هيئة زكاة الفطر، من أنها فرض على الذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"( 16 / 200 ـ 201 ) : ((وَلَمَّا قَدَّمَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّحْرِ فِي قَوْلِهِ : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }[الكوثر:2]، وَقَدَّمَ التَّزَكِّي عَلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }[الأعلى:14]، كَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ، وَأَنَّ الذَّبْحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي عِيدِ النَّحْرِ، وَيُشْبِهُ ـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ مِنْ التَّزَكِّي الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة:183] . فَمَقْصُودُ الصَّوْمِ التَّقْوَى وَهُوَ مِنْ مَعْنَى التَّزَكِّي . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طهرة لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ))، فَالصَّدَقَةُ مِنْ تَمَامِ طهرة الصَّوْمِ، وَكِلَاهُمَا تَزَكٍّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، فَجَمَعَتْ هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ التَّرْغِيبَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ)).اهـ

قلت: والحكمة منها: أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث
، وطعمة للمساكين، كما جاء في نص الحديث.
ولفظ"طعمة للمساكين" يسد الطريق على "فقهاء ضغط الواقع" الذين يفتون الناس بإخراجها نقوداً بدلاً من طعاماً؛ بشبة أن النقود أولى من الطعام في هذا الزمان!؛ ومعلوم فساد هذا الكلام إذ أن الحديث نص على أنها طعمة للمساكين، النقود لا تُطعم.
وقد جاءت أحاديث تظهر أنها كانت تخرج على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم طعاماً وليس نقوداً.
منها ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة، قال: ((أخذ الحسن بن علي "تمرة من تمر الصدقة" ، فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كخ كخ ، ارم بها ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ؟)).
وما عند البخاري وغيره، في فضل آية الكرسي، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ "زكاة رمضان" ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من "الطعام" فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقص الحديث ، فقال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدقك وهو كذوب ، ذاك شيطان)).
وعند أحمد في المسند، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ: ((إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ))[قال البوصيري: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وحسنه الأرناؤوط].
وقال الشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله – : (( إن القول بالقيمة مخالفة للأصول من جهتين :-
الجهة الأولى :- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما ذكر تلك الأصناف لم يذكر معها القيمة ولو كانت جائزة لذكرها مع ما ذكر كما ذكر في زكاة الإبل وهو – صلى الله عليه وسلم – أشفق وأرحم بالمسكين من كل إنسان .
الجهة الثانية : وهى القاعدة العامة أنه لا يُنتقل إلى البدل ألا عند فقد المبدل عنه وإن الفرع إذا كان يعود على الأصل بالبطلان فهو باطل)).
قلت: ومن عجيب ما يجد المرء ممن يزعمون الرأفة بالأمة بتبديل صورة الشرع باسم فقه الواقع!، والتسهيل على الناس!، أننا لو قلنا لهم: إن كانت النقود أفضل للمسكين من الطعام، فهل يجوز أن لا نذبح في عيد الأضحى ونعطي المسكين مالاً بدلاً من اللحم؟، تراهم يتناقضون، ويقولون: لابد من الذبح؛ فسبحان أليس الذي فرض الذبح في عيد الأضحى، هو من فرض الإطعام في عيد الفطر؟، فنعوذ بالله من الهوى.

فليحذر المسلم من هذا المسلك، لأنه يخشى أن يُرد عليه عمله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)).
فالخلاصة: أن زكاة الفطر لا تبرأ بها الذمة حتى توضع في الموضع الذي وضعها الله فيه، وعلى الهيئة التي أمر بها، وإخراجها على هذه الهيئة ابتلاء من الله ـ عز وجل ـ لعبده المسلم، ليظهر هل هو عبد لسيده ومولاه، أم هو عبد لذوقه وهواه.

فهي طعام؛ وتُصرف للمساكين(3)، وتؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، وتجزيء قبل العيد بيومين، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين))[رواه البخاري]؛ من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات. وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 19رمضان 1434

28 / 7 / 2013

الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(1): اللغو : السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره، ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع.
(2): الرفث : كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة ، وأصله الكلام الفاحش.
(3):فرق الله عز وجل بين المسكين والفقير، فقال سبحانه: { إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين } [ التوبة : 60 ]، والعطف يفيد التغير، فقيل أن الفقير: هو الذي لا يجد شيئاً فهو مُعدم؛ والمسكين: هو من يملك شيئاً ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا يكون المسكين أحسن حالاً من الفقير، واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى : { أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر . . . } [ الكهف : 79 ]
وقال القرطبي في تفسيره: ((روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ من الفقر. وروي عنه أنه قال: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا". فلو كان المسكين أسوأ حالا من الفقير لتناقض الخبران، إذ يستحيل أن يتعوذ من الفقر ثم يسأل ما هو أسوأ حالا منه)).

الأحد، 28 يوليو 2013

وقفات مع ليلة القدر


وقفات مع ليلة القدر


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

رمضان شهر ظاهره العذاب!، وباطنه الرحمة... ظاهره جوع وعطش .. وقيام وسهر .. وباطنه عفو ومغفرة.
فمن صام نهاره غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليله غفر له كذلك، وليس ذلك فحسب، بل فيه ليلة من وفق لقيامها حصل هذا الثواب العظيم.
يقول نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من يَقُم ليلة القدر ، إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق على صحته ].

فـ "ليلة القدر":ليلة لا عدل لها من ليالي العام.
قيل أنها سميت بهذا الاسم لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يُقدر فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق والمقادير القدرية(1) . فيكون اسمها مشتق من القدر والتقدير ، وهو القدر الكوني السنوي الذي يكون فيه من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، كما في قوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }(2)[ الدخان : 3 ]
وقيل سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر؛ أي شرف ومنزلة، وذلك لأن الرب ـ سبحانه ـ جعلها بداية نزول القرآن، كما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(3) [القدر: 1] .

ومن أجل أنها نزل فيها القرآن العظيم، خصها الرب ـ سبحانه ـ بفضل ليس له حد. فقال عز وجل : { لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }[القدر: 3].
وفي مثل هذه المواضع من القرآن العدد لا يفيد التحديد . . إنما هو يفيد التكثير؛ عنى بألف شهر جميع الدهر، لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء، كما قال تعالى: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } [ البقرة: 96 ] يعني جميع الدهر(4)

فيكون المقصود بالآية: أن فضل وخيرية هذه الليلة عظيم جداً، لا تستطيعون تقديره.
فالله ـ عز وجل ـ كلم العرب بما يفهمون، لأنه قيل أن أكبر عدد كانت تعرفه العرب هو : " الألف" فحدثهم بما يفهمون (5) ، ويكون بذلك من السطحية أن نقول أن فضل تلك الليلة يعادل ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، فليس هو المقصود بالآية، والله أعلم.

وقد صح في تعين ليلة القدر أحاديث، منها:
ما رواه البخاري من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر ، في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى)) [رواه البخاري].

وعن ابن عمر رضي الله عنه : أن أُناساً أُرُوا ليلة القدر في السبع الأواخر ، وأن أُناساً أُرُوا أنها في العشر الأواخر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( التمسوها في السبع الأواخر)) [رواه البخاري].

وعند مسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر )) أو قال (( في التسع الأواخر )).

وفي المتفق على صحته أنها كانت ليلة أحدى وعشرين، الليلة التي سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ماء وطين.
وعند مسلم في صحيحه أن أبياً بن كعب رضي الله عنه أقسم أنها ليلة صبيحة سبع وعشرين.

وذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين، لأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، وفي البخاري عن عكرمة، عن ابن عباس: (( التمسوها في أربع وعشرين )).

قلت : ليلة القدر بمجموع هذه الأحاديث والآثار، هي في العشر الأواخر من رمضان، وهي أقرب إلى الليالي الوترية منها إلى الأشفاع، ولا يتنافي أن تأتي في الأشفاع كما وضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى.
ويكون ما أتى من قسم أبي بن كعب رضي الله عنه أنها ليلة صبيحة سبع وعشرين، أنه وافقها في هذه الليلة وعلمها من أمارتها التي تظهر بعد الليلة كما سيأتي، وقد أتت في سنة أخرى ليلة أحدى وعشرين وهي التي شهدها الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي متنقلة في العشر الأواخر من رمضان.

أما ما نقل عن أحد السلف أنها ليلة سبع وعشرين، لأسباب منها: ((أن الله خلق سبع سماوات، وسبع أرضين، والأسبوع سبع أيام، وأن الإنسان يسجد على سبع، والطواف بالبيت سبع، ورمي الجمر سبع، ...))، فهذا لو صح (6)، يُحمل على أنه من مُلح العلم(7) ، كالذي قال: " أن القرآن افْتُتِح بسورة البقرة، وأن أكثر من ذكر في سورة البقرة، اليهود، وأفضل يهود " آل عمران"، فلهذا جاءت السورة التي تليها سورة "آل عمران"!، وأفضل من خرج من "آل عمران"، "مريم البتول" عليها السلام، ولهذا جاءت السورة التي تليها سورة "النساء"!، وأحسن ما تحسن النساء صنعه هو: الطعام، فلهذا جاءت السورة التي تليها سورة "المائدة"!، وأفضل ما يقدم على المائدة اللحوم، ولهذا جاءت السورة التي تليها "الأنعام"!!، ...الخ ، فهذا ليس من متين العلم وصلبه، بل هو من مُلح العلم، والله المستعان(8) .

وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ يرفعه، :((أن الشمس تطلع في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها)).
وعند ابن حبان زيادة: ((كأنها طست))، وهو: الإناء المستدير ويكون من نحاس ونحوه.

وعند أحمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ يرفعه : (( ... إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى)) [حسنه البوصيري والألباني].

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله ، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ))[رواه أحمد، والترمذي، وغيرهما، وصححه الشيخ الألباني].

هذا؛ وذكر ابن حجر في الفتح أن السبكي الكبير ذهب إلى استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها، لأن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قدره له فيستحب اتباعه في ذلك.

قلت: لعله يقصد حديث عبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال : (( إني خرجت لأخبركم بليلة القدر ، وإنه تلاحى فلان وفلان ، فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم )).
فينبغي على المسلم أن يتحرى تلك الليلة المباركة في العشر الأواخر جميعاً بلا تفريق بين ليالي الوتر أو الأشفاع، وأن يجتهد في الدعاء والتضرع والمسكنة بين يدي ربه للفوز بها ، لعله يأتي رمضان القادم ولا يكون بين الأحياء.

وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 18 رمضان 1434

27 / 7 / 2013

الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
( 1 ) : ((تيسير الكريم الرحمن)) للشيخ عبد الرحمن السَّعْدي
( 2 )
: وحديث نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة، يحتاج إلى مزيد تحقيق وبحث.
( 3 ) : تفسير القرطبي
( 4 ) : المصدر السابق
( 5 ) :
ذكر ابن الطقطقي : أن بدوياً ظفر بحجر من الياقوت كبير يساوي مبلغاً عظيماً فلم يدر قيمته، فرآه بعض من يعرف قيمته فاشتراه منه بألف درهم، فبعد ذلك عرف البدوي قيمته ولامه أصحابه وقالوا له: هلا طلبت فيه أكثر من ذلك؟ قال: لو علمت أن وراء الألف عدداً أكثر من الألف لطلبته! .[ الفخري في الآداب السلطانية].
( 6 ) :
حكم ابن كثير ـ رحمه الله ـ على هذا المتن بالغرابة ( التفسير 2 / 1436 مؤسسة الرسالة ط الأولى ).
( 7 ) : قال ابن عطية في تفسيره : أنه من مُلح التفاسير، وليس من متين العلم.
( 8 ) : وكذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره ( 2 / 1435)، ((أنه حُكي عن بعض السلف أنه حاول استخراج كونها ليلية سبع وعشرين من القرآن من قوله :{هِيَ}، لأنها الكلمة السابعة العشرون من السورة)) يُحمل أيضاً أنه من مُلح التفاسير، وليس من متين العلم.

الخميس، 18 يوليو 2013

لا تتشبه بيهود وأنت تقرأ القرآن!



لا تتشبه بيهود وأنت تقرأ القرآن!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
ما أن يدخل شهر رمضان إلا وتجد الناس مقبلة على قراءة القرآن الكريم، مجتهدة في ذلك، تأمل أن تختم قرأته قبل انقضاء الشهر، ولهذا تراهم يقرؤونه في البيوت، وفي أماكن العمل، وفي المواصلات.
بيد أنه يعكر صفو هذه الظاهرة الجميلة، بدعة يقع فيها أهلنا في مصر، وهي: أنهم يتميلون ويهتزون عند قراءة القرآن، وهذا لا يُعلم من فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا من فعل أحد من صحابته ـ عليهم الرضوان ـ، بل ذهب أهل العلم أنه من سنن يهود !.
قال بكر أبو زيد في كتابه ( بدع القراء ) ص / 43 : 44 :

المبحث الثالث " في التحرك عند القراءة" : (( اشتدت كلمة علماء الأندلس في النكير على: التمايل, والاهتزاز, والتحرك, عند قراءة القرآن, وأنها بدعة يهود, تسربت إلى المشارقة المصريين, ولم يكن شيء من ذلك مأثوراً عن صالح سلف هذه الأمة .
وقد ألف ناصر السنة ابن أبي زيد القيرواني م سنة 386هـ ـ رحمه الله تعالى ـ ((كتاب من تأخذه عند قراءة القرآن حركة))، ولا ندري من خبر هذا الكتاب شيئاً .[ نقلاً من الوافي للصفدي 17 / 250 ، كما في الهامش]
قال أبو حيان النحوي محمد بن يوسف الأندلسي م سنة 745هـ ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره ((البحر المحيط)) عند قول الله تعالى: { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ... }[الأعراف:171], (قال الزمخشري في ((الكشاف)) 2 / 102:
((لما نشر موسى عليه السلام, الألواح وفيها كتاب الله تعالى, لم يبق شجر, ولا جبل, ولا حجر إلا اهتز فلذلك لا ترى يهودياً يقرأ التوراة إلا اهتز وأنغض لها رأسه)) انتهى . من الكشاف .
وقد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين, فيما رأيت بديار مصر, تراهم في المكتب إذا قرؤوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم, وأما في بلادنا, بالأندلس والغرب, فلو تحرك صغير عند قراءة القرآن, أدبه مؤدب المكتب وقال له: لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة))[ البحر المحيط 4 / 42 ].
وقال الراعي الأندلسي م سنة 853هـ ـ رحمه الله تعالى ـ في ((انتصار الفقير السالك)) ص / 250: ((وكذلك وافق أهل مصر اليهود, في الاهتزاز عند الدرس والاشتغال, وهو من أفعال يهود)). انتهى . وهذا أعم فليُجْتنب . )) اهـ .

قلت:
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية و هو يعدد أوجه الشبه بين الرافضة واليهود : ((واليهود تنود في الصلاة وكذلك الرافضة )) [ منهاج السنة النبوية ].
جاء في لسان العرب لابن منظور: ((" نود " نادَ الرجلُ نُواداً تَمايَلَ من النعاس ... وَنَودَانُ اليهود في مدارسهم مأْخوذ من هذا، وفي الحديث لا تكونوا مثل اليهود إِذا نَشَروا التَّوراة نادوا، يقال ناد يَنُودُ إِذا حَرَّك رأْسه وكَتِفَيْهِ وناد من النُّعاس يَنُودُ نَوْداً إِذا تمايل ))( 1 ) اهـ
وفي فتاوى اللجنة الدائمة : بعض الناس إذا قرأ القرآن يتمايل ذات اليمين وذات الشمال ، أو إلى الأمام والخلف . فما حكم فعلهم هذا؟ أفتونا مأجورين .
الجواب:
((هذا التمايل عند تلاوة القرآن هو من العادات التي يجب تركها ؛ لأنها تتنافى مع الأدب مع كتاب الله عز وجل ،ولأن المطلوب عند تلاوة القرآن وسماعه ، الإنصات وترك الحركات والعبث ليتفرغ القارئ والمستمع لتدبر القرآن الكريم والخشوع لله عز وجل ،وقد ذكر العلماء أن ذلك من عادة اليهود عند تلاوة كتابهم ، وقد نهينا عن التشبه بهم.وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم )) اهـ .

وعليه: فهذا الفعل فيه مشابهة يهود (2 )، وقد أمرنا الشرع بمخالفتهم وإن كانوا على الحق!، ألم يقل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صوم يوم عاشوراء : ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ))؟ [رواه مسلم].
وعند الطحاوي في مشكل الآثار قال ابن عباس : ((خالفوا اليهود , وصوموا يوم التاسع والعاشر )) .

فضلاً عن أن الأصل في العبادات التوقف، فلا يجوز إحداث شيء في الذكر دون دليل( 3 ), سواء في مضمونه, أو في وقته أو في هيأته.
وفي الحديث : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه, فهو رد" [متفق على صحته ].

فينبغي هجر هذا الفعل، والتنبيه علي بدعته، حتى لا نأثم من حيث نريد الثواب!.
وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 8 / رمضان / 1434

17 / 7 /2013

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
( 1 ) : وانظر كذلك تاج العروس ( 9 / 240 )
( 2 ) : وهذا ظاهر جداً في صلاة يهود عند حائط البراق ـ حائط المبكى!ـ فلا يصلون إلا وهم يتمايلون.
( 3 ) : ومن المحدثات أيضاً قولهم " صدق الله العظيم" بعد انتهاء من قراءة القرآن، وقد نص على بدعة هذا الفعل جماعة من أهل العلم منهم: " الشيخ الشقيري،والألباني، وابن باز، وغيرهم.

السبت، 13 يوليو 2013

الكشاف في حكم أكل الخشاف



الكشاف في حكم أكل الخشاف

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
  روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما ))، وفي رواية ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعًا )).
   قال النووي: ((ذهب أصحابنا وغيرهم من العلماء إلى أن سبب النهي عن الخليط أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتد فيظن الشارب أنه لم يبلغ حد الإسكار ويكون قد بلغه، قال: ومذهب الجمهور أن النهي في ذلك للتنزيه وإنما يمتنع إذا صار مسكرا ولا تخفى علامته، وقال بعض المالكية :هو للتحريم ... )) [ فتح الباري لابن حجر].
    وقال الحافظ في الفتح: قال القرطبي : ((النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم ، وهو قول جمهور فقهاء الأمصار ، وعن مالك يكره فقط ، وشذ من قال: لا باس به ؛ لأن كلا منهما يحل منفردًا ، فلا يكره مجتمعًا، قال: وهذه مخالفة للنص ، وقياس مع وجود الفارق فهو فاسد من وجهين ، ثم هو منتقض بجواز كل واحدة من الأختين منفردة ، وتحريمهما مجتمعتين قال: وأعجب من ذلك تأويل من قال منهم: إن النهي إنما هو من باب السرف .
   قال: وهذا تبديل لا تأويل ، ويشهد ببطلانه الأحاديث الصحيحة . قال: وتسمية الشراب إدامًا قول من ذهل عن الشرع واللغة والعرف .
   قال: والذي يفهم من الأحاديث التعليل بخوف إسراع الشدة بالخلط، وعلى هذا يقتصر في النهي عن الخلط على ما يؤثر في الإسراع )) [فتح الباري (10 /77)].
  قلت : ولعل علة نهي خلط التمر والزبيب في إناء واحد أنهما أصل الخمر، كما صح عن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة )) [رواه مسلم من حديث أبي هريرة].
   قال الخطابي: (( ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكرًا جماعة عملًا بظاهر الحديث، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي وقالوا: من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة فإن كان بعد الشدة أثم من جهتين ...)) .[ فتح الباري].
   وعليه: فلا يخلط التمر مع الزبيب في إناء واحد، وينقع كل واحد منهما على حدة, لما رواه البخاري من حديث عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو ، والتمر والزبيب ، ولينبذ كل واحد منهما على حدة )).
   وأن فترة النقع لا تزيد عن نصف يوم، خاصة في الحر فأنه يسرع التخمير.
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (( كنا ننبذ (1) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى (يغطى) أعلاه وله عزلاء (فوهة يصب منها) ، ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة )).[ رواه مسلم].


   وجاء في الفتوى رقم (7652) من فتاوى اللجنة الدائمة، برئاسة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ .
س:هل ما يفعل في رمضان من ما يسمى الخشاف يدخل في حكم النهي عن نبذ شيئين معا، مع أن الفترة المستغرقة لذلك لا تتعدى أن تلين هذه المجففات من التمر والمشمش وخلافه للماء؟
فأجابت: ((لا حرج فيما ذكرت، ولا يدخل فيما نهي عنه ما لم يصل بتغيره إلى درجة الإسكار. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)).


   وفي الفتوى رقم ‏(‏20795‏)‏، برئاسة الشيخ /عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
س: هل يجوز أكل ما يسمى بـ ‏(‏الخشاف‏)‏ وهو يصنع من التمر والزبيب والتين والسكر، توضع جميعها في الماء فترة من الوقت قبل الأكل‏؟‏
فأجابت‏:‏ ((لا مانع من أكل ما ذكر إذا لم يكن كثيره مسكرًا؛ لأن المواد التي جمعت فيه كلها مباحة‏.‏ وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)).
فالخلاصة: أن خلط التمر مع الزبيب جائز، إلا أن يخشى منه الوصول إلى درجة الإسكار، ولها علامات: منها تغير الرائحة، والطعم، أو ظهور رغوة أو فقاقيع على سطحه ناتجة من تخميره.
قال النووي في شرحه على مسلم: ((في هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ، وجواز شرب النبيذ ما دام حلوا لم يتغير ولم يغل وهذا جائز بإجماع الأمة، ... والله أعلم)).اهـ
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 3/رمضان/ 1434
12/7/2013

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): النَّبِيذ : هو ما يُعْمَلُ من الأشْرِبة من التَّمرِ، والزَّبيب، والعَسَل، والحِنْطَة، والشَّعير وغير ذلك يقال : نَبَذْتُ التَّمر والعِنَب، إذا تَركْتَ عليه الْمَاء لِيَصِيرَ نَبِيذاً.
والنبذ في اللغة :الطرح , ومنه قول الله عز وجل :{ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } , وقوله تعالى: {
أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيق مِنْهُمْ }.

اعتقاد " عبد الله هاشم " صاحب سلسلة القادمون!



    
 اعتقاد " عبد الله هاشم "
صاحب سلسلة القادمون!

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد :

  فإن سلسلة القادمون لعبد الله هاشم هي جزء من "أيدلوجية الشرق الأوسط الجديد"، المقصود منها : تميع مسألة الدين وتضيع الولاء والبراء .

  فلا يُفرق بين النصراني واليهودي والبوذي والمسلم، وأيضا إذابة الفروق العقيدية بين السني والشيعي .

    و"عبد الله هاشم" مخرج هذه السلسة شيعي رافضي ، والدليل على ذلك تصريحه بذلك في الحلقة الأولى من سلسلة المرحلة الثالثة .

   بيد أن الأخطر من ذلك أن هذه السلسلة صنعت على عين اليهود، وبالأخص أصحاب عقيدة شهود يهوه .

    ومن أراد توسعة البحث فليبدأ بالتعرف على "عقيدة شهود يهوه"، وما اسم حركتهم؟، ثم يقارن بين اسم حركة عبد الله هاشم ،ثم يراجع نشره لنفس هذه العقيدة في القادمون ، وليرجع غير مأمور إلى الحلقة 49 ، 51 من سلسلة القادمون ، والحلقة 9 من سلسله المرحلة الثالثة .

    ولا ننسى أن الشيعة هم حمير اليهود لا يدخلون بلد إلا على ظهورهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ، و قد أخبر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الدجال يخرج معه من شيعته سبعون ألفًا من يهود اصبهان ، واصبهان تقع اليوم فى إيران الشيعية الرافضية ، والذين هم من نسل ابن سبأ اليهودي ، والموضوع فى حاجة لبسط ليس هذا وقته، ولكن قبل أن انتهى فأنا أتبرء من أكثر ما جاء في هذه الحلقات ولا أنصح مسلم بمشاهدتها ، وأرجو إغلاق الموسيقى في الحلقات التي أشرت إليها حتى لاندخل تحت قول الله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }

وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.



وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد  

القاهرة 28 / 9 / 2011                                                     

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

محمد مرسي المعزول !

محمد مرسي المعزول !

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :

فإن ما قام به الجيش المصري من عزل "محمد مرسي العياط" لم يكن انقلاباً على دولة الإسلام، أو نهاية للإسلام في مصر كما يروج البعض! .
لأن كل ما حدث على أرض مصر منذ الخروج الأول المسمى " 25 يناير" ليس للإسلام به تعلق.
فلم يكن يوماً من دين الإسلام " المظاهرات أو الاعتصامات أو العصيان المدني، بل هذه الأمور من سُبل الخروج على الحكام، وهذا محرم في هذا الدين العظيم.
وإنما الذي حدث هو: انهياراٌ لأصول وبدع روج لها وأسسها أهل الأهواء والبدع بين شباب هذه الأمة، فيما أسموه بالمشروع الإسلامي !، إذ صوروا الرسالة التي نزلت على محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمشروع !، كأنهم يتكلمون عن تأسيس حانوت لبيع البقالة ومواد النظافة، وجعلوا أبناء هذه الرسالة الخاتمة أصحاب اتجاه فكري كالعلمانية والشيوعية، فسموهم أبناء التيار الإسلامي!، ثم زادوا في الضلال، فقسموهم إلى إسلاميين و... ( لا ندري ماذا؟ ).
ولهذا كان الفشل والذل والصغار حليف هؤلاء القوم الذين حرفوا، وبدلوا، وابتدعوا، وخالفوا الصراط المستقيم، وفي الأثر : (( ... وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم )).
فليس لدين الإسلام العظيم تعلق بما حدث، وبما كان، وبما هو كاِئن، إذا هو دين الله العظيم، دين المحجة البيضاء الذي لا يضره تلوث بعض أبناءه بالبدع والخرافات والخزعبلات، والأمر لله من قبل ومن بعد.

وإن كان القلب يكاد ينفطر مما أوصل إليه هؤلاء المنحرفون البلاد، إذ أرجعوا "مصر" مرة أخرى إلى زمن المماليك البحرية !، زمن " عز الدين أيبك" و" فارس الدين أقطاي!"و" سيف الدين قطز"و" الظاهر بيبرس!"، تلك الحقبة التي كان يتسلط على البلاد كل عدة شهور حاكم وسلطان جديد!، يلتزم له الناس ببيعة جديدة، وسمع وطاعة .. ثم عدة شهور، ويتسلط على الحكم أخر، ويلتزم الناس بما ألتزمت به في حق الأول!، ويبدأ انقسام الناس إلى مؤيد ومعارض، ويظهر البغض والشحناء بين أبناء الدين الواحد، وربما يتطور الأمر ليصبح حرب أهلية، يقتل فيها الرجل أباه، ويقتل فيها الصاحب صاحبه .. وتعم الفوضى .. وتسعد عين الأعداء .. وتضعف شوكة المسلمين .. وتشد شوكة الكافرين .. ثم يبدؤون في غزونا، فبعد أن كنا نشتكي من حاكم ظالم، يتسلط علينا حاكم كافر! .. { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }،{ وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ }.

وقد قيل:

لا تَعجبوا للظلم يَغْشَى أمةً ......... فتَبوءَ منه بفادح الأثقالِ
ظُلم الرعية كالعقاب لجهلها .......... ألـمُ المريض عقوبةُ الإهمالِ

فبعد أن ظهر في الأمة المصرية منذ شهور طائفة "أسفين يا ريس!" ( أنصار المخلوع!)، ظهور اليوم طائفة "أسفين يا مرسي!" ( أنصار المعزول !)، وغداً تخرج علينا طائفة "أسفين يا ..."( أنصار المنزوع!) .. وهكذا دوليك، مع اتهام كل طائفة للأخرى بالعمالة والنفاق وبيع الوطن ، والعدو الذي زين لنا "حركة 6 أبريل" بالأمس، هو هو من زخرف لنا اليوم " حركة تمرد" ، وسيخرج علينا غداً بحركة جديدة، واسم جديد، ومازالت الأمة تتفسخ وتتفسخ، والأمر لله.

والذي يجادل في أن ما حدث في ثورات "الخريف العربي!" ليس من فعل أعداء الإسلام، فعلية أن يمسك لسانه، ولا يتكلم، إذ هو روبيضة، ليس له الكلام في أمر العامة.
وتربص ونكاية أهل الكفران بأهل الإسلام لا تحتاج إلى تذكير، بيد أنه يخفى على البعض احتراف هؤلاء في ابتكار أساليب جديدة للمكر بالمسلمين بين الحين والأخر، فتراهم في هذه الأزمان يزرعون في الأمم المتناقضات من أجل إسقاطها، والأمر قريب حين تنظر من قريب.

ففي البرتوكول الأول من تلك البرتوكولات التي وضعها يهود لإغراق العالم في الفوضى ثم السيطرة عليه، تجدهم يؤصلون لفكرة العلمانية والدفع لتبني الديمقراطية، إذ يقولون : (( لقد مضى الزمن الذي كانت الديانة فيه هي الحاكمة ( العلمانية )، وإن فكرة الحرية لا يمكن أن تتحقق، إذ ما من أحد يستطيع استعمالها استعمالاً سديداً. يكفي أن يعطي الشعب الحكم الذاتي فترة وجيزة ( الديمقراطية )، لكي يصير هذا الشعب رعاعاً بلا تمييز، ومنذ تلك اللحظة تبدأ المنازعات والاختلافات التي سرعان ما تتفاقم، فتصير معارك اجتماعية، وتندلع النيران في الدول ويزول أثرها كل الزوال.
وسواء أنهكت الدول الهزاهز ( الفتن ) الداخلية أم أسلمتها الحروب الأهلية إلى عدو خارجي، فإنها في كلتا الحالتين تعد قد خربت نهائياً كل الخراب وستقع في قبضتنا)) .

قلت : وإن كان هذا عام لإسقاط جميع الأمم وسهولة السيطرة عليها، إلا أن الأمة المصرية لها فضل تخطيط من هؤلاء .

ففي الإصدار الثاني للكتاب المقدس! لدار الكتاب المقدس بمصر لعام ( 2004 ) ص/ 510، تحت عنوان: ( نبوءة عن مصر ) من سفر إشَعياءَ، تجد هذا النص : (( ... وأهيج مصريين على مصريين، فيحاربون كل واحدٍ أخاهُ وكلُّ واحدٍ صاحبهُ: مدينةٌ مدينةً، ومملكةٌ مملكةً ، وتُهراقُ روح مصر داخلها، وأُفني مشورتها، فيسألون الأوثان والعازفين وأصحاب التوابع والعرافين. وأُغلقُ على المصريينَ في يَدِ مولى قاسٍ فيتسلطُ عليهم ملكٌ عزيزٌ يقول السيد رب الجنود.
وتنشف المياه من البحر، ويجفُّ النهرُ وييبسُ(1). وتنتن الأنهار وتضعف وتجف سواقي مصر، ويتلف القصب والأسلُ . والرياض على النيل على حافة النيل، وكل مزرعة على النيل تيبس وتتبدد ولا تكون. والصيادون يئنون، وكل الذين يلقون شصا في النيل ينوحون، والذين يبسطون شبكة على وجه المياه يحزنون. ويخزى الذين يعملون الكتان الممشط والذين يحيكون الأنسجة البيضاء. وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس! )).

وفي صفحة ( 578) من سفر إرميا ( 46 ) تحت عنوان ( كلام الرب عن مصر ) كلام شبيه، وكذا في صفحة ( 613 ) سفر حزقيال ( 29 ) تحت عنوان ( نبوءة ضد مصر )، و حزقيال (30 ) صفحة ( 614 ) ، وفيه : (( ... ويأتي سيفٌ على مصر ، ويكون في كوشَ خوف شديد، عند سقوط القتلى في مصر، ويأخذون ثروتها وتهدم أسُسها، ... وتنحط كبرياء عزتها. من مجدل إلى أسوان يسقطون فيها بالسيف ...فتفتقر في وسط الأراضي المُقفرة، وتكون مدنها في وسط المدن الخربة، ...ويكسر جميع أعوانها )).

فهذا شيء مما في كتب يهود الذي يعتقدون أنها مقدسة، وأن السعي لتحقيق ما فيها من نبوءات فريضة واجبة، ليهج المصريون بعضهم على بعض، وليخرب النهر، ولتنزع السياسة من أيدي الحكام والساسة ولتجعل في أيدي الجماهير من العوام، لينشغل العوام بدوامة السياسة، وينشغلوا عن العمل والأنتاج، والجمهور بطبيعته بربري في تصرفاته، إذ المسيطر عليه العقل الجماعي، فما أن توضع في يده الحرية ( الديمقراطية ) حتى يمسخها سريعاً إلى فوضى، ولهذا كانت شعارات هذه الثورات المشئومة ( الشعب يريد إسقاط النظام )، فإن سقط النظام حلت الفوضى لا محالة.
فيخربون بيوتهم بأيدهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! .

ومع مرارة الأمر وفظاعته، لكنه لا يخلوا من خير ـ إن شاء الله ـ ، فقد بحت حناجر أهل السنة الخُلصّ من التحذير من أئمة الأهواء والبدع، وشيوخ الفتنة والضلالة، وأنهم أشد خطراً على الأمة من اليهود والنصارى، إذ يُنسب ضلالهم وانحرافهم إلى دين الإسلام العظيم.

وها قد رأتهم الناس على حقيقتهم، من كونهم تجار دماء، وديمقراطيون أشد من الديمقراطيين أنفسهم !، لما وصلوا إلى الحكم تنكروا للشريعة، وحكموا بالقوانين الوضعية، بل هم من وضعوا دستور أول بنوده كانت ( السيادة للشعب ! )، وكانوا يكفرون من قبلهم بأقل من ذلك!.
وأدخلوا نصوص التوراة والإنجيل في منهاج التعليم، فضلاً عن تحرفيهم لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدلاً من : (( من بدل دينه فاقتلوه ))، إلى : (( من بدل دينه فاحترموه ! )).

وأكلهم الربا باسم طبيعة المرحلة!، وإباحة بيع الخمر، وتصريح فتح الكباريهات باسم تسير عجلة الإنتاج !، وتكريم أهل المجون والفسق من الفنانين وغيرهم باسم فقه الواقع!.
فضلاً عن تبنيهم لأهل الزندقة، فلم يُفتح الباب أمام الغزو الشيعي الرافضي الخبيث إلا على أيدي هؤلاء. حتى دخل علينا كبير المجوس "أحمدي نجاد" ـ الذي يرمي أمهات المؤمنين بالفاحشة!، والصحابة بالكفر، والفاروق عمر بما هو معلوم ـ مشيراً لأتباعه من الرافضة الأنجاس بعلامة النصر علينا، نحن أهل السنة.

ولما ظهر للناس انحرافهم وإفلاسهم، وأنه ليس بين أيديهم حجة من الكتاب والسنة، لجئوا إلى سُبل الدراويش والنصارى ـ عياذاً بالله ـ فيخرج علينا " عبد الرحمن عبد البر" ـ مفتي تنظيم الإخوان المفسدين ـ ليقرر لنا أن الحاكم المنتخب مختار من قِبل الله، فمن يقف أمامه يقف أمام الله!.
وأخر : يحدثنا أنه رأى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكتب بيده على قبة البرلمان ـ الديمقراطي ـ لا إله إلا الله محمد رسول الله!.
وثالث : رآه صلى الله عليه وسلم يصلي مؤتماً بالرئيس المنتخب!.
ورابع: يرى جبريل ـ عليه السلام ـ ينزل عليهم في مدينة نصرـ في رابعة العدوية ـ لكي يدرك معهم قيام الليل!.
حتى أنهم لآخرِ لحظة لم يتقوا الله ـ عز وجل ـ في دماء المسلمين، ودفعوا بهم إلى الشوارع دفاعاً عن الشرعية، التي هي الديمقراطية، وليس دفاعاً عن الشريعة، التي هي دين الإسلام.
فالحمد لله الذي أظهر للناس انحرافهم وضلالهم، وأنهم قوم سوء مبتدعة، لا يُنسب شيء من فعلهم إلى الإسلام، إذ الإسلام من أفعالهم براء.
وغفر الله لمن قال : (( أهل الأهواء والبدع أقوام ضربت عليهم الذلة، ولو تمكنوا لبدلوا الملة )) ، فالحمد لله رب العالمين.

وحرف المسألة التي خالف فيها هؤلاء أهل السنة، هي : قاعدة الإصلاح في دين الإسلام لإقامة الدولة الإسلامية ، كيف تكون؟ .

هل تكون بإصلاح الرأس ( الحاكم )، أم بإصلاح القاعدة ( الجماهير ) ؟
وقاعدة الإصلاح التي عليها أهل السنة أتباع منهج السلف، أن الإصلاح يبدأ من القاعدة ( الجماهير )، لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] ، أما أهل الأهواء والبدع فخالفوا وأحدثوا فهما جديدا، بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بحكومتهم!، فكانت النتيجة كلّ هذا الفساد التي تعيشه البلاد.
فالحاكم الصالح في الإسلام هو ثمرة الرعية الصالحة، فالرعية هي الشجرة، والحاكم هو الثمرة، فإن كانت جذور هذه الشجرة طيبة الأصل، صالحة المنبت، كانت ثمرتها طيبة وصالحة، وإن كانت تسقى هذه الجذور من ماء الصرف مثلاً، ما المتوقع الذي تكون عليه الثمرة؟!، فإنها حتى لو خرجت جيدة المنظر، فهي بلا شك خبيثة المذاق والمطعم.
وتأمل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه )) [رواه ابن ماجة، وصححه الشيخ في صحيح الجامع ( 2320 )، ورواه ابن حميد في مسنده بسند أجود].
ولهذا كان من حكمة الرب ـ سبحانه ـ لإصلاح حال العباد، أن منعهم الحاكم الصالح إن كانوا أهل سوء، وذلك بجعل أمر الملك بيده وحده، واقرأ قوله تعالى : {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [ آل عمران : 26 ] .
فالذي يؤتي الملك (الله)، والذي ينزعه (الله)، فإن استقامت العباد ولي عليهم الصالحين، وإن فسدوا تسلط عليهم الظالمين.


فالحاكم صورة الرعية، وكما تكونوا يولى عليكم.


قال ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ : (( وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم ، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم ، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها ، مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم ، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم ، أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم ، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم ، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَة.

فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز ، فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها )) اهـ



قلت : فالجزاء من جنس العمل، والله يقول : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً}[الأنعام:129].

وقال الأعمش: ((إذا فسد الناس أُمّرَ عليهم شِرارُهم )).[الدر المنثور للسيوطي3 / 358 ].

وسمع الحسن البصري رجلاً يدعو على الحجاج، فقال له : (( لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم ، إنما نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير ، فقد روى أن أَعمالَكم عُمَّالُكم ، وكما تكونوا يُولى عليكم ))[ رواه الطبراني].

فهذا فهم السلف لهذه القضية، ولم يعلم قط أن الشرع خرج من رحم الحكم، وإلا كان وافق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عرض المشركين في مكة عندما قالوا: (( إذا أردت ملكاً ملكناك ))، فرفض، لأن هذا العرض فيه تنازل عن بعض أصول الإسلام، وكانت القاعدة الإيمانية لأبناء الدولة الإسلامية لم تكن قد بنيت بعدُ، وكذلك موسى عليه السلام كان بإمكانه الرجوع إلى قصر فرعون بعد هلاك فرعون وجنوده، وأن ينشر الشريعة وهو في سدة الحكم، ومع ذلك لم يفعل، لأنه خلاف سنن الله في خلقه.
وحال النجاشي لا يخفى!، هذا الرجل مدحه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ووصفه بالعدل وذلك حال كفره، فما بالك بعد أن أسلم؟!، ومع ذلك مات ولم يوجد في أرضه مسلم يصلى عليه صلاة الجنازة بعد موته، وقد كان هو ملك البلاد، ولم يستطع إدخال غيره في الإسلام، فضلاً عن تطبيق الشرع.


فأي مخالفة لهذه السنة الكونية، لا ينتج عنها غير الدمار والفساد.
فاستبدال الحاكم الظالم بأخر صالح لا يكون إلا بتوبة الرعية، واستقامتها على أمر الله، وإلا...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية) : (( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته، والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان ولا أمر بقتال الباغين ابتداء )).

وعليه: فإن تمسك المسلمون بقاعدة أهل السنة في الإصلاح، فأصلحوا من أنفسهم أولاً، منَّ الله عليهم بالحاكم الصالح الذي يطبق فيهم شرع ربهم، وإن خالفوا واتبعوا السُبل لم يتولد عن هذا إلا مزيد من الفساد والدمار، نسأل الله العفو والعافية.


والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلا لـهُ عَمَـدٌ......................ولا عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ................ ... .وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ...... ........ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا
تُلفَى الأمورُ بأهلِ الرشْدِ ما صَلَحَت..... ..... ...فـإنْ تَوَلـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ
إذا تَولـى سَـراةُ القـومِ أَمْرَهُـمُ............. .....نَما على ذاك أَمْرُ القـومِ فـازْدادُوا



وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 25 شعبان 1434
4 / 7 / 2013

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : لعله يُعلم الآن من وراء سد النهضة في أثيوبيا، ويفهم من لا يعلم أن من أراد فهم السياسة فعليه فهم دينه أولاً.