إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

محمد مرسي المعزول !

محمد مرسي المعزول !

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :

فإن ما قام به الجيش المصري من عزل "محمد مرسي العياط" لم يكن انقلاباً على دولة الإسلام، أو نهاية للإسلام في مصر كما يروج البعض! .
لأن كل ما حدث على أرض مصر منذ الخروج الأول المسمى " 25 يناير" ليس للإسلام به تعلق.
فلم يكن يوماً من دين الإسلام " المظاهرات أو الاعتصامات أو العصيان المدني، بل هذه الأمور من سُبل الخروج على الحكام، وهذا محرم في هذا الدين العظيم.
وإنما الذي حدث هو: انهياراٌ لأصول وبدع روج لها وأسسها أهل الأهواء والبدع بين شباب هذه الأمة، فيما أسموه بالمشروع الإسلامي !، إذ صوروا الرسالة التي نزلت على محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمشروع !، كأنهم يتكلمون عن تأسيس حانوت لبيع البقالة ومواد النظافة، وجعلوا أبناء هذه الرسالة الخاتمة أصحاب اتجاه فكري كالعلمانية والشيوعية، فسموهم أبناء التيار الإسلامي!، ثم زادوا في الضلال، فقسموهم إلى إسلاميين و... ( لا ندري ماذا؟ ).
ولهذا كان الفشل والذل والصغار حليف هؤلاء القوم الذين حرفوا، وبدلوا، وابتدعوا، وخالفوا الصراط المستقيم، وفي الأثر : (( ... وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم )).
فليس لدين الإسلام العظيم تعلق بما حدث، وبما كان، وبما هو كاِئن، إذا هو دين الله العظيم، دين المحجة البيضاء الذي لا يضره تلوث بعض أبناءه بالبدع والخرافات والخزعبلات، والأمر لله من قبل ومن بعد.

وإن كان القلب يكاد ينفطر مما أوصل إليه هؤلاء المنحرفون البلاد، إذ أرجعوا "مصر" مرة أخرى إلى زمن المماليك البحرية !، زمن " عز الدين أيبك" و" فارس الدين أقطاي!"و" سيف الدين قطز"و" الظاهر بيبرس!"، تلك الحقبة التي كان يتسلط على البلاد كل عدة شهور حاكم وسلطان جديد!، يلتزم له الناس ببيعة جديدة، وسمع وطاعة .. ثم عدة شهور، ويتسلط على الحكم أخر، ويلتزم الناس بما ألتزمت به في حق الأول!، ويبدأ انقسام الناس إلى مؤيد ومعارض، ويظهر البغض والشحناء بين أبناء الدين الواحد، وربما يتطور الأمر ليصبح حرب أهلية، يقتل فيها الرجل أباه، ويقتل فيها الصاحب صاحبه .. وتعم الفوضى .. وتسعد عين الأعداء .. وتضعف شوكة المسلمين .. وتشد شوكة الكافرين .. ثم يبدؤون في غزونا، فبعد أن كنا نشتكي من حاكم ظالم، يتسلط علينا حاكم كافر! .. { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }،{ وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ }.

وقد قيل:

لا تَعجبوا للظلم يَغْشَى أمةً ......... فتَبوءَ منه بفادح الأثقالِ
ظُلم الرعية كالعقاب لجهلها .......... ألـمُ المريض عقوبةُ الإهمالِ

فبعد أن ظهر في الأمة المصرية منذ شهور طائفة "أسفين يا ريس!" ( أنصار المخلوع!)، ظهور اليوم طائفة "أسفين يا مرسي!" ( أنصار المعزول !)، وغداً تخرج علينا طائفة "أسفين يا ..."( أنصار المنزوع!) .. وهكذا دوليك، مع اتهام كل طائفة للأخرى بالعمالة والنفاق وبيع الوطن ، والعدو الذي زين لنا "حركة 6 أبريل" بالأمس، هو هو من زخرف لنا اليوم " حركة تمرد" ، وسيخرج علينا غداً بحركة جديدة، واسم جديد، ومازالت الأمة تتفسخ وتتفسخ، والأمر لله.

والذي يجادل في أن ما حدث في ثورات "الخريف العربي!" ليس من فعل أعداء الإسلام، فعلية أن يمسك لسانه، ولا يتكلم، إذ هو روبيضة، ليس له الكلام في أمر العامة.
وتربص ونكاية أهل الكفران بأهل الإسلام لا تحتاج إلى تذكير، بيد أنه يخفى على البعض احتراف هؤلاء في ابتكار أساليب جديدة للمكر بالمسلمين بين الحين والأخر، فتراهم في هذه الأزمان يزرعون في الأمم المتناقضات من أجل إسقاطها، والأمر قريب حين تنظر من قريب.

ففي البرتوكول الأول من تلك البرتوكولات التي وضعها يهود لإغراق العالم في الفوضى ثم السيطرة عليه، تجدهم يؤصلون لفكرة العلمانية والدفع لتبني الديمقراطية، إذ يقولون : (( لقد مضى الزمن الذي كانت الديانة فيه هي الحاكمة ( العلمانية )، وإن فكرة الحرية لا يمكن أن تتحقق، إذ ما من أحد يستطيع استعمالها استعمالاً سديداً. يكفي أن يعطي الشعب الحكم الذاتي فترة وجيزة ( الديمقراطية )، لكي يصير هذا الشعب رعاعاً بلا تمييز، ومنذ تلك اللحظة تبدأ المنازعات والاختلافات التي سرعان ما تتفاقم، فتصير معارك اجتماعية، وتندلع النيران في الدول ويزول أثرها كل الزوال.
وسواء أنهكت الدول الهزاهز ( الفتن ) الداخلية أم أسلمتها الحروب الأهلية إلى عدو خارجي، فإنها في كلتا الحالتين تعد قد خربت نهائياً كل الخراب وستقع في قبضتنا)) .

قلت : وإن كان هذا عام لإسقاط جميع الأمم وسهولة السيطرة عليها، إلا أن الأمة المصرية لها فضل تخطيط من هؤلاء .

ففي الإصدار الثاني للكتاب المقدس! لدار الكتاب المقدس بمصر لعام ( 2004 ) ص/ 510، تحت عنوان: ( نبوءة عن مصر ) من سفر إشَعياءَ، تجد هذا النص : (( ... وأهيج مصريين على مصريين، فيحاربون كل واحدٍ أخاهُ وكلُّ واحدٍ صاحبهُ: مدينةٌ مدينةً، ومملكةٌ مملكةً ، وتُهراقُ روح مصر داخلها، وأُفني مشورتها، فيسألون الأوثان والعازفين وأصحاب التوابع والعرافين. وأُغلقُ على المصريينَ في يَدِ مولى قاسٍ فيتسلطُ عليهم ملكٌ عزيزٌ يقول السيد رب الجنود.
وتنشف المياه من البحر، ويجفُّ النهرُ وييبسُ(1). وتنتن الأنهار وتضعف وتجف سواقي مصر، ويتلف القصب والأسلُ . والرياض على النيل على حافة النيل، وكل مزرعة على النيل تيبس وتتبدد ولا تكون. والصيادون يئنون، وكل الذين يلقون شصا في النيل ينوحون، والذين يبسطون شبكة على وجه المياه يحزنون. ويخزى الذين يعملون الكتان الممشط والذين يحيكون الأنسجة البيضاء. وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس! )).

وفي صفحة ( 578) من سفر إرميا ( 46 ) تحت عنوان ( كلام الرب عن مصر ) كلام شبيه، وكذا في صفحة ( 613 ) سفر حزقيال ( 29 ) تحت عنوان ( نبوءة ضد مصر )، و حزقيال (30 ) صفحة ( 614 ) ، وفيه : (( ... ويأتي سيفٌ على مصر ، ويكون في كوشَ خوف شديد، عند سقوط القتلى في مصر، ويأخذون ثروتها وتهدم أسُسها، ... وتنحط كبرياء عزتها. من مجدل إلى أسوان يسقطون فيها بالسيف ...فتفتقر في وسط الأراضي المُقفرة، وتكون مدنها في وسط المدن الخربة، ...ويكسر جميع أعوانها )).

فهذا شيء مما في كتب يهود الذي يعتقدون أنها مقدسة، وأن السعي لتحقيق ما فيها من نبوءات فريضة واجبة، ليهج المصريون بعضهم على بعض، وليخرب النهر، ولتنزع السياسة من أيدي الحكام والساسة ولتجعل في أيدي الجماهير من العوام، لينشغل العوام بدوامة السياسة، وينشغلوا عن العمل والأنتاج، والجمهور بطبيعته بربري في تصرفاته، إذ المسيطر عليه العقل الجماعي، فما أن توضع في يده الحرية ( الديمقراطية ) حتى يمسخها سريعاً إلى فوضى، ولهذا كانت شعارات هذه الثورات المشئومة ( الشعب يريد إسقاط النظام )، فإن سقط النظام حلت الفوضى لا محالة.
فيخربون بيوتهم بأيدهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! .

ومع مرارة الأمر وفظاعته، لكنه لا يخلوا من خير ـ إن شاء الله ـ ، فقد بحت حناجر أهل السنة الخُلصّ من التحذير من أئمة الأهواء والبدع، وشيوخ الفتنة والضلالة، وأنهم أشد خطراً على الأمة من اليهود والنصارى، إذ يُنسب ضلالهم وانحرافهم إلى دين الإسلام العظيم.

وها قد رأتهم الناس على حقيقتهم، من كونهم تجار دماء، وديمقراطيون أشد من الديمقراطيين أنفسهم !، لما وصلوا إلى الحكم تنكروا للشريعة، وحكموا بالقوانين الوضعية، بل هم من وضعوا دستور أول بنوده كانت ( السيادة للشعب ! )، وكانوا يكفرون من قبلهم بأقل من ذلك!.
وأدخلوا نصوص التوراة والإنجيل في منهاج التعليم، فضلاً عن تحرفيهم لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدلاً من : (( من بدل دينه فاقتلوه ))، إلى : (( من بدل دينه فاحترموه ! )).

وأكلهم الربا باسم طبيعة المرحلة!، وإباحة بيع الخمر، وتصريح فتح الكباريهات باسم تسير عجلة الإنتاج !، وتكريم أهل المجون والفسق من الفنانين وغيرهم باسم فقه الواقع!.
فضلاً عن تبنيهم لأهل الزندقة، فلم يُفتح الباب أمام الغزو الشيعي الرافضي الخبيث إلا على أيدي هؤلاء. حتى دخل علينا كبير المجوس "أحمدي نجاد" ـ الذي يرمي أمهات المؤمنين بالفاحشة!، والصحابة بالكفر، والفاروق عمر بما هو معلوم ـ مشيراً لأتباعه من الرافضة الأنجاس بعلامة النصر علينا، نحن أهل السنة.

ولما ظهر للناس انحرافهم وإفلاسهم، وأنه ليس بين أيديهم حجة من الكتاب والسنة، لجئوا إلى سُبل الدراويش والنصارى ـ عياذاً بالله ـ فيخرج علينا " عبد الرحمن عبد البر" ـ مفتي تنظيم الإخوان المفسدين ـ ليقرر لنا أن الحاكم المنتخب مختار من قِبل الله، فمن يقف أمامه يقف أمام الله!.
وأخر : يحدثنا أنه رأى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكتب بيده على قبة البرلمان ـ الديمقراطي ـ لا إله إلا الله محمد رسول الله!.
وثالث : رآه صلى الله عليه وسلم يصلي مؤتماً بالرئيس المنتخب!.
ورابع: يرى جبريل ـ عليه السلام ـ ينزل عليهم في مدينة نصرـ في رابعة العدوية ـ لكي يدرك معهم قيام الليل!.
حتى أنهم لآخرِ لحظة لم يتقوا الله ـ عز وجل ـ في دماء المسلمين، ودفعوا بهم إلى الشوارع دفاعاً عن الشرعية، التي هي الديمقراطية، وليس دفاعاً عن الشريعة، التي هي دين الإسلام.
فالحمد لله الذي أظهر للناس انحرافهم وضلالهم، وأنهم قوم سوء مبتدعة، لا يُنسب شيء من فعلهم إلى الإسلام، إذ الإسلام من أفعالهم براء.
وغفر الله لمن قال : (( أهل الأهواء والبدع أقوام ضربت عليهم الذلة، ولو تمكنوا لبدلوا الملة )) ، فالحمد لله رب العالمين.

وحرف المسألة التي خالف فيها هؤلاء أهل السنة، هي : قاعدة الإصلاح في دين الإسلام لإقامة الدولة الإسلامية ، كيف تكون؟ .

هل تكون بإصلاح الرأس ( الحاكم )، أم بإصلاح القاعدة ( الجماهير ) ؟
وقاعدة الإصلاح التي عليها أهل السنة أتباع منهج السلف، أن الإصلاح يبدأ من القاعدة ( الجماهير )، لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] ، أما أهل الأهواء والبدع فخالفوا وأحدثوا فهما جديدا، بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بحكومتهم!، فكانت النتيجة كلّ هذا الفساد التي تعيشه البلاد.
فالحاكم الصالح في الإسلام هو ثمرة الرعية الصالحة، فالرعية هي الشجرة، والحاكم هو الثمرة، فإن كانت جذور هذه الشجرة طيبة الأصل، صالحة المنبت، كانت ثمرتها طيبة وصالحة، وإن كانت تسقى هذه الجذور من ماء الصرف مثلاً، ما المتوقع الذي تكون عليه الثمرة؟!، فإنها حتى لو خرجت جيدة المنظر، فهي بلا شك خبيثة المذاق والمطعم.
وتأمل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه )) [رواه ابن ماجة، وصححه الشيخ في صحيح الجامع ( 2320 )، ورواه ابن حميد في مسنده بسند أجود].
ولهذا كان من حكمة الرب ـ سبحانه ـ لإصلاح حال العباد، أن منعهم الحاكم الصالح إن كانوا أهل سوء، وذلك بجعل أمر الملك بيده وحده، واقرأ قوله تعالى : {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [ آل عمران : 26 ] .
فالذي يؤتي الملك (الله)، والذي ينزعه (الله)، فإن استقامت العباد ولي عليهم الصالحين، وإن فسدوا تسلط عليهم الظالمين.


فالحاكم صورة الرعية، وكما تكونوا يولى عليكم.


قال ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ : (( وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم ، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم ، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها ، مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم ، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم ، أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم ، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم ، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَة.

فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز ، فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها )) اهـ



قلت : فالجزاء من جنس العمل، والله يقول : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً}[الأنعام:129].

وقال الأعمش: ((إذا فسد الناس أُمّرَ عليهم شِرارُهم )).[الدر المنثور للسيوطي3 / 358 ].

وسمع الحسن البصري رجلاً يدعو على الحجاج، فقال له : (( لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم ، إنما نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير ، فقد روى أن أَعمالَكم عُمَّالُكم ، وكما تكونوا يُولى عليكم ))[ رواه الطبراني].

فهذا فهم السلف لهذه القضية، ولم يعلم قط أن الشرع خرج من رحم الحكم، وإلا كان وافق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عرض المشركين في مكة عندما قالوا: (( إذا أردت ملكاً ملكناك ))، فرفض، لأن هذا العرض فيه تنازل عن بعض أصول الإسلام، وكانت القاعدة الإيمانية لأبناء الدولة الإسلامية لم تكن قد بنيت بعدُ، وكذلك موسى عليه السلام كان بإمكانه الرجوع إلى قصر فرعون بعد هلاك فرعون وجنوده، وأن ينشر الشريعة وهو في سدة الحكم، ومع ذلك لم يفعل، لأنه خلاف سنن الله في خلقه.
وحال النجاشي لا يخفى!، هذا الرجل مدحه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ووصفه بالعدل وذلك حال كفره، فما بالك بعد أن أسلم؟!، ومع ذلك مات ولم يوجد في أرضه مسلم يصلى عليه صلاة الجنازة بعد موته، وقد كان هو ملك البلاد، ولم يستطع إدخال غيره في الإسلام، فضلاً عن تطبيق الشرع.


فأي مخالفة لهذه السنة الكونية، لا ينتج عنها غير الدمار والفساد.
فاستبدال الحاكم الظالم بأخر صالح لا يكون إلا بتوبة الرعية، واستقامتها على أمر الله، وإلا...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية) : (( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته، والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان ولا أمر بقتال الباغين ابتداء )).

وعليه: فإن تمسك المسلمون بقاعدة أهل السنة في الإصلاح، فأصلحوا من أنفسهم أولاً، منَّ الله عليهم بالحاكم الصالح الذي يطبق فيهم شرع ربهم، وإن خالفوا واتبعوا السُبل لم يتولد عن هذا إلا مزيد من الفساد والدمار، نسأل الله العفو والعافية.


والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلا لـهُ عَمَـدٌ......................ولا عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ................ ... .وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ...... ........ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا
تُلفَى الأمورُ بأهلِ الرشْدِ ما صَلَحَت..... ..... ...فـإنْ تَوَلـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ
إذا تَولـى سَـراةُ القـومِ أَمْرَهُـمُ............. .....نَما على ذاك أَمْرُ القـومِ فـازْدادُوا



وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 25 شعبان 1434
4 / 7 / 2013

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : لعله يُعلم الآن من وراء سد النهضة في أثيوبيا، ويفهم من لا يعلم أن من أراد فهم السياسة فعليه فهم دينه أولاً.

هناك 4 تعليقات: