إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 13 أكتوبر 2013

العيد بين الإتباع والابتداع

العيد بين الإتباع والابتداع 
 
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

 
عن أنس بن مالك قال :كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة قال: " كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى" . [أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما، وصححه الألباني في الصحيحة  ( 2021 )].

قلت: ففي هذا الحديث بيان أنه ليس في الإسلام أعياد إلا يوم الفطر ويوم الأضحى، وما سواهما مما يحتفل به الناس هو من جملة البدع والمحدثات وإن نسبت إلى الشرع! كالاحتفال بيوم رأس السنة الهجرية، والاحتفال بيوم مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وغيرهما.
وخلاصة الأمر: أن كل عيد ليس فيه خطبة وصلاة، فهو محدث مبتدع على خلاف السنة. 

ولعل الحكمة من الاحتفال بالعيد هو الفرح بمغفرة الرب ـ سبحانه ـ لذنوب العباد، فالعيد لا يأتي إلا بعد يوم يغفر فيه الغفار الرحيم لعباده المذنبين، فيوم الفطر يأتي بعد ليلة القدر، والتي قال فيها نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "   من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". [ أخرجاه في الصحيحين]، ويوم الأضحى يأتي بعد يوم عرفة، والذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده". [رواه مسلم].

وللعيد أحكام وسنن يتوجب على المسلم تعلمها حتى لا يأثم من حيث يريد الثواب!.
  • فكان من هدي نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يقدم زكاة الفطر على الصلاة في عيد الفطر متأولا قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبّهِ فصلى } [ الأعلى : 14]، وقال: "زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" [أخرجه أبو داود وحسنه ابن قدامة والنووي والألباني]، وكان يؤخر الذبح إلى بعد الصلاة يوم الأضحى متأولا قوله تعالى: {فصلي لربك وأنحر} [الكوثر]، وقال: " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك، فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح، فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء ". [متفق عليه].
         فمن ذبح قبل الصلاة فأنه لم يضحي (وقد قيل ما سميت الأضحية بهذا الاسم إلا لأنها تذبح ساعة الضحى)، وهكذا كل من خالف هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضاع عليه ثواب عمله ورد عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "، يعني: مردود على صاحبه.
  • وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا"(1)، وكان لا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته" [رواه أحمد وصححه الألباني].
  • وكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يذهب إلى مصلى العيد ماشيا(2)، وأنه إذا ذهب من طريق عاد من غيره، قال جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، :" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ". [رواه البخاري]، وقيل الحكمة من ذلك: ليسلم على أهل الطريقين، وليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله، ولتكثر شهادة البقاع، و... [زاد المعاد ( 1/432 )].
  • وكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يكبر وهو في طريقه إلى المصلى، قال الزهري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة فإذا قضى الصلاة قطع التكبير "[ رواه ابن أبي شيبة، وقال الألباني في إرواء الغليل: الحديث صحيح عندي موقوفا ومرفوعا والله أعلم ].
وقال البغوي: "ومن السنة إظهار التكبير ليلتي العيدين مقيمين وسفرا في منازلهم، ومساجدهم، وأسواقهم، وبعد الغدو في الطريق، وبالمصلى إلى أن يحضر الإمام".[ شرح السنة ( 4/309 )].

والجمهور على أن التكبير في العيد سنة مؤكدة في حق الرجال والنساء، ولا يشرع فيه أن يكون بصوت واحد، أو أن يكبر
أحدهم في المذياع والباقي يردد خلفه!، قال الألباني ـ رحمه الله ـ  في الصحيحة: " ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة: أن الجهر بالتكبير هنا لا يُشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض، وكذلك كل ذكر يُشرع فيه رفع الصوت أو لا يُشرع، فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور ... فلنكن في حذر من ذلك ولنذكر دائما قوله صلى الله عليه وسلم : "وخير الهدي هدي محمد" ".اهـ

قلت: وقد صح عن جماعة من الأصحاب ـ عليهم الرضوان ـ عدة صيغ في التكبير في العيد، فكان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ، يقول: "الله أكبر الله أكبر، لا أله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"[رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح]
وروى البيهقي بسند صحيح ( 3 / 315 ) عن ابن عباس بتثليث التكبير "الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، لا أله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"  وفي رواية: "
الله أكبر وأجل الله أكبر على ما هدانا "[انظر الإرواء (3 / 125 )].

 ولا يصح أي صيغة من هذه الصيغ مرفوعة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
 هذا؛ ويجب اجتناب الصيغة المشهورة " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ... صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، فهذه الصيغة فيها نكارة في هذا الموضع ، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة كبر قريباً من هذه الصيغة. [انظر صحيح الجامع (4769)].

  • وكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ دخل المصلى لم يصل إلا ركعتي العيد فقط، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلى يوم العيد ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي قرطها" [رواه البخاري].
  • فليس من السنة صلاة ركعتين عند دخول المصلى على أنهما تحية دخول المسجد!، فالمصلى بخلاف المسجد.
  • وفي الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يخص النساء بموعظة يوم العيد.. فقد أمرهن بالخروج إلى صلاة العيد وإن لم يكن عليهن صلاة!، عن أم عطية ، قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين" [رواه مسلم].
فالحيض والنفساء ليس عليهن صلاة ومع ذلك أمرهن بالخروج إلى المصلى ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وقيل لتكثير سواد المسلمين وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين والمنافقين، ولا يعلم أنه أمرهن بالخروج إلا في هذا الموضع، فمن سلف من أخرج نساء المسلمين في المظاهرات والاعتصامات سوى الخوارج؟!
هذا؛ والذي أمرهن بالخروج في هذا اليوم، هو من أمرهن أن يخرجن تفلات غير متعطرات ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات"، وقال: " أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية".

  • ثم إذا شرع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصلاة أقام الصفوف بلا أذان أو إقامة(3).
  • وكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات(ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات)، فإذا انصرف من صلاته أقبل على الناس يعظهم وهم جلوس وهو واقف على الأرض من غير منبر، وتكون خطبته واحدة بخلاف خطبة الجمعة، تبدأ بالحمد كسائر خطبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فمن بدأ خطبته بالتكبير فقد أساء وأحدث.
  • وقال بعض العلماء: أنه من فقه الخطيب تأخير الصلاة يوم الفطر حتى يعطى الفرصة لمن لم يخرج الزكاة أن يخرجها، وأن يخفف خطبة يوم الأضحى حتى يُسرع من كانت له أضحية في الذبح.
  • ومن جملة ما أحدثه الناس تزيين مصلى العيد بالبالونات وما شابه، فهذا لا يعلم من السنة، وأقبح منه تزيين المساجد في هذا اليوم.
  • أما التهنئة بالعيد، فقد سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ:"عِيدُك مُبَارَكٌ"وَمَا أَشْبَهَهُ، هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَمَا الَّذِي يُقَالُ؟ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ.
فأجاب: أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ، الْأَئِمَّةُ، كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: أَنَا لَا أَبْتَدِئُ أَحَدًا، فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته، وَذَلِكَ لِأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا، وَلَا هُوَ أَيْضًا مَا نُهِيَ عَنْهُ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفتاوى الكبرى( 2 / 371)].
 

  • وكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الأضحى أن يبدأ النحر بعد الصلاة مباشرة، فعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ ، قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء" .[ متفق على صحته].
ويعد الذبح وإراقة دماء الأضاحي من أعظم القربات إلى الله ـ تعالى ـ ، وهو من الخطوط الفاصلة بين التوحيد والشرك، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ العالمين ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين } [ الأنعام: 162 ].

  • وللذبح سنن سنها لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ ، فعن شداد بن أوس ، قال : ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، فليرح ذبيحته ".[رواه مسلم].
فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نحسن الذبح،  وهو من الإحسان الذي كتبه الله ـ عز وجل ـ على كل شيء، ويكون بحد الشفرة، وهي السكين التي يُذبح بها، فتسن حتى تصبح قريبة من الموسى تجري في اللحم الحي، وليس من الإحسان في شيء أن تسن السكين أمام الذبيحة وهي تنظر!، ، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ  أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أتريد أن تميتها موتات هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها". [أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الألباني].

فمن أراد الإحسان في الذبح ..فليحد الشفرة، وليرح الذبيحة، وقيل أراحتها تكون بأن يزيل ما تحتها من الأحجار والأشواك، وأن يعرض عليها الماء قبل الذبح، وأن لا يريها السكين، أو أن تذبح في مكان فيه دماء أو بقايا أعضاء لذبيحة أخرى، وأن لا تذبح أمام أخرى، وأن يكبر ويسمي وهو يضجعها على الأرض.

وهذا الأمور ربما استهان بها البعض، فتراه يقع في بلاء وعناء شديد لمخالفته السنة، فتهيج الدابة وتهرب منهم، وربما جرحت أحدهم أو قتلته!، وكل ذلك لمخالفة السنة، فأن تلك الدواب مسخرة لنا ومذللة، كما قال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 71-72 ].
فهذه الأنعام مأمورة من الله ـ عز وجل ـ بالطاعة لبني آدم شريطة التزام السنة، ومن عجيب ما قرأت ما ذكره المجد في المنتقى أن رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ  لما أراد أن ينحر الإبل في منى تسابقت إليه أيتها ينحر أولاً .. كأنها تعلم أن التولي يوم الزحف حرام!.

  • وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين عظيمين (موجوءين) [متفق عليه]، والكبش الأملح هو : ما كان بياضه أكثر من سواده.
وهناك أربع لا يجزين في الأضاحي : العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء (الهزيلة) التي لا تنقي (لا عقل لها).فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.
هذا؛ نسأل الله أن يبارك لنا وعلينا، وأن لا يأتي علينا العيد إلا وقد غفر لنا وللمسلمين أنه هو الغفار الكريم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.       
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 8 ذي الحجة 1434 هـ
13 / 10 / 2013 م



الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1):  رواه البخاري، وهذه السنة خاصة بعيد الفطر فقط.
قال سائل للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ :
سمعت أن الصائم عند إفطاره يجب أن يفطر على عدد فردي من التمر أي خمس أو سبع تمرات وهكذا. فهل هذا واجب؟
فأجاب الشيخ : ليس بواجب, بل ولا سنة أن يفطر الإنسان على وتر ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع , إلا يوم العيد , عيد الفطر , فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً , وما سوى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقصد أن يكون أكله التمر وتراً. [برنامج نور على الدرب شريط354 ].
(2): صلاة العيد تكون في الخلاء ولا تصلى في المساجد إلا لعذر، قال الألباني: " ثم إن هذه السنة - سنة الصلاة في الصحراء - لها حكمة عظيمة بالغة : أن يكون للمسلمين يومان في السنة يجتمع فيها أهل كل بلدة رجالا ونساء وصبيانا . يتوجهون إلى الله بقلوبهم تجمعهم كلمة واحدة ويصلون خلف إمام واحد يكبرون ويهللون ويدعون الله مخلصين كأنهم على قلب رجل واحد فرحين مستبشرين بنعمة الله عليهم فيكون العيد عندهم عيداً.
 وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج النساء لصلاة العيد مع الناس ولم يستثن منهن أحدا حتى أنه لم يرخص لمن لم يكن عندها ما تلبس في خروجها بل أمر أن تستعير ثوبا من غيرها وحتى أنه أمر من كان عندهن عذر يمنعهن الصلاة بالخروج إلى المصلى " ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ".اهـ
قلت: وقد أحدث وابتدع أناس في هذه الأزمان فتراهم لا يصلون العيد إلا في المسجد ويقاتلون على هذا الأمر المحدث، في الوقت الذي يصلون فيه الجمع في الميادين كما يمليه عليهم فقه المظاهرات!.

(3): وليس من ألفاظ إقامة الصفوف قولهم: استقيموا  .




الأحد، 6 أكتوبر 2013

الرئيس السادات .. وخوارج العصر!

الرئيس السادات .. وخوارج العصر!


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
افترقت هذه الأمة إلى اثنتين وسبعين فرقة هالكة، وفرقة واحدة ناجية .
وهذه الفرق الهالكة ضلت كل واحدة منها في باب من أبوب الاعتقاد، وأغلبها ضلّ في مسائل الإيمان، فرفعت الإيمان عن أقوام، ونسبت الكفر لأخريين، ورأت ما ليس بمكفر مكفراً.
وتعد فرقة الخوارج من أخبث هذه الفرق ، إذ أن النفسية الخارجية لا ترى معاصي ومخالفات الحكام إلا كفراً، ولهذا تستحل قتالهم .. فَيعُم الفساد وتضيع البلاد.. ويهلك العباد!
ولعل الرئيس " محمد أنور السادات " ـ رحمه الله ـ من أشهر الأمثلة المعاصرة التي كفرها الخوارج ثم استحلوا دمه بعدها.

وأشهر ما قام عليه بوق التكفير في قصة السادات .. هو عقده لصلح واتفاقية مع يهود، فعد القوم هذا الفعل من الكفر البواح، والردة الظاهرة، التي تستوجب إقامة الحد على فاعلها!.
قال عمر التلمساني: " لقد عارضه الإخوان المسلمون في أسوأ غلطة أساءت إلى تاريخه وهي معاهدة السلام، عارضوا مبادرته إلى القدس، ووثيقتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام وعارضوه وحدهم دون غيرهم من الأحزاب والجماعات، من أول خطاها في هذا الطريق الضار الخطير" [ أيام مع السادات ص / 108 ].  

مع أنه صح في السنة الصحيحة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقد صلح الحديبية مع مشركي مكة، واتفق مع يهود على أمور، فلعلهم يكفرون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا الفعل!، كما رمى جدهم الأكبر نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشرك!، فقال كما عند البخاري عندما آثر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أناسا في القسمة من غنائم حنين : " والله ما أراد محمد بهذا وجه الله!!"، فلهم سلف ولكل قوم وارث!.

والعجيب أنهم في الوقت الذي يكفرون فيه الحكام لعقدهم لمثل هذه المعاهدات، يرون هذا الفعل هو عين الحكمة وقمة الدهاء إن صدر من أحد قادتهم (مع أنهم مطاريد في الجبال وليس لهم من الأمر شيئ) ، قال" أسامة بن لادن " الخارجي الخبيث ـ قبحه الله ـ في مقابلته مع قناة الجزيرة بتاريخ 19 / 12 / 1426 ه: (( ولا مانع من إجابتكم إلى هدنة طويلة الأمد بشروط عادلة نفي بها، فنحن أمة حرم الله علينا الغدر والكذب، لينعم في هذه الهدنة الطرفان بالأمن والاستقرار، ولنبني العراق وأفغانستان الذيْن دمرتهما الحرب )) اهـ

فهذا الذي كفروا به السادات هو عين الحكمة عند ابن لادن!!
وذهبوا إلى تكفير السادات أيضاً لكلمة خرجت منه في أحد خطبه قال فيها: " لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"
ومع أن هذه كلمة مجملة محتملة ينفي ظاهرها باقي كلامه، إذ كان دائماً يقول: " الإسلام دين ودولة " وعندما تطاول نصارى المهجر العلمانيين، قال لهم: " أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة " ، وحادثة عزله لشنودة وإذلاله أشهر من أن تُذكر.

مع أنه بين ماذا يريد بكلمته السابقة عندما قال: " الإخوان المسلمين عاملين نفسهم الناس اللي واقفين بعيد وبتوع الدين وبس، وساعة ما نقول: "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة".. يقولوا: أبداً.. الدين سياسة والإسلام دين ودولة.. آه دين ودولة صح، لكن أن تفرض وصاية على مصر باسم الدين على طريقة الخميني كما يكتبوا الآن.. لا.. إنه يتقتل في مصر 900(قتيل) زي الخميني ما عمل في شهر علشان الثورة الإسلامية.. لا دي ثورة إسلامية ولا ده إسلام". اهـ [جريدة الأهرام بتاريخ 15/9/1981].

قلت: فقد وضح ما كان يقصد ـ رحمه الله ـ هو عدم استغلال الدين للوصول إلى مآرب سياسية ، على طريقة إمام الضلالة الخميني ، وقد كان الإخوان حينها من أشد مؤيدي ثورة الخميني ، حتى أنه قيل أن أحدى شعاراتهم التي رفعوها في هذا الوقت كان مكتوباً عليها: (( ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في طهران!)).

وكان السادات يعلم أن الإخوان تعمل بنفس أصول الخميني الشيعي الرافضي الخبيث ، فقال: " لما جت (أتت) سنة 70 م طلَعت الإخوان المسلمين من السجن، رجعتهم إلى وظائفهم، صرفوا لهم فرق المهاية (الراتب) التي كانوا معينيين عليها .. فأنا اعتقدت إن الموضوع خلاص اصفى وانتهى. طلعوا بيعملوا بالتقية. بس التقية ليست عندنا نحن المسلمين السنة. التقية مش (ليست) عند السنة أبدا. إن تكلم بلسان وإللي في قلبك حاجة ثانية . لا ما عندناش (ليس عندنا) كده". اهـ

قلت: فالرجل يقول أنه مسلم ،وأنه رئيس دولة مسلمة، وأنه من أهل السنة، ويحاول رفع الظلم عن تنظيم الإخوان المسلمين مع علمه جيداً أن هذا التنظيم هو أصل كل التنظيمات المعاصرة، فقد قال بالحرف: " أول ما حا أبدأ به عملية استغلال الدين.. هيه إيه القصة بتاعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية اللي ظهرت أخيراً؟؟ الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية شئ واحد.. بل الجماعات الإسلامية هي نقدر نقول عليها التنظيم السري الجديد للإخوان المسلمين" . اهـ

ومع ذلك رد عنهم المظالم، وأخرجهم من السجون، وجعلهم يمارسون الدعوة بكل حرية، مما دفع المرشد العام للإخوان " عمر التلمساني" أن يقول: " كان البعض يعاتبني لما قلت له: إني أتمنى أن يطول عهد حكمك إلى أبعد مدى .. وكان هذا أحساسي نحوه حقاً، لأننا في مدة حكمه أعدنا إصدار مجلة الدعوة في ثوبها القشيب، وكنا نقيم الاحتفالات الدينية وغيرها، نقول فيها ما نشاء في جرأة ووضوح، لا نخشى فيما نقول إلا الله" [ أيام مع السادات ص / 35 ].

قلت: ومع ذلك كفروه واستحلوا دمه، وكان يوم القصاص .. هو نفس اليوم الذي أذل فيه الله اليهود على يد عبده "أنور السادات" ـ عفا الله عنه ـ ( فيا قرة عين يهود بالخوارج والإخوان) .
ولله در الإمام ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ لما قال: " .. فإذا أراد هؤلاء الخارجون على بعض الحكام المسلمين فليخرجوا على الكفار المشركين، ولكنهم يريدون أن يبثوا الفتن بين المسلمين .

ولذلك فأنا في الحقيقة في شك كبير من أمرين اثنين :
من إسلام هؤلاء حقيقة، أي : أخشى أن يكونوا من أعداء الإسلام تلبسوا بثياب المسلمين . وإن كانت الأخرى، وهي أنهم مسلمون فعلاً، ولكنهم جهلة في منتهى الجهالة ... وأنا أستبعد أن يكون هؤلاء من المسلمين، وإنما هم من المتزيين بزي الإسلام، ويريدون أن يشوهوا نصاعة الإسلام وبياضه ونقاوته, بأن ينسبوا إليه أفعالاً , الإسلام والمسلمون حقّاً هم براء (أبرياء) مما ينسب إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب )) . اهـ [فتاوى العلماء الأكابر لما أهدر من دماء في الجزائر ص 102 : 107 ].

ومن نظر في مقالات خوارج العصر في هذه الحادثة (مقتل السادات) يجدها ممزوجة بالشماتة والفرح والتشفي !، كأنه حدث نصر للمسلمين والإسلام بمقتل الرجل!.

فقد بارك "محمود الصباغ" قتلة السادات، كما في كتابه (حقيقة التنظيم الخاص . ص / 29) ـ والذي قدم له مصطفى مشهور ـ ، حيث قال: " فسلط عليه شباباً من شباب مصر، وأظلهم بظله فباغتوه في وضح النهار، وفي أوج زينته وعزه يستعرض قواته المسلحة ولا يرى فيهم إلا عبيدا له ينحنون بقوته وعظمته يشهدون وإذا بهم سادة يذفونه بالنار ويدفعون عن أنفسهم وصمة الذل والعر والشنار ..." .[بواسطة الإخوان بين الابتداع الديني والإفلاس السياسي للوصيفي].

وقال "عمر عبد الرحمن " في محاضرة ألقاها في أمريكا: " ولابد لكل طاغية ظالم أن يُزال من الحياة كما أزيل الشاة، وكما أزيل "أنور السادات"، من هنا كانت الثورة الإسلامية في إيران مظهراً من مظاهر العز والقوة والمجد، وأنها لتبعث في روح المسلمين المجاهدين في كل مكان بعامة، وفي مصر خاصة، روح الأمل واليقين!. هذه الثورة التي أزلت وما زالت تزيل طواغيت وجب علينا نحن المسلمين أن نزيلها!، لقد مرغت أنفهم في التراب وجعلتهم يتحدثون عن قوة الإسلام ويرهبونها!!. هذه الثورة الإسلامية في إيران مشرق أمل ومبعث فرحة وسرور، وانطلاق للجهاد في سبيل الله!!، والمسلمون في كل مكان يترسمون خطاها ويفرحون بانتصاراتها العظيمة!". [القطبية هي الفتنة ص / 69 : 70 ].

قلت: ولا عجب من تعظيم هذا الخارجي الخبيث ـ عامله الله بعدله ـ للخميني وثورته، الخميني الذي يعتقد تحريف القرآن، وكفر الصحابة، ووقوع أمهات المؤمنين في الفاحشة، وأن للأئمة (والذي هو منهم ) خلافة كونية، فهم بمنزلة الآلة في الأرض!، فيمدح هذا ويعظمه من على أرض أهل الكفران ( أمريكا) ، في الوقت الذي يفرح بقتل السادات ويصفه بالطاغوت!، ليتجسد لنا معنى حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخوارج " يقتلون أهل الإسلام ويقربون أهل الأوثان" .

وقال " محمد إسماعيل المقدم " عن السادات: " فرعون حقير يرقد الآن في مزبلة التاريخ وحسابه على الله" [ عودة الحجاب (1 / 210 ) ط الثالثة ] .

وقال في الهامش: " وقد أقيمت الصلوات اليهودية في ميادين تل أبيب على ضوء الشموع حزناً على موته، وحضر ثلاثة من رؤساء أمريكا قداساً جنائزياً بالكنيسة على روحه، لقد كان مصراً على أن يدخل التاريخ وقد دخله، ولكن من نفس الباب الذي دخل منه إبليس وفرعون وقارون، ومضى إلى ربه بعد أن صفى كل عداوته إلا عداوته لأمته". اهـ

وقال في ( 1 / 193 ) : " ولعل سيرة أتاتورك تفسر لنا لماذا يصر طواغيت اليوم على اتخاذه أسوة وقدوة، حتى لقد افتخر ((فرعون مصر)) الملقب بـ ((أنور اليهود)) يوماً بأن مثله الأعلى هو أتاتورك" اهـ

قلت: والنقل يطول .. ومن تتبع مقالاتهم يجدها متواترة على ذم "أنور السادات" مبجلة لقتلته! ، حتى أن الرئيس المعزول " محمد مرسي" ـ قبحه الله ـ أصر على أن يحتفل في القصر الرئاسي مع قتلة الرجل!.

هذا؛ وليس قصدي من هذا المقال هو الترقيع والتلميع للرئيس " أنور السادات" ، فالرجل أعتقد أنه كان مسلماً من عوام أهل السنة، وقد أفضى إلى ما قدم .. وهو بين يدي رب كريم غفور إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.

ولكن الغرض من المقال هو أن فكر الخوارج لم يمت وما زال بيننا حيا ينبض، يرتع في عقول شباب تستحل دماء المسلمين وأعراضهم باسم الجهاد في سبيل الله!، وتنشر الإفساد في الأرض باسم الإصلاح ونصرة الدين!.
فتكون المحصلة النهائية لسعيهم هو رفعة أهل الكفران والأوثان، وقتل أهل التوحيد والإسلام.
فأصحاب هذا الفكر المنحرف هم من محن المسلمين الحقيقية في هذا العصر. ولهذا يتوجب على من استطاع رد شبهاتهم وتفنيد أباطيلهم أن يفعل ولا يتأخر، ومن استطاع كشف مخططاتهم التي سطروها في ثنايا كتبهم فليفعل، وليعلم أن هذا جهاداً حقيقياً في سبيل الله.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " الجهاد نوعان: جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير، والثاني: الجهاد بالحجة والبيان وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه"[مفتاح دار السعادة ص 71 ].

وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 1 ذو الحجة 1434 ه
6 أكتوبر 2013 م

الخميس، 3 أكتوبر 2013

شرح الصدور بالصلاة على الرسول




شرح الصدور بالصلاة على الرسول
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :
فقد يَحتار العبد أحيانًا بين الذكر والدعاء، أيهما أولى .. يَدعو الله أم يَذكر الله ؟
  وإذا ترجح عنده الذكر، أخذته الحيرة مرة أخرى أيهما أفضل التسبيح أم الاستغفار ؟
   أما المفاضلة بين التسبيح والاستغفار فقد كفانا أبو الفرج " ابن الجوزي " الإمام - رحمه الله - الإجابة عن هذا الإشكال ، فقد سُئل - رحمه الله - :
أيهما أفضل التسبيح أم الاستغفار ؟

فقال: " الثوب الوسَخ أحوج إلى الصابون من البخور". اهـ (ذيل طبقات الحنابلة).


   يشير " ابن الجوزي " إلى أن الاستغفار أفضل من التسبيح؛ وعلة التفضيل عنده أن الاستغفار لمحو الذنوب بينما التسبيح لتحصيل الثواب، فكان المناسب غسل الذنوب قبل تحصيل الثواب، لأن التصفية قبل التحلية كما هو معروف .
  أما أيهما أفضل للعبد " الذكر أم الدعاء " ؟
فقد كفانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإجابة عن هذا الإشكال بحديث أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي بإسناد حسن صحيح :

( عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أني أُكثر من الصلاة عليك فهل أجعل لك ربع الصلاة؟ قال : " ما شئت ولو زدت فهو خيرٌ لك "، قال : أجعل لك ثلث الصلاة ؟ ، قال : " ما شئت وإن زدت فهو خيرٌ لك " ، قال : أجعل لك نصف الصلاة ؟ ، قال : " ما شئت وإن زدت فهو خيرٌ لك " ، قال : أجعل لك كل صلاتي أو جميع صلاتي ؟ ، قال : " إذًا تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك " ) . اهـ
   والمراد من قول أبي بن كعب - رضى الله عنه - " أجعل لك كل صلاتي؟ " يعني : دعائي .
فالصلاة هي الدعاء ، يقول الله عز وجل : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ }
[التَّوْبَة: 103]، فسأل أبي بن كعب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بدلًا من وِرّده من الدعاء وطلب المغفرة وسؤال الجنة ... إلخ ، فأخبره الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنك إن فعلت ذلك كفاك الله همك وغفر لك ذنبك " إذًا تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك " .
   فيمكن المسلم أن يكتفي بملازمة الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - عوضًا عن الدعاء، ويكون بذلك حصّل فضيلة الذكر والدعاء معًا، إذ الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - تشمل فضل الذكر والدعاء لأنه قال لأبي بن كعب : " إذًا تُكفى همك"، وهذا متعلق بما كان سيدعو به مِن كل ما يهمه من أمر الدنيا والآخرة.
    ثم تأتي بركة الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيُغفر له ذنبه وهو الذي يحصله العبد من الاستغفار .
   فالخلاصة : إن الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - مشتملة على فضل الذكر والدعاء والاستغفار .

   يقول الطيبي - رحمه الله - : وقد تقرر أن العبد إذا صلى مرةً على النبي - صلى الله عليه وسلم ـ صل الله عليه بها عشرة ، وأنه إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل في زمرة الملائكة المقربين في قوله تعالى : {إِنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّها الّذينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَليْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليمًا } . اهـ
   وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صل الله علي واحده صل الله عليه بها عشرًا "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : "من صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه" . ا هـ [ذكره ابن القيم في جلاء الأفهام].
  وعند أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رَغِمَ أنف رجل ذكرت عنده وفلم يصل علي"
  قال المناوي - رحمه الله - : " أي لحقه ذلٌ وخذيٌ مجازاة له على ترك تعظيمي، وخاب وخسر من قدر ان يَنطق بأربع كلمات توجبه لنفسه عشر صلوات من الله، ورفع عشر درجات، وحط عشر خطيئات فلم يفعل، لأن الصلاة عليه عبارة تعظيمه، فمن عظمه عظمه الله، ومن لم يعظمه اهانه الله، وحقر شأنه" . ا هـ
  ومعنى الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - :

قال تعالى : { إِنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّها الّذينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَليْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليمًا }[ الأحزاب 56 ] .

  فالصلاة من الله سبحانه : ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، والعناية به وإظهار شرفه، وفضله وحرمته، وإرادة تكريمه وتقريبه .
 يقول ابن كثير - رحمه الله - :
   "والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه. ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا". [تفسير القرآن العظيم ( 6 / 457) ط . دار طيبة].

 وصفة هذه الصلاة :
    عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم انك حميد مجيد ". 

( متفق على صحته ) .

والمواطن التي تتأكد فيها هذه الصلاة :
حري بكل محب للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُكثر من الصلاة والسلام عليه في كل وقت وحين، وتتأكد الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مواطن منها :
1. عند ذكره ، فإنه قال - صلى الله عليه وسلم - : ( البخيل من ذُكرت عنده فلم يصل علي ) [صحيح أخرجه أحمد والترمذي] .
2 . عند دخول المسجد وعند الخروج منه .
3 . عند إجابة المؤذن .
4 . عند بداية الدعاء وعند ختامه .
5 . في أول النهار وآخره .
6 . يوم الجمعة .
7 . في صلاة الجنازة والعيدين والاستسقاء .

فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد

القاهرة ٢٧ / ذو القعدة/  ١٤٣٤ هـ
3 / 10 / 2013

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرجع للتوسع :
جلاء الافهام في الصلاة والسلام على خير الأنام - ابن القيم
زاد الميعاد لابن القيم