إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 15 ديسمبر 2016

التحذير من كتاب " أنتيخريستوس" !.


التحذير من كتاب " أنتيخريستوس" !.


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

    فإن من أكثر الكتب التي تجد رواجًا عند طائفة كبيرة من الناس، المؤلفات التي تتناول الكلام في الغيبيات، وعلامات الساعة، والكلام عن المستقبل بعموم، وقد حققت مؤخرًا نجاحًا كبيرًا سلسلة حلقات الرافضي " عبد الله هاشم " التي عرفت باسم "القادمون"!(1)، والتي بناها على نظريات شيخه الدجال"حسين عمران"، وتناولت هذه السلسة الكلام عن" المسيح الدجال" و"ظهور المهدي"، لما في ذلك من ترسيخ لمعتقدات الشيعة الروافض  في هذا الباب، وهذا النجاح الذي حققته هذه السلسلة، دفع البعض لتحقيق نجاح مماثل!، والذي بالطبع يتبعه نجاح مادي!.

     فالأمر ميسور! .. فالباب مفتوح على مصراعيه أمام كل من أراد أن يحقق ثروة!، المهم أن يتناول الكلام عن أشراط الساعة وعلاماتها، وأن يكون صاحب لسان يستطيع من خلاله رسم صورة ذهنية للقارئ أو المستمع، مع سعة خيال، وشدة إقناع، وحسن تلبيس، ثم يغلف هذا كله في المنتهى..بهالة دينية !، فيقتبس جزءًا من آية أو حديث، ليوهم القارئ أو المستمع أن هذا الكلام كله وحي من عند الله ـ تعالى ـ لا يقبل نقاش أو جدال!!.

     وقد هالني في الفترة الأخيرة  كتاب  " أنتيخريستوس" !، إذ وصلت طباعته إلى الطبعة الحادية عشر!، وهذا معناه أنه وصل طائفة عظيمة من المسلمين.
     فرأيت أن أتناوله بشيء من النظر حتى يعلم الناس حقيقة هذه المؤلفات التي تدفع بها دور النشر إلى السوق غير مهتمة إلا بالعائد المادي.
      يتكلم مؤلف الكتاب  عن " المسيح الدجال" ، حتى أنه سمى الكتاب باسمه "أنتيخريستوس"!، ثم زعم أنه كل ما سيذكره في كتابه حق لا مرية فيه، عرف أكثره عندما انخرط في الماسونية، وارتقى فيها درجة عالية!، وأن إفشاء هذه الإسرار ستكون سببًا في قتله!!.
     ثم ذكر بعض الحقائق التاريخية عن اليهود ومكرهم ومؤامراتهم، وصراع  المسلمين معهم، واتفاق نصارى الغرب مع اليهود على حرب أهل الإسلام ـ وإن كان في بعض ما ذكر نظر ـ  إلا إنه لو كان توقف عن هذا الحد، لكان حسنًا، ولشكرنا له صنيعه، فليس بنينا وبينه خصومة شخصية، ولكنه تجاوز الحد، وتعرض لبعض مسائل الدين، الذي يتقرب به الناس لرب العالمين.

     فالمؤلف ـ عفا الله عنه ـ طاش قلمه .. فذكر عدة أمور تخالف ما عليه عقيدة أهل الإسلام، منها : في (ص / 303) : " أن التوراة أملاها الله لموسى "(2).
 والذي عليه معتقد أهل الإسلام أن التوراة كتبها الله بيده. ثم لم يكتف المؤلف بهذا، بل وصف موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ بأنه اشتهر بسرعة الغضب، وكأنه دس أحدهم له عقيدة سيد قطب ـ قبحه الله ـ في كليم الرحمن ـ عليه السلام ـ .

    ثم أتى بشيء غاية في العجب، فذكر في (ص/ 301 وما بعدها ) :  آيات من سورتي "الأعراف" و "طه"، والتي فيها سؤال بني إسرائيل لموسى أن يجعل لهم إلهًا يعبدونه كما للقوم الذي مروا عليهم آلهة!، وحوار موسى مع هارون ـ عليهما السلام ـ حول عبادة بنو إسرائيل للعجل في غيابه، وسؤال موسى ـ عليه السلام ـ للسامري عن علة صنعه للعجل؛ فتجده يذكر لفظ الآية  كما هي في المصحف، ولكن يستبدل كلمة أو يزيد كلمة!.
    فقلت: لعله ذكر لفظ التوراة!، فرجعت إلى التوراة فلم أجد من ذلك شيئا، فضلًا عن كون التوراة تزعم أن صانع العجل كان هارون، وليس السامري!.
ففعل المؤلف لا يوصف إلا بالتلاعب بكتاب الله، ولا أزيد!.

    ثم ذكر المؤلف عدة تخرصات منها: في (ص/  294): " أن المسيح الدجال ولد من أمرآة يهودية أحبلها إبليس!، وذلك قبل زمن موسى ـ عليه السلام ـ!.
     وهذا الذي ذكره المؤلف لا يوجد عليه دليل في دواوين أهل الإسلام الصحيحة، بل في صحيح مسلم خلاف ذلك، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شك هو وأصحابه في غلام يهودي كان يعيش في المدينة أنه هو الدجال، فهل كان يخفى عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الدجال كان ابنا لإبليس، حتى يظن في "صافي ابن صيادٍ" هذا الفتى اليهودي أنه الدجال؟!   

   وفي (ص/ 295): زعم "أن الذي  تولى تربية " المسيح الدجال" في صغره، كان الملك "جبريل" عظيم الملائكة.. وكان يطعمه ويسقيه.. لبنًا وعسلًا وسمنًا!".
   ولم يذكر  المؤلف دليلًا على هذا الكلام(3)، إذ لا يوجد في الكتاب أو السنة ما يؤيد كلامه؛ وهذا الذي ذكره من الغيب الذي لا يعرف إلا بالوحي، وبالطبع المؤلف لا يدعي أن جبريل ـ عليه السلام ـ أخبره بذلك!، فليس أمامه إلا الثانية، وهي: أن يكون المؤلف كان حاضرًا معهما في الكهف وشاهد بأم عينيه إطعام جبريل ـ عليه السلام ـ للدجال .. اللبن والعسل والسمن!.

   وفي (ص/ 303): زعم "أن "المسيح الدجال" هو "السامري"!، وأنه سيقوم  بإحياء الموتى عند ظهوره في أخر الزمان بنفس الطريقة التي أحيا بها العجل في زمن موسى، وذلك باستخدام  أثر فرس جبريل ـ عليه السلام ـ !!.
وزعم في (ص/ 305): أن الدابة "الجساسة" التي ذكرها الله ـ سبحانه ـ في القرآن (4)، وذكرها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث طويل في صحيح مسلم، أنها من قبيلة من الشياطين تسكن غابات الأرض كلها!، يطلق عليها أهل هذا العصر اسمًا عجيبًا، وهو: "ذو القدم الكبيرة".. أو Big Foot "!!.
وأنها تعيش مع الدجال في جزيرة أسمها "جزيرة الثعبان" في بحر اليمن!!.
وأن الدجال سيمكث في كل قرية يمر بها أربعين يومًا؛ هكذا "في كل قرية" ، وليس في الأرض بعموم.

   إلى غير ذلك من المعلومات الحصرية التي لم يقف عليها قبل المؤلف أحد، والتي أكتسبها من  مكانته الرفيعة التي وصل إليها في الماسونية!(5)، وأن إفشاء هذه المعلومات ستكون سببًا في قتله!!.

    فالخلاصة: الكتاب ليس فيه إلا دجل وتخرصات، مع بعض الحق بالطبع؛ وهذه طريقة السحرة والدجاجلة من قديم، يأتي أحدهم بالكلمة من الحق، فيخلط معها مائة كذبة، فيروج لكل هذا الكذب، بكلمة الحق الوحيدة التي معه.
     وحتى المواضع التي لم تسعف المؤلف فيها " الحبكة الدرامية"!، ولم يجد لها مخرجًا، كالجواب عن من الذي قيد "الدجال" في الكهف بهذه الطريقة وهو بكل هذه القوة؟، اكتفى بقوله: " هذه قصة ليس من حقي أن أخبرك عنها"!. [انظر ص / 306].

    وأخيرًا أنبه:أنه ليس لنا شأن بنية المؤلف أو إخلاصه، فهذا أمر بينه وبين خالقه، ولكن المسألة لا تتعدي محاولة لتسليط الضوء على ظاهرة أصبحت تفسد عقائد الناس، وتشغل شباب المسلمين عن تعلم صحيح الدين، وتربطهم بالخرافة والمخرقة.
    وهذا الكتاب ليس إلا أنموذجًا للكتب التي تدفع بها دور النشر إلى السوق مستغلة شغف الناس لمعرفة الغيبيات، والتطلع للمستقبل، ولو أرادوا بالناس خيرًا لنشروا العلم الصحيح القائم على الكتاب وصحيح السنة، ولوقفوا حيث وقف من سبقنا من سلفنا الصالح.
    قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجَاً وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لاَ يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَّكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُه} [الطلاق : 2 ـ 3].
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة  15 / ربيع أول / 1438
14 / 12 / 2016

الهامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): أقر "عبد الله هاشم" بتشيعه ورفضه في الحلقة الأولى من سلسلة (المرحلة الثالثة).
(2): المؤلف إذ ذكر نبيًا من أنبياء الله ـ تعالى ـ لا يصلي عليه ولا يسلم، وإنما يكتب: قال النبي "موسى"، قال النبي "داود" ، وهكذا...
(3): لم يذكر المؤلف من أول الكتاب إلى أخره أي مصادر اعتمد عليها.
(4): قال تعالى: { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل : 82].
(5): زعم المؤلف  في (ص / 269) ، أن هناك فرق بين اليهود والصهاينة، حتى أن الصهاينة علي الصحيح لا تنسب إلى اليهود، وذلك لأنهم من سبط شرير، وهو السبط الثالث عشر لبني إسرائيل!!.