إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

الأمن في الأوطان

الأمن في الأوطان

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:
           قال الله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[ إبراهيم : 7 ].
     فنعم الله ـ عز وجل ـ التي تفضل بها علينا بكرمه وجوده ـ سبحانه ـ ، هذه النعم التي لا تُعد ولا تحصى، والتي نتنعم فيها بلا ثمن أو مقابل، هذه النعم باقية متصلة؛ بل قابلة للزيادة شريطة = الشكر عليها وعدم الكفر بها، إذ أن كفر النعمة والجحود بها من أسباب زوالها، وشكرها من أسباب زيادتها ونموها.

   ونعم الله ـ عز وجل ـ ضربان: نعم نفع، ونعم دفع.
نعم النفع : هي وصل إلينا وتفضل به الرب علينا من ملذات الدنيا.
نعم الدفع: هي ما صرفه الله عنا من الآفات والبلايا والمصائب.
فيشكر الله ـ عز وجل ـ على كل حال، يشكر على ما تفضل به علينا، ويشكر على ما صرفه عنا.
      وتُعدّ نعمة "الأمن في الأوطان" من أعظم نعم الله ـ عز وجل ـ التي يتوجب على العباد شكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ عليها، وعدم الكفر بها، بيد أن أكثر الخلق يَغفل عن شكرها، بل منهم من جحدها!، وقد قيل: "نعمتان مجحودتان الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان".
     وشكر هذه النعمة يكون: بالإيمان بالله ـ عز وجل ـ ومداومة العمل الصالح، قال الله تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور : 55].
       فهذا وعد من الله ـ عز وجل ـ ، باستخلاف أهل الإيمان = الذين رضوا بالله ربًا، وبالإسلام دينًاـ وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولًا، وعملوا صالحًا، بأن يُستَخلفوا في الأرض، وأن يُمكن لهم دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وأن يُبَدلَ الله خوفهم أمنًا؛ وذلك لأنه لا تستقيم لهم حياة، ولا يهنأ لهم عيش، مع الخوف وسلب الأمن، ولذلك لما دعا خليل الرحمن إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ  للبلد الحرام ـ مكة ـ زادها الله شرفًا ـ قدم طلب الأمن على طلب الرزق، قال سبحانه: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر}. [ البقرة: 126].
       وقد استجاب الله ـ عز وجل ـ  لدعائه، فجعل البيت الحرام، حرما آمنًا ومثابة للناس، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [ البقرة: 125]، وحتى أصبحت مكة تعرف فيما بعد بالبلد الأمين، قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}[ التين 1 : 3 ].
         فقدم إبراهيم ـ عليه السلام ـ طلب الأمن على طلب الرزق = لأنه بالأمن:  تأمن السبل والطرق التي تنقل فيها الأرزاق والثمرات، وبضياع الأمن تفسد السبل، ويتسلط عليها أهل البغي والعدوان، فيُتعدى على الأرزاق والأموال والأنفس، وتُنتهك الأعراض.
هذا؛ وإنك لن تجد أناسا في رغد من العيش، وسعة في الرزق، وراحة بال، وقد سلبوا الأمن.
          وقد امتنَّ الله ـ عز وجل ـ على قريش حال كفرهم بنعمة الأمن، قال تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتاء والصيف فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}. [قريش 1 : 4 ].
فلولا الأمن الذي أنعم الله به على قريش، لاستباحت العرب أعراضهم، وضاعت تجارتهم، وفسدت معيشتهم.
        وهذه هي النتيجة الوحيدة لكفر هذه النعمة العظيمة ـ نعمة الأمن ـ،  قال تعالى: { وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] .
           والعجب العجيب، والنبأ الغريب .. أننا نجد سماسرة السياسة، وعشاق الفتن والثورات، يكفرون بهذه النعمة، بل ينمون في الناس الكفر بها، والتنكر لها، بزعم رفع الظلم عن الناس، وتقاسم الثروات!،ومطالبة المساواة بين البشر!، بأن يكون الجميع أغنياء!!.
         وهذا أمر تأبه الحكمة الإلهية، فالله ـ عز وجل ـ لم يخلق الناس على درجة واحدة، بل خلقهم وبينهم تفاوت وتفاضل، قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. [ الزخرف : 32 ].
       فمن حكمة الرب ـ تبارك وتعالى ـ هذا التفاضل الذي يكون بين العباد في الأرزاق والأعمار والأفهام والذرية وغير ذلك، لكي ينتفع الناس بعضهم ببعض؛ وهذا التفاوت والتفاضل سنة كونية قدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها أو تحويلها بوجه من الوجوه. 
قال تعالى : { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} . [ النحل : 71].
وقال سبحانه: { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}. [الإسراء : 21].
وقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [ الإسراء : 30].
وقال عز وجل : {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} . [ الرعد : 26 ].
ومعني قوله تعالى : { وَيَقْدِرُ} أي : وَيُضَيِّقُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ.
     فمن حكمة الرب العليم بأحوال عباده، وما جبلت عليه نفوسهم، وما يصلحهم، وما يليق بكلٍ منهم، ظهر هذا التفاوت والتفاضل بينهم؛ وهذا ملكه ـ سبحانه ـ يفعل فيه ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل، وهم يسألون.
وحتى هذا التفاضل يوجد بين رسل الله ـ عز وجل ـ ، قال سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ}. [ البقرة : 253 ].
    فالذين يتاجرون اليوم بآلام المسلمين ومعاناتهم، وإيهامهم بأن سلوك سبل التغير الغربية الصليبية من المظاهرات!، والاعتصامات!، والعصيان المدني!، سيأتي بمزيد من الرفاهية وسعة في الرزق، هؤلاء يجرون الأمة إلى حتفها، وتسلط الأعداء عليها؛ إذ هم يعاندون الحكمة الإلهية، والناموس الكوني.
      وما بهذا أمرنا. فإن ما عند الله لا يُنال بمعصيته، ولن يُنال ما عند الله بإتباع سنن الذين كفروا، ونسبوا لله الصاحبة والولد!! سبحانه وتعالى وعز وجل.
 والذي يتنعم فيه الغرب الصليبي اليوم، إنما هو فتنة لهم، ومكر من الله بهم، قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} . [الأنعام : 44].
      بل أن أكثر الرفاهية الغربية اليوم، حصيلة ما سُرق ونُهب من ثروات علمية ومادية كانت في ديار المسلمين، والذي من أجلها ما زالت تُزرع الفتن والقلاقل بين أبناء أهل الإسلام وحكوماتهم، حتى يهيجوا ويثوروا ويخرجوا ليخربون بيوتهم بأيديهم!، لتكون حصيلة ذلك: إسراع حلم اليهود من امتلاك الأرض من النيل إلى الفرات ـ من مصر إلى العراق ـ  ، من خلال طريقتهم في تدمير الدول؛ وذلك بابتداع طريقة  تؤثر على الحكومة، وطريقة تؤثر على معنويات الشعب. والطريقتان تهدفان إلي غرض واحد، وهو تفتيت الدول بزرع الفتن بين أبنائها حكاما ومحكومين،وهو ما يُعرف بسياسة "فرق تَسد"؛ وقد اقترب يهود من تحقيق حلمهم.
 أما الشباب الثائر الذي شحنه سماسرة السياسة بالأفكار الثورية الغريبة،  فستضعف دولته، وتذهب قوته = وتصبح فريسة لأعداء الدين، من يهود ونصارى ، ثم يَذهب من بين أيديهم غنيمة باردة للغرب الصليبي الذي كانوا يحلمون أن يعيشوا معيشتهم!!، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

    والذي يتوجب على المسلم في طلبه للرزق، إتباع السبل الإسلامية الصحيحة التي جاءت بها الشريعة المحمدية .
فيصحح إيمانه بربه ومعبوده ـ سبحانه وتعالى ـ  ويتقيه، ويجتنب محارمه، ويعلم أنه هو الرزاق، وهو الملك، وهو الذي بيده الأمر كله .
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. [ الأعراف : 96].
وقال سبحانه: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}. [سورة المائدة : 66].
وقال عز وجل: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}. [الطلاق 2: 3].
فالإيمان بالله ـ عز وجل ـ وبصفاته، وبتقواه، واجتناب محارمه، يُستجلب الرزق.
          وكذلك يُستجلب الرزق باستغفار الرب الغفور التواب ـ عز وجل ـ والإنابة إليه؛ فإنه ما حُرمَ العبد الرزق إلا بسبب المعصية، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، فيستغفر العبد ربه مما قدمت يداه، حتى يتوب الله عليه.
       فالاستغفار من أسباب جلب الرزق، وبهذا وصى الأنبياء قومهم،  قال نوح ـ عليه السلام ـ لقومه: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا }. [نوح 10 : 12].
 وقال هود ـ عليه السلام ـ لقومه : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود : 52] ، وكذلك قال نبينا – صلى الله عليه وسلم - : {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}. [هود: 4].
ويُستجلب الرزق أيضًا بالعمل الصالح، قال الله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . [النحل: 97].

      هذا؛ ولو تأمل العبد فيما رزقه الله، وأنعم به عليه، وعرف حقيقة الدنيا، وعلم أن منتهى ملذات الدنيا الأمن والعافية؛ لطمئن قلبه، وسكنت نفسه،  وارتاح باله، يقول نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )) [ رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه وحسنه، ووافقه الألباني].
ومعنى الحديث: أن من أصبح "أمنا في سربه": أي في نفسه وأهله، " معافى في جسده": أي صحيح غير مريض، "عنده قوت يومه": طعام هذا اليوم الذي أصبح فيه، "فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها": أي جمعت له ملذات الدنيا جميعًا. 
     كما أن الغنى، ليس غنى المال على الحقيقية، بل غنى النفس والقلب، وهما مما يعجز المال عن شراءهما، يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((ليس الغنى عن كَثرة العَرَضِ ، ولكن الغنى غنى النَّفس)) . [متفق على صحته].
ومعنى" كَثرة العَرَضِ" : أي حطام الدنيا.       

فمن ابتلي في الدنيا، فضيق عليه في رزقه، أو نزل به بلاء في بدنه، أو حرم الولد، فليرجع إلى ما أسلفنا من السبل الإسلامية لصحيحة، من تصحيح الإيمان بالله، والتوكل عليه، والاستغفار والإنابة، ومداومة العمل الصالح، والصبر، والقناعة، فالأمر كله بيد الله.
 عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله سعر لنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبنني بمظلة بدم ولا مال )) . [رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني].
ومعنى (( إن الله هو المسعر )) : هو الذي يزيد من قيمة الأشياء ومكانتها وتأثيرها، أو ينقصها فترتفع أسعارها  أو ترخص على ما تقتضيه حكمته وعلمه.
قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافًا وقنع)). [رواه الحاكم والترمذي وصححه، ووافقهما الألباني].
وفي رواية ابن ماجة بسند صحيح: ((قد أفلح من هدي إلى الإسلام ، ورزق الكفاف، وقنع به)).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( انظروا إلى من أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)).[رواه مسلم].
ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:  (( عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له )).  [رواه مسلم].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله : ((فهذا الحديث يَعمُ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها وشكرَ لمحبوبها، بل هذا داخلٌ في مسمى الإيمان، فإنه كما قال السلف: الإيمان نصفان، نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر)). [جامع المسائل 1 / 165 دار عالم الفوائد].
      فطلب الرزق والسعي لتحصيله، له سبل وطرق بينتها الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن فقه أبالسة المبتدعة، وسماسرة السياسة، الذين يجرون بلاد الإسلام إلى الفوضى وضياع الأمن، ولكن هكذا الفتن تكثر فيها الدجاجلة ، كما قال الجبرتي ـ رحمه الله ـ .
        فعلى المسلم أن يَتجنب الفتن والفوضى، ولا يُعرض بلاده للخراب والدمار، ويساعد في تسلط الأعداء عليها، وأن يتعظ بغيره، ويتأمل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( السفر قطعة من العذاب )). [متفق عليه]، وهذا في حال رجل ألجَأته الضرورة للسفر، ففارق بيته وأهله، مدة من الزمن .. طالت أو قصرت، ثم سيعود أليهما في المنتهى، ومع ذلك فهو في عذاب؛ فما بالك بالذي شرد من بلده وانتهكت محارمه، وربما فقد بعض أبناءه وأهله؟
وكل ذلك بسب مخالفته لسنة أهل الإسلام، وإتباع سنن المغضوب عليهم والضالين.


         هذا؛ وقد حذرنا الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم، من عاقبة الخوض في الفتن، فقال:  {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. [الْأَنْفَال: 25].
وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ علينا أوطاننا، وأن يبارك لنا في أرزقنا، وأن يرزقنا الشكر والرضا، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين لإتباع السنة، ويرزقهم البطانة الصالحة. 
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد

القاهرة 28 / محرم / 1438
29 / 10 / 2016