إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 15 يونيو 2024

الرد على من ضعف حديث صوم يوم عرفة.

 الرد على من ضعف حديث صوم يوم عرفة.

 الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن طلب العلم من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه، وغايته من هذا هو العمل بما تعلمه، ثم بثه بين الناس زكاة له.
وطالب العلم في طريقه يقف على صنوف وألوان من المباحث العلمية.. تختلف أحكامها، منها: ما حكمه أن يُبث ويشاع في الناس، ومنها: ما حكمه أن يحجب عنهم؛ فليس كل ما يُعلم يُقال.
ومنها: ما يخص به طلبة العلم أمثاله -إن كانوا أهل فهم ودراية- يُعْلمهم بما وقف عليه ليتدارسوه بينهم.
   غير أن كثيرًا من هؤلاء الطلبة لا يَصبر على كتم هذا اللون من العلم عن العوام؛ وكيف لا والأبعدُ منهم يحب الإغراب وأنه أتى بما لم يأت به الأوائل؟
فهو لا يظن أنه بهذا يفتح باب فتنة على هؤلاء المساكين، وإنما يشغله فقط أن يشار له بالبنان وقوة التحصيل.
  وهذه الشهوة الخبيثة قريبة مما دفع بعض رواة الحديث الأُول إلى سرقة حديث غيرهم، أو شراء الكتب من الأسواق وادعاء سماعها.
  هذا؛ وقد نبه العلماء على حكم بسط المسائل العلمية بين العوام حتى لا تقع فتنة بسبب بذل العلم عند غير أهله.
  وقد أصبحت مواقع الشبكات الإلكترونية والتواصل مرتعًا لهذه المخالفة، فدخلت بالأمس لأُبين كلمة فيها طريقة فهم العلماء لحديث الصماء في النهي عن صوم يوم السبت وأنه لا يكفي عندهم صحة السند في قبول الحديث، فهذا معناه خلوه من العلة فقط، وليس معناه خلوه من الشذوذ، وبيان بعض مسالك العلماء في التعامل مع هذا الصنف من الحديث.
غير أني صدمت بأحدهم يُضعف حديث صوم يوم عرفة الذي أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه-.
  فوقع في قلبي حسرة من الجرأة على هذا الكتاب العظيم، وكيف أن الناس أفسدها فسق التصور وعدم تعظيم علم السلف فأصبحوا يتكلمون في الصحيح ويستدركون على الأئمة؟.
  وزاد الأمر حزنًا تقصير أهل السنة الخُلص في تراث أسلافهم، فهذه الصنعة هي ميراثهم الذي لا ينازعهم عليه أحد، لأنه لا يُوفق لهذا الميراث صاحب هوى أو صاحب غل على السلف أبدًا.
   وسأحاول أن أبين من خلال الرد على صاحب هذه المقولة والتي ليست من كيسه، وإنما سرق فكرتها من غيره، ثم ساقها بطريقة حديثة، فالأمر كما كان يقول الشيخ الألباني-رحمه الله-: "إنما هو تغير شكل من أجل الأكل، ولا جديد".
  وسألجأ إلى الرد على كلامه بحروفه، من باب "من فمك أدينك"، وحتى لا يقال أني حرفت كلامه.
   وأتمنى إن وجد في بعض كلامي شدة أن يتجاوزها القارئ فهي غير معني بها الكاتب، فهو كغيره يخطأ، ومن المعصوم من الخطأ؟
  وإنما منبعها من حميتي على صحيح مسلم الذي حاول الحدادية والجهلة المعاصرون العبث به وبأصوله، والله المستعان.
  قال صاحبنا -عفا الله عنا وعنه-: " صيام يوم عرفة مشروع كسائر صوم النفل، ولا يوصف بأنه سنة، فضلاً عن أن يكون سنة مؤكدة. كما لا ينبغي وصفه بأنه بدعة أو غير مشروع. وقد روى النسائي بسند جيد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "وأنا لا أصومه، ولا آمرك ولا أنهاك، غير إن شئت فصم، وإن شئت فلا تصم". اهـ
  قلت: قوله بأن صيامه ليس بسنة هو تضعيف لحديث مسلم والذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده".
وسيأتي مناقشة سند الحديث بعدُ.
  ثم قال: "وقد روى النسائي بسند جيد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "وأنا لا أصومه، ولا آمرك ولا أنهاك، غير إن شئت فصم، وإن شئت فلا تصم". اهـ
  قلت: والحكم على السند بالجودة يعني أنه نَزل على مرتبة الصحيح درجة، فهو أعلى مرتبة من الحديث الحسن.
  وهذا الحديث الذي ذكرها الكاتب، رواه النسائي برقم (2827)، وسنده: أنبأ محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد عن شعبة عن بن أبي نجيح عن أبيه عن رجل عن ابن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمرك ولا أنهاك عنه إن شئت فصم وإن شئت فلا تصم" . الحديث
   قلت: فتأمل -يرحمك الله- إلى حال من ذهب يضعف حديثًا في مسلم يجود إسناد فيه رجل لم يسم " عن شعبة عن بن أبي نجيح عن أبيه عن [رجل] عن ابن عمر".
   وأنا أعلم أن الحديث رواه غير النسائي بإسناد ليس فيه هذه العلة، وإنما نحن اتبعنا ما دلنا عليه الرجل، ورجحنا أيضًا ما رجحه النسائي رحمه الله لأن هذا السند معل، وأن راويه اضطرب فيه فرواه مرة بذكر الرجل، ومره من غيره.
  والطريق الصحيح بذكر هذا الرجل الذي لم يسم، وهذه طريقة الإمام أحمد رحمه الله في إعلال الأحاديث.
   ثم قال: "ولم يصح في حديث قط أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عرفة ولا مرة في حياته، إلى أن لقي الله تعالى، لا في حجته، ولا قبلها.

  وهذا أبو بكر وعمر وعثمان لم يصح عن واحد منهم أنه صام يوم عرفة مطلقاً، لا في حج ولا في غيره". اهـ
  قلت: فتأمل -يرحمك الله- إلى طريقته، كأنه ينفي صحة الأحاديث التي بينت أنه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الثلاثة لم يصموا يوم عرفة.
فيقول: "ولم يصح".
  قلت: وهل ورد أصلًا شيء في هذا الباب حتى يقال يصح أو لا يصح؟.
غاية ما هنالك حديث فطره صلى الله عليه وسلم في الحج وشربه اللبن، وحديث النسائي الذي حذف منه الكاتب موطن الشاهد، من قول ابن عمر: " حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه".
فالأحاديث تتكلم على صوم يوم عرفة للحاج، وحديث مسلم يتكلم عن صوم عرفة بعموم.
فالرجل يستدل بالعدم، فيقول " ولا يصح" ، وأين هذه الأحاديث حتى تحكم عليها بعدم الصحة؟
  ثم قال: "
والقائلون باستحباب صوم يوم عرفة لا يفرقون بين الحج وغيره، إنما يصومونه لمطلق فضله. فقد كانت عائشة رضي الله عنها، والحسن البصري، وعثمان بن أبي العاص، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، يصومون يوم عرفة بعرفة وغيره. ولذلك قال الترمذي: "وقد صام بعض أهل العلم يوم عرفة بعرفة". اهـ
   قلت: والذي ذكره الترمذي الإمام -رحمه الله- هو مفهوم السنة، من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يترخص أحيانًا لرفع الحرج عن أمته، فأفطر يوم عرفه في الحج، وأظهر فطره حتى لا يشق على الناس، كما فعل في ترك التراويح في المسجد في رمضان رفعًا للحرج وخشية أن تفرض على الأمة.
  أخرج البخاري في صحيحه من حديث أم الفضل بنت الحارث، أن ناسًا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، «فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره، فشربه».
  وعنده أيضًا في رواية ميمونة رضي الله عنها: "أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة «فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه» والناس ينظرون". [ورواه مسلم
في الصيام باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة].

  قلت: ولعله يظهر من الحديثين أن الناس لم تكن تعلم أن من سنته الفطر يوم عرفة، ولذلك شكوا في صومه وفطره، فأفطر على مرأى من الناس حتى يترخصوا، وكذا كان يأمر بالفطر في الجهاد ليستعينوا بالفطر في القتال.
فأين دليل الرجل أنه لم يصح صوم النبي صلى الله عليه وسلم في الحج وقبله؟ والصحابه كانت لا تدري هل هو صام في الحج أم لا؟
بمعنى أنهم يعرفون من سنته الصيام في عرفة، غير أنه أشكل عليهم صوم عرفة في الحج.
حتى هو ذكر أن عائشة كانت تصوم هذا اليوم، فهل أتت ببدعة؟
  ثم قال صاحبنا: "وحديث أبي قتادة عند مسلم من حديث غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني البصري عن أبي قتادة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" حديث ضعيف معلول بعلة خفية. وهي الإرسال، وهو نوع من الانقطاع. فأبو قتادة راويه ليس هو الصحابي الأنصاري الحارث بن ربعي المدني، إنما هو التابعي البصري أبو قتادة تميم بن نُذَير العدوي. وعليه فالحديث مرسل. والمرسل ضعيف.

والقرائن الدالة على أنه التابعي - وليس الصحابي - كثيرة جداً؛ منها: أن البخاري نفى سماع عبد الله بن معبد الزماني البصري من أبي قتادة الصحابي.

وقد بقي الحديث دهراً يروى عن أبي قتادة من غير نسبة، حتى جاء شعبة واستوثق من شيخه: غيلان بن جرير أهو الأنصاري؟ فقال – على التوهم والظن – نعم. وجرى عليه الناس بعد شعبة، فصاروا ينسبونه اعتماداً على قول غيلان. والحق أنه ليس هو الأنصاري، كما سبق النقل عن البخاري الخبير بالرجال والعلل.

وقد تابع الزماني على روايته عن أبي قتادة: حرملة بن إياس البصري، فرواه عنه من غير نسبة.

وقد قال ابن معين: "كلّ شيء يُروى عن ابن سيرين، وعن البصريين، عن أبي قتادة، فهو أبو قتادة العَدوي". فهذه قرينة أخرى قوية تدل على أن أبا قتادة راويه هو: العدوي التابعي، وليس الصحابي". اهـ
   قلت: لو فتح هذا الباب للحكم على الأحاديث بهذه الطريقة لهدمت السُنة، فهذا العلم له أهله الذين يفهمون فيه وليس كل متوهم يرى كلمة مُشكلة في كتاب يَبني عليها حكمًا.
فالرجل -هداه الله- يُجهل الإمام مسلما -رحمه الله-، ويزعم أنه أخرج حديثًا معلًا في صحيحه هو لا يعلم علته، ثم جاء من بعده من غربل صحيحه ليستدرك عليه كالناقد الحاذق الدارقطني، وكذا أبو عمار الشهيد، كما استخرج أبو عوانة طريقين على نفس الحديث وقد وافق مسلمًا على حديثه هذا ولم يخالفه.
  ثم جاء من بعد مسلم إمام الأئمة ابن خزيمة -رحمه الله- فاخرج الحديث في كتاب الصيام والذي قال في أوله: " كتاب الصيام «المختصر من المختصر من المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم على الشرط الذي ذكرنا بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه صلى الله عليه وسلم، من غير قطع في الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار إلا ما نذكر أن في القلب من بعض الأخبار شيء، إما لشك في سماع راو من فوقه خبرًا أو راو لا نعرفه بعدالة، ولا جرح فنبين أن في القلب من ذلك الخبر، فإنا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه، فالله الموفق للصواب". اهـ
قلت: فهذا ابن خزيمة الإمام -رحمه الله- يخرج الحديث في صحيحه مؤكدا أنه لا يخرج في باب الصيام حديثًا إلا على هذا الشرط: "بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه صلى الله عليه وسلم، من غير قطع في الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار".
 وذلك لأن الإمام ابن حزيمة يتدين بقوله: "فإن لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه".
هذا، ولم يكتف ابن خزيمة بتخريج الحديث وحسب، بل علق عليه، فقال: " فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده , فدل أن العمل الصالح قد يتقدم الفعل فيكون العمل الصالح المتقدم يكفر السنة التي تكون بعده".

وهذه نكتة عزيزة لمن تأملها.
كما أن الحديث أيضًا أخرجه الإمام ابن حبان البُستي في صحيحه، وقد اشترط الصحة والتي من شروطها : اتصال السند.
 نعم من الممكن أن ينازع ابن حبان في توثيق الرجال، أما الغفلة عن الإرسال فهذه لا أعلم من قالها قبلُ.
  والحديث أيضًا رواه النسائي في سننه الصغري في كتاب الصيام، وسكت عليه.
والنسائي إذا أخرج حديثًا وسكت عليه فهذا معناه أنه ليس فيه علة عنده كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في
نتائج الأفكار( 1/ 402 : 403) في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر، ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك".

هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عبد السلام بن مطهر...
فأما الترمذي فقال: حديث أبي سعيد أشهر شيء في هذا الباب، وبه يقول أكثر أهل العلم، وقد تكلم بعضهم في سنده، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي.

وأما النسائي فسكت عليه، فاقتضى أنه لا علة له عنده". اهـ
   قلت: فالحديث ليس له علة إسنادية عند إمام العلل النسائي -رحمه الله- ولهذا قال عقب هذا الحديث في سننه: " هذا أجود حديث عندي في هذا الباب، والله أعلم".

   قلت: ولو أردت أن استرسل في هذا الباب لطال الكلام، ولكن يكفي ما مر، من أن المؤلف يزعم أن في الحديث علة خفية خفيت على الإمام مسلم وأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان والنسائي، ثم كشفها هو، فالحمد الله على نعمة الإسلام والعقل.
ثم قال الرجل -سامحه الله- : "
والقرائن الدالة على أنه التابعي - وليس الصحابي - كثيرة جداً؛ منها: أن البخاري نفى سماع عبد الله بن معبد الزماني البصري من أبي قتادة الصحابي". اهـ
  قلت: وكل من دخل هذا العلم ليستدل بعد أن اعتقد زل ولا بُدْ.
فالرجل توهم تبعًا لمن سبقه بهذا الهراء أن الحديث ضعيف، فذهب يفتش على كل ما يساعده على اثبات نظريته، ليسمي هذه الأوهام قرائن!!
  وهي ليست سوى هلاوس سمعية وبصرية، فجعلته يفهم الكلام من قفاه، فالرجل يقول أن أبا قتادة راوي الحديث ليس هو الصحابي المشهور، بل هو تابعي خفي أمره على الإمام مسلم وأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان والنسائي، والبخاري كما سيأتي!!
  ودليل ذلك عنده:"أن البخاري نفي سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة".اهـ
 والمرء والله يتعجب من طريقة عمل عقل هذا الإنسان، أين القرينة هنا في اثبات أن الراوي هنا هو التابعي أبو قتادة، وليس الصحابي أبو قتادة؟
فغاية ما هنالك -إن صح- أن يقال أن الراوي مدلس؟
  فليس هناك قرينة في اثبات أنه روى عن شيخه وليس عن الصحابي، بل هذه الصورة إن ثبت إرسال الراوي، تؤكد أن أبا قتادة هو الصحابي وليس شيخ الراوي، لأنه بدون هذا سيكون الحديث مقطوعًا.
ومن هلاوس الرجل أنه زعم أن البخاري نفى [هكذا]
سماع عبد الله بن معبد الزماني البصري من أبي قتادة الصحابي.
  ولم يتحفنا بالمصدر الذي فيه نفي البخاري لسماع الراوي من أبي قتادة الأنصاري.
ولهذا نلجأ إلى كتب البخاري لنرى ماذا قال؟
  قال البخاري في تاريخه الأوسط ( 1/ 266): "
1293- حدثنا محمد بن كثير عن همام عن عطاء عن أبي الخليل عن حرملة بن أبي إياس عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء

1294 - وقال بعضهم حرملة بن إياس الشيباني وقال بعضهم عن مولى أبي قتادة

1295 - وقال بعضهم أبو حرملة ولا يعرف له سماع من أبي قتادة

1296 - ورواه عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء ولم يذكر سماعًا من أبي قتادة". اهـ
  قلت: تأمل عبارة البخاري -رحمه الله- فإنه قال: أن حرملة بن إياس
لا يعرف له سماع من أبي قتادة، فلما جاء لـ " عبد الله بن معبد الزماني" ، قال بالحرف: "ولم يذكر سماعًا من أبي قتادة".
يعني أن
عبد الله بن معبد لم يقل: حدثنا أو أخبرنا وإنما قال: عن أبي قتادة.
فليس هناك نفي للسماع بمرة، كما أن البخاري هنا يتكلم عن أبي قتادة الصحابي، إذ لو كان التابعي، فما الفائدة في بحث هذا السماع في حديث مرفوع؟
وقال البخاري في تاريخه الكبير وهو يتكلم عن ترجمة "حرملة بن إياس الشيباني" رقم (240)، قال:
"حرملة بن إياس، الشيباني.

عن أبي قتادة، أوعن مولى أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصوم...
وقال علي، وعبد الله بن محمد: عن ابن عيينة، عن داود بن شابور، عن أبي قزعة، عن أبي الخليل، عن حرملة، عن أبي قتادة.

وزاد عبد الله: عن أبي حرملة، مولى أبي قتادة.

ولم يصح إسناده.

وروى غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا يعرف سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة". اهـ
قلت: فهذا ما عند البخاري في تاريخه الكبير أيضًا، وهو أنه يجهل سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة، ولم ينفي السماع، وإنما أقر بأنه لا يعرف فقط.
  ولهذا لم يحكم على حديثه بالضعف كما قال في حديث
حرملة بن إياس، قال: " ولم يصح إسناده". فانتبه!.

  وهذا ليس فهمي بل هو فهم أئمة الصنعة، فهذا الذهبي الإمام لما تكلم على من ظن ضعف عبد الله بن معبد الزماني لعدم معرفة البخاري بسماعه من أبي قتادة.
قال الذهبي: "لا يضره ذلك". [ديوان الضعفاء ص / 229].
  قلت: لأن نفي العلم ليس بعلم، وهذه القضية التي تكلم عنها الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، وأن أهل العلم يكتفون في تصحيح الحديث بالمعاصرة، وأن اشتراط اللقاء والسماع إنما هو أمر زائد، قال هذا مسلم عندما ألف صحيحه، ولم يكن في هذا الوقت قد ألتقى بالبخاري أو أخذ عنه حتى يُقال أنه كان يرد على البخاري، فصحيح مسلم كتب بزمن قبل لقاء مسلم بالبخاري ولهذا لم يرو عنه في الصحيح.
فقضية عدم اشتراط السماع كانت محدثة في زمن الإمام مسلم لا يشترطها أهل زمانه، ولهذا رد عليها برد طويل مفصل في مقدمة صحيحه.
  قلت: نتابع باقي تخرصات الرجل، قال: "
وقد بقي الحديث دهراً يروى عن أبي قتادة من غير نسبة، حتى جاء شعبة واستوثق من شيخه: غيلان بن جرير أهو الأنصاري؟ فقال – على التوهم والظن – نعم. وجرى عليه الناس بعد شعبة، فصاروا ينسبونه اعتماداً على قول غيلان. والحق أنه ليس هو الأنصاري، كما سبق النقل عن البخاري الخبير بالرجال والعلل". اهـ
   قلت: هذا الرجل مسكين لا يدري ما يخرج من رأسه، عنده هلاوس شديدة، نسأل الله العافية، يزعم أن رواي الحديث الثقة "غيلان بن جرير الأزدي" يُسأل فيجيب على التوهم والظن، فيسأله شعبة بن الحجاج هل راوي الحديث هو أبي قتادة الأنصاري؟
فيجيب على التوهم والظن : نعم هو الأنصاري؟

قلت: وهذا الذي ذكره أخرجه أبو عوانة في مستخرجه على مسلم :" باب بيان فضيلة صوم عرفة وثوابه":

 حدثنا الصاغاني ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت غيلان بن جرير يحدث، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة. قلت: الأنصاري؟ قال: الأنصاري"اهـ .
   فراوي الحديث هنا يؤكد أن أبا قتادة هو الصحابي، غير أن صاحبنا يأبى إلا أن يطعن في السلف وينسبهم إلى التوهم والظن والجهل بما ينقلون.
والرجل -سماحه الله- يقول: "
الحديث دهراً يروى عن أبي قتادة من غير نسبة".
  قلت: وليس من هذا شيء، فالحديث -كما لا يعلم المسكين- عند الإمام أحمد من غير طريق شعبة، ومنسوب إلى أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-، فرواه أحمد من طريق قتادة، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة الأنصاري".
والحديث منسوب أيضًا إلى أبي قتادة الأنصاري الصحابي -رضي الله عنه- عند مسلم في صحيحه، رقم (1162)، وابن خزيمة (2126)، وأبي نعيم في مستخرجه على مسلم (2545).
وأخرجه الحاكم في مستدركه (4179) منسوبًا إلى أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-، ثم قال:" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إنما احتج مسلم بحديث شعبة عن قتادة بهذا الإسناد : صوم يوم عرفة يكفر السنة وما قبلها".
  قلت: ثم استمر الرجل في هلاوسه، فقال: "
والحديث غريب فرد ليس لأبي قتادة فيه متابع". اهـ
  فالرجل والله لا أدري ما يقال في مثله، كأنه يَرد أحاديث الأحاد، فلابد عنده في صحة الحديث أن يتابع عليه راويه حتى لا يكون غريبًا.
  ورحمة الله على إمام الصنعة ابن حبان -رحمه الله- لما بَين أن عامة الأخبار إنما هي أحاد.
ويتابع الرجل هراءه ليثبت وجهة نظره، وهو كما قلت مسكين يظن أنه يفهم في هذا العلم، فينقل آثر عن طاوس فيه: "عن سليمان الأحول قال : ذكرت لطاوس صوم يوم عرفة أنه يعدل صوم سنتين، فقال:" أين كان أبو بكر وعمر عن ذلك ؟ ". اهـ
قلت: والحديث أخرجه ابن أبي شيبة ورجال السند ثقات، إلا أنه ضعيف، لعدم أدرك طاوس أبا بكر أو عمر حتى يروي عنهما.
فهذه علة ظاهرة كما نرى، فما بالنا برجل يستخرج العلل الخفية من صحيح مسلم؟
ثم يعود ويجود إسناد حديث أخر، كأنه تعلم هذا الحرف قريبًا، فقال:
"
كما أخرج ابن جرير بسند جيد عن أبي السوار: أنه سأل ابن عمر عن صوم يوم عرفة، فنهاه". 
  قلت: فالرجل الذي يتكلم عن علل خفية في صحيح مسلم، يؤكد لنا أنه دخيل على هذه الصنعة، ككثير ممن استخدموا تضبيق المكتبة الشاملة فظنوا أنهم أصبحوا من المحدثين!!.
  فإن سألناه من الراوي الذي يروي عن ابن عمر ويعرف بـ "أبي السوار" هذا، لا يستطيع أن يجيب، لأنه لا وجود له إلا في هلاوس الرجل.
  فصاحب ابن عمر هو أبو السوداء، وهو مقبول الحديث إن توبع على ما أصل ابن حجر في تقريبه.
  أما أبو السوار فهو العدوي البصري الثقة، صاحب حديث " الحياء لا يأتي إلا بخير" والذي أخرجه البخاري ومسلم.
يروي عن: ع"لي بن أبي طالب وعمران بن حصين وجندب بن عبد الله"، ولا يعلم له رواية عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم جميعًا-.
والخلاصة:
   فهذا حال الرجل الذي يطعن في صحيح مسلم، ويجتمع عليه الجهلة ويظنون أنه على شيء.
وأكتفى بهذا القدر مع أني أمامي الكثير مما يقال في هذا المقام، ولكن يكفى هذا فقد شغلنا هذا المسكين في هذا اليوم الفاضل.
   مع التنبيه أن هذا المرض الذي يعاني منه هذا الرجل قديم، فهذا الإمام الألباني -رحمه الله- رد على رجل مثله، وكأنه يرد عليه بالحرف، فقال في الصحيحة حديث (3007 ـ بتصرف) في رده على المدعو حسان عبد المنان محقق "رياض الصالحين " : "
لقد كنت أسمع عن هذا الرجل ومجازفاته في الطعن في الأحاديث الصحيحة، وأنه وضع لنفسه قواعد- بزعمه- ينطلق منها في تضعيفها، وأحيانًا يتساهل فيقويها- اتباعًا للهوى- غير ملتزم في ذلك القواعد العلمية التي وضعها العلماء، فكنت أتريث حتى نجد من آثاره ما ندينه به؛ حتى صدر كتابه، فتأكدت من ذلك، وصدَّق الخُبر الخَبر، ولا أريد الإفاضة في ضرب الأمثلة، فالمجال ضيق الآن، فحسبنا الآن قوله المذكور أعلاه؛ فإنه يكفي للدلالة على ما تقدم، وذلك من وجوه: ...

  وجملة القول؛ أن الرجل واسع الخطو جدًا في تضعيف الأحاديث الصحيحة دون الاعتماد على القواعد العلمية، وفي كثير من الأحيان يتشبث في التضعيف ببعض الأقوال المرجوحة، كما فعل في إعلاله لحديث أبي قتادة مرفوعًا (رقم 957) : "صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية " بأن الراوي عن أبي قتادة- وهو عبد الله بن معبد الزماني- لا يعرف له سماع من أبي قتادة! وهو تابعي ثقة، والمعاصرة كافية في الاتصال، ولم يُرْمَ بالتدليس، فلا أدري هل هو يجهل هذا؛ أم هو التجاهل؟!

"فيا عجبًا لوبْر تدلى علينا من قَدوم ضال "يتعالى على هؤلاء الحفاظ، ويخطئهم وهو كما قيل: "ليس في العير، ولا في النفير"، وما ذلك منه إلا تشوفًا وحبًا للظهور، متجاهلًا قول العلماء: "حب الظهور يقصم الظهور". وذاك- والله- منتهى العجب والغرور!" اهـ.
قلت:
   فالمرض قديم ومتفشي، ولهذا يلزم أهل السنة الأخذ على أيدي هؤلاء الدخلاء، صيانة للسنة، وحفاظًا على دين الناس.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة (يوم عرفة) 9 / ذو الحجة / 1445
15 / 6 / 2024


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق