إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

خدعة صفقة القرن!

خَدْعَة صفقة القرن!


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن من النصائح النافعة في دنيا السياسة، والتي ينبغي على كل من شغله هذا الباب أن يتعلمها ويعمل بها، قولهم: "لا تشتغل بالثعبان حتى لا تلدغ من العقرب".

وذلك لأن السياسة قائمة على الخداع، كما في قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "الحرب خَدْعَة" .[رواه البخاري ]

وواقع الناس اليوم، وبعد أن دُست لهم الأمور السياسية دسًا، فأصبحت كأنها من أركان حياتهم اليومية!، واقع الناس اليوم يُظهر أنهم دائمًا ينخدعون فيشغلون بالثعبان ويغفلون عن العقرب!.

ودونك هذه الخدعة السياسية التي تسمى "صفقة القرن"، فالأصل فيها أن نجتمع على عداوة من وراءها ومن دبرها.

بيد أن الناس انشغلت بمن دبُرت له، وبمن يُراد له الوقوع فيها، ومن سيتعاون مع اليهود في الدول الإسلامية والعربية لتحقيقها، وبدأ الرمي بالعمالة والتخوين، كأنها أصبحت حقيقة على أرض الواقع وليس مشروعًا يجرى تنفيذه.

وطبيعي في هذه الغفلة أن نلدغ ممن دبرها، وسينتهي الأمر بأن من دبرها وصل إلى ما أراده وزيادة!.

والعقرب في هذه الخدعة هم اليهود، هم من دبر هذه المؤامرة وأسسها.
وينبغي أن تعلم حتى تفهم حقيقة هذه الخدعة أن اليهود من أعلم الخلق بطبيعة البشر وطرق تفكيرهم، فالمشروع اليهودي التوراتي قائم على هذا الأصل:

استغلال غرائز البشر

وميولهم الفكرية والعاطفية والسياسية.

جاء في برتوكولاتهم أن من وسائل التمكين لهم:

"استعمال عواطف الناس المتأججة بدلًا من إخمادها. مع تضخيم الأخطاء والعادات حتى لا يستطيع الإنسان أن يُفكر بوضوح في هذه الظلمة والتشابك، وهو ما يعبر عنه بـ "التفكير في ضوء رؤية ضبابية". [انظر البرتوكول الخامس].

فخلق الغموض وإظهار التشابك والاختلاف حول الأحداث، من سنن المشروع اليهودي للتعمية عليه، لكي لا يُبصر خصمهم ما يدبرون بسبب هذه الصورة الضبابية التي أشرنا إليها آنفا .

كما أن اليهود يفهمون جيدًا نفسية عامة شعوب العالم العربي اليوم!.

هذه النفسية التي لا يستنكف أهلها -إلا من رحم الله- في مواكبة كل ما يأتي به اليهود والحضارة الغربية، بداية من التشبه بهم في المأكل والمشرب والملبس، ووصولًا للعكوف على مواقعهم وقنواتهم.

ولكن إن جاء هذا التشبه أو المتابعة من مسؤول أو مشهور .. كانت الطامة الكبرى، وأن هؤلاء خانوا الأمة وخانوا الأمانة وأصبحوا عملاء لليهود والأمريكان!.

حتى أصبح الأمر أن اليهود إذا أرادوا إسقاط رجل أو حتى دولة في العالم العربي أثنوا عليها، ولو أردوا الترويج أو تحسين صورة أحد عملائهم أظهروا عداواتهم له، كما يدندنون دائمًا حول عداوة إيران وأنها هي الخطر الذي يهدد الدولة العبرية في الشرق الأوسط.

مع أن الشيعة حمير اليهود لا يدخلون بلدًا إلا على ظهورهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ، وكما رأينا ذلك رأي العين في أفغانستان والعراق.

وبهذا تبدأ القلاقل والفتن في ديار المسلمين والعرب، فيستغلها اليهود لتنفيذ مخططاتهم.

وقبل التكلم عن صفة القرن وماذا يريد اليهود من وراءها؟

لابد أن نفهم أيضًا خطة اليهود في إنفاذ مخططاتهم التوراتية التلمودية، والتي يسعون من وراءها لبسط ملكهم في الأرض، وتهيئتها لاستقبال مسيحهم المخلص، والذي سيكون في هيئة ملك من نسل داود، وليس في هيئة قديس، وهذا سبب رفضهم لرسالة عيسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-.

هذه المملكة التي ستكون عاصمتها "أورشليم"، وحدودها الجغرافية من النيل إلى الفرات، كما هي بشرى ربهم -رب الجنود- لإبراهيم -عليه السلام- كما في سفر التكوين.

أما الحدود الفعلية لهذه المملكة، فالأرض كلها!

فحقيقة احتلال الدول، هو : سلب خيراتها، وتسخير أهلها، وبسط المحتل لسلطانه الفكري والاقتصادي والسياسي على أهل هذه الأرض المحتلة، وهذا كله مكفول لليهود بدون تحريك الجيوش والأساطيل، وهو ما يطلق عليه بـ "العبودية طواعية".

وأما أهم مقومات نجاح المشروع اليهودي أنه قائم على "الشخصية اليهودية"!.

فاليهود كالتاجر الحاذق الذي يعرف السوق جيدًا، وما يحتاجه ويفكر فيه "الزبون"!.

فهو تاجر يعرف كيف تأكل الكتف؟ وكيف يتحصل على "الجنيه"؟!

وهذا مشاهد في بعض التجار الحذاق من غير اليهود؛ فترى الرجل من هؤلاء صاحب مشروع أو دكان، وعنده زبائن كُثر، وأصبح موضع ثقة عند الناس.

ولكن دكانه أو شركته أصبحت قديمة ومتهالكة ولا تواكب العصر!، فإن اقترحت عليه أن يجدد ويحسن من صورة مشروعه، تجده يرفض.. ليس بخلًا بالمال، ولكنه يرى أن هذه الهيئة المتهالكة من أسباب نجاحه، فهي لا تلفت نظر المسئولين إليه، ويستطيع من خلالها خداع منافسيه لظنهم أنه خارج المنافسة لِما يظهر من حاله، وربما اعتذر لصاحب اقتراح التجديد والتحسين بقوله: "المهم الدُرج"!.

وكذا اليهود لا يهتمون بمظهرهم ولا ما يقال عنهم، ولا يلتفتون إلى مدح أو ذم، لأن المهم عندهم "الدُرج" وما حصلوه من مكاسب فعليه تخدم مشروعهم التوراتي.

كما أن الملفت للنظر فيهم أنهم مع حرصهم وجشعهم، إلا أنهم يتمتعون بالصبر وعدم التسرع.

فلا يدخلون في صفقة إلا بعد هضم الصفقة التي قبلها جيدًا، فلا تغريهم الفرص السهلة، لعلمهم أن من استطاعوا خداعه سابقًا يتربص لهم ليسترجع ما أخذوه منه، فيصبرون حتى يحكموا قبضتهم جيدًا على ما سلبوه من غيرهم، فيقطع الأمل في استرجاعه.

وإن تركوا شيئًا مما سلبوه من غيرهم فاعلم أن هذا لخدعة سياسية، أو مسألة عقائدية، كتركهم "أريحا" في اتفاقية "غزة أريحا"، وذلك لأنه عندهم في التوراة أن من يُعمر "أريحا" ملعون!.

كما أن عدم تسرعهم يرجع لثقتهم أن ما في أيدي غيرهم محفوظ لهم حتى يأتي وقت حصاده، فهم يعملون في ذلك كله بالقاعدة الانجليزية الاستعمارية: "slow but sure " = بطيء لكن أكيد" .

فمن فهم ذلك وتصوره، أصبح عليه من السهل محاربة هؤلاء والتصدي لهم، لأن من عرف لغة قوم أمن مكرهم.

والآن نعود لتوضيح خدعة "صفقة القرن"، والتي ليست سوى كلمة، لو حاولت تتبع مصدرها وما يقصد بها، وما الهدف من وراءها؟ عجزت عن تحصيل ذلك، لشدة الغموض واللغط والتشابك حولها، فيما يعرف بـ "الرؤية الضبابية" التى أشرنا إليها آنفا.

والتي هي جزء من البرتوكول الرابع، والذي قالوا فيه:

"ففي كل الأزمات، الأمم تأخذ الكلمات على أنها أفعال، كأنما هي قانعة بما تسمع، وقلما تلاحظ ما إذا كان الوعد قابلًا للوفاء فعلًا أم غير قابل له".

فالخدعة في "صفقة القرن" أنها ليست سوى كلمة روج لها إعلاميًا، وليس وراءها مشروعًا بعينه واضح الملامح، وإنما الهدف هو تحريكها وتضخيمها ثم انتظار ما يتحصل من وراءها، وأكبر ثمرة تجنيها هذه الخدعة.

واليهود في "صفقة القرن" كباقي مشاريعهم، ليس لهم هدف واحد.

وهذه طبيعة اليهود.. لا يبدؤون مشروعًا ويأملون من وراءه تحقيق هدف واحد، ولكن يستغلون كل ما يمكن حصاده من وراء هذا المشروع.

والصورة الضبابية مقصودة في هذا المشروع، لأنه ينتج منها شغل العامة بالأمور السياسية ومنازعتهم لقرارات ولاة الأمور والحكام وتخوينهم، كما نص على ذلك البرتوكول التاسع.

وذلك يؤدي إلى ردود فعل في الدولة المستهدفة، ويكشف عن مواطن الخلل والضعف فيها والتي يُعمل على استغلالها فيما بعد.

ومشروع "صفقة القرن" يروج له أنه على تصفية الوجود الفلسطيني من الأراضي المحتلة، وترحليهم إلى أراض أخرى، والذي استبعد حدوثه بهذه الصورة التي تطرح على الناس في وسائل الإعلام، من تفريغ أرض فلسطين من جميع أهلها، وجعلها لليهود وحدهم.

هذا مستبعد في هذه المرحلة من الصراع، إذ وجودهم في فلسطين مصلحة لليهود، لأنهم ورقة ضغط قوية لإبقاء حالة الشحن والغضب بين الشعوب العربية والإسلامية وحكوماتهم حتى تتفكك وتضعف ويَسهل السيطرة عليها وتقسيمها فيما بعد.

وعلى كل حالٍ ما يحدث في فلسطين منذ مدة استراتيجية تسمى "أنف الدب"، وخلاصتها: أن الدب غزا مستعمرة النمل، ولم يكتفي بذلك بل جلس على بيت النمل فدمره، فما كان من النمل إلا الانتقام ممن دمر مستعمرته، فقام بغزو جسم هذا الدب كما غزا هو أرضه، وأخذ يقرصه ويؤذيه.

فلم يكن أمام الدب حيلة للتخلص من إيذاء النمل إلا بالنزول إلى الماء، فلما نزل بنصفه الأسفل في الماء، صعد النمل على ظهره، فنزل الدب بوسطه في الماء، فاجتمع النمل على رأسه، فنزل الدب أكثر ولم يترك من جسده سوى انفه لكي يتنفس منها، فاجتمع النمل على انفه، فأتي بحزمة قش وجعلها بجوار انفه ثم أخذ نفسًا عميقًا ونزل في الماء، فقفز النمل على القش لكي لا يغرق، وخرج الدب من الماء وقد تخلص من عدوه المؤذي.

فالدب في هذه القصة هم اليهود، وجسمه = أرض فلسطين، والنمل هم شعبها، والماء هو عمليات التهجير والجدار العازل وسمي ما شئت من جرائم اليهود في هذه الأرض المقدسة، وأما أنف الدب، فهي غزة، وأما حزمة القش.. فالعامي الذي شغلته السياسة وهو لا يعرف عقيدة عدوه سيقول: سيناء، والحق أن حزمة القش لابد أن غرب نهر النيل، وسيناء شرق النيل وهي من أرض اليهود التوراتية، ولهذا أصر اليهود في اتفاقية كامب ديفيد أن تكون سفارتهم في غرب النيل في الجيزة وضواحيها، ورفضت أن تكون في الجهة الشرقية، لأن سفارة الدولة لا تكون في أرضها، وإنما في أرض الدولة الأخرى، والله المستعان.

وهذا الذي ذكر آنفا هو ما يروج له في الإعلام، والحق أنه يريد منا أن نشتغل بالثعبان عن العقرب.

فهذه المرحلة في المشروع التوراتي ليس المقصود منها فلسطين، فهذا مشروع انتهى عندهم منذ عام 48، وإنما عينهم في هذه المرحلة على بلد الله الحرام.

وهم من فترة ليست بالقصيرة يهيئون الشعب الأمريكي والانجليز إلى قرب وعد الرب بحلول الألف عام السعيدة، والتي على حسب معتقد البروتستانت والذي يتدين به أغلب الشعب الأمريكي والبريطاني، وهم فعلًا يتدينون بهذا المعتقد ويقاتلون عليه وليس كما يروج الإعلام أنهم على العلمانية والالحاد، وابحث عن ما يسمى بمناطق الهلال المسيحي في أمريكا ستعرف حقيقة ذلك.

المهم: نبوءة الألف عام السعيدة ملخصها: أنه سينزل المسيح -عليه السلام- قبل ألف عام من قيام الساعة، وسيجعل لمن أمن به في هذه الأرض جنة يتمتع بها قبل دخول ملكوت السماء!.

ولكن هذا لن يحدث حتى يُرفع غضب الرب عن اليهود ويعودوا مرة أخرى إلى أرض الميعاد التي تم نفيهم عنها بوختنصر أيام النفي البابلي، والتي تمتد من نهر النيل إلى النهر العظيم نهر الفرات.

وهذا في نظر الأمريكان والانجليز كاد يتحقق، فالمنطقة من العراق مرورًا بسوريا ولبنان وفلسطين تكاد تكون تحت أيديهم بالفعل، إلا أن حدود الدولة العبرية التوراتية داخل فيها منطقة تبوك السعودية، إذ أنهم يزعمون أن غار نبي الله دانيال كان يقع في منطقة تبوك والتي لا تبعد سوى 200 كيلو متر من تل أبيب، وقد قام أخيرًا المؤرخ اليهودي "آفي ليبكين" للتأصيل لهذا الغزو لبلاد الحرمين، في كتابه "العودة إلى مكة"، بخلاف حلقاته المصورة في الفضائيات والتي يأتي فيها بصور لثيران نحتت على الصخر في أرض تبوك السعودية يزعم أنها من صنع بني إسرائيل أيام التيه!!.

فيؤصل لهذا المعتقد في نفوس الأمريكان والذي يعتقدون أنهم ليسوا سوى كلابًا عند اليهود كما أسس لهم هذا المتعقد "مارتن لوثر" في كتابه: "المسيح ولد يهوديًا".

فصفقة القرن يا صاحبي ليست قاصرة على تهجير الفلسطينيين من غزة إلى غرب نهر النيل فقط، بل داخل فيها غزو البلد الحرام والذي أظن أنه لن يكون إلا بواسطة حمير اليهود من الشيعة والخوارج كداعش وأخواتها.

كما أنه داخل في خدعة صفقة القرن تقسيم ما بقي من العالم الإسلامي إلى دويلات لا تجرأ على محاربة مملكة الرب "أورشليم".

فهذا هو ما يمكره أعداؤنا، ونحن نعتقد ضده، إذ بشرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أننا سنقاتل هؤلاء العلوج ونقتلهم على بكرة أبيهم شر قتلة يؤمئذ، حتى من يلتجأ منهم للاختباء وراء الحجر أو الشجر، سيُنطق الله هذه الجمادات ساعتئذ، وتقول: "يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود". [رواه البخاري ومسلم].

كما نؤمن أنهم لن يتمكنوا من هدم المسجد الأقصى، إذ أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الدجال، فقال: "إنه يمكث في الأرض أربعين صباحًا يبلغ فيها كل منهل، ولا يقرب أربعة مساجد، مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد الأقصى". [رواه أحمد بسند حسن من طريق عبد الرزاق عن الثوري].

هذا؛ والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وصلى اللهم على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد

القاهرة 3 / محرم / 1442

22 / 8 / 2020