إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 يناير 2021

الكريسماس بين تحريم الفاتيكان.. واحتفالات الأمريكان!

 

الكريسماس بين تحريم الفاتيكان.. واحتفالات الأمريكان!


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

   فإنه ربما وقع البعض في حيرة بسبب التوفيق بين تصريح الفاتيكان بجاهلية الاحتفال بأعياد الميلاد "الكريسماس"، وواقع الثقافة الغربية، وخاصة الإعلام الأمريكي، إذ يُظهر أن "الكريسماس" أهم مناسبة دينية، وأنه موسم تحقيق الأمنيات والمعجزات!، وأنه هبة ربانية تستحق الصلاة والشكر في الكنائس في هذا اليوم!.

   والأمر غير قاصر على أمريكا وحدها بل هو واقع في كثير من دول أوروبا وروسيا ودول كثيرة على النصرانية في أسيا وغيرها.

   والحق أن رفع هذه الحيرة والإشكال أمر في غاية التعقيد؛ إذ أن السباحة داخل التيارات المسيحية الغربية أمر صعب جدًا؛ فإن كل كنيسة هناك تستطيع أن تستقل بمعتقد جديد مُحْدَث لم تُسبق إليه، ثم تنزع نصًا من كتابهم المقدس تزعم أن معتقدها يوافق إصحاح كذا، أو نص كذا من هذا الكتاب!، ثم تبدأ في جذب أتباع لها، بخدعة بسيطة، وهي رؤيا منامية يتزعمها أحدهم، أو وعد إلهي من أحد القساوسة، بأن أتباع تعاليم كنيسته سيكتب لهم الخلاص!، ويكونوا ممن اختارهم المسيح عند نزوله الثاني .. ليكونوا معه في مملكة الرب والتي سيكون عمرها ألف سنة، وتكون قبل قيام الساعة!.

   والحق أن هذا غير قاصر على نصارى الغرب وحدهم، بل هو أيضًا في نصارى الشرق بصورة أخرى.

    وهي تأويل النصوص بفلسفة غريبة لا يقبلها عقل ولا منطق، حتى أنه وقعت لي مناظرة يومًا مع أستاذ في اللاهوت!، كان يزعم ويروج لأتباعه أن إلوهية عيسى ثابتة في القرآن!، فلما جاء دوري في الكلام قلت: أنك لن تستطيع أن تثبت حتى ذلك من كتابك المقدس مع وقوع التحريف فيه، وذكرت مثالًا للتحريف، وهو وجود النصوص الجنسية الداعرة في كتابه،

  ك "نشيد الإنشاد"، وأنه لا يتجرأ المرء إلى نسبة هذه النصوص إلى رجل من الصالحين، فما بالك بنسبتها إلى رب العالمين ـ سبحانه ـ ؟
فكان رده: أن هناك رمزية أنا لا أفهمها في هذه النصوص، فهذا حوار بين الكنيسة العلوية تطلب فيه من الكنيسة السفلية أن ترتقي لتكون لها رفقة في ... وبدأ في ذكر طلاسم، أنا على يقين أنه لا يفهم معناها!.

العجيب!، أنه ظهر البِشر والفرح على وجه أتباعه عندما قال هذا الكلام، كأنه ألقمني حجرًا، وأقام علي الحجة!.
  وهذا كله كان سببًا في ظهور التيارات الأصولية في النصرانية، والتي تحتم التدين بحرفية نصوص الكتاب المقدس، وعدم تأويلها أو تحريفها
(1).

   وطلبا للاختصار، ينبغي أن يُعلم أن أمريكا ومعها بريطانيا، على معتقد البروتستانت، وهذه الطائفة تعتقد بحرفية نصوص الكتاب المقدس ـ في الغالب ـ ، كما تعتقد بنبوءات العهد القديم، بل تقدمه على الأناجيل في أكثر الأحيان، كما يتعقدون برفعة وفضل اليهود، وأنه لن تقوم أحداث الساعة، ولن ينزل المسيح المخلص مرة أخرى إلا بعد تمكين اليهود في أرض الميعاد

 ـ من النيل إلى الفرات ـ، بل ينسبون أنفسهم إلى قبيلة "منسى" (2)، وهي أحدى القبائل الإسرائيلية، بل يعتقد الشعب الأمريكي أنه "شعب الله المختار"!، وأن أمريكا هي " أرض الميعاد"!، وفقا لفكرة "المصير المبين" التي صاغها "جون أو سوليفان" عام 1845 ، كما بينا ذلك في كلمة سابقة عند التكلم عن "يهود المارانو .. والسينما الأمريكية".

   وتقريبًا كل رؤساء أمريكا كانوا على هذا المعتقد، إلا "جون كيندي"، فقد كان على معتقد الأوربيين.

   أما نصارى أوربا فإن أغلبهم على الكاثوليكية، وهؤلاء يقدمون الأناجيل على العهد القديم، بل يعتبرون نبوءات العهد القديم أساطير،          

كما قال الرئيس الفرنسي "شاك شيراك" عن الرئيس الأمريكي "بوش" عندما تكلم عن النظام العالمي الجديد ـ يقصد الألفية السعيدة ـ وتمهيد الأرض بغزو العراق وصولًا إلى النيل، قال: "أنه يؤمن بخرافات العهد القديم" .

   وأكثرهم يعتقدون أن اليهود هم قتلة المسيح!، بل أن المسيح لم يكن يهوديًا، بخلاف البروتستانت إذ يعتقدون أن المسيح ولد يهوديًا، ولهذا هم يدينون لليهود بالتبعية.

    ويذهب بعض الكاثوليك إلى "أبلسة اليهود" وأنهم ينحدرون من نسل الشيطان، وأن يهود اليوم ليسوا من سلالة العبرانيين المشار إليهم في التوراة، وإنما ينحدرون من أصل تركي ـ منغولي ، كيهود الإشكناز .

   فالخلاف بين الطائفتين كبير، لا يجمعهم منهج أو معتقد مع أنهم في المنتهى نصارى، ولا يجتمعون إلا في حربهم على أهل الإسلام فقط؛ إذ أن الكفر كله ملة واحدة.
   هذا؛ والفاتيكان على معتقد نصارى أوروبا "الكاثوليكية"  ـ ، ويتبنى 

ـ الآن ـ في قضية الاحتفال بالكريسماس وأعياد الميلاد ما قرره "هربرت أرمسترونج" مؤسس الكنيسة العالمية للرب في أوجين ـ أوريجون عام 1933.

   و "أرمسترونج" أكتسب شعبيته في العالم المسيحي الغربي بسب حلم تجسد فيه الرب لزوجته!، وأمره فيه بحفظ يوم السبت، فأسس بعدها عقيدة "الأنجلو إسرائيلية"!، والتي يقوم أتباعها بالطقوس اليهودية متضمنة صلاة السبت، وأضافوا إليها ثلاث طقوس مسيحية هي: العمادة، وإفطار الرب، وغسل الأقدام.
   وفي كتابه الأخير "سر الأزمنة" وضع أرمسترونج "سيناريو" لأحداث يوم القيامة، إذ يسبق النهاية تحقيق حلم دانيال بالمملكة الرابعة التي ستكون "الاتحاد الأوربي" وستتحطم تلك المملكة بعودة المسيح، ثم تندلع معركة هرمجدون!، وكان "أرمسترونج" مقتنعًا بأن دخول الجنرال أللنبي القدس عام 1918، وقيام دولة اليهود في فلسطين عام 1948، دليلان على قرب قيام الساعة!!.

   كما أنه يرى أن طالما أن ملك إسرائيل "المسيح" لم يأت بعد، فإنه من الهرطقة الاحتفال بالكريسماس أو الفصح.
   وهذا ما يتبناه الفاتيكان الآن، وأن احتفال بعض الأوربيون بالكريسماس إنما هو من باب العادات والبدع في الكاثوليكية!.

   ولعله ظهر ما كنت أقصده من أن توضيح المسألة أمر في غاية التعقيد؛ إذ كيف يعتقدون عداوة اليهود ويعظمون أعيادهم كالاحتفال بالسبت؟
   وفي الوقت نفسه يحاربون الاحتفال بالكريسماس كيدًا في البروتستانت لأنهم يعظمون اليهود قتلة المسيح؟!

   وصدق الله ـ عز وجل ـ إذ قال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} . [ النساء : 82 ].

   ولهذا يتوجب على المسلم بعد هذا الجولة في هذه الديانة المحرفة = أن يحمد الله على نعمة الإسلام والعقل، وأن يخالف طريقة هؤلاء الكفار، فلا يتشبه بهم في شيء مما هم عليه، لأن ذلك يستجلب غضب الله عليه، ويثبت هؤلاء الكفرة على ما هم عليه من الكفر= عند رؤيتهم لمتابعة بعض أهل الإسلام لهم.

  هذا؛ ونبتهل إلى الله ـ جل جلاله ـ بدعاء خليل الرحمن ـ عليه السلام ـ

 { رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 23 / جمادى الأولى / 1442
7 / يناير / 2021

هامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): التيارات الأصولية في أمريكا وبعض دول أوربا، تشبه إلى حد كبير الفرق التكفيرية المسلحة في بلاد المسلمين؛ إذ أنها تتبنى العنف المقدس ـ الجهاد المسلح ـ لتطبيق تعاليم العهد القديم، ومحاربة العلمانية والحداثة، والإجهاض والمثلية الجنسية، كل ذلك لإقرار حاكمية الرب!.

وهذه التنظيمات تعرف في أمريكا باسم "جيش الله" ( (army of god ، ولعل أشهر عملية لهم .. تفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما عام 1995، وقتل مجموعة من الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض، وتفجير 8 عيادات لهم في عام 1984.
وكان من ضمن القتلة القس "بول هيل"، وقد قام القس "مايكل براى" بالدفاع عنه، ثم وضع كتابا دافع به عن تبرير قتل الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض، سماه "حان وقت القتل"!. [انظر المسيح اليهودي 211 : 219].

(2): ابن يوسف ـ عليه السلام ـ من زوجته المصرية، وأخو أفرايم طبقًا للتوراة ـ سفر التكوين ( 41: 50 ـ 52 ) . [المصدر السابق: ص 204 ].