الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، و بعد :

فلم يتبقَّ لهم إلا القليل لكي ينفذوا وصية أئمتهم ـ عليهم السلام !! ـ من "
استباحة الحرمين " ، و " هدم الكعبة " ، و جعل " قم "
قبلة للناس ! ، و أخراج جسد أبي بكرٍ و عمر و عائشة لإقامة حد الشرع عليهم الذي
تأخر لمدة قرون! .
إلى غير ذلك من أحلام دولة المجوس
الحديثة " إيران " .
بيد أني وقفت على كلمة قالها " نواب صفوي " أحد زعماء منظمة
فدائيان إسلام الشيعية ، و الذي قام بقتل الأستاذ " أحمد مير قاسم الكسروي
" في داخل محكمة الدولة الإيرانية ! ، و " الكسروي " هذا ـ رحمه
الله ـ صاحب كتاب (( التشيُع و الشيعة )) و غيره من الكتابات التي هزت كيان التشيع
داخل المجتمع الإيراني و خارجه .
و الكلمة التي استوقفتني للـرافضي الخبيث
" نواب صفوي " هذا ، تبين كيفية الوسيلة التي سيتم للرافضة الأنجاس التوغل من خلالها للنيل من
باقي بلاد السنة !.. فقد قال في حشد من شباب الشيعة ، و شباب تنظيم الإخوان
المسلمين ما نصه : (( من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان
المسلمين ! )) [ موقف علماء المسلمين من الشيعة لعز الدين
إبراهيم ص / 15 ط سبهر 1406 هـ ].
فبين أن صفوف الإخوان المسلمين محضن لجيل جديد من الشيعة ! .
و السؤال :
و ينبغي قبل البدء في الإجابة .. أن تعلم كيف يفكر رجال و أعضاء تنظيم الإخوان
المسلمين ، لأنه إذا ظهر السبب زال العجب .
فهذا التنظيم لا يَتصور له وجود بدون فكر و تعاليم الأستاذ " حسن
البنا " المرشد المؤسس لهذا التنظيم ،
أو قل : شيخ الطريقة الإخوانية .
يقول سعيد حوى في كتابه [ في آفاق التعاليم ص / 5 ] : (( و نعتقد أنه لا جماعة كاملة إلا بفكر
الأستاذ البنا و إلا بنظرياته و توجيهاته (( . اهـ
و قال عمر التلمساني : (( لما كان الأمر
أمر تجميع ، و تكوين ، و توحيد مفاهيم أمة مسلمة ، لما كان الأمر عودة المسلمين إلى
الإيمان ، لما كان الأمر كذلك .. اختار الله لهذه الدعوة إمامها الشهيد حسن البنا . (( !! [ ذكريات لا
مذكرات ص / 8 ]
فالتنظيم يعتقد بوجوب اعتماد فكر و توجيهات الأستاذ
" البنا " لتكوين الجماعة الإسلامية .. لأن الأستاذ " البنا "
مصطفىَ من الله ! لإعادة المسلمين إلى الإيمان مرة أخرى كما بين المرشد السابق
للتنظيم الأستاذ " عمر التلمساني " .
و لهذا ينبغي النظر في فكر الأستاذ "
البنا " في كيفية تناوله لقضية التشيع ، حتى نعلم كيف ينظر التنظيم لهذه
القضية ! .
يقول الأستاذ التلمساني)) : و في الأربعينات
ـ على ما أذكر ـ كان السيد " القُمِّي " ـ من رؤوس الشيعة الرافضة ـ
يَنْزل ضيفاً على
الإخوان في المركز العام ، و وقتها كان الإمام الشهيد يعمل جاداً على التقريب بين
المذاهب ... و سألناه يوماً على مدى الخلاف بين أهل السنة و الشيعة ؟ فنهانا عن
الدخول في مثل هذه المسائل الشائكة ...
وقال : " اعلموا أن السنة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا الله محمد
رسول الله ، و هذا أصل العقيدة ، و السنة و الشيعة فيه سواء وعلى النقاء ، أما
الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب بينهما فيها ! ". [ ذكريات لا
مذكرات ص / 249 : 250 ]
و قال الأستاذ " عبد المتعال الجبري " نقلاً عن " روبير جاكسون " قوله : (( و لو طال عمر هذا الرجل ـ يقصد : حسن البنا ـ لكان يُمكن أن يتحقق الكثير لهذه البلاد ،
خاصة لو اتفق " حسن البنا " و " آية الله الكاشاني " ـ الزعيم الإيراني ـ على أن يُزيلا الخلاف بين
الشيعة و السنة ، و قد التقا الرجلان في الحجاز عام 48
و يبدو
أنهما تفاهما و وصلا إلى نقطة رئيسية لولا أن عوجل حسن البنا بالاغتيال )) . [ لماذا اغتيل حسن البنا ؟ ص / 32 الاعتصام طـ 1 ] .
قلت : فالأستاذ " حسن البنا " لم
يكن يرى فرقاً بين السنة و الشيعة ، فهما على كلمة " لا إله إلا الله ، و أن محمداً رسول الله " ! ، و أن تناول مثل هذه القضية بالنقاش
مما يفرق الأمة ، و لهذا ينبغي التقريب بينهما ! .
و من أجل ذلك تبنت الجماعة تقريب أهل السنة
من الشيعة ، حتى أنهم تنافسوا في هذا !! .
يقول مؤرخ التنظيم محمود عبد الحليم : (( و
أما الأستاذ " عبد الرحمن الساعاتي " بما كان يغلب عليه من تشيع لأهل
البيت ـ رضوان الله عليهم ـ و من مغالاة في هذا التشيع ، فإنه رأى نفسه و اشقاؤه و
بعض أهله و عشيرته أحق الناس بمكان أخيه و شقيقه في الدعوة ! )) [ أحداث صنعت
التاريخ 2 / 446 ] .
و يكتب عمر التلمساني ـ المرشد الثالث
للتنظيم و صاحب بدعة جمع و قصر صلاة الجمعة و العصر في السينما ! ـ في مجلة
المختار الإسلامي الإخوانية مقال بعنوان : " لا سنة و لا شيعة مسلمون أولاً
" قال فيه : ((التقريب بين الشيعة والسنة
واجب الفقهاء الآن ! )) [ انظر المختار الإسلامي أكتوبر 1985 م عدد 37 ]
و يقول في كتابه ( ذكريات لا مذكرات ص / 131
) : (( كان طلبة الإخوان يحتفلون بذكرى " نواب صفوي " رئيس جمعية
فدائيان إسلام الشيعية في إيران )) اهـ
وقال أيضاً : (( ولم تفتر
علاقة الإخوان بزعماء الشيعة فاتصلوا بآية الله " الكاشاني " واستضافوا في
مصر " نواب صفوي " ، كل هذا فعله الإخوان لا ليحملوا الشيعة على ترك مذهبهم
! ، و لكنهم فعلوه لغرض نبيل يدعو إليه إسلامهم وهو محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية
إلى أقرب حد ممكن )) .
و قد تابعهم المرشد السابق " محمد حامد
أبو النصر " على هذا الضلال حيث قال : (( إن أي حديث عن الشيعة يعني إثارة الفتنة
و منهجنا عدم الخوض في هذا الأمر )) اهـ .
و هو نفس ما قرره " محمد مهدي عاكف
" ـ المرشد العام السابق للتنظيم ـ فقال : (( نحن منذ فترة طويلة نتعاون مع
الشيعة فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه ! )) [ رسالة الإخوان
عدد 478 ]
و قال في جريدة الوفد المصرية : (( الإخوان
يتفقون مع الطوائف الرئيسية للشيعة " الجعفرية و الإثنا عشرية و الزيدية
" في العقيدة ، أما الاختلاف فلا يكون إلا في الفروع فقط ! ))
و قال : (( فالمذاهب السنية و المذاهب
الشيعية كلها معتبرة تقود إلى الجنة ـ إن شاء الله ـ حينما يحترمها الإنسان ! ))
اهـ
[ الجزيرة نت 3 / 10 / 2004 م ، نقلاً من الإخوان المسلمون بين الابتداع الديني
و الإفلاس السياسي للشيخ على الوصيفي ] .
و قال أيضاً : (( وفيما يخص المد الشيعي أرى
أنه لا مانع في ذلك ، فعندنا 56 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي سنية ، فلماذا
التخوف من إيران و هي الدولة الوحيدة في العالم الشيعية ؟ ، أليس حسن نصر الله
شيعياً ، ألم يؤيده الناس في حربه ضد إسرائيل في صيف 2006 ؟ )) [ النهار الكويتية
24 ديسمبر 2008 عدد 470 ] .
و نشرت مجلة " الغرباء " الإخوانية
بياناً على لسان " حامد أبو النصر " ـ المرشد العام للتنظيم حينها ـ فيه : (( الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد
الإسلام الإمام الخميني القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة ، و يسألون
الله له المغفرة و الرحمة ! ، و يقدمون خالص العزاء لحكومة الجمهورية الإسلامية و
الشعب الإيراني الكريم ، و إنا لله و إنا إليه راجعون )) [ العدد السابع لسنة 1979
م ] .
و قال سالم البهنساوي في كتابه [ السنة المفترى عليها ص / 8 ] : (( ومن المعروف أن صفوف الإخوان المسلمين في العراق كانت تضم الكثير من الشيعة الإمامية الإثنا عشرية ! ))
و نجد إسماعيل الشطي ـ أحد منظّري الإخوان
المسلمين في الكويت ورئيس تحرير مجلة (المجتمع) اللسان الناطق للإخوان المسلمين ـ يقول في مقالٍ كتبه في مجلة (المجتمع) عدد :455 بعنوان (الثورة الإيرانية في الميزان) :
(( و بما أن الشيعة الإمامية
من الأمة المسلمة و الملة المحمدية فمناصرتهم و تأييدهم واجب إن كان عدوهم الخارجي
من الأمم الكافرة و الملل الجاهلية .. فالشيعة الإمامية ترفع لواء الأمة الإسلامية
، و الشاة يرفع لواء المجوسية المبطن بالحقد النصراني اليهودي .. فليس من الحق أن يؤيد
لواء المجوسية النصرانية اليهودية ويترك لواء الأمة الإسلامية )) اهـ
و قال عمر التلمساني
: " لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين في العالم يهاجم ايران ؛ كان هناك
استثناءً لهذا عند الفرع الإخواني السوري الذي كان خارجاً للتو من مواجهة ضارية
(1979-1982) مع نظام الحكم السوري الحليف لإيران ،و إن كان هذا ليس رسمياً ،وإنما في
كتابات لأحد قيادات الإخوان في سوريا هو الشيخ سعيد حوا )) [مجلة " كرسنت "
الكندية ، بتاريخ 6 كانون أول 1984 ]
قلت : و النقل يطول في هذا الباب من كتب
الإخوان و مقالاتهم ، و من كان له أدنى اطلاع على أدبيات " تنظيم الإخوان "
يستوقفه أمور مشتركة بين الفريقين ، منها : أن لتنظيم الإخوان مرشد أعلى كما
للرافضة مرشد أعلى ، و قضية " الحاكمية
" التي يناور بها " تنظيم الإخوان " لخداع الناس ، شبيهة بـ "
الإمامة " التي يناور بها الرافضة ، بل هي من أصول مذهبهم .
فالشبه موجود .. و لكن هل يصل إلى درجة قول
" نواب صفوي " :
(( من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين ! ))
؟ .
نعود ..
معلوم أن أول قضية يفارق فيها
أهل السنة الشيعة ليست انتقاص الصحابة ـ عليهم الرضوان ـ ، و لكن رفعهم لأئمتهم إلى
منزلة الربوبية .. من معرفة الغيب ، و تصريف الكون ، و الإحياء و الإماتة ، و
غيرها من الأمور التي لا تصرف إلا للرب ـ سبحانه و تعالى ـ ، لكن قضية انتقاص الصحابة
هي القضية الأشهر في مخالفة الشيعة الرافضة لعقيدة أهل السنة .
فهل في كتب الإخوان المسلمين شيء من
ذلك ؟
فلننظر ..
هذا أحد علماء و مفكري التنظيم ، صاحب الحملات الشعواء على السنة النبوية ،
و المجاهد في إحياء الفكر المعتزلي الخبيث من تقديم العقل على النقل ! :
" محمد الغزالي " ، يرى أن الخلاف بيننا و بين الشيعة .. خلاف
خلقه الاستعمار و الصراع السياسي !!
قال في كتابه [ كيف نفهم الإسلام ص / 142 ]
: (( ولم
تنج العقائد من عقبى الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم وذلك أن شهوات الاستعلاء و الاستئثار
أقحمت فيها ما ليس منها فإذا المسلمين قسمان كبيران (شيعة و سنة) مع أن الفريقين يؤمنان
بالله وحده وبرسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ولا يزيد أحدهما على الآخر في استجماع
عناصر الاعتقاد التي تصلح بها الدين وتلتمس النجاة ! ))
و قال في [ ص / 143 ] : (( وكان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة
و السنة متصلاً بأصول العقيدة ! ليتمزق الدين الواحد مزقتين وتتشعب الأمة الواحدة-
إلى شعبتين كلاهما يتربص بالآخر الدوائر بل يتربص به ريب المنون ، إن كل امرِيءٍ يعين
على هذه الفُرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ
وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } )) اهـ .
و قال في كتابه ( ظلام من الغرب ) ـ و الذي ذكر فيه أن الخلاف بيننا و بين
الشيعة سياسي أكثر منه ديني ! ـ ص / 197 : (( وأنا موقن أنه ـ أي الأزهر ـ إذا مد
يده للشيعة فإن أكثر عوامل الوقيعة سوف تذوب من تلقاء نفسها كما تذوب كُتلُ الجليد
تحت أشعة الشمس )) .
قلت : فهذا هو فهمه لتلك القضية .. فهل وقع في شيء من انتقاص الصحابة ؟
لقد نسبَ " محمد الغزالي " جماعةً من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و
سلم ـ في كتابه (الإسلام المُفترى عليه ) إلى نحلة أرضية ، و بدعة عصرية فقال عن الفاروق عمر ـ رضي الله عنه
ـ : (( أنه كان أعظم فقيه اشتراكي !))
بل أفحش القول في [ ص
/ 103 ] فقال : (( إن أبا ذرٍّ كان اشتراكياً وأنه استقى نزعته الاشتراكية من النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ !! ((
فلم يكتفِ بأن نسب " أبا ذرٍ و عمر "
إلى هذه البدعة الإلحادية ، بل جعل أصلها الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ ! .\
و آخرٌ من مفكري التنظيم و علمائه ! ، بل لك أن تقول هو : سيد أفكار التنظيم
ـ المتطرفة ـ الأستاذ الخارجي الرافضي " سيد قطب
" .
قال في كتابه [ العدالة الاجتماعية في الإسلام ص / 159 ] و هو يتكلم عن
عثمان بن عفان ـ عليه الرضوان ـ : (( هذا التّصوّر لحقيقة الحكم
قد تغيّر شيئًا ما دون شكّ على عهد عثمان – و إن بقي في سياج الإسلام - لقد أدركت الخلافة
عثمان وهو شيخ كبير . و من ورائه مروان بن الحكم يصرّف الأمر بكثير من الانحراف عن
الإسلام . كما أنّ طبيعة عثمان الرّخيّة ، و حدبه الشّديد على أهله ، قد ساهم كلاهما
في صدور تصرّفات أنكرها الكثيرون من الصّحابة من حوله ، و كانت لها معقبات كثيرة ،
و آثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرًا ))
و في بعض الطبعات كان النص على هذا النحو : ((واعتذرنا لعثمان
أن الخلافة قد جاءت إليه متأخرة و هو يدلف إلى الثمانين يلعب به مروان ، فصار سيقة
له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن و صحبته لرسول الله ـ صلى الله عليه و سلم )) .
قلت : و لعل هذه اللفظة بحروفها خرجت من من مشكاة الرافضة فقد قال " علي بن يونس
البياضي العاملي " الرافضي المحترق في كتابه في [ الصراط المستقيم ( 2 / 30 ) ] ما نصه : ((
كان عثمان ممن يلعب به و كان ... )) .
و قال " سيد فطب " أيضاً في حق شهيد الدار : " عثمان بن عفان " ـ رضي
الله عنه ـ :
(( فأما في حياة النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ و صاحبيه و خلافة علي بن أبي طالب ، فقد كانت النظرة السائدة هي
النظرة الإسلامية ، و أما حين انحرف هذا التصور قليلاً في عهد عثمان ، فقد بقيت
للناس حقوقهم ، و فهم الخليفة أنه في حلّ ـ و قد اتسع المال عن المقررات للناس ـ
أن يطلق فيه يده يبرّ أهله )) [ المصدر السابق ص / 168 ] .
و قال : (( منح عثمان من بيت
المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم ... والأمثلة كثيرة في سيرة
عثمان على هذه التّوسعات ؛ فقد منح الزّبير ذات يوم ستمائة ألف، و منح طلحة مائتي ألف
، ونفّل مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية... )) اهـ
و قال في [ 161 ] : (( مضى عثمان إلى رحمة ربه ، و قد خلف
الدولة الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكن لها في الأرض ، و بخاصة في الشام، و بفضل
ما مكن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام، من إقامة الملك الوراثي والاستئثار
بالمغانم والأموال و المنافع، مما أحدث خلخلة في الروح الإسلامي العام . و ليس بالقليل
ما يشيع في نفس الرعية ـ إن حقاً و إن باطلا
ـ أن الخليفة يؤثر أهله، و يمنحهم مئات الألوف ؛ و يعزل أصحاب رسول الله
ليولي أعداء رسول الله !! ؛ و يبعد مثل أبي ذر لأنه أنكر كنـز الأموال ، و أنكر الترف
الذي يخب فيه الأثرياء، و دعا إلى مثل ما كان يدعو إليه الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ من الإنفاق و البر و التعفف.. فإن النتيجة الطبيعية
لشيوع مثل هذه الأفكار، إن حقاً و إن باطلا ، أن تثور النفوس، و أن تنحل نفوس ؛ تثور الذين أشربت نفوسهم
روح الدين إنكاراً و تأثما ، و تنحل نفوس الذين لبسوا الإسلام رداء ، و لم تخالط بشاشته
قلوبهم ، و الذين تجرفهم مطامع الدنيا ، و يرون الانحدار مع التيار . و هذا كله قد
كان في أواخر عهد عثمان )) .
.
قلت : هذا ما قاله في " عثمان بن عفان " ـ رضي
الله عنه ـ فلما جاء إلى ذكر " علي بن أبي طالب " ـ رضي الله عنه ـ قال : ((
جاء " علي " – كرّم الله وجهه – و لم يكن من اليسر أن يرد الأمر إلى
نصابه في هوادة وقد علم المستنفعون على عهد " عثمان " و بخاصة من أمية أن
" علياً " لن يسكت عليهم فانحازوا بطبيعتهم إلى " معاوية " و بمصالحهم
إلى معاوية ، جاء " عليٌ " ليرد التصور الإسلامي للحكم إلى نفوس الحكام و
نفوس الناس . جاء ليأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها ، ... ما يصنع " عليّ "
بنفسه ما صنع وهو يجهل هذا كله. إنما كان يعلم أن الحاكم مظنّة وقدوة. مظنّة التبحبح
بالمال العام إذ كان تحت سلطانه ؛ و قدوة الولاة والرعيّة في التحرج و التعفف. فأخذ
نفسه بعزائم أبي بكر وعمر في هذا الأمر )) .
هذا ؛ و لم يتوقف " سيد قطب " عند انتقاص عثمان بن عفان ـ رضي
الله عنه ـ بل ذهب لينال من صحابيين آخرين للرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ ، فقال في كتابه [ كتب و شخصيات ص / 242 ] :
(( إن معاوية وعمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل
النفوس ، و أخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب ، و لكن لأنهما طليقان في استخدام
كل سلاح ، وهو ( يعني : علياً ) مقيد بأخلاقه
في اختيار وسائل الصراع ، و حين يركن معاوية وزميله إلى الكذب ، و الغش ، و الخديعة
، و النفاق ، و الرشوة ، و شراء الذمم ، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل
فلا عجب أن ينجحا و يفشل ، و إنه لفشلٌ اشرف من كل نجاح )) .
قلت : و بعيداً عن النفس الرافضي الخبيث الظاهر في النقول السابقة من تفضيل
" علي بن أبي طالب " على " عثمان بن عفان " و " معاوية
بن أبي سفيان " و " عمرو بن العاص " ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ تجده رمى خال المؤمنين " معاوية " ـ
رضي الله عنه ـ بالكذب ! ، و هذه مصيبة .. لأن " معاوية " كان من كتبة
الوحي ، فإن كان كاتب القرآن كاذباً .. كان القرآن ماذا ؟! ؛ الإجابة تجدها عند من
يعتقدون تحريف القرآن .
هذا ؛ و قد كفانا الشيعة الرافضة البحث في حال " سيد قطب " هذا ،
فبينوا أنه على اعتقادهم ، فهذا " يحيى أبو هموس " أحد كُتّاب الشيعة
يصرح أن مذهب " سيد قطب " تكفير الصحابة ، فقال ما نصه : (( إنه يرمي
معاوية خصوصاً ، و بني أمية عموماً بالكفر ( يقصد : سيد ) ففي ( ص 172 ) من كتابه
العدالة الاجتماعية في الإسلام مطابع دار الكتاب العربي شارع فاروق بمصر ، يقول :
فلما أن جاء معاوية و صير الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً في بني أمية ، لم يكن
ذلك من وحي الإسلام ، إنما كان من وحي الجاهلية ، فأمية بصفة عامة لم يعمر الإيمان
قلوبها ، و ما كان الإسلام إلا رداء تخلعه و تلبسه حسب المصالح و الملابسات ... ))
.
ثم قال : (( و قال سيد قطب مصرحاً بكفر معاوية و بني أمية : فمعاوية هو ابن
أبي سفيان و ابن هند بنت عتبة ، و هو وريث قومه جميعاً و أشبه شيء بهم في بعد روحه عن حقيقة الإسلام ،
فلا يأخذ أحد الإسلام بمعاوية او بني أمية ، فهو منه و منهم بريء )) . [ أهل السنة
و الإمامية للسيد محمد الكثيري ص 700 ـ 701 بواسطة لا يا دعاة التقريب للوصيفي ص
96 ـ 97 ] .
قلت : و في عام 1966 ترجم للفارسية علي الخامنئي ـ مرشد الثورة الإيرانية الرافضية
، و تلميذ الخميني ـ كتاب سيد قطب :"
المستقبل لهذا الدين "، وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها مؤلف الكتاب ، الذي أعدم
في تلك السنة ،بـ " المفكر المجاهد " الذي سعى بهذا الكتاب في فصوله المبوبة
تبويباً ابتكارياً أن يعطي أولاً صورة حقيقية للدين ، وبعد أن بيَن أن الدين منهج حياة
،و أن طقوسه لا تكون مجدية إلا إذا كانت معبرة عن حقائقه ،أثبت بأسلوب رائع و نظرة
موضوعية أن العالم سيتجه نحو رسالتنا و أن المستقبل لهذا الدين".
ثم وعد أنه سيترجم قريباً للقراء كتاباً آخراً لسيد قطب و هو كتاب " خصائص التصور الإسلامي
و مقوماته " .
و أظن أنه لم يلتزم بوعده ، و اكتفى بوضع صورة " سيد قطب "
على طوابع البريد عندهم في إيران ! ؛ و أجزم أنه لو كان عندهم ما قاله " سيد
قطب " من كلام أهل السنة ، ما رفعوه إلى هذه المنزلة ، فانتبه ! .
و ننتقل إلى مفكر آخر من مفكري التنظيم ، و هو الأستاذ : " علي
الطنطاوي " فقد قال في مجلة الرسالة ( 978 ) في مقال [ أنا مع سيد قطب ] ما
نصه :
(( لقد هدمَ معاوية أكبرَ ركنٍ في صرح الدولة الإسلامية حين
أبطلَ الانتخابَ الصحيح ، و جعله انتخابًا شكليا مزيفا ، و تركَ الشورى ، و عطّلَ الكفايات
. و سَنَّ هذه السنن السيئة . بل هذه الجناية التي جرت أكثرُ البلايا و الطامات التي
تملأُ تاريخَنا السياسي ، فهل نقولُ لمعاوية : أحسنتَ في هذا ؟ بل إني لأَسأل : هل
يقولُ هذا محمدٌ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو كان حيًّا ؟ )) .
و قال : (( إنّ معاوية صحابي جليل ، و له مناقِبه و فضائله ، و لكن حكم
الدين على الجميع ، و مقاييس الإسلام يُقاس بها كل كبير، فهل كان معاوية في عملِه هذا
متبَعا أحكام الإسلام ؟ هذه واحدة و إنْ كانت بألف )) .
و قال : (( و أنا أكبر بني أمية ، و أمجِّدُ آثارَهم ، و أرفع أقدارَهم
، لكن لا أستطيع أنْ أقول إنّ دولتهم كانت دولةً إسلامية ، لأني أكون قد مدحتُهم بذمِّ
الإسلام ، و الإسلام أحبُّ إليّ و أعزُّ عليّ من بني أمية ، و بني هاشم ، و أهل الأرضِ
جميعا )) . اهـ
قلت : و لا تغتر بطريقة " سمِّن كبشك لتُعيد به "
فهو أسلوب للحركيين معروف من تقديم الثناء قبل النقض على ما أثنوا عليه كأنهم أنصفوا أولاً
ثم هذا من تمام الإنصاف ! ، فما معنى ذكر فضل الصحابي ، و أنه ... و أنه ... ثم
بعدها إظهار أنه أتى بفعل لم يخرج إلا من شيخ المنافقين ! .
و لعل أسلوب القيادي الإخواني المشبوه " صبحي صالح " أوضح من
أسلوب هؤلاء فقد صرح مؤخراً : (( أن سب الصحابة ليس من المسائل الخلافية في
الاعتقاد )) .
هذا ؛ و كان سبب هذه الكلمة التفتيش في معنى قول الزعيم الرافضي الخبيث
" نواب صفوي " : (( من أراد أن
يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين ! )) .
و صلى الله على محمد و على اله و صحبه و سلم.
و كتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 14 / 4 / 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق