الحمد
لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فإنَّ
إبليس عليه لَعَائِنُ الله لبَّسَ على طوائف من الخَلق فخرجوا على عليٍّ رضي الله
تبارك وتعالى عنه وكَفَّرُوه وقاتلوه وقتلوه، وفي المقابل لبَّس على طوائف من
الخَلق غالوا في علي رضي الله عنه فادَّعى منهم أقوامٌ أنَّه الله, وادَّعى
منهم أقوامٌ أنَّه نبي, وادَّعى فيه منهم مَنْ ادَّعى أقوالاً لا نُضَيِّعُ الزمان
في سردها.
وعَصَمَ
الله أهل السُّنَّة؛ فكانوا على الوَسَطِ الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى لهم؛
فأحَبُّوا آل البيت, ووالوا آل البيت, ولم يُنزلوهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله
تبارك وتعالى فيها، فعصمهم الله رب العالمين باتِّباع النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم من الإفراط والتفريط, والغلو والجفاء معًا.
والنبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخطب على المنبر يومًا فجاء الحسن بن علي رضي
الله عنهما يتعثر, فنزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المنبر فحَمَلَهُ
وصَعِدَ به المنبرَ, وأجلسه, وقال: (إنَّ ابني هذا سيدٌ, وعسى الله أنْ يُصلح
به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين), فكانت نبوءةً من النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم نطق بها بالوحي المعصوم, ووقع الأمر كما أخبر به الرسول صلى الله
عليه وعلى آله وسلم في عام الجماعة لما بُويع للحسن رضي الله عنه بالخِلافة,
وأرادَ معاويةُ رضي الله عنه أنْ يُصالحه وأن يشترط, فنزل له عن الخلافة واستقام
الأمر, واجتمع المسلمون فسُمِّيَ العامُ (عامَ الجماعة).
النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنَّ حسنًا وحُسينًا سيدا شباب أهل الجنة, وكان
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحمل الحسن ويقول: (اللهم إني أُحبُّه
فأَحِبَّه).
ومَضَت
الأيام وتعاقبت السنون ووقع بين المسلمين ما وقع، وعصم الله من الوقوع في الفتنة
من عصم, واستقام الأمر في عام الجماعة.
فلمَّا
قضَى معاوية رضي الله عنه ومضى إلى ربه بُويع ليزيد في شهر رجب - وكان على رأس
الرابعة والثلاثين من عمره - بُويع له بالخلافة - وقد وُلِدَ سنة ستٍ وعشرين من
الهجرة - فبايعه من بايعه, وامتنع عن البيعة عبد الله بن الزبير والحسين بن علي
رضي الله عنهما.
ثمَّ
إنَّ أهل الكُوفة لمَّا عَلِمُوا أنَّ حُسينًا رضي الله عنه امتنعَ عن البيعةِ
ليزيد راسلُوه، فتواتر الطَّوَامِيرُ - أي: الصحف - بالبيعة للحُسين رضي الله
تبارك وتعالى عنه مع دعوتهِِ إلى الخروج إليهم من أجل أن يصير الأمر إلى نِصَابِهِ
الذي كان ينبغي أنْ يكون فيه - كما يدَّعُون! -.
وأمّا
الحُسين رضي الله عنه فإنَّه أوفَدَ مُسْلِمَ بن عَقِيل بن أبي طالب لكي يَأخُذَ
له البيعةَ من أهل الكوفة, ومن أجل أن يرى الأحوال عِيَانًا,
وتهافت النَّاسُ على مُسْلِمٍ رحمه الله تعالى بالبيعة للحُسين رضي الله عنه, فجاءهُ اثنا عشرَ ألفًا يُبايعونه - يبايعون الحسين بن علي -, ويعاهدونه على المنافحةِ دونه بالدماء والأموال, ثمَّ تهافتوا حتى صاروا ثمانيةَ عشرَ ألفاً، وأرسل مُسْلِمٌ حين ذلك إلى الحُسين رضي الله عنه أنَّ الأمر قد استَتَبَّ فاخرج إليهم؛ فخرج رضي الله عنه بِثِقْلِهِ وبحَشَمِهِ وأزواجه وأولاده - رضي الله تبارك وتعالى عن آل البيت أجمعين - خرج يوم التَّروِيَة لسَنَةِ ستين من الهجرة.
وتهافت النَّاسُ على مُسْلِمٍ رحمه الله تعالى بالبيعة للحُسين رضي الله عنه, فجاءهُ اثنا عشرَ ألفًا يُبايعونه - يبايعون الحسين بن علي -, ويعاهدونه على المنافحةِ دونه بالدماء والأموال, ثمَّ تهافتوا حتى صاروا ثمانيةَ عشرَ ألفاً، وأرسل مُسْلِمٌ حين ذلك إلى الحُسين رضي الله عنه أنَّ الأمر قد استَتَبَّ فاخرج إليهم؛ فخرج رضي الله عنه بِثِقْلِهِ وبحَشَمِهِ وأزواجه وأولاده - رضي الله تبارك وتعالى عن آل البيت أجمعين - خرج يوم التَّروِيَة لسَنَةِ ستين من الهجرة.
فلمَّا
عَلِمَ بخروجه عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما تَعَلَّقَ به وقال: (لولا أنَّهُ
يُزرِي بي وبك لَتَشَبَّثْتُ برأسك ولم أدَعْك تخرج, ولكن إنْ كنت لابد
فاعلًا فدَع أهلك وذراريك ونساءك واخرج - إن خرجت - وحدك؛ فإن أهل العراق أهل غدر,
وقد رأيت ما فعلوا بأبيك وأخيك من قبل؛ فلا تخرج إليهم).
فقالَ:
(إنْ كانوا قدْ دَعوك وقد عزلوا واليهم وضبطوا أمورهم ثم استقدموك من أجل أنْ
يُوَلُّوك والأمر جميعٌ فاخرج إليهم، وإلا فلا تخرج).
فأبى
الحُسين رضي الله عنه إلا الخروج وكان أمرُ الله قَدَرًا مقدورًا.
ولمَّا
عَلِمَ عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما بخروج الحُسين - وكان بمكة - سار إليه
فَلَحِقَ به على مسافة ثلاثة أيامٍ سيرًا, فقال له ما قال وراجعه, وأَبَى الحُسين
رضي الله عنه إلا الخروج، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: (إنَّكم بَضْعَةٌ من رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وإنَّ الله ربَّ العالمين قد عَرَضَ على النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الأمر - يعني: المُلك - فأباه صلى الله عليه
وسلم, فوالله! لا تكونُ فيكم أبداً فارجع).
فأبَى
إلا الخروج وكان أمرُ الله مفعولًا.
فخرج
الحُسين رضي الله عنه إلى أهل الكوفة بموعدَتِهِم واستقدامِهِم وعهودِهِم.
وأهل
الكُوفة من الروافض كما قال البغدادي في ((الفَرْقِ بين الفِرَقِ)) قال: (إنَّ
الروافض من أهل الكُوفة هم أغدر الناس وأبخل الناس حتى صاروا مثلاً، يُقال: أغدرُ
من كُوفي, ويُقال: أبخلُ من كوفي).
وقد
استبان أمرُهم في مواضع منها: أنَّهم لمَّا بايعوا الحسن رضي الله عنه, وخرج رضي
الله عنه بمَنْ معه لقتال معاوية رضي الله عنه غَدَرُوا به - أي: بالحسن رضي الله
عنه -, لمَّا بايعوا الحسن بن علي وسار لقتال معاوية غدروا به, وضربه من
ضربه منهم في جنبه حتى ألقاه، وغدروا به عند سَابَاطِ المدائن فهذا أول
الغدر.
ثمَّ
غدروا بالحسين رضي الله عنه فبايع مُسْلِمَ بن عَقِيلٍ - رضي الله عنه ورَحِمَه -
بايعه ثمانيةَ عشرَ ألفًا منهم, وكان على الكوفة في ذلك الوقت النُّعمانُ بن
بَشِيرٍ رضي الله عنه, وكان حليمًا نَاسِكًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم ، فلمَّا عَلِمَ بما يجري هنالك من أمر البيعة وما هنالك من الرِّيبة خطب
الناس, فأَعلَمَهُم أنَّه لا يأخذ أحدًا بالظِّنَّةِ, ولكن إنْ خرجوا على إمامهم
فإنَّه سَيُعْمِلُ السيف في رقابهم, ولكن لا يأخذُ أحدًا بِظِنَّة, وكانَ حليمًا
ناسكًا رضي الله عنه.
فعزله
يزيد وضمّ الكوفة إلى البصرة؛ فجمعهما معًا لعُبَيد الله بن زياد - عامله الله
بعدله - وكان ظلومًا غشومًا، فلمَّا تولى أمرَ الكوفة مع أمرِ البصرة جاء الكوفةَ
فمازال في الفَتْشِ والبحثِ والتنقيبِ؛ فانفضَّ أهلُ الكوفة عن مُسْلِمٍ حتى
أَسْلَمُوهُ, وحتى صار طريدًا شريدًا فَقُتِلَ.
قُتِلَ
مُسْلِمٌ رحمه الله تعالى يومَ عرفة, وكان قد أرسلَ قبل ذلك إلى الحُسين ليخرج
لأهل الكوفة؛ فإنّهم على قلب رجلٍ واحد كما أَوهَمُوه, وكما ادَّعَوا!
فجاء
كتابَهُ الحُسينَ رضي الله عنه فجمع أهلَه وذريته, وأخذ حَشَمَه وخرجَ رضي الله
عنه يوم التَّروِيَةِ من سَنَةِ ستين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلَّمَ،
وقُتِلَ مُسْلِمٌ يومَ عَرَفَة من ذات السَّنَة في اليوم الثاني لخروج الحُسين رضي
الله عنه.
والنَّاسُ
في أمرِ الحسين طَرَفَان ووسط: فَطَرَفٌ هم النَّوَاصب مِنْ قَتَلَةِ الحُسين
ومِنْ مُبْغِضِي آل البيت يقولون: إنَّ الحُسين قد قُتِلَ بحق، وقد خرجَ على
الإمام خروجًا لا ينبغي له أن يخرجه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول - كما
يقولون - والحديث عند مسلم في الصحيح: (من جاءكم وأمرُكم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ
يريد أن يَشُقَّ العصا فاقتلوه كائِنًا من كان) معنى الحديث.
قالوا:
فقد قُتِلَ الحسين بحق.
وهم
لا يُحبُّون الحسين ولا عليًّا ولا آل البيت, بل إنّهم يُظهرون السرور لمقتله رضي
الله عنه, فهذا طَرَف.
وطَرَفٌ
آخر يقولون: إنَّهُ كان إمامَ الوقت وكان مُتَوَلِّيًا، وكان هو الذي بيده
أَزِمَّةُ الأمور, فإنَّه يعقد الرَّايات لأهل الجهاد, ويُولِّي من يُولِّي من العُمَّال,
ولا يُصَلَّى إلا خلف من وَلَّاه - رضي الله عنه -.
وهذا
خطأ؛ فإنَّ الحُسين لم يكن مُتَوَلِّيًا رضي الله عنه وعن آل البيت أجمعين فهذا
طرف.
طَرَفٌ
قد أفرطَ فيه جدًّا, وطَرَفٌ فرَّطَ في أمرهِ جدًّا, وأمَّا أهل السُّنَّة فإنهم
يقولون: إنَّ الحُسين رضي الله عنه قد قُتِلَ شهيدًا مظلومًا, وإنَّهُ رضي الله
عنه لمَّا أنْ حُوصِرَ ولمَّا أنْ جَدَّ الجِدُّ وانفضَّ عنه الناس - رضي الله عنه
وعن آل البيت أجمعين - طَلَبَ من عُمَر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - وكان
ابن زياد قد أرسله في جيشٍ لمقاتلة الحسين أو الإتيانِ به - فلمَّا جدَّ الجِدُّ
قال الحسين: إمَّا أنْ تدعوني كي أرجعَ إلى المدينةِ من حيث خرجت, وإمَّا أنْ
تدعوني حتى أذهبَ إلى يزيد فأضعَ يدي في يده, وإمَّا أنْ تدعوني حتى أذهبَ إلى
ثَغْرٍ من ثُغُورِ المسلمينَ فَأُرَابِطَ هنالك مجاهدًا في سبيل الله.
وأَبَوا
عليه إلا أن يَسْتَأسِرَ لهم - ولم يكن ذلك واجبًا عليه -، وأَبَوا عليه إلا أنْ
يضعَ يدَه في يد ابن زياد, وأن يصير أمرُه إليه؛ فأَبَى رضي الله تبارك وتعالى
عنه, فقتلوه, فَقُتِلَ مظلومًا شهيدًا رضي الله عنه.
فأهل
السُّنَّة يقولون: إنَّ الحُسين رضي الله عنه ما كان مُوَفَّقًا في الخروج رضي
الله عنه.
ولذلك
كما يقول علماؤنا رحمة الله عليهم وكما قرروه بعد في كتبِ العقيدة من عدم الخروج
على وُلَاةِ الأمرِ, وأنَّ ذلك يَجُرُّ من الشر ما يَجُرُّ, وصار ذلك مُدَوَّنًا
في كتب العقيدة كما قال شيخ الإسلام في ((مِنهَاج السُّنَّة)) وفي غيره رحمة الله
عليه.
فأهل السُّنَّة يقولون: إنَّ حُسينًا رضي الله عنه
لمَّا جَدَّ الجِدُّ عَرَضَ عليهم ما عرض، وكان واجبًا عليهم أنْ يُنصفوه رضي الله
عنه، فإمَّا أنْ يتركوه لكي يعودَ إلى المدينةِ, وإمَّا أنْ يَدَعُوه حتى يذهب إلى
يزيد، وإمَّا أن يدعوه حتى يذهبَ فيُرابطَ في سبيل الله رب العالمين مجاهدًا - وقد
أَنْصَفَهُم رضي الله عنه -, ولكن أَبَوا إلا أن يَسْتَأسِرَ لهم, وأَبَى أنْ
يُعطِيَ الدَّنِيَّةَ من أمرِهِ, وأنْ يأتيَ الأمرَ الذي فيه المَذَلَّة؛
فَتَأَبَّى عليهم فقتلوه, ومَنَعُوا عنه الماء والماءُ مَبذُول رضي الله تبارك
وتعالى عنه وعن آل البيت أجمعين.من كلام الشيخ الأستاذ / محمد بن سعيد رسلان
خطبة : إنهم قَتلة الحسين ـ رضي الله عنه ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق