تنظيم
الإخوان المسلمين وقضية فلسطين
الحمد
لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :
إن قضية
تحرير فلسطين والمسجد الأقصى من دنس اليهود قضية بينة المعالم، لا يجادل فيها مسلم
صحيح الإيمان, إذ كيف يرضى ببقاء أولى القبلتين تحت سلطة قوم لعنوا على لسان أنبيائهم
؟!
فالأمر
لا يحتاج إلى مزايدة، أو بناء بطولات وهمية .
بيد أن
بعض الفرق المعاصرة اتخذت من قضية فلسطين غرضاً لتحقيق مأرب لهم سياسية ودنيوية .
ومن هذه
الفرق " تنظيم الإخوان المسلمين "، فالملَاحظ أن بعض كتب ومقالات رجال التنظيم
تعزف على وتر الجهاد، وتحرير الأقصى، وإغاثة أهل غزة، تهيجاً للشعوب الإسلامية على
حكوماتهم بأنهم خانوا الأمانة، وسلموا فلسطين لليهود على طبق من فضة! .
يقول
محمود عساف : (( وأعلنت الهدنة الرسمية، وقبلها العرب جميعاً، إلا الإخوان المسلمين
الذين لم يعترفوا بها، لذلك قامت حكومة النقراشي باعتقال المجاهدين داخل معسكرات في
فلسطين يشرف عليها الجيش المصري )) [ مع الإمام الشهيد ص / 163 ]
وقال
عباس السيسي : (( كان الإمام البنا لا يترك وسيلة مُمكنة لتذكير الشعب المصري بخطورة
المؤامرة على فلسطين الشقيقة، كما كان شديد الحرص على استثارة العواطف الإسلامية الكامنة
في نفس شعب مصر، لينهض بما تفرضه عليه واجبات الأخوة الإسلامية نحو الشعب الشقيق في
فلسطين، من ذلك : ما قام به مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين من توجيه نداء إلى المسلمين
في مصر، دعاهم فيه للقنوت من أجل فلسطين في الصلاة... )) [ حسن البنا مواقف في الدعوة
والتربية ص /229 ]
وبعيداً
عن حكم دعاء القنوت بغير إذن ولي الأمر، فهذا نص ذكر فيه " عباس السيسي
" ـ أحد رجال التنظيم ـ أن إمامه " البنا " كان شديد الحرص على استثارة
العواطف الإسلامية الكامنة في نفس شعب مصر من أجل قضية فلسطين، ووضح " محمود عساف
" أن العرب جميعاً خانت القضية الفلسطينية بقبول الهدنة مع اليهود !، إلا الإخوان
المسلمين لم يعترفوا بهذه الهدنة، فلم يكن أمام الحكومة إلا أن تعتقلهم لموقفهم هذا
! .
ولا يخفى
الحرب الإعلامية التي شنها التنظيم على الرئيس المصري " السادات " لما عقد
معاهدة صلح مع يهود ـ كامب ديفيد ـ والتي أوهموا الناس فيها أنه وصل إلى حد الردة بإجرائه
لهذا المعاهدة !، حتى انتهى الأمر باغتياله !، والذي باركه تنظيم الإخوان ( أعني :
الاغتيال !! ) .
قال مصطفي
مشهور في مقدمته لكتاب ( حقيقة التنظيم الخاص ص / 29 ) :
(( فسلط
عليه شباباً من شباب مصر وأظلهم بظله فباغتوه في وضح النهار وفي أوج زينته وعزه يستعرض
قواته المسلحة، ولا يرى فيهم إلا عبيداً له ينحنون !، وبقوته وعظمته يشهدون !، وإذا
بهم سادة يقذفونه بالنار ويدفعون عن أنفسهم وصمة الذل والعار والشنار )) أهـ
قلت
: ويلاحظ النفس التكفيري لهذا التنظيم في النقل السابق، وهذا الأسلوب الذي يستخدمه
القوم دائماً حتى انتهى الأمر بقتل السادات كما مر .
ولا يخفى
أيضاً الحرب التي شنها التنظيم بقيادة " يوسف القرضاوي " على سماحة الشيخ
" عبد العزيز بن باز " ـ رحمه الله ـ من أجل فتواه في الصلح مع اليهود، حتى
انتهى الأمر بتكفيره ـ رحمه الله ـ من قِبل " أيمن الظواهري " قبحه الله
.
فهل هذه
مجرد شعارات عريضة يقصد من وراءها التنظيم التهيج والتشغيب من أجل مكاسب سياسية أو
دنيوية للتنظيم ؟
أم أن
القوم أرادوا نصرة الحق فعلاً فسلكوا سبيل التمكين النصرة، بنصرة الله ـ عز وجل ـ في التزام أمره ونهيه،
والتدين بالولاء لأحبائه، والبراءة من أعداءه ؟
لأن من
نصر الله, نصره الله، قال تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ
لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }[ الحج : 40 ]، وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد:7 ]
وما وقعت
الهزيمة بالعبد إلا بعد أن أعرض الرب عن نصرته .
قال ابن
القيم في ( الفوائد ص / 79 ) : (( تالله ! ما عدا عليك العدو إلا بعد أن تولى عنك الولي
، فلا تظن أن الشيطان غلب ، ولكن الحافظ اعرض )) .
قلت
: لكن مع الأسف سد تنظيم الإخوان المسلمين الطريق لحسن الظن بهم، لأن أفعالهم ومواقفهم
تخالف شعاراتهم ، فهذا إمامهم " البنا " يلقي بياناً أمام لجنة من الأمريكان
اليهود جاءت إلى مصر من أجل نسف الكتاب البريطاني الأبيض !، الذي وضع حداً لهجرة اليهود
إلى فلسطين في ذلك الوقت، فكان مما قال :
(( والناحية
التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية؛ لأن هذه النقطة قد لا تكون مفهومة
في العالم الغربي، ولهذا فإني أحب أن أوضحها باختصار؛ فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست
دينية ! لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم، وحينما أراد القرآن أن يتناول
مسألة اليهود تناولها من الوجهة الاقتصادية والقانونية ! ، فقال تعالى وهو أصدق القائلين
: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ
لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ
نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ } [ النساء 160_ 161
] .
ثم قال
: (( ولي كلمة أخيرة من الوجهة الدينية فإن اليهود يقولون عن أرض فلسطين إنها أرض الميعاد،
ونحن لا مانع لدينا من أن يكونوا في يوم القيامة معنا )) [ أحداث صنعت تاريخ 1 /
455 _ 456 ] .
فتراه
يقرر أن خصومتهم مع اليهود من أجل الاقتصاد الربوي لليهود، وليس له تعلق بالناحية العقدية
من نسبتهم الولد لله ـ عز وجل ـ ، أو كذبهم بأنه ـ سبحانه ـ فقير وهم أغنياء، أو طعنهم
في الدين, أو قتلهم الأنبياء، وعداوتهم للمؤمنين، و لهذا هو لا يمانع أن يحشر معهم
يوم القيامة !! ، ومعلوم أن المرء مع من أحب كما صح عن ابن مسعود مرفوعاً عند البخاري
.
وهذا
الذي قرره الإمام المُلهم ! الأستاذ " البنا " ، أكد عليه دكتورهم
" القرضاوي " حيث قال : (( فنحن لا نقاتل اليهود من أجل العقيدة، وإنما نقاتلهم
من أجل الأرض !، لا نقاتلهم لأنهم كفار !، وإنما نقاتلهم لأنهم اغتصبوا أرضنا، وأخذوها
بغير حق ! )) [ جريدة الراية القطرية عدد 4696 ] .
إذاً
فنحن لا نتكلم هنا عن زلة خرجت من الأستاذ " البنا " ، وإنما هو منهج للتنظيم،
عليه يسيرون، وبه يؤمنون .
وقد مُكن
لهذا التنظيم ـ الإخواني ـ في عدة دول ، كالدولة التركية الإخوانية، والدولة السودانية
الإخوانية ، ودولة حماس الإخوانية في غزة، فكان ماذا ؟
هل حرروا
الأقصى وسحقوا اليهود ، أم صالحوهم وعاهدوهم وأمّنوهم ! ؟
فهذا
الشيخ حسن يوسف _ أحد قادة حماس _ يعرض على إسرائيل عرضاً تاريخياً بقبول دولتين واحدة
فلسطينية وأخرى إسرائيلية ، مع توقيع هدنة مع إسرائيل لمدة عشر سنين !! [ جريدة أفاق
عربية 26 شوال 1425 . 686 ]
وفي يونيو
2006 م تنشر جريدة الجمهورية المصرية خبر مفاده أن حركة حماس مستعدة لعقد هدنة مدتها
من 50 إلى 60 عاماً مع إسرائيل شريطة الانسحاب إلى حدود 1967 م .
ويتعهد
إسماعيل هنية _ رئيس الوزراء الفلسطيني الإخواني السابق _ في يونيو 2007 م باحترام
كافة الاتفاقيات الماضية الموقعة من قبل السلطة الفلسطينية معرباً عن الأمل في التوصل
إلى هدنة متبادلة وشاملة ومتزامنة مع إسرائيل . [ العربية نت . 15 يونيو 2007 م ]
وفي نفس
الشهر برهن الدكتور " محمود الزهار " _ أحد قادة حماس _ على احترام الاتفاقيات
السابقة بأن أعلن : (( أن حماس على استعداد لترك جميع سبل المقاومة وعدم القيام بأي
عمليات عسكرية تجاه إسرائيل !! )) [ نافذة نت 22 / 6 / 2007 م نقلاً من الإخوان المسلمون
بين الابتداع الديني والإفلاس السياسي للوصيفي ]
و يُسأل
محمد مهدي عاكف _ المرشد العام السابق لتنظيم الإخوان المسلمين _ عن هذا الذي صدر من
قادة حماس الإخوانية ، فيجيب : (( لا علاقة لنا بالسياسة الداخلية الفلسطينية ! ))
[ العربي 18 يناير 2004 م ]
ومع كل
ذلك ما زال تنظيم الإخوان المسلمين يعزف على وتر محنة فلسطين، وتحرير المسجد الأقصى
الأسير ! .
والسؤال
: ما هي المصلحة التي تجعلهم بعد أن مُكن لهم سياسيا، ما زلوا يتاجرون بمأساة فلسطين
؟
يرفع
عنك هذا الإشكال مؤرخ التنظيم " محمود عبد الحليم " حيث قال في كتابه ( الإخوان
المسلمون أحداث صنعت التاريخ 1 / 192 ) : (( أحب أن أنبه القارئ بهذه المناسبة إلى
أن النقود التي كنا نجمعها لفلسطين من المساجد والمقاهي والبارات!! لم يكن القصد من
جمعها إعانة إخواننا المجاهدين الفلسطينيين بها !، فهم كانوا من هذه الناحية في غير
حاجة إليها؛ لأن أغنياء لأهل فلسطين من التجار من وراء هؤلاء المجاهدين ... وإنما كان
جمعنا لهذه التبرعات أسلوباً من أساليب التأثير في نفوس الناس بهذه القضية، وأضيف الآن
إلى ذلك أن هذه المبالغ لم تكن ترسل إلى المجاهدين، بل كانت تصرف في شئون الدعاية لهذه
القضية )) . اهـ
فالخلاصة
: مأساة القضية الفلسطينية ليست إلا ورقة يلعب بها تنظيم الإخوان المسلمين لامتحان
ولاء الناس وتعاطفهم ومن ثم تحصيل بعض المصالح السياسية والدنيوية من خلال دغدغة مشاعر
المسلمين من حين لأخر، بذكر جبروت الآلة العسكرية الصهيونية، وما يعانيه أهل المخيمات،
وما حل بأهل غزة من التشريد والتقتيل، وتنكر الحكومات الإسلامية لهم، إلى أخر أسلوب
الآلة الإعلامية الإخوانية المعروف في استغلال جراحات المسلمين ونكباتهم .
وقد أحسن
من قال :
واحذر
من الإخوان حقاً إنهم ... حزب تعدى شرعة الرحمن
أخذوا
التلون والنفاق شعارهم ... ورضوا بتقليد لذي الطغيان
وصلى
الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب
وليد بن سعد
القاهرة
24 / 2 / 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق