إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 27 أبريل 2013

نظرات في سُبل " إقامة الدولة الإسلامية "



نظرات في سُبل

" إقامة الدولة الإسلامية "

الحمد لله وحده ، و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، و بعد :
فإنه مما لا شك فيه أنه لا يوجد مسلم صحيح الإيمان لا يُريد إقامة شرع الله عز وجل في أرضه ، فهذا ليس مطروح للنقاش ، إذ من المعضلات توضيح الواضحات ، و لكن محل البحث في :
ـ كيفية إقامة الدولة الإسلامية ؟.
ـ و ما هي الطريقة التي تعود بها الأمة الإسلامية تحت راية شرع رب البرية ؟
ـ و البحث عن كيفية المخرج لما تعيشه الأمة الإسلامية ؟
و من تأمل الحلول التي كانت متوفرة على عهد النبي _ صلى الله عليه و سلم _ في بناء الأمة الإسلامية يجدها هي نفس الفرص المتاحة للأمة الآن ، فقد عُرض على الرسول _ صلى الله عليه و سلم _ " الحل السياسي " فقد ساومه مشركي قريش أن لو كان يُريد _ صلى الله عليه و سلم _ الملك لجعلوه ملكاً عليهم ، وكان أمامه الخيار بأن يَقبل هذا العرض لكي يكون منبراً للدعوة إلى الله _ عز وجل _ ؛ وهو رسول الله _ صلى الله عليه و سلم _ الذي إذا تَملك حكم بالعدل ، ورد الحقوق لأصحابها ، ونصر المظلوم ، وساوى بين الرعية ، وحكم بين العباد بما أنزل الله ، و ...
كما كان يوجد أمام النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ، " الحل الدموي " فكان في إمكانه في أول أمره أن يأمر أصحابه برفع السلاح ويُقاتل الذين يصُدون عن سبيل الله ، ولكن الأمر بالقتال لم يبدأ إلا بعد هجرته _ صلى الله عليه و سلم _ إلى المدينة ، بعد نزول قوله تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [ سورة الحج :39 ]
و لكنه إختار " الحل الدعوي " مع وجود المنافقين والمُرجفين في المدينة ، وأشباههم في زماننا هذا من العلمانيين والليبراليين ، ومع ذلك لم يلتفت إليهم حتى يبني القاعدة المسلمة التي تفهم حقيقة الدين ، فلا نعلمه _ صلى الله عليه و سلم _ سعى وراء إقامة الحدود والقصاص في أول أمره ، ولكنه أهتم بتعليم الناس الدين وأصول الإعتقاد ومحاربة الشرك بجميع صوره ، فلما تعلم الناس وآمنوا بقدرة الله _ عز و جل _ وأن عذاب الآخرة لا يُقارن بعذاب الدنيا في شئ ، رأينا من يأتيه _ صلى الله عليه و سلم _ ويقول : " زنيتُ فطهرني يا رسول الله "، و من يقول : " أصبت قُبلة فماذا علي ؟ "، و من تأتيه تُجادل عن نفسها وتُقيم الحجج والبراهين على خطيئتها حتى تُطهر من ذنبها ..... الى غير ذلك من الحوادث المشهورة .
وكأن هذا ما فهمه علماء المسلمين ، فلا تجد كتاب فقه يبدأ بكتاب الحدود والقصاص أبداً ، ولكن كتاب الحدود تجده قبل الفهرس بصفحات ، يسبقه
كتاب النكاح ، والطلاق ، والبيع والشراء ، والحج والعمرة ، والزكاة ،والصيام والصلاة والطهارة ، في إشارة أنه إذا حَصّل الناس هذه الأمور وفهموها يُعرض عليهم الحدود والقصاص وقد تهيأت لها النفوس ، فلا يُتصور أن نطالب بإقامة الحدود على شعب ملايين منه لا تُصلي ! ، ولا تلتزم أكثر نسائه بالحجاب الشرعي ، وأطفاله مثلهم الأعلى أبطال " سبيس تون " فضلاً عن فساد عقائد كثير من أهله وإعتقادهم في المقبورين النفع والضر ، والحلف بغير الله ، و .....
فإذا بدأنا بتصحيح عقائد الناس ، وتعليمهم السُنن والفرائض ، وتقريبهم لسنة النبي _ صلى الله عليه وسلم _ ، ومحاربة كل البدع المتعلقة بالعبادات والعقائد ، وتصحيح مسار الأمة في التحاكم عند الخلاف الى مذهب السلف الصالح عليهم الرضوان .
عندها نكون أعذرنا الى الله _ عز وجل _ ، ولن يتسلط علينا من يستعبدنا ولا يُقيم فينا شرعه ، إذ الحكام صورة المحكومين ، فقد قال _ عز و جل _ : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام : 129 ]
قال الشيخ السعدي رحمه الله في ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ) :
"... كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله ، يؤزه إلى الشر و يحثه عليه ، ويزهده في الخير و ينفره عنه، و ذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } و من ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم و فسادهم، و منْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، و يأخذون منهم بالظلم و الجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، و حقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه و لا محتسبين.
كما أن العباد إذا صلحوا و استقاموا ، أصلح الله رعاتهم ، و جعلهم أئمة عدل و إنصاف، لا ولاة ظلم و اعتساف..." أ.هـ
قُلتُ : فيكون بذلك تولية الظلمة على رقاب الناس بظلمهم أولاً وبما كانوا يكسبون كما قال الله عز و جل :{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [ الشورى: 30 ] فالذي أراه أن المخرج للأمة في الحل الدعوي حتى تتكون هذه القاعدة المسلمة التي ذكرناها آنفاً .
وقد الإمام مالك رحمه الله : " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها "
اما من قال أن المخرج للأمة في "الحل الدموي و حمل السلاح " أولاً ، فقد رآينا أبناء أفغانستان لما حملوا السلاح قبل توحيد الكلمة بينهم على العقيدة السليمة ، قتلوا أنفسهم بنفس السلاح الذي قتلوا به عدوهم ، فقُتل " الشيخ جميل الرحماني " على يد إخوانه بالأمس ، فلم يلبسوا إلا أن تسلطت عليهم قوى الشر بعدها ، والحال في الصومال لا يخفى على الكثير ، فأبناء الجهاد الصومالي الذين كانوا تحت إمرة " الشيخ شريف " رئيس المحاكم الشرعية هم أعداءه اليوم ، وكل ذلك لأنهم لم يتفقوا على كلمة سواء بينهم " كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة " والأمثلة في هذا الباب كثيرة .
أما بالنسبة " للحل السياسي " فهو جريٌ خلف سراب وأوهام ، حتى إذا تحققت فهي أيضاً سرابٌ وأوهام ، فالذين يُراهنون على أن المخرج للأمة في " الحل السياسي " ولن يكون صلاح المسلمين إلا عندما يتولى عليهم من يتبنى قضية الإسلام ، فلهؤلاء أقول : لقد رأينا هذه الصورة في عدة دول أولها السودان ، فإن " البشير " لا يلعب في الداخل ولا في الخارج إلا بورقة إقامة الدولة الإسلامية فينخدع بهذا العوام في الداخل أما في الخارج هم يعلمون أنه استعراض لخداع العامة ، فإنه صرح من قبل : " إن كانت نتيجة الإستفتاء فصل جنوب السودان عن شماله سأطبق الشريعة " ، إذ الكل على الإسلام حينها، فلا يوجد ما يُسمى بالمواطنة ولا حقوق الأقلية وغيرها من الشعارات التي يتسلط بها الغرب على بلاد الإسلام ، وها قد مر من الوقت ما هو معلوم ، و م نرى منه شيئاً ولن نرى منه شيئاً !، وكذلك الحال في الصومال فإن " الشيخ شريف" ما رفع السلاح وقاتل إلا لإقامة الشريعة في الصومال المسلمة ، وبعد صبر وبلاء آلت له الرئاسة فلم يفعل شيئاً بل استعان بأثيوبيا الصليبية ليُقاتل من يُريد تطبيق الشريعة .
ولقائل يقول هذه الدول عليها ضغوط دوليه وعداء صليبي عالمي و ...
فأقول : هذا الأمر لا تجده في تركيا مثلاً ، فـ " أردوغان " و " عبد الله جول " و هذه الجماعة التي هي اليوم على عرش تركيا ، هم تلاميذ " أربيكان " الذين حاربوا في صفه لإقامة الشريعة مرة أخرى على أرض الخلافة ، وركبوا سلك السياسة منذ الثمانينات ، وبعد هذا الزمان وصلوا الى سُدّة الحكم ، فكان ماذا ؟
أردوغان يأخذ على عاتقه اليوم دعوة الدول الإسلامية للعلمانية !! .
ولو كان الشرع سيُقام من رحم الحكم لاستطاع " النجاشي " - رحمه الله - أن يُلزم قومه بالدين إذ كان هو الحاكم ، ولكنه مات ولم يوجد في أرضه من يُصلي عليه صلاة الجنازة ، فصلى عليه رسول الله _ صلى الله عليه و سلم _ صلاة الغائب .
أما المخرج للأمة في " الحل الدعوي " فصورته في العصر الحديث واضحة جلية في المملكة العربية السعودية ، التي قامت بفضل دعوة الشيخ " محمد بن عبد الوهاب " - بعد فضل الله عز و جل طبعاً - فلم يحمل الشيخ السلاح في أول أمره ، بل حمل القلم الذي حارب به الشرك والبدعة وقام بدعوة المسلمين الى التوحيد ، وبث العلم في الناس والسنّة ، حتى وُجدت القاعدة التي ترجو إقامة شرع الله عز وجل فيها فعلاً وليس بالشعارات فقط ، فالناس التزمت بالدين ونبذت الشرك وأقامت السُنن وحافظت على الفرائض ، فهيأ لهم الله _ عز و جل _ الحاكم الصالح الذي حمل السلاح ضد أعداء الدين الذين يُقاتلون لكي يُطفئون نور الله بأفواههم ، فنصره الله عليهم وأعز به الدين ، فهدم الأصنام " القبور " وأقام الحدود، ونشر التوحيد حتى أصبحت المملكة اليوم هي قلعة التوحيد والسنّة في العالم أجمع بفضل الله عز و جل .

تلك رؤيتي لهذه القضية .
والله أعلم بالصواب
و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلم .
و كتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 29 / 9 / 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق