عن عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " بني الإسلام على خمسة ، على أن يوحد الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، والحج " ، فقال رجل : الحج ، وصيام رمضان ، قال : " لا ، صيام رمضان ، والحج " هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". (أخرجه مسلم).
فوصف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإسلام ببيت قائم على أعمدة ودعائم، وهذه الدعائم خمسة، وهي: التوحيد، والصلاة ، والزكاة، والصيام، والحج.
ومع أن الجهاد عمود الإسلام ، وذروة سنامه، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يذكره مع هذه الخمسة، وذلك لأنه من فروض الكفايات، وقد يسقط في بعض الأوقات.
أما هذه الخمسة فهي فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل.
ولهذا يتوجب على المسلم تعلم أحكامها ..حتى يأتي بها على الوجه المقبول.
وهذا تلخيص لأحكام فريضة الصيام لعل الله ـ عز وجل ـ ينفع بها مسلم.
أولاً: يبدأ الصيام برؤية هلال رمضان.
لقول الرب ـ عز وجل ـ : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ البقرة : 185 ].
وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). [متفق عليه].
والراجح أن لكل بلد مطلع، فلا يصوم المسلم إلا مع أهل بلده، وهذا ما عليه السلف، وفيه حديث "كريب" ـ مولى أم الفضل بنت الحارث ـ في صحيح مسلم، وأن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لم يتابع أهل الشام على رؤيتهم للهلال، مع أنه كان فيهم "معاوية بن أبي سفيان" ـ رضي الله عنه ـ ، وعلل ابن عباس الأمر بقوله: " هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ". [ انظر صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم].
ثانياً: للصيام ركنان:
الركن الأول : النية.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إنما الأعمال بالنية )). [ متفق عليه].
والنية: هي عزم القلب على الفعل.
فمن عزم بقلبه على الصوم فقد تحققت نيته، وعليه: فلا يلزم التلفظ بها، بل التلفظ بها بدعة.
الركن الثاني: الإمساك.
والمقصود به: الامتناع عن المفطرات من الطعام والشراب والنكاح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
لقول الرب ـ عز وجل ـ : { وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الاسود مِنَ الفجر } [ البقرة : 187 ]
وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن - أو قال: حتى تسمعوا أذان - ابن أم مكتوم " وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى ، لا يؤذن حتى يقول له الناس : أصبحت)). [ متفق على صحته].
هذا؛ ولا يعرف في الشرع الامتناع عن الطعام والشراب عند سماع مدفع الإمساك!، أو عند بدء تواشيح الفجر!، بل إن هذه الأمور من جملة البدع.
فأخر وقت للأكل والشرب هو عند سماع أذان الفجر.
ثالثا: ما يبطل به الصوم.
1ـ الأكل والشرب عمداً.
وقلنا: "عمداً"، لأنه من أكل أو شرب ناسياً فصيامه صحيح.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من أكل ناسيا ، وهو صائم ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه)). [متفق عليه].
وهذا الحكم عام في صيام الفرض أو النفل، أما من تعمد الأكل أو الشرب فهذا أفسد صومه، وارتكب كبيرة من الكبائر.
2ـ تعمد القيء:
فمن تعمد القيء ـ وهو استفراغ ما في المعدة ـ فقد أفسد صومه.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء)). [رواه أبو داود وابن حبان، وهو صحيح].
ومعنى ذرعه القيء: غلبه على الخروج من غير تعمد.
3ـ نزول دم الحيض أو النفاس على المرأة
فإذا نزل دم الحيض أو النفاس على المرأة في أي ساعة من نهار رمضان فقد فسد صومها، وعليها قضاء هذه الأيام بعد طهرها... لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ((كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نطهر ، فيأمرنا بقضاء الصيام ، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة)) [رواه مسلم وهذا لفظ الترمذي].
قلت: فهذه الحالات الثلاثة: الأكل أو الشرب عمداً، أو القيء عمداً، أو نزول دم الحيض أو النفاس على المرأة .. هذه الحالات من مبطلات الصوم ، وعلى أصحابها قضاء ما أفطروه بعد رمضان.
ويتبقى حاله على صحابها قضاء ما أفطره مع كفاره
وهي من وقع على أمرأته في نهار رمضان عامداً أنزل أو لم ينزل!
وذلك لحديث متفق على صحته وفيه: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هلكت ، يا رسول الله ، قال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ " قال : لا ، قال : ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر ، فقال : " تصدق بهذا " قال : على أفقر منا ؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : " اذهب فأطعمه أهلك".
ومعنى "عرق " : هو وعاء من خوص تكال به الأشياء، ويسمى زنبيلا.
قلت: وفي الحديث ترتيب الكفارة على المقدرة والاستطاعة ، فمن وجد رقبة يعتقها لا يحل له الصيام، ومن قدر على الصيام فلا يحل له الإطعام.
ـ الحالات التي يجوز فيها الفطر:
رخص الرب ـ عز وجل ـ في الفطر لعدة حالات منها:
1 ـ المريض
لقول الله ـ عز وجل ـ { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ].
فالمريض معه رخصة الفطر في رمضان، وقضاء ما أفطر بعد أن يتعافى، أما أن كان مريضاً بمرض لا يرجى برؤه .. فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهو نفس الحكم بالنسبة للشيخ الكبير والمرأة العجوز
فإنك من الممكن تجد شيخ مسن وأمرأة عجوز ليس بهما مرض ، ولكنهما لا يستطعان الصوم لكبر السن وضعف القوة، فهذان يفطران ويطعما عن كل يوم مسكيناً ، وهو ما عليه جمهور أهل العلم.
والفقهاء على أنه ليس كل مرض مبيح للفطر، ولكن المرض الذي يشق معه الصوم، أو يتضاعف بسبب الصيام، أما الذي لا يشق معه الصوم كالصداع وما شابه فلا يبيح الفطر، وخالف الظاهرية في هذه المسألة.
3ـ السفر
لقوله تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ].
فالسفر مع المرض وكبر السن من الحالات التي يجوز فيها الفطر
ولا اعتبار لوجود المشقة في السفر حتى يباح الفطر، كما أنه لا اعتبار للمسافة، فما كان في عرف الناس سفر فهو سفر
والمسافر أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر
فـ "حمزة بن عمرو الأسلمي" قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ - وكان كثير الصيام - ، فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر" [ متفق عليه].
وعند مسلم عن أبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم ، قالا : " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيصوم الصائم ، ويفطر المفطر ، فلا يعيب بعضهم على بعض ".
فإذا أخذ المسافر برخصة الفطر .. جاز له إتيان الزوجة ، ولا كفارة عليه كما يوجد على من جامع في الحضر.
بيد أنه لا يجوز التحايل بالسفر لهذا الغرض، لأن التحايل على إسقاط واجب لا يسقطه.
4ـ المرأة الحامل والمرضع
فيباح لهما الفطر لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله تعالى وضع شطر الصلاة ، أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر ، وعن المرضع ، أو الحبلى" [رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع].
وعن ابن عباس قال : ( إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما ). [قال الشيخ الألباني في الإرواء: إسناده صحيح على شرط مسلم].
وعن نافع قال : ( كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش وكانت حاملا فأصابها عطش في رمضان فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا ) . [قال الألباني : إسناده صحيح].
فالحامل إن خافت على نفسها فيجوز له الفطر وكذلك المرضع إن خافت على ولدها، ولا قضاء عليهما، ولكن يفطرا عن كل يوم مسكيناً.
هذا ولا يَفسد الصوم بـ :
1ـ التقبيل والمباشرة
تقول أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه ) . [رواه الجماعة إلا النسائي ].
و قال عمر بن الخطاب: هششت ، فقبلت وأنا صائم ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : لقد صنعت اليوم أمرا عظيما ، قال : " وما هو؟ " ، قلت : قبلت وأنا صائم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أرأيت لو مضمضت من الماء " ، قلت : إذا لا يضر ، قال : " ففيم". [صحيح ابن حبان].
2ـ المذي
فمن أمذى وهو صائم فصيامه صحيح، ولا يبطل إلا بالإنزال حال اليقظة، لأن من أنزل في نومه وكان صائماً فصيامه صحيح أيضاً، والله أعلم.
3ـ البخور والعطور
الراجح أنها لا بأس بها للصائم، إذ أنها كانت معروفة على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع هذا لم ينبه على أنها تفسد الصوم، فمن زعم خلاف هذا فعليه الدليل.
4ـ بقايا الطعام في الفم وغبار الطريق
فكل ما لا يمكن أن يحترز منه الصائم لا يفطر، بل يجوز له تذوق الطعام.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ، ما لم يدخل حلقه وهو صائم" . [مصنف ابن أبي شيبة].
ومن التنطع كثرة التفل خشية بلع الريق!.
5ـ القطرة والحقن
فالراجح أن قطرة العين والأذن لا تفطر، ولكن يحترز من قطرة الأنف لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للقيط بن صبرة ـ رضي الله عنه ـ : " أسبغ الوضوء ، وخلل الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" .[ رواه أبو داود وغيره، وهو صحيح].
وكذلك الحقن ذهب جمع من أهل العلم أنها لا تفسد الصوم، والله أعلم.
6ـ السواك
يجوز للصائم استعمال السواك في أي ساعة من ساعات الصيام، ولكن يجتنب السواك إن كان له نكهه!. ولا تعلق لحديث " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " بهذا الحكم.
فالسواك كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم : "مطهرة للفم ، مرضاة للرب" .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 15 / رمضان / 1435
14 / 7 / 2104
فوصف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإسلام ببيت قائم على أعمدة ودعائم، وهذه الدعائم خمسة، وهي: التوحيد، والصلاة ، والزكاة، والصيام، والحج.
ومع أن الجهاد عمود الإسلام ، وذروة سنامه، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يذكره مع هذه الخمسة، وذلك لأنه من فروض الكفايات، وقد يسقط في بعض الأوقات.
أما هذه الخمسة فهي فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل.
ولهذا يتوجب على المسلم تعلم أحكامها ..حتى يأتي بها على الوجه المقبول.
وهذا تلخيص لأحكام فريضة الصيام لعل الله ـ عز وجل ـ ينفع بها مسلم.
أولاً: يبدأ الصيام برؤية هلال رمضان.
لقول الرب ـ عز وجل ـ : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ البقرة : 185 ].
وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). [متفق عليه].
والراجح أن لكل بلد مطلع، فلا يصوم المسلم إلا مع أهل بلده، وهذا ما عليه السلف، وفيه حديث "كريب" ـ مولى أم الفضل بنت الحارث ـ في صحيح مسلم، وأن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لم يتابع أهل الشام على رؤيتهم للهلال، مع أنه كان فيهم "معاوية بن أبي سفيان" ـ رضي الله عنه ـ ، وعلل ابن عباس الأمر بقوله: " هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ". [ انظر صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم].
ثانياً: للصيام ركنان:
الركن الأول : النية.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إنما الأعمال بالنية )). [ متفق عليه].
والنية: هي عزم القلب على الفعل.
فمن عزم بقلبه على الصوم فقد تحققت نيته، وعليه: فلا يلزم التلفظ بها، بل التلفظ بها بدعة.
الركن الثاني: الإمساك.
والمقصود به: الامتناع عن المفطرات من الطعام والشراب والنكاح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
لقول الرب ـ عز وجل ـ : { وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الاسود مِنَ الفجر } [ البقرة : 187 ]
وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن - أو قال: حتى تسمعوا أذان - ابن أم مكتوم " وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى ، لا يؤذن حتى يقول له الناس : أصبحت)). [ متفق على صحته].
هذا؛ ولا يعرف في الشرع الامتناع عن الطعام والشراب عند سماع مدفع الإمساك!، أو عند بدء تواشيح الفجر!، بل إن هذه الأمور من جملة البدع.
فأخر وقت للأكل والشرب هو عند سماع أذان الفجر.
ثالثا: ما يبطل به الصوم.
1ـ الأكل والشرب عمداً.
وقلنا: "عمداً"، لأنه من أكل أو شرب ناسياً فصيامه صحيح.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من أكل ناسيا ، وهو صائم ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه)). [متفق عليه].
وهذا الحكم عام في صيام الفرض أو النفل، أما من تعمد الأكل أو الشرب فهذا أفسد صومه، وارتكب كبيرة من الكبائر.
2ـ تعمد القيء:
فمن تعمد القيء ـ وهو استفراغ ما في المعدة ـ فقد أفسد صومه.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء)). [رواه أبو داود وابن حبان، وهو صحيح].
ومعنى ذرعه القيء: غلبه على الخروج من غير تعمد.
3ـ نزول دم الحيض أو النفاس على المرأة
فإذا نزل دم الحيض أو النفاس على المرأة في أي ساعة من نهار رمضان فقد فسد صومها، وعليها قضاء هذه الأيام بعد طهرها... لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ((كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نطهر ، فيأمرنا بقضاء الصيام ، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة)) [رواه مسلم وهذا لفظ الترمذي].
قلت: فهذه الحالات الثلاثة: الأكل أو الشرب عمداً، أو القيء عمداً، أو نزول دم الحيض أو النفاس على المرأة .. هذه الحالات من مبطلات الصوم ، وعلى أصحابها قضاء ما أفطروه بعد رمضان.
ويتبقى حاله على صحابها قضاء ما أفطره مع كفاره
وهي من وقع على أمرأته في نهار رمضان عامداً أنزل أو لم ينزل!
وذلك لحديث متفق على صحته وفيه: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هلكت ، يا رسول الله ، قال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ " قال : لا ، قال : ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر ، فقال : " تصدق بهذا " قال : على أفقر منا ؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : " اذهب فأطعمه أهلك".
ومعنى "عرق " : هو وعاء من خوص تكال به الأشياء، ويسمى زنبيلا.
قلت: وفي الحديث ترتيب الكفارة على المقدرة والاستطاعة ، فمن وجد رقبة يعتقها لا يحل له الصيام، ومن قدر على الصيام فلا يحل له الإطعام.
ـ الحالات التي يجوز فيها الفطر:
رخص الرب ـ عز وجل ـ في الفطر لعدة حالات منها:
1 ـ المريض
لقول الله ـ عز وجل ـ { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ].
فالمريض معه رخصة الفطر في رمضان، وقضاء ما أفطر بعد أن يتعافى، أما أن كان مريضاً بمرض لا يرجى برؤه .. فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهو نفس الحكم بالنسبة للشيخ الكبير والمرأة العجوز
فإنك من الممكن تجد شيخ مسن وأمرأة عجوز ليس بهما مرض ، ولكنهما لا يستطعان الصوم لكبر السن وضعف القوة، فهذان يفطران ويطعما عن كل يوم مسكيناً ، وهو ما عليه جمهور أهل العلم.
والفقهاء على أنه ليس كل مرض مبيح للفطر، ولكن المرض الذي يشق معه الصوم، أو يتضاعف بسبب الصيام، أما الذي لا يشق معه الصوم كالصداع وما شابه فلا يبيح الفطر، وخالف الظاهرية في هذه المسألة.
3ـ السفر
لقوله تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ].
فالسفر مع المرض وكبر السن من الحالات التي يجوز فيها الفطر
ولا اعتبار لوجود المشقة في السفر حتى يباح الفطر، كما أنه لا اعتبار للمسافة، فما كان في عرف الناس سفر فهو سفر
والمسافر أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر
فـ "حمزة بن عمرو الأسلمي" قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ - وكان كثير الصيام - ، فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر" [ متفق عليه].
وعند مسلم عن أبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم ، قالا : " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيصوم الصائم ، ويفطر المفطر ، فلا يعيب بعضهم على بعض ".
فإذا أخذ المسافر برخصة الفطر .. جاز له إتيان الزوجة ، ولا كفارة عليه كما يوجد على من جامع في الحضر.
بيد أنه لا يجوز التحايل بالسفر لهذا الغرض، لأن التحايل على إسقاط واجب لا يسقطه.
4ـ المرأة الحامل والمرضع
فيباح لهما الفطر لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله تعالى وضع شطر الصلاة ، أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر ، وعن المرضع ، أو الحبلى" [رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع].
وعن ابن عباس قال : ( إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما ). [قال الشيخ الألباني في الإرواء: إسناده صحيح على شرط مسلم].
وعن نافع قال : ( كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش وكانت حاملا فأصابها عطش في رمضان فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا ) . [قال الألباني : إسناده صحيح].
فالحامل إن خافت على نفسها فيجوز له الفطر وكذلك المرضع إن خافت على ولدها، ولا قضاء عليهما، ولكن يفطرا عن كل يوم مسكيناً.
هذا ولا يَفسد الصوم بـ :
1ـ التقبيل والمباشرة
تقول أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه ) . [رواه الجماعة إلا النسائي ].
و قال عمر بن الخطاب: هششت ، فقبلت وأنا صائم ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : لقد صنعت اليوم أمرا عظيما ، قال : " وما هو؟ " ، قلت : قبلت وأنا صائم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أرأيت لو مضمضت من الماء " ، قلت : إذا لا يضر ، قال : " ففيم". [صحيح ابن حبان].
2ـ المذي
فمن أمذى وهو صائم فصيامه صحيح، ولا يبطل إلا بالإنزال حال اليقظة، لأن من أنزل في نومه وكان صائماً فصيامه صحيح أيضاً، والله أعلم.
3ـ البخور والعطور
الراجح أنها لا بأس بها للصائم، إذ أنها كانت معروفة على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع هذا لم ينبه على أنها تفسد الصوم، فمن زعم خلاف هذا فعليه الدليل.
4ـ بقايا الطعام في الفم وغبار الطريق
فكل ما لا يمكن أن يحترز منه الصائم لا يفطر، بل يجوز له تذوق الطعام.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ، ما لم يدخل حلقه وهو صائم" . [مصنف ابن أبي شيبة].
ومن التنطع كثرة التفل خشية بلع الريق!.
5ـ القطرة والحقن
فالراجح أن قطرة العين والأذن لا تفطر، ولكن يحترز من قطرة الأنف لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للقيط بن صبرة ـ رضي الله عنه ـ : " أسبغ الوضوء ، وخلل الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" .[ رواه أبو داود وغيره، وهو صحيح].
وكذلك الحقن ذهب جمع من أهل العلم أنها لا تفسد الصوم، والله أعلم.
6ـ السواك
يجوز للصائم استعمال السواك في أي ساعة من ساعات الصيام، ولكن يجتنب السواك إن كان له نكهه!. ولا تعلق لحديث " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " بهذا الحكم.
فالسواك كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم : "مطهرة للفم ، مرضاة للرب" .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 15 / رمضان / 1435
14 / 7 / 2104