الحمد
لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فتختلف مقاصد الناس في السفر،
فمن الناس من يُسافر للعمل، ومنهم من يُسافر
لزيارة الأقارب وصلة الأرحام، ومنهم من يسافر لغرض العبادة لأداء حج أو
عمرة، ومنهم من يسافر للترويض والتنزه، وتتبقى للسفر أحكامه في الكتاب والسنة مهما
اختلفت غايات الناس منه.
ومن أحكام السفر التي ينبغي للمسلم
تعلمها:
أولا:
قصر الصلوات الرباعية إلى ثنائية
قال تعالى: { وَإِذَا
ضَرَبْتُمْ فِى الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ
خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ } [ النساء : 101 ]
فظاهر الآية قصر صلاة السفر
على خوف الفتنة من الكفار، في أن يمنعوا المسلمين من إتمام صلاتهم؛ ولكن هذا الشرط
مرتفع بسنّة الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ التي أخبر بها عن ربِّه، فإن عُمر بن
الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أشكل عليه هذا
القيد، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك؟ فقال النبي ـ صلّى الله عليه
وسلّم ـ: "إنَّها صدقةٌ، تصدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صَدَقَته".
[أخرجه مسلم]، فصارت إباحة القصر في الأمن صدقةٌ تصدَّق الله بها علينا. [الشرح الممتع
(2 / 196 . دار العقيدة ) العثيمين].
وعن ابن عباس رضي الله عنه:
"أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله
رب العالمين فصلى ركعتين". [رواه الترمذي وصححه ووافقه الألباني في الإرواء].
وعند مسلم عن ابن عباس، قال :
" إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، على المسافر
ركعتين، وعلى المقيم أربعا، وفي الخوف ركعة ".
وعن عائشة أم المؤمنين رضي
الله عنها، قالت : " فرض الله الصلاة حين فرضها، ركعتين ركعتين، في الحضر
والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر ". [متفق على صحته].
فالسنة في السفر أن تُقصر
الصلوات الرباعية كالظهر والعصر والعشاء إلى ركعتين، ويصلى المغرب على هيئته ثلاثَ
ركعات، والفجر ركعتين.
هذا؛ ولم يحفظ عن النبي ـ صلّى
الله عليه وسلّم ـ أنه صلّى أربعًا في سفر قط، بل في كل أسفاره الطويلة والقصيرة
كان يصلي ركعتين.
قال ابن عمر رضي الله عنهما:
"إنِّي صَحِبتُ رسولَ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في السَّفَرِ، فلم
يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ أبا بكرٍ؛ فلم يَزِدْ على ركعتين
حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ عُمَر فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، ثم
صَحِبتُ عثمان فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ". [أخرجه مسلم].
قلت: ويستثنى من هذا حالة
واحدة، وهي: أن يأتمَّ المسافر بمقيم، فحينئذ يُصلى الصلاةَ رباعية ولا يقصرها.
عن موسى بن سلمة الهُذلي ، قال
: سألت ابن عباس : كيف أصلي إذا كنت بمكة ، إذا لم أصل مع الإمام ؟ فقال : " ركعتين
سنة أبي القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ". [رواه مسلم].
وعنه، قال : كنا مع ابن عباس بمكة
، فقلت : إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين . قال
: " تلك سنة أبي القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ". [رواه أحمد، وصححه
الألباني في الإرواء].
وعنه أيضًا ، قال : سألت ابن عباس
" عن الصلاة، بالبطحاء إذا فاتتني الصلاة في الجماعة فقال : ركعتين تلك سنة أبي
القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ".[رواه أحمد بسند صحيح].
وروى البيهقي بسند صحيح عن
أبى مِجْلَزٍ قال: " قلت لابن عمر: المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم (يعنى
المقيمين) أتجزيه الركعتان أو يصلى بصلاتهم؟ قال: فضحك وقال: يصلى بصلاتهم ".
وعليه: إن صلى المسافر في
جماعة إمامهما مقيم، فيصلي بصلاة الإمام المقيم ـ صلاة تامة غير مقصورة ـ لقول النبي-
صلى الله عليه وسلم-: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"؛ أَمَّا إِنْ قُدم
المسافر للإمامة، فإنه يُصلي قصرًا، ولا يزيد عن ركعتين إن كانت الصلاة رباعية، ثم
يَتشهد ويُسلم، ثم يقول لمن خلفه من المصلين: " أتموا صلاتكم فإنا قوم
سفر"، فقد صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كما أخرجه
الإمام مالك في موطئه، عندما صلى عمر بالناس في مكة قصر الصلاة، ثم قال: "
أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر"، وقد رويت هذه اللفظة عن رسول الله ـ صلى الله
عليه وآله وسلم ـ بإسناد ضعيف لا يصح.
ثانيًا:
المسافة التي يبدأ منها قصر الصلاة وجواز الفطر:
أخرج مسلم في صحيحه عن شعبة
عن يحيى بن يزيد الهُنائي، قال : سألت أنس بن مالك، عن قصر الصلاة، فقال : "
كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ
- شعبة الشاك - صلى ركعتين ".
قلت: والميل من الأرض هو:
نهاية ما يدركه البصر حتى تميل الأرض، وقالوا : هو المسافة التي لا تُحدِد بها
الواقف رجلًا أو امرأة ، أو قادم أو ذاهب.[ شرح الشيخ محمد سعيد رسلان للشرح
الممتع].
وهو بحساب الناس اليوم كيلو
و60 % من الأمتار .
والفرسخ: قدروه بثلاثة أميال،
فتكون مسافة السفر التي تقصر فيها الصلاة: (76 كيلو مترا) إن كانت ثلاثة فراسخ، أو حوالي (خمس كيلومترات)
إن كانت ثلاثة أميال.
بيد أن حديث أنس ـ رضي الله
عنه ـ حكاية حال، وليس حكما شرعيا، والصحيح ما قاله الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله
ـ في شرحه الممتع على زاد المستقنع، وقد سبقه بهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"أنه لا حد للمسافة وإنما يرجع في ذلك إلى العرف" . اهـ
وقال عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما: " إني لأسافر الساعة من النهار وأقصر". [وإسناده صحيح كما
قال الحافظ فى " الفتح " (2/467)].
وعن نافع عن ابن عمر: "
إنه كان يقيم بمكة فإذا خرج إلى منى قصر " [وإسناده صحيح أيضًا] .
وقال الثوري: سمعت جبلة بن
سحيم سمعت ابن عمر يقول: " لو خرجت ميلًا قصرت الصلاة " [ذكره الحافظ
وصححه].
قال الشيخ الألباني ـ رحمه
الله ـ في إرواء الغليل بعد أن أورد هذه الآثار وصححها (3/ 19): "وهذه الآثار
عن ابن عمر أقرب إلى السنة، والله أعلم".
وقال في الصحيحة : "قد
دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث، وذلك من
فقه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، فإن السفر مطلق في الكتاب والسنة، لم يقيد بمسافة
محدودة كقوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ
أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ
} الآية .
وحينئذ فلا تعارض بين الحديث
وهذه الآثار، لأنه لم يَنف جواز القصر في أقل من المسافة المذكورة فيه، ولذلك قال
العلامة ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 1 / 189 ) :
" ولم يحد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق
لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر، وأما ما
يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة، فلم يصح عنه منها شيء البتة،
والله أعلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
:" كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان
سفرًا في عرف الناس، فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم "، وقد اختلف العلماء
في المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافًا كثيرًا جدًا ، على نحو عشرين قولًا،
وما ذكرناه عن ابن تيمية، وابن القيم أقربها إلى الصواب، وأليق بيسر الإسلام، فإن
تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة أيام وغيرها من التحديدات، يستلزم
تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد
يطرقونها، وهذا مما لا يستطيع
أكثر الناس، لاسيما إذا كانت مما لم تطرق من قبل" . اهـ [السلسلة الصحيحة ( 1
/ 257 )].
وقال الشيخ محمد صالح آل
عثيمين في الفتاوى: " وأما المسافة فما وجدنا فيها شيئًا معينًا
أيضًا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ما عَيَّن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمته
المسافة.
ولم يكن في ذلك الوقت المسَّاحون
الذين يقولون: هذا كيلو، وهذا أكثر، وهذا أقل، والعلماء الذين قدروا المسافة بأذرع
أو أكيال أو أميال ليس عندهم دليل، ثم هم قدَّروها -رحمهم الله- بالذراع، والشبر، والإصبع،
وشعرة البرذون- معناه: الحصان ـ أنَّني أنا
إذا صرتُ هنا، والصاحب الذي بيني وبينه ذراع هناك، نقول: هذا مسافر، وأنا غير مسافر!
مَن يقول هذا؟! فأقرب الأقوال: أنه يُرْجَع فيه إلى ما سماه الناس سفراً، وشدوا الرحال
له، هذا هو السفر، وما ليس كذلك فليس بسفر". اهـ
قلت : فخلاصة المسألة راجعة
إلى عرف الناس، إذ لا دليل صريح على تحديد مسافة قصر الصلاة. فما كان في عرف الناس
سفر فهو سفر، ولهذا ترى الناس اليوم تذهب إلى المدن الجديدة، وبعضها يتجاوز ال 76
كيلومتر، وقد خرجوا إلى الصحراء وفارقوا العمران، ومع ذلك لا يَعتبر الناس أن هذا
سفرٌ, والله أعلم.
ثالثًا:
تحديد الوقت الذي ينتهي معه قصر الصلاة في السفر.
قالوا: إن المسافر إذا تجاوز
سفره أربعة أيام أتم الصلاة، وإذا لم يتجاوز أربعة أيام قصر الصلاة، واستدلوا بأن
النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قدم مكة
في حجة الوداع يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وأقام فيها الأحد والإثنين والثلاثاء
والأربعاء، وخرج يوم الخميس إلى مِنَى، فأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة. [
رواه البخاري ومسلم].
قال الشيخ آل عثيمين ـ رحمه
الله ـ : " لا دليل على التحديد بأربعة أيام، لأن بقاء النبي صلّى الله عليه
وسلّم في مكة أربعة أيام وقع مصادفة لا تشريعًا، وهذه قاعدة؛ ولهذا لا يُسن للحاج
إذا دفع من عرفات إلى مزدلفة أن يَنزل في الطريق، ثم يبول، ثم يتوضأ وضوءًا خفيفًا،
لأن هذا وقع منه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ على سبيل الاتفاق [رواه مسلم]؛ وأيضًا
كيف نقول: من نوى الإِقامة ستًا وتسعين ساعة ( وهي مقدار الأربعة أيام بالساعات)
فله أن يقصر، ومن نوى الإِقامة ستًا وتسعين ساعة وعشر دقائق فليس له أن يقصر!؛ لأن
الأول مسافر والثاني مقيم!، أين هذا التحديد في الكتاب والسنّة؟!، والصلاة كما
نعلم أعظم أركان الإِسلام بعد الشهادتين فكيف نقول للأمة: إنَّ هذا الرجل الذي نوى
إقامة ست وتسعين ساعة وعشر دقائق لو قصر لكانت صلاته باطلة؟ فمثل هذا لا يمكن أن
يُترك بلا بيان، وتَرك البيان في موضع يحتاج إلى بيان يُعتبر بياناً، إذ لو كان
خلاف الواقع والواجب لبُين، وعلى هذا فنقول: إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ
الإِسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ من أن المسافر مسافر ما لم ينوِ واحدًا من
أمرين:
1 ـ الإِقامة المطلقة. 2 ـ أو الاستيطان". اهـ [الشرح الممتع 2/ 207 : 208].
هذا؛ وقد أقام النبي ـ صلّى
الله عليه وسلّم ـ مددًا مختلفة يَقصر فيها الصلاة، "فأقام في تبوك عشرين يومًا
يقصر الصلاة". [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
وعن ابن عباس"وأقام في
مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة" .[رواه البخاري].
"وأقام في مكة عام حجة
الوداع عشرة أيام يقصر الصلاة، لأن أنساً ـ رضي الله عنه ـ سئل كم أقمتم في مكة ـ
أي: في حجة الوداع ـ قال: أقمنا بها عشرًا". [متفق على صحته].
فالصحيح أنه لا يوجد تعين
لفترة قصر الصلاة، فما دام المسافر خارج أرضه التي فيها بيته وأهله، ولم ينوِ
الاستيطان في بلد جديد، فهو مسافر له قصر الصلاة والمسح على الخفين ثلاثة أيام،
ورخصة الفطر في رمضان.
"وقد حَبس الثلج عبد
الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بأذربيجان لمدة ستة أشهر يقصر الصلاة" .
[أخرجه عبد الرزاق والبيهقي، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير : «إسناده صحيح»] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
في الفتاوى الكبرى (2 / 343): "... وَأَمَّا مَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ
السُّنَّةُ، وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
لَمْ يَشْرَعْ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَحُدَّ
السَّفَرَ بِزَمَانٍ أَوْ بِمَكَانٍ، وَلَا حَدَّ الْإِقَامَةَ أَيْضًا بِزَمَنٍ
مَحْدُودٍ، لَا ثَلَاثَةٌ، وَلَا أَرْبَعَةٌ، وَلَا اثْنَا عَشَرَ، وَلَا خَمْسَةَ
عَشَرَ، فَإِنْه يَقْصُرْ. كَمَا كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ يَفْعَلُ،
حَتَّى كَانَ مَسْرُوقٌ قَدْ وَلَّوْهُ وِلَايَةً لَمْ يَكُنْ يَخْتَارُهَا
فَأَقَامَ سِنِينَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
وَقَدْ أَقَامَ
الْمُسْلِمُونَ بِنَهَاوَنْدَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، وَكَانُوا
يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ حَاجَتَهُمْ لَا تَنْقَضِي فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَلَا أَكْثَرَ.
كمَا أَقَامَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَصْحَابُهُ
بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ،
وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ يُفْطِرُونَ فِي رَمَضَانَ. وَكَانَ
النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا فَتْحَ مَكَّةَ يَعْلَمُ
أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.
وَإِذَا كَانَ التَّحْدِيدُ
لَا أَصْلَ لَهُ، فَمَا دَامَ الْمُسَافِرُ مُسَافِرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ،
وَلَوْ أَقَامَ فِي مَكَان شُهُورًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".
تنبيه:
قال رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" . [أخرجه
مسلم].
فمن نسي صلاة في سفر وتذكرها
في حضر يصليها قصرا، لأنها صلاة مقضية، وقد وجبت عليه ركعتين، فلا يلزمه أكثر مما
وجب عليه، وإذ تذكر صلاة حضر في سفر صلها تامة، لأنها وجبت عليه أربعًا. [الشرح
الممتع 2 / 211].
رابعًا:
ترك الرواتب الثلاثة في السفر.
فلا يُسن أن تُصلىَ الرواتب
الثلاثة في السفر، وهم : راتبة الظهر القبلية والبعدية، وراتبة المغرب وراتبة
العشاء؛ فلم يحفظ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه صلى في السفر هذه الرواتب
الثلاث، وثبت عنه أنه صلى غيرها من النوافل، كالوتر وركعتي الفجر، وعليه: يتبين
فساد قول بعضهم: " مِن السُّنَّة في السفر تَرْكُ السُّنَّة!"، فلا يصح
هذا الإطلاق.[ الباب
المفتوح. العثيمين].
روى مسلم عن حفص بن عاصم، قال
: مرضت مرضا ، فجاء ابن عمر يَعُودُني ، قال : وسألته عن السبحة في السفر (يعني
صلاة السنن) ، فقال : " صحبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السفر، فما رأيته يسبح "، ولو كنت مسبحا
لأتممت، وقد قال الله تعالى : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة}".
و عن ابن عمر قال : "كان
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومىء إيماء
صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته".[رواه البخاري، باب الوتر فِى
السَّفَرِ].
خامسًا:
جواز جمع المسافر بين الصلوات.
فيجوز للمسافر أن يجمع بين
الصلوات في السفر، فيصلي الظهر والعصر معًا، ويجمع المغرب والعشاء كذلك، جمع تقديم
أو تأخير حسب الحاجة، وقلنا: يجوز، لأن جمع الصلوات في السفر ليس واجبًا، لأن جمع
الصلوات رخصة عند المشقة، فقد جمع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحضر من أجل
أن يرفع الحرج عن أمته، كما قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ .
فالمسافر له أن يُصلي العصر
في وقت الظهر، فإذا دخل وقت الظهر أقام وصلى الظهر ركعتان، ثم أقام وصلى العصر
ركعتان، جمع تقديم، وله تأخير الظهر إلى وقت العصر.
والحال كذلك في المغرب والعشاء،
أما الفجر فلها وقتها الخاص، فلا تجمع مع غيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" الجمع على ثلاث درجات: إما إذا كان سائرًا في وقت الأولى فإنما ينزل في وقت
الثانية فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس وابن عمر وهو نظير جمع
مزدلفة.
وأما إذا كان وقت الثانية
سائرًا أو راكبًا فجمع في وقت الأولى فهذا نظير الجمع بعرفة، وقد روي ذلك في السنن
كما سنذكره إن شاء الله.
وأما إذا كان نازلاً في
وقتهما جميعًا نزولًا مستمرًا فهذا ما علمت روي ما يستدل به عليه الأحاديث معاذ
هذا، فإن ظاهره أنه كان نازلًا في خيمة في السفر وأنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر
والعصر جميعًا، ثم دخل إلى بيته، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا، فإن الدخول
والخروج إنما يكون في المنزل، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج، بل نزل وركب، وتبوك
هي آخر غزوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يُسافر بعدها إلا حجة الوداع، وما
نُقل أنه جمع فيها إلا بعرفة ومزدلفة، وأما بمنى فلم يَنقل أحد أنه جمع هناك، بل نَقلوا
أنه كان يَقصر الصلاة هناك، ولا نَقلوا أنه كان يؤخر الأولى إلى آخر وقتها، ولا يُقدم
الثانية إلى أول وقتها، وهذا دليل على أنه كان يَجمع أحيانًا في السفر، وأحيانًا
لا يَجمع، وهو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن يجمع بينهما، وهذا يبين أن الجمع ليس
من سنة السفر كالقصر، بل يفعل للحاجة، سواء كان في السفر أو في الحضر فإنه قد جمع
أيضًا في الحضر لئلا يُحرج أمته، فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء كان ذلك
لسيره وقت الثانية، أو وقت الأولى وشق النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخرى
مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر، ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو
تعبان سهران جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم فيؤخر الظهر إلى وقت العصر ثم يحتاج أن
يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له
الجمع.
وأما النازل أيامًا في قرية
أو مصر وهو في ذلك كأهل المصر فهذا وإن كان يقصر لأنه مسافر فلا يجمع، كما أنه لا
يصلي على الراحلة ولا يصلي بالتيمم ولا يأكل الميتة، فهذه الأمور أبيحت للحاجة،
ولا حاجة به إلى ذلك بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر". [مجموع الفتاوى 24 /
63 دار الوفاء].
قلت: واختلف العلماء في إذ ما
صلّى المسافر العشاء مع المغرب جمع تقديم، هل له أن يشرع في صلاة الوتر، أم ينتظر
حتى يدخل وقت العشاء؟
فذهبت طائفة منهم إلى أنه لا
يجوز صلاة الوتر إلا بعد دخول وقت العشاء، واستدلوا بقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" الوتر ركعة من آخر الليل ". رواه مسلم.
وذهب جماعة منهم الشيخ ابن
باز وابن عثيمين ـ رحمهما الله ـ إلى جواز صلاة الوتر بعد العشاء لمن صلاها جمع
تقديم، لأن العبرة بصلاة العشاء لا الوقت،
والله أعلم بالصواب.
هذا؛ ويخطئ بعض المسافرين،
فتراهم يجمعون صلاة الجمعة مع صلاة العصر، وهذا خطأ، فصلاة الجمعة ليست ظهرًا حتى
تجمع مع العصر، ولكن صلاة الجمعة صلاةٌ متميزة عن غيرها فهي صلاةٌ مسبوقةٌ بخطبة
بل بخطبتين، وهي صلاةٌ يجتمع الناس فيها
في مكانٍ واحد، وهي صلاةٌ يُجهر فيها بالقراءة وهي صلاة عيد الأسبوع، فهي إذن صلاة
منفردة مستقلة في شروطهِا وأركانِها وهيئتها،
لا تشبه صلاة الظهر، ولذلك لا تجمع مع العصر، ويصلى العصر منفردًا لمن صلى
الجمعة في السفر. [ فتاوى نور على الدرب / الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه
الله].
فالخلاصة: إن جمع الصلاة رخصة
عند الحاجة، سواء في السفر أو الحضر، لكن إن جمع المسلم في الحضر لا يَقصر الصلاة،
بل يصليها على حالها فقد صلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة سبعا وثمانيا يجمع الصلاة، فجمع الظهر
والعصر (ثمانيا)، وجمع المغرب والعشاء (سبعا) [متفق عليه]، وقال الشيخ آل عثيمين
في الشرح الممتع: "والصحيح أن الجمع للمسافر جائز، لكنه في حق السائر مستحب،
وفي حق النازل جائز غير مستحب إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل".اهـ
هذا؛ ولا يَجمع المسافر العصر
مع صلاة الجمعة".
سادسًا:
النهي عن أن يُسافر الرجل وحيدًا.
لا يستحب أن يسافر الرجل
وحده، بل قالوا يَحرم على الرجل أن يسافر وحده؛ عن ابن عمر ، عن النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ، قال : " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل
وحده" . [رواه البخاري].
وعند أحمد في مسنده بسند صححه
الألباني عن ابن عمر ، " أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن الوحدة، أن يبيت
الرجل وحده أو يسافر وحده ".
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، أن رجلًا قدم من سفر، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من صحبت ؟ " فقال : ما صحبت أحدًا
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الراكب شيطان، والراكبان شيطانان،
والثلاثة ركب". [رواه الترمذي وأبو داود والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي
والألباني].
قال الشيخ الألباني ـ رحمه
الله ـ : (( وفي
هذه الأحاديث تحريم سفر المسلم وحده وكذا لو كان معه آخر، لظاهر النهي في الحديث
الذي قبل هذا، ولقوله فيه : " شيطان " أي عاص، كقوله تعالى: { شياطين
الإنس والجن } فإن معناه : عصاتهم كما قال المنذري .
وقال الطبري : " هذا زجر
أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة، وليس بحرام، فالسائر وحده بفلاة،
والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش (يعني: الوحشة)، لاسيما إن كان ذا فكرة
رديئة أو قلب ضعيف. والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك، فوقع الزجر لحسم المادة فيكره
الانفراد سدًا للباب، والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد" .ذكره المناوي
في " الفيض " .
قلت: ولعل الحديث أراد السفر
في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدًا من الناس، فلا يدخل فيها
السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات . والله أعلم))
اهـ .[ السلسلة الصحيحة 1 / 92 ].
وقال ابن عبد البر: "
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْوَاحِدُ شَيْطَانًا، وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ; لِأَنَّ
الشَّيْطَانَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ ; هُوَ الْبَعِيدُ مِنَ الْخَيْرِ، مِنْ
قَوْلِهِمْ: نَوَى شَطُونٌ، أَيْ بَائِنَةٌ بَعِيدَةٌ، فَالْمُسَافِرُ وَحْدَهُ
يَبْعُدُ عَنْ خَيْرِ الرَّفِيقِ وَعَوْنِهِ، وَالْأُنْسِ بِهِ، وَتَمْرِيضِهِ،
وَدَفْعِ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ بِحَدِيثِهِ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمُسَافِرِ
وَحْدَهُ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى الْمَشْيِ بِاللَّيْلِ، فَتَعْتَرِضُهُ
الشَّيَاطِينُ الْمَرَدَةُ هَازِلِينَ وَمُتَلَاعِبِينَ وَمُفْزِعِينَ" اهـ .
[الاستذكار 27 / 267 دار قتيبة – دمشق].
هذا؛ "ويجوز السفر منفردًا
للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد كإرسال الجاسوس والطليعة، والكراهة
لما عدا ذلك، ويحتمل أن تكون حالةُ الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع
مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة" اهـ . [ فتح الباري 6 / 138].
وقال الشيخ محمد صالح آل عثيمين:
" الإنسان لا ينبغي أبدًا أن يسير وحده في السفر؛ لأنه ربما يصاب بمرض، أو
إغماء، أو يتسلط عليه أحد، أو غير ذلك من المحظورات، فلا يكون معه أحد يدافع عنه
أو يخبر عنه أو ما أشبه ذلك، وهذا في الأسفار التي تتحقق فيها الوحدة، وأما ما
يكون في الخطوط العامرة التي لا تكاد تمر فيها دقيقة واحدة إلا وتمر بك فيها
سيارة، فهذا وإن كان الإنسان في سيارة وحده، فليس من هذا الباب، يعني ليس من باب
السفر وحده، لأن الخطوط الآن عامرة من محافظة لأخرى ومن مدينة لثانية وما أشبه
ذلك، فلا يدخل في النهي". [شرح رياض الصالحين، حديث : 961].
قلت: وقد كان ينهى ـ النبي صلى
الله عليه وسلم ـ أيضًا أصحابه من التفرق إذا نزلوا منزلًا، عن أبي ثعلبة الخشني،
قال: "كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية ، فقال رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من
الشيطان "، قال : فلم ينزلوا بعد منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى لو بسط
عليهم ثوب لعمهم ". [رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني].
سابعًا:
سنن وواجبات في السفر
1 ـ استحباب السفر يوم الخميس.
عن كعب بن مالك رضي الله
عنه قال:
" إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان
يحب أن يخرج يوم الخميس ". .[ رواه البخاري].
وعنه ـ رضي الله عنه ـ أيضًا، قال : " لقلما كان رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ يخرج ، إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس " .[ رواه البخاري].
قال ابن حجر في الفتح: "
وكونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه
لقيام مانع منه ".اهـ
2 ـ التأمير في السفر.
عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم
". [رواه أبو داود وصححه الألباني].
قال الشيخ عبد المحسن العباد
في شرح سنن أبي داود: " الإمارة تكون في حال السفر في الطريق، وفي المكان
الذي يقيمون فيه حتى يرجعوا، وإذا نزلوا في بلد وهم مع بعض فليستأذنوا الأمير إذا
ذهب أحدهم في مهمة في البلد". اهـ
3 ـ كراهة أن يستصحب كلبًا أو
جرسًا في السفر .
عن أبي هريرة ، أن رسول الله ـصلى
الله عليه وسلم ـ قال : " لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس" .
[رواه مسلم].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " أخبر أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس؛ لأن مع مشي الدواب
وهملجتها يكون له شيء من العزف والموسيقى، ومن المعلوم أن المعازف حرام " .
اهـ . [ شرح رياض الصالحين (4/340) ].
قلت: والجرس هو الذي يعلق في
عنق الدواب حتى يعلم مكانها، وفي الحديث أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،
قال : " الجرس مزامير الشيطان ". [رواه مسلم].
4 ـ النهي عن السفر بالمصحف
إلى بلاد العدو.
عن عبد الله بن عمر، عن رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، " أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض
العدو، مخافة أن يناله العدو". [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن حبان ـ رحمه الله ـ
في صحيحه: " قوله مخافة أن يناله العدو : " بيان واضح، أن العدو إذا كان
فيهم ضعف وقلة، والمسلمون فيهم قوة وكثرة، ثم سافر أحدهم بالقرآن، وهو في وسط
الجيش يأمن، أن لا يقع ذلك في أيدي العدو، كان استعمال ذلك الفعل مباحا له، ومتى
أيس مما وصفنا لم يجز له السفر، بالقرآن إلى دار الحرب". اهـ
وقال الشيخ عبد المحسن العباد
في شرح سنن أبي داود: " السفر بالمصحف إلى أرض العدو إذا كان يؤمن ألا يناله
العدو، ولا يحصل له شيء من امتهانهم وما إلى ذلك لا بأس به؛ لأن التعليل هو الخوف
من أن ينالوه بشيء لا يليق في حق القرآن، وأما إذا لم يكن هناك محذور، والإنسان
يأخذه معه ليقرأ فيه، والمحذور مأمون فلا بأس بذلك، وإنما النهي إذا كان يغلب على
الظن أنه تحصل إساءة للقرآن وامتهان له أو يناله العدو بسوء، فهذا هو الذي يمنع
منه، ... إذاً: فالحكم يدور مع علته، فإن وجدت هذه العلة فلا يسافر به، وإن لم
توجد المخافة عليه فإنه لا بأس بالسفر به". اهـ
5 ـ النهي عن أن تسافر المرأة
إلا مع ذي محرم.
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما
ـ ، قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا تسافر المرأة إلا مع ذي
محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" ، فقال رجل : يا رسول الله إني
أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال : " اخرج معها "
. [متفق عليه].
وعن أبي هريرة، أن رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر
مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها". [رواه مسلم].
6 ـ استحباب تعجيل المسافر
إلى أهله بعد قضاء شغله.
عن أبي هريرة ، عن النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ قال : " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه،
فإذا قضى نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله". [متفق على صحته].
7 ـ كراه إتيان المسافر الذي
طال غيابه أهله ليلًا.
عن جابر بن عبد الله ، قال :
" نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أطال الرجل الغيبة، أن يأتي أهله
طروقًا ". [متفق عليه].
الطروق: الدخول ليلا لمن ورد
من السفر.
قلت: وسبب العلة جاء في حديث
رواه مسلم، وفيه: عن جابر، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "
إذا قدم أحدكم ليلًا، فلا يأتين أهله طروقًا ، حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة
"
قال أبو العباس القرطبي: "و" الشَّعِثَة " : المتغيرة
الحال والهيئة . و" تَسْتَحِدَّ " : تستعمل الحديدة؛ يعني به : حلق
الشعر . و" الْمَغِيبة " : هي التي غاب عنها زوجها . يقال : أغابت
المرأة ، فهي مغيبة - بالهاء - ، ... وفي هذا من التنبيه على رعاية المصالح
الجزئية في الأهل، والإرشاد إلى مكارم الأخلاق، وتحسين المعاشرة ما لا يخفى . وذلك
: أن المرأة تكون في حالة غيبة زوجها على حالة بذاذة، وقلَّة مبالاة بنفسها، وفي
شعث . فلو قَدِمَ الزوج عليها وهي في تلك الحال ربما نفر منها، وزَهِدَ فيها،
وهانت عليه . فنبَّه على ما يزيل ذلك ، ... وقد جاء في حديث النهي عن الطروق
التنبيه على علَّة أخرى . وهي : أنه لا يطرقهم يتخوَّنهم ، ويطلب عثراتهم . وهو
معنى آخر غير الأول . وينبغي أيضًا : أن يجتنب الطروق لأجل ذلك" . [المفهم
لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم].
قلت: وقد كان من سنته ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ، لا يقدم من سفر إلا نهارًا في الضحى ، فإذا قدم بدأ بالمسجد ،
فصلى فيه ركعتين ، ثم جلس فيه. [متفق عليه].
هذا؛ وقد سهلت وسائل الاتصال
اليوم إخبار الأهل بموعد الرجوع من السفر، فزالت العلة، والحمد لله رب العالمين.
ثامنًا:
من أذكار السفر
1 ـ عن ابن عمر؛ أن رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر، كبر ثلاثًا، ثم
قال : " سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون،
اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا
سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم
إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل "،
وإذا رجع قالهن وزاد فيهن : " آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون". [رواه
مسلم].
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي
الله عنهما ـ ، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا قفل (رجع ) من غزو أو
حج أو عمرة ... ثم يقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد، وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله
وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". [متفق عليه].
قلت: وصحت عن نبينا ـ صلى
الله عليه وسلم ـ سنة كان يأتي بها عند ركوبه الدابة وقراءة دعاء الركوب، وهذا على
وجه العموم سواء في السفر أو غيره، وهي: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي
الله عنه ـ رأى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضحك بعد ركوبه الدابة وذكره الدعاء،
فقال: " يا رسول الله! مِنْ أيِّ شَيْء ضَحِكْتَ؟ قال:" إن رَبَّك
يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قال: اغفر لي ذنوبي؛ يَعْلَمُ أنه لا يغفرُ الذنوبَ
غيري ". [رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني].
2 ـ ومن السنة التكبير عند كل
مرتفع، والتسبيح عند النزول منه، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ ، قال :
" كنا إذا صعدنا كبرنا ، وإذا نزلنا سبحنا ". [رواه البخاري].
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي
الله عنهما ـ ، "أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا قفل من غزو أو
حج أو عمرة ، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات". [رواه البخاري ومسلم].
3 ـ وعن عبد الله الخطمي قال : كان رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ إذا أراد أن يستودع الجيش قال : " أستودع الله دينكم
وأمانتكم وخواتيم أعمالكم ".[رواه أبو داود بسند صحيح].
4 ـ وعن خولة بنت حكيم السلمية، تقول سمعت ـ رسول
الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " من نزل منزلا ثم قال : أعوذ بكلمات الله
التامات من شر ما خلق ، لم يضره شيء ، حتى يرتحل من منزله ذلك". [رواه مسلم].
5 ـ عن ابن عباس ، قال : كان
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أراد أن يخرج في سفره، قال : " اللهم
أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر ،
والكآبة في المنقلب، اللهم اقبض لنا الأرض، وهون علينا السفر " ، فإذا أراد
الرجوع، قال : " آيبون تائبون عابدون لربنا ساجدون " ، فإذا دخل بيته ،
قال : " توبا توبا ، لربنا أوبا ، لا يغادر علينا حوبا". [رواه ابن حبان
والحاكم وصححه ووافقه الألباني].
ومعنى أوبًا: رجوعًا وعودة.
وحوبًا: الحوب هو الإثم
والذنب.
6 ـ عن أبي هريرة ، أن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا كان في سفر وأسحر يقول : " سمع سامع بحمد الله
وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النار". [رواه
مسلم].
وصلَّى
الله وسلم وبارَك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 21 / ذو القعدة /
1437
الأربعاء 24 / 8 / 2016
الهامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): جمع نكتة وهي النادرة فيها معنى دقيق مستملح
والسفر في اللغة: مفارقة محل الإقامة، وسمي بذلك؛ لأن الإِنسان يسفر بذلك عن نفسه، فبدلًا من أن يكون مكنونًا في بيته أصبح ظاهرًا بيِّنًا بارزًا، ومنه قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } [المدثر] أي: تبين وظهر.
وقال بعض العلماء: إنما سمّي السفر سفرًا؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، أي: يوضحها ويبيّنها. [الشرح الممتع، العثيمين].