إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 4 مارس 2018

الإلحاد .. وحبة بن حتاتة!.


الإلحاد .. وحبة بن حتاتة!.


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فقد كنت منذ صغري أحب القراءة، بيد أنه لم يكن يَستهويني قراءة ما يُقبل عليه من هو في سني!، ففي الوقت الذي كان يُقبل طلاب المرحلة الابتدائية على قراءة قصة "السلحفاة والأرنب" وما في معناها، كان أميل إلى قراءة "عقلة الأصبع" و"رحلة إلى باطن الأرض"، وهذه القصص الطويلة.
وفي المرحلة الإعدادية كان الإقبال من محبي القراءة على قراءة "رجل المستحيل" و"فلاش"!، أما أنا فكنت أذهب إلى مكتبة الطفل المتنقلة! - هي لا وجود لها الآن - وكانت تَضم مجموعات قصصية شيقة، أذكر منها كتابًا لمؤلف لبناني، وضع فكرة في هذا الكتاب بحيث أنك لا تنتهي منه أبدا!، ولو كنت تقرأ فيه يوميًا على مدار سنوات عمرك!!.
   المهم، أني لما أوشكت بلوغ المرحلة الثانوية، لم يكن يشبع رغبتي قراءة القصص الموضوعة، وبدأت اهتم بأمور أخرى مثل حل الكلمات المتقطعة!، حتى وقفت عند أختي الكبيرة على كتاب " قصص الأنبياء" للحافظ ابن كثير - رحمه الله - ، ولم يكن في الثمانينات ما يوجد اليوم من تحقيق الكتب، وذكر ما فيها من الصحيح والضعيف في الحاشية، غاية ما هنالك تخريج الآيات والأحاديث، بذكر هذه الآية في سورة كذا، وهذا الحديث أخرجه فلان وبس، من غير بيان لحال الحديث أو رواته.
ومع ذلك استطعت من منهج "ابن كثير" في كتابه، أن أتبين حال بعض القصص المذكورة في الكتاب، خاصة ما جاء ذكر طرفا منها في القرآن، فتعلمت في هذه الفترة نتفا من علم الجرح والتعديل، وعدم قبول الخبر المنكر الذي يخالف ظاهر القرآن، وأن الأصل في الأخبار والأحاديث أن تسند لقائلها ولا تكون مرسلة.
تعلمت هذا .. وما دخلت كتاب "قصص الأنبياء" إلا لإشباع شهوة الإطلاع والقراءة!.
فكان مما علق في نفسي من كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أنه ذكر قصة طويلة.. ممتلئة بالأحداث الشيقة والغريبة في نفس الوقت، واستمر يَسرد تفاصيل هذه القصة في عدة صفحات!، ثم عقب بعدها بقوله : وهذه من رواية "حبة بن حتاتة"، وحبة لا يساوي حبة! (1)، ثم دخل في قصة أخرى، فقرأت القصة مرة أخرى، لعل "ابن كثير" ذكر كلمة يبين فيها صحة أو ضعف القصة، فلم أجد غير قوله: وهذه من رواية "حبة بن حتاتة"، وحبة لا يساوي حبة!.
فلم أكن أدري، ماذا يقصد بهذه الكلمة الموجزة؟
..وأكملت قراءة الكتاب حتى أنهيته.
    ولكن هذه الكلمة كانت أسمعها في أذني بعدها كثيرًا: "حبة لا يساوي حبة"!، ولا أدري هل "ابن كثير" يُقرّ هذا الكلام أم يُنكره؟
  حتى وقع في قلبي أنه يَنبغي عدم التحدث بتفاصيل هذه القصة إلا بعد معرفة صحتها من ضعفها، وكذلك الحال في باقي ما تعلمت من أسلوب "ابن كثير" من نسبة الكلام إلى قائله، وإنكار ما يخالف ظاهر القرآن، و...
ثم دخلت سنة 1994، وظهرت فيها أشد فكرة إلحادية على الإطلاق في مصر، وهي ما سميت إعلاميًا "بعبادة الشيطان"!!.
وكان من قدر الله أني كنت على مقربة ممن نقل هذه الفكرة من أمريكا إلى مصر، وكان أكثر جلوسي وتسكعي مع هؤلاء، وكان منهم أُناس أبائهم من علية القوم، من أصحاب الثروات، والمناصب، وعضوية مجلس الشعب.
   وكان يعجبني ساعتئذ أسلوب هؤلاء في تضيع الوقت والمرح!، وإنهم يحبون الخصوصية وعدم الاختلاط مع الناس، هذا مع حبي للبحث عن جديد يشبع رغبتي في المعرفة والثقافة = إذ أن هؤلاء أبناء قادة ومشاهير، فلابد أن عندهم جديد مما لا تستطيع أن تقف عليه في كتاب!، ولكن من خلال التجربة والاختلاط!.
وبدأت تظهر بعض النقاشات والشعائر التي كانت بالنسبة لي في هذا الوقت "روشنة وتميز"!، ثم جاءت الليلة التي حدثني أحدهم بفكرة لماذا لا نعبد الشيطان؟!
فنزلت هذه الفكرة علي كالصاعقة، وتركت من كان يتكلم معي بلا نقاش أو جدال، وذلك لقوة الوارد الذي سبب صدمة، ثم انصرفت إلى بيتي، والذي كان يَبعد عن هذه المنطقة عدة محطات، ولم أركب تاكسي ليلتها كعادتي، خوفًا من أن أُحدث السائق بهذا الكلام!، فيقتلني!، ومشيت بمفردي في الشارع ، فكانت الساعة حوالي الثانية ليلًا، وفي الشتاء، وبعد أمتار أخذتني رعدة وهستريا من البكاء، لم يَنقطع حتى بعد وصولي للبيت، فلما رأتني أمي - رحمها الله - أبكي، أخذت تسألني، هل هناك من ضربك؟ هل ...؟ هل ...؟
وهي - رحمها الله - تتعجب من شأني! فقد كنت في هذا الوقت في سن المراهقة، سن = تألم كيفما تشاء، ولكن لا تظهر ضعفك!.
   فبدأت تقرأ علي بعض القرآن، فسكنت نفسي قليلا؛ وذلك = لأن سبب بكائي كان خشيتي من الله أن يُسلط علي شيئًا يعذبني به؛ لا أدري ما هو؟ ولكنه سيعذبني عذابًا شديدًا، لأن فكرة عبادة الشيطان هذه كانت قوية في فلسفتها علي !- ولم أدري عن الفلسفة شيئًا يومها - ، وكانت تَرتكز فكرة عبادة الشيطان على حسن الظن بالله!، فمن باب حسن الظن بالله يجعلونك تَكفر به!!، وكانت أخاف أن استسلم للفكرة، وفي نفس الوقت كنت أخاف أن أتكلم بما قيل لي يومها، لأن من سأكلمه ليرد الأمر إلى نصابه، ويدفع هذه الفكرة الشيطانية، كنت أعلم أنه ربما يقع فريسة لما أعانيه، وبدلًا من البحث عن علاج لشخص واحد، يصبح الأمر كارثيًا، وذلك بسب انتشار هذا الفكر!.
   فعلت ذلك بفطرتي التي أثر فيها منهج "ابن كثير" - رحمه الله - من نكارة كل قصة أو كل كلام مهما كانت قوته، يخالف ظاهر القرآن الكريم، وأن أي كلام لابد أن يرد إلى صاحبه، حتى يتبين الحق فيه من الباطل.
   وهذه الفكرة كانت تخالف ظاهر القرآن، وأن صاحب هذا الكلام شابا يعيش في أمريكا، يعني: ممكن يكون اختلط عليه الأمر من معاشرة النصارى، فلعل هذا في دينهم، ولكنه ليس في ديننا!.
   وبهذا هدأت نفسي قليلا يومها، بيد أن الفكرة مازالت تراودني بين الحين والآخر، حتى بعد فضح هذه الجماعة، ومعاقبة الحكومة المصرية لأولياء أمورهم.
وبدأت أتتبع ما يُكتب في الصحف عن هذه القضية، لعلي أقف على جواب يُذهب حيرتي؛ إلا أن ما كان يُكتب حينها كلامًا لا يعالج الفكرة، ولكن يعالج الانحراف المتولد منها!.
  ثم مع كثرة التفكير، وعلمي أن هذا الكلام باطل بمنهج الجرح والتعديل الذي تعلمته من "ابن كثير" من حيث لا أدري!، ظهرت في عقلي فكرة أخرى هدمت هذه الفكرة ودفعتها.
   علمت بعدها بزمن طويل، عند بداية استقامتي أن هذا يُسمى فلسفة!، سواء الفكرة الشيطانية!، أو الفكرة المضادة!.
ثم لما منّ الله علي بدراسة العقيدة، وخاصة القضاء والقدر، ظهر لي سخافة هذه الفكرة وسطحيتها، وهذه القوة التي كانت تظهر بها لي وقتها، إنما سببها جهلي وتطفلي!.
ثم فهمت بعدها معنى كلمة "ابن كثير" : "حبة بن حتاتة" لا يساوي حبة، يعني ضعيف لا وزن له، ولا لما يرويه.
  وحتى يومنا هذا، في المنطقة التي ظهرت فيها هذه الحادثة، هناك من ينظر إلى بترقب!، ومنهم من يحاول ملاطفتي حتى يظفر بالسر الذي وقفت عليه في هذه المحنة.
وأصبح الأمر في بعض الأحيان أشبه بالشهرة والبطولة!، كالتي تحدث للمشاهير، وذلك أني كنت معهم ولم يُقبض علي!، وأني كنت أعلم جميع أسرارهم!.
والحق أنه كان سرًا واحدًا، لم أحدث به أحدًا قط، حتى بعد تمكني من رد هذه الشبهة، فالباطل يقضى عليه بعدم الخوض فيه، والذي تفهمه أنت لا يستطيعه غيرك، والقلوب ضعيفة والفتن خطافة، والمعصوم من عصم الله.
   فمن وقف على شيء من هذا البلاء فليدفنه ولا يُظهره، وخاصة في مواقع التواصل، فإنه ربما دخل الرجل ليستأنس بكلمة في السنة من أحد الإخوة، فوقف على كلمة لك في رد شبهة، هذه الشبهة هو لم يقف عليها يومًا أبدًا، إذ أنها لكاتب مغمور، أو كتاب لم يُعرض إلا بضعة أيام في معرض الكتاب، ثم بعدها لو فتشت عليه بالمناقيش فلن تجده!.
فالحذر من حيث نفسد، ونحن نريد الإصلاح، والسلامة لا يعدلها شيء.
هذا؛ ويعلم الله أني ترددت كثيرًا قبل كتابة هذه الكلمة، وكم كنت كارهًا لها = لما فيها من شغل القارئ بنتف من حياتي!؛ بيد أني وجدت بعض إخواني تسرعوا في نشر شبه الملاحدة!، وأسماء كتبهم!، وصفحاتهم!!، حتى أصبح الأمر أشبه بالمسابقة!.
ومع ذلك لا تجد ردًا وافيًا، إنما هو التعالم والعجب بفصاحة اللسان وما أشبه!، فكانوا كالذين يعرضون الشبهة نقدا، ويردونها نسيئة، وكل ما يزيغ عن الجادة بسب كلامهم وتصدرهم، أثمه عليهم.
  نسأل الله - عز وجل - بلطفه وجوده، أن يلطف بنا، ويتغمدنا برحمته، ويرزقنا والمسلمين فهم حقيقة الدين، ويرزقنا برد اليقين.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 14 / جماد آخر / 1439
2 / مارس / 2018

الهامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الراوي اسمه حبة بن جوين، وجرح الحافظ ابن كثير له كان في البداية والنهاية وليس في قصص الأنبياء، ف "حبة بن حتاتة" تصحيف بلا شك، ولعل هذه العبارة أدرجت في طبعة الكتاب من محققه، أو أني وهمت لطول الفترة، فالعلم عند الله. 



الأحد، 31 ديسمبر 2017

إعلام المسلمين بحرمة الاحتفال بأعياد الكافرين


إعلام المسلمين بحرمة الاحتفال بأعياد الكافرين 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

    عن أنس بن مالك، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما : يوم الأضحى ، ويوم الفطر". [أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني].
     فكان أهل مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل مقدمه عليهم بالإسلام، كانوا يحتفلون ويعظمون يومان، وهما:  "يوم النيروز ويوم المهرجان" وهما من أعياد الفرس، وكانوا على المجوسية ـ يعبدون النار ـ، والمجوس يومئذ أمة قائمة لها دولة عظيمة مرهوبة(1)، فلما قدم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة ورأى هذا، نهاهم عن الاحتفال بأعياد هؤلاء الكفار، وذلك لأن الأعياد من جملة الشرع الذي أنزله الله ـ عز وجل ـ،  وبَين لهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله أبدل أهل الإسلام بعيدين هما أفضل من أعياد هؤلاء الكفار، ألا وهما : "يوم الفطر ويوم الأضحى "، فمن خرج عنهما فقد عصى أبا القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخالف سنة أهل الإسلام.
      هذا، وما سمي العيد عيدًا إلا لأنه يعود في كل عام في نفس الموعد، ووجه الاحتفال بيوم الفطر = هو فرح المسلم بإتمام صومه، وقد وعده الله ـ عز وجل ـ بمغفرة ذنبه إن صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا، وكذا في يوم الأضحى = يفرح بحجه ومغفرة الله ـ عز وجل ـ لذنبه، وخاصة بعد يوم عرفة الذي صيامه كفارة لسنتين، والله أعلم.
     وعليه: لو سُئل الذين يشاركون الكفار في أعيادهم من المسلمين، وخاصة الذين يشاركون النصارى في الاحتفال بعيد الميلاد "الكريسماس"!، ما المناسبة التي تعود عليك في كل سنة في نفس الموعد وتجعلك تحتفل بهذا اليوم وتعظمه؟
   أهو فرحك بزعم هؤلاء الكفار أن الله أنجب ولدًا في هذا اليوم ـ سبحانه وتعالى عن قول الكافرين علوا كبيرا ـ ؟!
أم الرضى بقولهم أن له صاحبة؟!
   وما هو المعتقد الذي جعلك ترجح كفة نصارى الغرب = فتحتفل معهم في كل عام في رأس السنة الميلادية بمولد "ابن ربهم"!، على كفة نصارى الشرق الذين يحتفلون بمولد "ربهم" بعد سبعة أيام من دخول السنة "7 يناير"؟!
فالقوم ليسوا على خلاف في موعد عيد الميلاد فقط ، بل في من هو المولود!   
هل هو الله؟ كما هو معتقد نصارى الشرق!
أم ابن الله .. كما هو معتقد نصارى الغرب؟!.
  فالخلاف والشقاق بين هؤلاء النصارى قائم ظاهر، حتى أنه يكفر بعضهم بعضا بسبب ذلك، وصدق الله العظيم إذ يقول : {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم 34 : 37 ] .
   فالقوم مختلفون فيما بينهم في ربهم من هو؟، حتى في قضية صلب المسيح ..هم مختلفون عليها أيضا، وفي أي وقت صلب على حسب تناقض الأناجيل.
    أما معتقد المسلم، فالأمر كله كفر وضلال، فعيسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ لم يُقتل ولم يُصلب، قال الله تعالى: { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}. [النساء 156 : 158 ].
فهؤلاء قوم ضلوا فاختلفوا على ربهم، فما لنا ولهم؟
 ولله در القائل:
عجبًا للمسيح بين النصارى ... وإِلى أي والدٍ نسبوه!
أسلموه إِلى اليهود وقالوا ... إِنهم بعد ضربه صلبوه
فإِذا كان ما يقولون حقًا ... وصحيحًا فأين كان أبوه؟
حين خلّى ابنه رهين الأعادي ... أتراهم أرضوه أم أغضبوه؟
فلئن كان راضيًا بأذاهم ... فاحمدوهم لأنهم عذبوه
ولئن كان ساخطًا فاتركوه ... واعبدوهم لأنهم غلبوه.  
   هذا؛ وقد جاءت شريعة الإسلام بتغليظ الوعيد لمن شارك أهل الملل الكافرة، في عبادتهم وأعيادهم، ومن تشبه بهم ووالاهم.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. [المائدة : 51 ].
قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: "ذكر في هذه الآية الكريمة، أن من تولى اليهود والنصارى من المسلمين، فإنه يكون منهم بتوليه إياهم، وبين في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمنا ما تولاهم، وهو قوله تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}[المائدة : 81]. [أضواء البيان 1 / 412. دار الفكر].
    وقال عز وجل: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}[المجادلة : 22].
    فموالاة هؤلاء الكفار تستجلب ودّهم والفرح بما يفرحهم، والحزن عليهم ولهم، وهذا كله موجب لسخط الله، والتعرض لعذابه الأليم.
    هذا؛ ولما كان الكفر ملة واحدة ـ وإن اختلفت أسماء وتوجهات أصحابه ـ فمازال الذي يُفرح أهله شيء واحد، والذي يحزنهم أيضا شيء واحد، وهو: كسر الإسلام وأهله ، أو عزة الإسلام وأهله، وهذه حقيقة يجب أن تكون في قلب كل مسلم، قال الله تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [البقرة:109]، وقال سبحانه: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } [النساء:89] وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) [آل عمران     : 118].
  فقضية الموالاة التي يستهين بها بعض المسلمين اليوم، ولا يرفعون لها رأسا، ويظنون أنها من التشدد!، قضية خطيرة، إذ أن الموالاة في الحقيقية لا تكون إلا للدين، وقد بين القرآن هذا، فقال سبحانه: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }[ الأنفال : 73]. وقال تعالى: { وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} [الجاثية : 19]، هذا في شأن أهل الكفران، أما أهل الإيمان، فقال الله تعالى فيهم: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} [التوبة : 71]
   وقال تعالى: { وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون } [ المائدة : 56 ].
   فالولاء والبراء لا يكون إلا للدين، فنتولى أهل الإيمان والإسلام، ونتبرأ من أهل الكفر والعصيان، حتى أنه صحت في سنة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ حادثة عجيبة في هذا الشأن، ففي الصحيحين أنه أمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل الوزغ(2)، وجاء في صحيح مسلم ترتيب الأجر لمن قتله في الضربة الأولى، وأن من قتله في الضربة الثانية له أجر أقل، ومن قتله في الثالثة أجره أقل من صاحب الضربة الثانية. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك". ، أما العلة في قتله =  فإن نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر : "أن إبراهيم لما أُلقِيَ في النار؛ لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت النار عنه؛ غير الوزغ؛ فإنه كان يَنْفُخُ عليه, فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بِقَتْلِهِ" .[رواه البخاري، اللفظ لابن ماجه].
فتأمل! ـ يرحمك الله ـ كيف يكون الولاء لإبراهيم ـ عليه السلام ـ بتعجيل قتل من أذاه، وإن كان من الدواب التي لا تعقل!.
  وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلن عدم موالاة هؤلاء الكفار، وذلك بمخالفتهم.
   فقال صلى الله عليه وسلم : "إن اليهود، والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم".[متفق على صحته].
   وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود " . [رواه الترمذي بسند صحيح].
  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلوا في نعالكم ولا تشبهوا باليهود" .[ رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3790)] .
   وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين أحفوا الشوارب ، وأوفوا اللحى" [رواه مسلم].
   وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود" (3). [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
 وفي الصحيحين، لما دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عن ذلك ، فقالوا : هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى، وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن أولى بموسى منكم ، ثم أمر بصومه".
   وهذا من الحق الذي كان عليه اليهود وقتئذ، لكن لما جاءت الشريعة بمخالفة هدي أصحاب الملل الأخرى، قال ـ صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، فزاد على صيام اليهود يومًا.
والنصوص كثيرة في هذا الباب، حتى أنه قيل أن سبب نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة وقت شروق الشمس، وعندما تكون في كبد السماء ـ قبل وقت صلاة الظهر بسهمين ـ ، ووقت الغروب، أن العلة في ذلك = عدم التشبه بعباد الشمس في هذه الأوقات. فعباد الشمس كما تجدهم اليوم في جزر هايتي، تراهم يسجدون إليها في هذه الأوقات الثلاثة، فجاءت الشريعة بمخالفة سنة هؤلاء وإن لم يخطر على قلب المسلم هذا التشبه.
   ولعلك لا تجد مسلما لا يحفظ حديث : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ". [رواه البخاري].
    فإن كان التشبه بجنس آخر من نفس الديانة والملة يستجلب اللعن والطرد من رحمة الله،  فما بالك بالتشبه بملة أخرى، تنسب لله الولد، وتزعم أن له صاحبه؟! سبحانه وتعالى وعز وجل.
   وقد كان سلف هذه الأمة يكره حتى مجرد الخروج في يوم عيدهم حتى لا يكثر سوادهم.
   قال عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ـ رضي الله عنه ـ : مَنْ بَنَى بِأَرْضِ الْمُشْرِكِينَ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوت حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة". [أخرجه البيهقي في الكبرى].  
   وعن طلحة بن مصرف(4)، قال : " إني لأكره الخروج يوم النيروز ، إني لأراها شعبة من المجوسية ، أو أرى إنسانا أو أرجوحة "[ حلية الأولياء (6356) ].
   وقيل أن من أسباب إخراج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحيض والنفساء إلى صلاة العيد، وليس عليهن صلاة، فقالوا أن هذا: من أجل تكثير سواء المسلمين، وإلقاء الرعب في قلب الكافرين والمنافقين.
   فهذا هو هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة كل مسلم، وأحق من يتبع، ومن خالفه وقع في الذل والهوان، يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
تنبيه:
  لا يفهم مما مر ذكره، أن شريعة الإسلام تبيح استحلال أموال أو دماء أهل الكتاب الذين يعيشون في ديار الإسلام، أو التعدي على نساءهم، أو عدم أداء الحقوق إليهم، فإن هذا كله محرم في دين الإسلام، قال الله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}[ الممتحنة : 8 ].
  فأمر ـ سبحانه ـ بالعدل معهم، وعدم الجور عليهم وظلمهم، ما داموا لم يحاربوا أهل الإسلام أو يخرجوهم من ديارهم.
   وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما". [رواه البخاري].
  فخلاصة الأمر:
  أننا يحرم علينا التشبه بأهل الكفر، كما يحرم علينا  مشاركتهم في أعيادهم، وأن نتولاهم، فنحب ما يحبون!، ونكره ما يكرهون!. وإنما الواجب علينا أن نتبرأ منهم، لما يحملون من معتقد فاسد في ذات الله ـ عز وجل ـ وأنبياءه، وما تحمله نفوسهم من العداوة للإسلام وأهله.
 وإنما نتولى ونحب أهل الإسلام، ونتمسك بهدي وسنة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الفعل والترك، فلا نتشبه بهم، كما أننا لا نعتدي عليهم أو نظلمهم ما داموا ليسوا أهل حرب.
هذا؛ وأسأل الله أن يفهمنا حقيقة الدين، وأن يردنا إلى الدين ردا جميلا.
وكتب
وليد بن سعد
القاهرة 13 / ربيع آخر / 1439 هـ
31 / 12 / 2017
الهامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): قيل أن النيروز في رأس السنة القبطية، والمهرجان من أعياد الفرس، والتي تقع أرضهم اليوم، على نفس أرض دولة إيران، وما سميت فارس بإيران إلا عام 1935
(2): الوزغ: البرص، دابة من الزواحف، ومنها نوع سام.
(3):المقصود هنا: إن لم يكن عند المسلم إلا ثوب واحد، فليتزر به، فيجعله على نصف الأسفل ويصلى، ولا يشتمل كاليهود فيلف جسده كله بهذا الثوب، حتى أنه لا يتمكن من إخراج يده إلا من أسفله.  
(4) ثقة، كان من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم. كان يحرم النبيذ، وكان عثمانيا يفضل عثمان على علي ـ رضي الله عنهما


الخميس، 15 ديسمبر 2016

التحذير من كتاب " أنتيخريستوس" !.


التحذير من كتاب " أنتيخريستوس" !.


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

    فإن من أكثر الكتب التي تجد رواجًا عند طائفة كبيرة من الناس، المؤلفات التي تتناول الكلام في الغيبيات، وعلامات الساعة، والكلام عن المستقبل بعموم، وقد حققت مؤخرًا نجاحًا كبيرًا سلسلة حلقات الرافضي " عبد الله هاشم " التي عرفت باسم "القادمون"!(1)، والتي بناها على نظريات شيخه الدجال"حسين عمران"، وتناولت هذه السلسة الكلام عن" المسيح الدجال" و"ظهور المهدي"، لما في ذلك من ترسيخ لمعتقدات الشيعة الروافض  في هذا الباب، وهذا النجاح الذي حققته هذه السلسلة، دفع البعض لتحقيق نجاح مماثل!، والذي بالطبع يتبعه نجاح مادي!.

     فالأمر ميسور! .. فالباب مفتوح على مصراعيه أمام كل من أراد أن يحقق ثروة!، المهم أن يتناول الكلام عن أشراط الساعة وعلاماتها، وأن يكون صاحب لسان يستطيع من خلاله رسم صورة ذهنية للقارئ أو المستمع، مع سعة خيال، وشدة إقناع، وحسن تلبيس، ثم يغلف هذا كله في المنتهى..بهالة دينية !، فيقتبس جزءًا من آية أو حديث، ليوهم القارئ أو المستمع أن هذا الكلام كله وحي من عند الله ـ تعالى ـ لا يقبل نقاش أو جدال!!.

     وقد هالني في الفترة الأخيرة  كتاب  " أنتيخريستوس" !، إذ وصلت طباعته إلى الطبعة الحادية عشر!، وهذا معناه أنه وصل طائفة عظيمة من المسلمين.
     فرأيت أن أتناوله بشيء من النظر حتى يعلم الناس حقيقة هذه المؤلفات التي تدفع بها دور النشر إلى السوق غير مهتمة إلا بالعائد المادي.
      يتكلم مؤلف الكتاب  عن " المسيح الدجال" ، حتى أنه سمى الكتاب باسمه "أنتيخريستوس"!، ثم زعم أنه كل ما سيذكره في كتابه حق لا مرية فيه، عرف أكثره عندما انخرط في الماسونية، وارتقى فيها درجة عالية!، وأن إفشاء هذه الإسرار ستكون سببًا في قتله!!.
     ثم ذكر بعض الحقائق التاريخية عن اليهود ومكرهم ومؤامراتهم، وصراع  المسلمين معهم، واتفاق نصارى الغرب مع اليهود على حرب أهل الإسلام ـ وإن كان في بعض ما ذكر نظر ـ  إلا إنه لو كان توقف عن هذا الحد، لكان حسنًا، ولشكرنا له صنيعه، فليس بنينا وبينه خصومة شخصية، ولكنه تجاوز الحد، وتعرض لبعض مسائل الدين، الذي يتقرب به الناس لرب العالمين.

     فالمؤلف ـ عفا الله عنه ـ طاش قلمه .. فذكر عدة أمور تخالف ما عليه عقيدة أهل الإسلام، منها : في (ص / 303) : " أن التوراة أملاها الله لموسى "(2).
 والذي عليه معتقد أهل الإسلام أن التوراة كتبها الله بيده. ثم لم يكتف المؤلف بهذا، بل وصف موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ بأنه اشتهر بسرعة الغضب، وكأنه دس أحدهم له عقيدة سيد قطب ـ قبحه الله ـ في كليم الرحمن ـ عليه السلام ـ .

    ثم أتى بشيء غاية في العجب، فذكر في (ص/ 301 وما بعدها ) :  آيات من سورتي "الأعراف" و "طه"، والتي فيها سؤال بني إسرائيل لموسى أن يجعل لهم إلهًا يعبدونه كما للقوم الذي مروا عليهم آلهة!، وحوار موسى مع هارون ـ عليهما السلام ـ حول عبادة بنو إسرائيل للعجل في غيابه، وسؤال موسى ـ عليه السلام ـ للسامري عن علة صنعه للعجل؛ فتجده يذكر لفظ الآية  كما هي في المصحف، ولكن يستبدل كلمة أو يزيد كلمة!.
    فقلت: لعله ذكر لفظ التوراة!، فرجعت إلى التوراة فلم أجد من ذلك شيئا، فضلًا عن كون التوراة تزعم أن صانع العجل كان هارون، وليس السامري!.
ففعل المؤلف لا يوصف إلا بالتلاعب بكتاب الله، ولا أزيد!.

    ثم ذكر المؤلف عدة تخرصات منها: في (ص/  294): " أن المسيح الدجال ولد من أمرآة يهودية أحبلها إبليس!، وذلك قبل زمن موسى ـ عليه السلام ـ!.
     وهذا الذي ذكره المؤلف لا يوجد عليه دليل في دواوين أهل الإسلام الصحيحة، بل في صحيح مسلم خلاف ذلك، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شك هو وأصحابه في غلام يهودي كان يعيش في المدينة أنه هو الدجال، فهل كان يخفى عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الدجال كان ابنا لإبليس، حتى يظن في "صافي ابن صيادٍ" هذا الفتى اليهودي أنه الدجال؟!   

   وفي (ص/ 295): زعم "أن الذي  تولى تربية " المسيح الدجال" في صغره، كان الملك "جبريل" عظيم الملائكة.. وكان يطعمه ويسقيه.. لبنًا وعسلًا وسمنًا!".
   ولم يذكر  المؤلف دليلًا على هذا الكلام(3)، إذ لا يوجد في الكتاب أو السنة ما يؤيد كلامه؛ وهذا الذي ذكره من الغيب الذي لا يعرف إلا بالوحي، وبالطبع المؤلف لا يدعي أن جبريل ـ عليه السلام ـ أخبره بذلك!، فليس أمامه إلا الثانية، وهي: أن يكون المؤلف كان حاضرًا معهما في الكهف وشاهد بأم عينيه إطعام جبريل ـ عليه السلام ـ للدجال .. اللبن والعسل والسمن!.

   وفي (ص/ 303): زعم "أن "المسيح الدجال" هو "السامري"!، وأنه سيقوم  بإحياء الموتى عند ظهوره في أخر الزمان بنفس الطريقة التي أحيا بها العجل في زمن موسى، وذلك باستخدام  أثر فرس جبريل ـ عليه السلام ـ !!.
وزعم في (ص/ 305): أن الدابة "الجساسة" التي ذكرها الله ـ سبحانه ـ في القرآن (4)، وذكرها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث طويل في صحيح مسلم، أنها من قبيلة من الشياطين تسكن غابات الأرض كلها!، يطلق عليها أهل هذا العصر اسمًا عجيبًا، وهو: "ذو القدم الكبيرة".. أو Big Foot "!!.
وأنها تعيش مع الدجال في جزيرة أسمها "جزيرة الثعبان" في بحر اليمن!!.
وأن الدجال سيمكث في كل قرية يمر بها أربعين يومًا؛ هكذا "في كل قرية" ، وليس في الأرض بعموم.

   إلى غير ذلك من المعلومات الحصرية التي لم يقف عليها قبل المؤلف أحد، والتي أكتسبها من  مكانته الرفيعة التي وصل إليها في الماسونية!(5)، وأن إفشاء هذه المعلومات ستكون سببًا في قتله!!.

    فالخلاصة: الكتاب ليس فيه إلا دجل وتخرصات، مع بعض الحق بالطبع؛ وهذه طريقة السحرة والدجاجلة من قديم، يأتي أحدهم بالكلمة من الحق، فيخلط معها مائة كذبة، فيروج لكل هذا الكذب، بكلمة الحق الوحيدة التي معه.
     وحتى المواضع التي لم تسعف المؤلف فيها " الحبكة الدرامية"!، ولم يجد لها مخرجًا، كالجواب عن من الذي قيد "الدجال" في الكهف بهذه الطريقة وهو بكل هذه القوة؟، اكتفى بقوله: " هذه قصة ليس من حقي أن أخبرك عنها"!. [انظر ص / 306].

    وأخيرًا أنبه:أنه ليس لنا شأن بنية المؤلف أو إخلاصه، فهذا أمر بينه وبين خالقه، ولكن المسألة لا تتعدي محاولة لتسليط الضوء على ظاهرة أصبحت تفسد عقائد الناس، وتشغل شباب المسلمين عن تعلم صحيح الدين، وتربطهم بالخرافة والمخرقة.
    وهذا الكتاب ليس إلا أنموذجًا للكتب التي تدفع بها دور النشر إلى السوق مستغلة شغف الناس لمعرفة الغيبيات، والتطلع للمستقبل، ولو أرادوا بالناس خيرًا لنشروا العلم الصحيح القائم على الكتاب وصحيح السنة، ولوقفوا حيث وقف من سبقنا من سلفنا الصالح.
    قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجَاً وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لاَ يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَّكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُه} [الطلاق : 2 ـ 3].
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة  15 / ربيع أول / 1438
14 / 12 / 2016

الهامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): أقر "عبد الله هاشم" بتشيعه ورفضه في الحلقة الأولى من سلسلة (المرحلة الثالثة).
(2): المؤلف إذ ذكر نبيًا من أنبياء الله ـ تعالى ـ لا يصلي عليه ولا يسلم، وإنما يكتب: قال النبي "موسى"، قال النبي "داود" ، وهكذا...
(3): لم يذكر المؤلف من أول الكتاب إلى أخره أي مصادر اعتمد عليها.
(4): قال تعالى: { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل : 82].
(5): زعم المؤلف  في (ص / 269) ، أن هناك فرق بين اليهود والصهاينة، حتى أن الصهاينة علي الصحيح لا تنسب إلى اليهود، وذلك لأنهم من سبط شرير، وهو السبط الثالث عشر لبني إسرائيل!!.

الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

الأمن في الأوطان

الأمن في الأوطان

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:
           قال الله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[ إبراهيم : 7 ].
     فنعم الله ـ عز وجل ـ التي تفضل بها علينا بكرمه وجوده ـ سبحانه ـ ، هذه النعم التي لا تُعد ولا تحصى، والتي نتنعم فيها بلا ثمن أو مقابل، هذه النعم باقية متصلة؛ بل قابلة للزيادة شريطة = الشكر عليها وعدم الكفر بها، إذ أن كفر النعمة والجحود بها من أسباب زوالها، وشكرها من أسباب زيادتها ونموها.

   ونعم الله ـ عز وجل ـ ضربان: نعم نفع، ونعم دفع.
نعم النفع : هي وصل إلينا وتفضل به الرب علينا من ملذات الدنيا.
نعم الدفع: هي ما صرفه الله عنا من الآفات والبلايا والمصائب.
فيشكر الله ـ عز وجل ـ على كل حال، يشكر على ما تفضل به علينا، ويشكر على ما صرفه عنا.
      وتُعدّ نعمة "الأمن في الأوطان" من أعظم نعم الله ـ عز وجل ـ التي يتوجب على العباد شكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ عليها، وعدم الكفر بها، بيد أن أكثر الخلق يَغفل عن شكرها، بل منهم من جحدها!، وقد قيل: "نعمتان مجحودتان الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان".
     وشكر هذه النعمة يكون: بالإيمان بالله ـ عز وجل ـ ومداومة العمل الصالح، قال الله تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور : 55].
       فهذا وعد من الله ـ عز وجل ـ ، باستخلاف أهل الإيمان = الذين رضوا بالله ربًا، وبالإسلام دينًاـ وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولًا، وعملوا صالحًا، بأن يُستَخلفوا في الأرض، وأن يُمكن لهم دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وأن يُبَدلَ الله خوفهم أمنًا؛ وذلك لأنه لا تستقيم لهم حياة، ولا يهنأ لهم عيش، مع الخوف وسلب الأمن، ولذلك لما دعا خليل الرحمن إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ  للبلد الحرام ـ مكة ـ زادها الله شرفًا ـ قدم طلب الأمن على طلب الرزق، قال سبحانه: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر}. [ البقرة: 126].
       وقد استجاب الله ـ عز وجل ـ  لدعائه، فجعل البيت الحرام، حرما آمنًا ومثابة للناس، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [ البقرة: 125]، وحتى أصبحت مكة تعرف فيما بعد بالبلد الأمين، قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}[ التين 1 : 3 ].
         فقدم إبراهيم ـ عليه السلام ـ طلب الأمن على طلب الرزق = لأنه بالأمن:  تأمن السبل والطرق التي تنقل فيها الأرزاق والثمرات، وبضياع الأمن تفسد السبل، ويتسلط عليها أهل البغي والعدوان، فيُتعدى على الأرزاق والأموال والأنفس، وتُنتهك الأعراض.
هذا؛ وإنك لن تجد أناسا في رغد من العيش، وسعة في الرزق، وراحة بال، وقد سلبوا الأمن.
          وقد امتنَّ الله ـ عز وجل ـ على قريش حال كفرهم بنعمة الأمن، قال تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتاء والصيف فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}. [قريش 1 : 4 ].
فلولا الأمن الذي أنعم الله به على قريش، لاستباحت العرب أعراضهم، وضاعت تجارتهم، وفسدت معيشتهم.
        وهذه هي النتيجة الوحيدة لكفر هذه النعمة العظيمة ـ نعمة الأمن ـ،  قال تعالى: { وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] .
           والعجب العجيب، والنبأ الغريب .. أننا نجد سماسرة السياسة، وعشاق الفتن والثورات، يكفرون بهذه النعمة، بل ينمون في الناس الكفر بها، والتنكر لها، بزعم رفع الظلم عن الناس، وتقاسم الثروات!،ومطالبة المساواة بين البشر!، بأن يكون الجميع أغنياء!!.
         وهذا أمر تأبه الحكمة الإلهية، فالله ـ عز وجل ـ لم يخلق الناس على درجة واحدة، بل خلقهم وبينهم تفاوت وتفاضل، قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. [ الزخرف : 32 ].
       فمن حكمة الرب ـ تبارك وتعالى ـ هذا التفاضل الذي يكون بين العباد في الأرزاق والأعمار والأفهام والذرية وغير ذلك، لكي ينتفع الناس بعضهم ببعض؛ وهذا التفاوت والتفاضل سنة كونية قدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها أو تحويلها بوجه من الوجوه. 
قال تعالى : { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} . [ النحل : 71].
وقال سبحانه: { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}. [الإسراء : 21].
وقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [ الإسراء : 30].
وقال عز وجل : {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} . [ الرعد : 26 ].
ومعني قوله تعالى : { وَيَقْدِرُ} أي : وَيُضَيِّقُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ.
     فمن حكمة الرب العليم بأحوال عباده، وما جبلت عليه نفوسهم، وما يصلحهم، وما يليق بكلٍ منهم، ظهر هذا التفاوت والتفاضل بينهم؛ وهذا ملكه ـ سبحانه ـ يفعل فيه ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل، وهم يسألون.
وحتى هذا التفاضل يوجد بين رسل الله ـ عز وجل ـ ، قال سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ}. [ البقرة : 253 ].
    فالذين يتاجرون اليوم بآلام المسلمين ومعاناتهم، وإيهامهم بأن سلوك سبل التغير الغربية الصليبية من المظاهرات!، والاعتصامات!، والعصيان المدني!، سيأتي بمزيد من الرفاهية وسعة في الرزق، هؤلاء يجرون الأمة إلى حتفها، وتسلط الأعداء عليها؛ إذ هم يعاندون الحكمة الإلهية، والناموس الكوني.
      وما بهذا أمرنا. فإن ما عند الله لا يُنال بمعصيته، ولن يُنال ما عند الله بإتباع سنن الذين كفروا، ونسبوا لله الصاحبة والولد!! سبحانه وتعالى وعز وجل.
 والذي يتنعم فيه الغرب الصليبي اليوم، إنما هو فتنة لهم، ومكر من الله بهم، قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} . [الأنعام : 44].
      بل أن أكثر الرفاهية الغربية اليوم، حصيلة ما سُرق ونُهب من ثروات علمية ومادية كانت في ديار المسلمين، والذي من أجلها ما زالت تُزرع الفتن والقلاقل بين أبناء أهل الإسلام وحكوماتهم، حتى يهيجوا ويثوروا ويخرجوا ليخربون بيوتهم بأيديهم!، لتكون حصيلة ذلك: إسراع حلم اليهود من امتلاك الأرض من النيل إلى الفرات ـ من مصر إلى العراق ـ  ، من خلال طريقتهم في تدمير الدول؛ وذلك بابتداع طريقة  تؤثر على الحكومة، وطريقة تؤثر على معنويات الشعب. والطريقتان تهدفان إلي غرض واحد، وهو تفتيت الدول بزرع الفتن بين أبنائها حكاما ومحكومين،وهو ما يُعرف بسياسة "فرق تَسد"؛ وقد اقترب يهود من تحقيق حلمهم.
 أما الشباب الثائر الذي شحنه سماسرة السياسة بالأفكار الثورية الغريبة،  فستضعف دولته، وتذهب قوته = وتصبح فريسة لأعداء الدين، من يهود ونصارى ، ثم يَذهب من بين أيديهم غنيمة باردة للغرب الصليبي الذي كانوا يحلمون أن يعيشوا معيشتهم!!، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

    والذي يتوجب على المسلم في طلبه للرزق، إتباع السبل الإسلامية الصحيحة التي جاءت بها الشريعة المحمدية .
فيصحح إيمانه بربه ومعبوده ـ سبحانه وتعالى ـ  ويتقيه، ويجتنب محارمه، ويعلم أنه هو الرزاق، وهو الملك، وهو الذي بيده الأمر كله .
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. [ الأعراف : 96].
وقال سبحانه: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}. [سورة المائدة : 66].
وقال عز وجل: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}. [الطلاق 2: 3].
فالإيمان بالله ـ عز وجل ـ وبصفاته، وبتقواه، واجتناب محارمه، يُستجلب الرزق.
          وكذلك يُستجلب الرزق باستغفار الرب الغفور التواب ـ عز وجل ـ والإنابة إليه؛ فإنه ما حُرمَ العبد الرزق إلا بسبب المعصية، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، فيستغفر العبد ربه مما قدمت يداه، حتى يتوب الله عليه.
       فالاستغفار من أسباب جلب الرزق، وبهذا وصى الأنبياء قومهم،  قال نوح ـ عليه السلام ـ لقومه: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهارًا }. [نوح 10 : 12].
 وقال هود ـ عليه السلام ـ لقومه : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود : 52] ، وكذلك قال نبينا – صلى الله عليه وسلم - : {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}. [هود: 4].
ويُستجلب الرزق أيضًا بالعمل الصالح، قال الله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . [النحل: 97].

      هذا؛ ولو تأمل العبد فيما رزقه الله، وأنعم به عليه، وعرف حقيقة الدنيا، وعلم أن منتهى ملذات الدنيا الأمن والعافية؛ لطمئن قلبه، وسكنت نفسه،  وارتاح باله، يقول نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )) [ رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه وحسنه، ووافقه الألباني].
ومعنى الحديث: أن من أصبح "أمنا في سربه": أي في نفسه وأهله، " معافى في جسده": أي صحيح غير مريض، "عنده قوت يومه": طعام هذا اليوم الذي أصبح فيه، "فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها": أي جمعت له ملذات الدنيا جميعًا. 
     كما أن الغنى، ليس غنى المال على الحقيقية، بل غنى النفس والقلب، وهما مما يعجز المال عن شراءهما، يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((ليس الغنى عن كَثرة العَرَضِ ، ولكن الغنى غنى النَّفس)) . [متفق على صحته].
ومعنى" كَثرة العَرَضِ" : أي حطام الدنيا.       

فمن ابتلي في الدنيا، فضيق عليه في رزقه، أو نزل به بلاء في بدنه، أو حرم الولد، فليرجع إلى ما أسلفنا من السبل الإسلامية لصحيحة، من تصحيح الإيمان بالله، والتوكل عليه، والاستغفار والإنابة، ومداومة العمل الصالح، والصبر، والقناعة، فالأمر كله بيد الله.
 عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله سعر لنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبنني بمظلة بدم ولا مال )) . [رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني].
ومعنى (( إن الله هو المسعر )) : هو الذي يزيد من قيمة الأشياء ومكانتها وتأثيرها، أو ينقصها فترتفع أسعارها  أو ترخص على ما تقتضيه حكمته وعلمه.
قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافًا وقنع)). [رواه الحاكم والترمذي وصححه، ووافقهما الألباني].
وفي رواية ابن ماجة بسند صحيح: ((قد أفلح من هدي إلى الإسلام ، ورزق الكفاف، وقنع به)).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( انظروا إلى من أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)).[رواه مسلم].
ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:  (( عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له )).  [رواه مسلم].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله : ((فهذا الحديث يَعمُ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها وشكرَ لمحبوبها، بل هذا داخلٌ في مسمى الإيمان، فإنه كما قال السلف: الإيمان نصفان، نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر)). [جامع المسائل 1 / 165 دار عالم الفوائد].
      فطلب الرزق والسعي لتحصيله، له سبل وطرق بينتها الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن فقه أبالسة المبتدعة، وسماسرة السياسة، الذين يجرون بلاد الإسلام إلى الفوضى وضياع الأمن، ولكن هكذا الفتن تكثر فيها الدجاجلة ، كما قال الجبرتي ـ رحمه الله ـ .
        فعلى المسلم أن يَتجنب الفتن والفوضى، ولا يُعرض بلاده للخراب والدمار، ويساعد في تسلط الأعداء عليها، وأن يتعظ بغيره، ويتأمل قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( السفر قطعة من العذاب )). [متفق عليه]، وهذا في حال رجل ألجَأته الضرورة للسفر، ففارق بيته وأهله، مدة من الزمن .. طالت أو قصرت، ثم سيعود أليهما في المنتهى، ومع ذلك فهو في عذاب؛ فما بالك بالذي شرد من بلده وانتهكت محارمه، وربما فقد بعض أبناءه وأهله؟
وكل ذلك بسب مخالفته لسنة أهل الإسلام، وإتباع سنن المغضوب عليهم والضالين.


         هذا؛ وقد حذرنا الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم، من عاقبة الخوض في الفتن، فقال:  {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. [الْأَنْفَال: 25].
وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ علينا أوطاننا، وأن يبارك لنا في أرزقنا، وأن يرزقنا الشكر والرضا، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين لإتباع السنة، ويرزقهم البطانة الصالحة. 
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد

القاهرة 28 / محرم / 1438
29 / 10 / 2016