إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 11 مارس 2024

ضعف حديث الذكر أثناء ثني الرجل

 

               ضعف حديث الذكر أثناء ثني الرجل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإنه كثر السؤال عن ذكر يُقال بعد صلاة الفجر مباشرة، وله هيئة خاصة في الجلوس له؟
 فنظرت في حديثه، فتبين لي ضعفه، وهذا بيان المسألة :
 

أولًا: تخريج الحديث:

  عن أبي ذر مرفوعًا، قال: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجله قبل أن يتكلم : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كان له بكل واحدة منهن عشر حسنات، ومحي عنه بها عشر سيئات، ورفع له بها عشر درجات، وكان له بكل واحدة منهن عدل رقبة وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه من الشيطان ولم يتبع بذنب يدركه إلا الشرك" . الحديث.

  قال البزار في مسنده المعلل عقب الحديث: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أبي ذر بهذا الإسناد".

  قلت: ومدار هذا الإسناد المذكور على: شهر بن حوشب يرويه عن عبد الرحمن بن غَنْم الأشعري، وعبد الرحمن يرويه عن أبي ذر.

   إلى هنا يكاد يكون الإسناد متفق عليه؛ إلا أنه اختلف فيه على شهر، و"شهر بن حوشب الأشعري أبو سعيد" مختلف في توثيقه، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وتركه يحيى بن سعيد القطان، وقال النسائي: ليس بالقوي.

  قال صالح جزرة: "لم يوقف منه على كذب. وكان رجلًا يتنسك إلا أنه روي أحاديث يتفرد بها لم يشركه فيها أحدًا".

  قلت: وقد اتفقوا على أنه كثير الإرسال والوهم.

وبهذا يكون أحسن أحواله أنه صدوق، ولا يقبل منه التفرد.

  وهذا الحديث تفرد به كما مر في كلام البزار، ولهذا وصفه الإمام الترمذي بالغريب عندما أخرجه في جامعه.

  غير أن الأمر أبعد من رد هذا الحديث بهذه العلة، أو بالتدليس لأنه عنعه، فالحديث اضطرب سنده ومتنه جدًا.

1   ـ فالحديث عند الترمذي يرويه عن شهر = زيد بن أبي أنيسة أبو أسامة (ثقة). ليس فيه لفظة: "بيده الخير"، أو " له بكل واحدة منهن عدل رقبة ".

2  ـ وعند النسائي في الكبرى يرويه عن شهر = عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين (ثقة)، وعنه "زيد بن أبي أنيسة"!.

  وحديثه ذكرت فيه لفظة: "بيده الخير"، إلا أن الثواب فيه مختلف، فبدلًا من عشر حسنات، تقلصت إلى واحدة!، ونصه:

"   كتب الله له بكل واحدة قالها منهن حسنة، ومحى عنه سيئة، ورفع بها درجة، وكان له بكل واحدة قالها عتق رقبة".

3  ـ كما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة يرويه عن شهر = عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، أيضًا؛ إلا أن الصحابي هنا "معاذ بن جبل" وهو حديث أبي ذر كما مر.

  وليس فيه ذكر "ثني الرجل" أو "يحيى ويميت". وزاد في الثواب:

" وكن له عدل عشر نسمات"!.

   وفيه زيادة: " ومن قالهن حين ينصرف من صلاة العصر أعطي مثل ذلك في ليلته".

قلت: وليس في حديثنا ذكر لصلاة العصر البتة، فانتبه!

  ولهذا قال الإمام النسائي بعده:" حصين بن عاصم = مجهول ، وشهر بن حوشب = ضعيف ، سئل ابن عون عن حديث شهر فقال : إن شهرًا نزكوه ، وكان شعبة سيئ الرأي فيه، وتركه يحيى القطان؛ خالفه زيد بن أبي أنيسة ، رواه عن ابن أبي حسين، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي ذر". اهـ

قلت: قال النضر بن شميل: نزكوه : أي طعنوا فيه.

4    ـ كما أخرجه الطبراني في الكبير عن شهر، وعنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أيضًا، وصحابي الحديث معاذ كذلك.

كما أن الثواب فيه: " أعطي بهن سبعًا كتب له بهن عشر حسنات " (هكذا)، وبدلًا من صلاة العصر، ذكرت صلاة المغرب!!، ونصه:

"  ومن قالهن حين ينصرف من صلاة المغرب أعطي مثل ذلك لثلثه".

كما أنه ليس فيه "ثني الرجل".

5  ـ ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن شهر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وليث بن أبي سليم القرشي أبو بكر معًا.

  غير أن عبد الرحمن بن غَنْم أرساله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسقط الصحابي.

وفيه بدلًا من أن يُقال هذا الذكر بعد صلاة الفجر، يُقال: " دبر كل صلاة".

  وبدلًا من "عشر نسمات" = :" عدل رقبة من ولد إسماعيل".

6   ـ وكذا رواه أحمد في مسنده مرسلًا من عبد الرحمن بن غنم، وفيه: " من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب، والصبح".

فذُكرت صلاة المغرب هنا في أول الحديث!!.


ثانيًا: الخلاصة:

الحديث ضعيف، معل بأكثر من علة.

ومثله لا يتقوى ولا يحسن لغيره.

  وقد ضعفه الدارقطني في العلل ( 6 / 247 )، وكذا ضعفه الشيخ الألباني في الصحيحة ( 1 / 232 )، حيث قال: " وفي هذه الرواية فائدة عزيزة وهي زيادة " يحيي ويميت " فإنها قلما تثبت في حديث آخر، وقد رويت من حديث أبي ذر وعمارة بن شبيب وحسنهما الترمذي، وإسنادهما ضعيف كما بينته في " التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب " وفي حديث الأول منهما: " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله.. " فهذا القيد:

" وهو ثان... " لا يصح في الحديث لأنه تفرد به شهر بن حوشب، وقد اضطرب في إسناد الحديث وفي متنه اضطرابًا كثيرًا كما أوضحته في المصدر المذكور ...". اهـ

  قلت: غير أن الشيخ -رحمه الله-  وهِمَ في الصحيحة ( 6 / 353 )، فقال في حديث: "من قال في دبر صلاة الغداة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " مئة مرة، وهو ثان رجليه، كان يومئذ أفضل أهل الأرض عملًا إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال ".

قال الشيخ - رحمه الله- : " . وفي الحديث شهادة قوية لحديث شهر بن حوشب الذي فيه هذه الجملة: " وهو ثان رجليه "،

  وكنت لا أعمل بها لضعف (شهر) حتى وقفت على هذا الشاهد، وفيه التهليل (مائة) مكان (عشر) والكل جائز لثبوتهما". اهـ

  قلت: والشيخ -رحمه الله- وهِم فنقل الحديث : "وهو ثان رجليه "، بينما رواية الطبراني التي هو بصددها، فيها: " قبل أن يثني رجليه"، والفرق بينهما كبير.

  كما أن رواية الطبراني في الأوسط (4 / 450) أيضًا معلة، فقد قال بعدها: " لم يرو هذا الحديث عن أبي غالب إلا آدم بن الحكم ، ولا رواه عن آدم إلا عبد الصمد بن عبد الوارث ".

  فبَين أن "آدم بن الحكم" تفرد بها، وهو " آدم بن الحكم أبو عباد" صاحب الكرابيس، ذكره البخاري في التاريخ الكبير، ومسلم في الكنى، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

   وذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال: "ابن معين: آدم بن الحكم : صالح، قال: وسمعت أبي يقول: آدم بن الحكم: ما أرى بحديثه بأسا". [ الجرح والتعديل (2 / 267)].

   وقال ابن حجر في اللسان: "وقال ابن أبي حاتم: تغير حفظه، روى شريك عن آدم البصري ،عن الحسن البصري وهو عندي آدم بن الحكم هذا إن شاء الله".[ لسان الميزان (1 / 335 : 336)].

   قلت: فمثله لا يقبل تفرده، فصالح الحديث هذه من أدنى ألفاظ التوثيق، وهي تفيد العدالة ولا تفيد الضبط، فإن انضم إليها تغير حفظه، فنسأل الله العافية.

   هذا؛ ويغني عن هذا كله حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : "من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان، يومه ذلك، حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال : سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ". [ متفق عليه، واللفظ لمسلم].

   كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". [متفق عليه].

  هذا؛ والله أعلم.

وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد
١٨ / جمادى الآخرة / ١٤٤٤ هـ
11 / 1 / 2023

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق