الإعلام بسبب جور الحكام
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... } [ النساء 59 ] قال ابن عباس رضي الله عنهما : { وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } يعني : (( أهل الفقه والدين ))، وكذا قال مُجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية : يعني : العلماء . وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : (( والظاهر - والله أعلم - أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء ، ثم ذكر حديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني )) متفق عليه . قال الحافظ : (( فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ، ولهذا قال تعالى : { أَطِيعُوا اللَّهَ } أي : اتبعوا كتابه { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } أي : خذوا بسنته { وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } أي : فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، كما تقدم في الحديث الصحيح : (( إنما الطاعة في المعروف )) . حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أبي مراية ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا طاعة في معصية الله )) . اهـ قلت : فأولي الأمر تشمل العلماء والأمراء ، ولا يخفى فساد كثير من العلماء في زماننا .
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، و بعد :
روى البخاري في صحيحه [ 3834 ] عن قيس بن أبي حازم قال : (( دخل
أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب ، فرآها لا تكلم ، فقال : ما
لها لا تكلم ؟ قالوا : حجت مصمتة ، قال لها : تكلمي ، فإن هذا لا يحل ،
هذا من عمل الجاهلية ، فتكلمت ، فقالت : من أنت ؟ قال : امرؤ من
المهاجرين ، قالت : أي المهاجرين ؟ قال : من قريش ، قالت : من أي قريش
أنت ؟ قال : إنك لسؤول ، أنا أبو بكر ، قالت : ما بقاؤنا على هذا الأمر
الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال : بقاؤكم عليه ما استقامت
بكم أئمتكم ، قالت : و ما الأئمة ؟ قال : أما كان لقومك رؤوس وأشراف ،
يأمرونهم فيطيعونهم ؟ قالت : بلى ، قال : فهم أولئك على الناس ))
وفي رواية ابن الأعرابي أنها قالت : (( إنا مررنا بأقوام كنا نغزوهم ويغزونا فلم يعرضوا لنا ، ولم نعرض لهم ))
قلت : وهذا هو ما كانت
تعنيه من الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ، وهو أنها مرت بقوم
كانت بينهم عداوة أيام الجاهلية ، فلما جاء الإسلام مرت بهم فلم يتعرضوا
لها .
فبين الصديق ـ رضي الله
تعالى عنه ـ في هذا الحديث أن بقاء الناس على هذا الأمر الصالح الذي يتضمن
الأمن على الأنفس والأموال والحُرمات وغيرها مقرون ببقاء الأئمة على
الاستقامة .
هذا؛ ولا يُفهم أن الأئمة المقصود بهم الحكام والأمراء فقط ، بل يدخل معهم العلماء .
فـ " ولاة الأمور " : هم " الأمراء والعلماء " معاً
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... } [ النساء 59 ] قال ابن عباس رضي الله عنهما : { وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } يعني : (( أهل الفقه والدين ))، وكذا قال مُجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية : يعني : العلماء . وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : (( والظاهر - والله أعلم - أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء ، ثم ذكر حديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني )) متفق عليه . قال الحافظ : (( فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ، ولهذا قال تعالى : { أَطِيعُوا اللَّهَ } أي : اتبعوا كتابه { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } أي : خذوا بسنته { وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } أي : فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، كما تقدم في الحديث الصحيح : (( إنما الطاعة في المعروف )) . حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أبي مراية ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا طاعة في معصية الله )) . اهـ قلت : فأولي الأمر تشمل العلماء والأمراء ، ولا يخفى فساد كثير من العلماء في زماننا .
والسؤال :
ما هو سبب فساد العلماء وجور الأمراء ؟
والإجابة عن هذا السؤال لا تجد إجابتها بصدق عند من يتصدر لزعامة الناس ،
لأنه لو أجاب بحق لانفض الناس من حوله ، لأن الإجابة مُرة
وهي : أن سبب فساد ولاة
الأمور من عُلماء و أُمراء هو فساد الرعية ، فإن العبد إذا عصى الله عز وجل وأرتكب المعاصي وجاهر بها سلط الله عليه من يقهره ويُذله عقوبة له
.
يقول الله عز وجل : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [ الشورى 30 ] .
وقال سُبحانه : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران 165 ] .
وقال عز و جل : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [ النساء 79 ] .
وهذا
المعنى معروف عند الناس فتراهم يقولون : (( إن الحكام صورة الرعية ، ويقولون : كما تكونوا يولى عليكم ، ويقولون : كل سُلطان من طينة رعيته )) .
وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (( وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم وملوكِهم ، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم ، و ن عدَلوا عدَلَت علَيهم ، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها ، مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم ، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم ، أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم ، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم ، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ
فأصل البلية أن الناس تجني ثمار أعمالهم ، ومن هذه الثمار ظلم و جور وفساد الأُمراء والعلماء . أخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال سألت الأعمش عن قوله تعالى { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا ... } [ الأنعام 129 ] ما سمعتم يقولون فيه ؟ قال سمعتهم يقولون : (( إذا فسد الناس أُمّرَ عليهم شِرارُهم )) . ( الدر المنثور للسيوطي 3 /358 ) . وقال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه : (( يا أمير المؤمنين ما بال أبي بكر وعمر أنطاع الناس لهما والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما ، ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر ؟! )) فقال : (( لأن رعية أبي بكر وعمر مثلي ومثل عثمان ، ورعيتي أنا اليوم مِثلك وشبهك )) . وقد أرسلوا يوماً لأحد الأُمراء يشكون له جور العمال ( المحافظين ) : فكتب لهم بلغني كتابكم وما أنتم فيه ، وليس ينبغي لمن يعمل المعصية أن يُنكر العقوبة ، ولم أرى ما أنتم فيه إلا من شُؤم المعصية ، والسلام . وجاء في تفسير حِقِّي في قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء } قال : (( معناه إن كنتم من أهل الطاعة يُوَل عليكم أهل الرحمة ، وإن كنتم من أهل المعصية يُوَل عليكم أهل العقوبة )). وقال الإمام السعدي في تفسيره لقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، قال : (( كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالماً مثله ، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه ، ويزهده في الخير وينفره عنه ، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها ، البليغ خطرها ، والذنب ذنب الظالم ، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } ، و من ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم و فسادهم ، ومنْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين ، كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم ، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف )) اهـ . وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - : (( كثير من الناس يريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون ، ولا شك أننا نريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون ، لكننا لا نعطيهم في المعاملة أكمل ما يكون ، بمعنى أن بعض الرعية يقول : يجب أن يكون الراعي على أكمل ما يكون ، ومع ذلك تجد الرعية على أنقص ما يكون .. أهذا عدل ؟ لا والله ما هو بعدل ، إذا كنت تريد أن تعطى الحق كاملاً ، فأعط الحق الذي عليك كاملاً ، وإلا فلا تطلب ؛ ومن حكمة الله عز وجل أن المُوَلَّى على حسب المولَّى عليه .. وهذه من الحكمة أن يكون المولى - ولي الأمر- على حسب من ولي عليه ، إن صلح هذا صلح هذا ، وإن فسد هذا فسد هذا ، وفي الأثر: ( كما تكونوا يول عليكم ) يعني : أن الله يولي على الناس على حسب حالهم ، وهذا الأثر و إن لم يكن صحيحاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه صحيح المعنى ، اقرأ قول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً }[الأنعام:129] أي : نجعل الظالم فوق الظالم ، بماذا ؟ { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأنعام:129] فإذا ظلمت الرعية سلطت عليها الرعاة ، وإذا صلحت الرعية صلح الرعاة، وكذلك بالعكس : إذا صلح الراعي صلحت الرعية )) . قلت : وتأمل العلاقة بين قوله تعالى : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [ الإسراء 16 ] وبين قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا }.
وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (( وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم وملوكِهم ، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم ، و ن عدَلوا عدَلَت علَيهم ، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها ، مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم ، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم ، أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم ، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم ، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ
فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ
فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز ، فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم
وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها )) اهـ
وانظر- بارك الله فيك - إلى قوله تعالى في بيان العلة التي سُلط بها فرعون على قومه .
فقال سُبحانه : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ } [ الزخرف 54 ] .فوصفهم الله ـ عز وجل ـ بالفسق ولهذا سلط عليهم من يُناسبهم .
وقد روى الطبراني عن
الحسن البصري أنه سمع رجلاً يدعو على الحجاج _ وحال الحجاج لا يخفى على
أحد ، فقد كان ظلوماً جهولاً يقتل بالظن ، صلب ابن الزبير رضى الله تعالى
عنهما ، ورمى الكعبة بالمنجنيق وغير ذلك _ سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج ، فقال له : ((
لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم ، إنما نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن
يتولى عليكم القردة والخنازير ، فقد روى أن أَعمالَكم عُمَّالُكم ، وكما
تكونوا يُولى عليكم )) .فأصل البلية أن الناس تجني ثمار أعمالهم ، ومن هذه الثمار ظلم و جور وفساد الأُمراء والعلماء . أخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال سألت الأعمش عن قوله تعالى { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا ... } [ الأنعام 129 ] ما سمعتم يقولون فيه ؟ قال سمعتهم يقولون : (( إذا فسد الناس أُمّرَ عليهم شِرارُهم )) . ( الدر المنثور للسيوطي 3 /358 ) . وقال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه : (( يا أمير المؤمنين ما بال أبي بكر وعمر أنطاع الناس لهما والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما ، ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر ؟! )) فقال : (( لأن رعية أبي بكر وعمر مثلي ومثل عثمان ، ورعيتي أنا اليوم مِثلك وشبهك )) . وقد أرسلوا يوماً لأحد الأُمراء يشكون له جور العمال ( المحافظين ) : فكتب لهم بلغني كتابكم وما أنتم فيه ، وليس ينبغي لمن يعمل المعصية أن يُنكر العقوبة ، ولم أرى ما أنتم فيه إلا من شُؤم المعصية ، والسلام . وجاء في تفسير حِقِّي في قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء } قال : (( معناه إن كنتم من أهل الطاعة يُوَل عليكم أهل الرحمة ، وإن كنتم من أهل المعصية يُوَل عليكم أهل العقوبة )). وقال الإمام السعدي في تفسيره لقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، قال : (( كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالماً مثله ، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه ، ويزهده في الخير وينفره عنه ، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها ، البليغ خطرها ، والذنب ذنب الظالم ، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } ، و من ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم و فسادهم ، ومنْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، وحقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين ، كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم ، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف )) اهـ . وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - : (( كثير من الناس يريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون ، ولا شك أننا نريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون ، لكننا لا نعطيهم في المعاملة أكمل ما يكون ، بمعنى أن بعض الرعية يقول : يجب أن يكون الراعي على أكمل ما يكون ، ومع ذلك تجد الرعية على أنقص ما يكون .. أهذا عدل ؟ لا والله ما هو بعدل ، إذا كنت تريد أن تعطى الحق كاملاً ، فأعط الحق الذي عليك كاملاً ، وإلا فلا تطلب ؛ ومن حكمة الله عز وجل أن المُوَلَّى على حسب المولَّى عليه .. وهذه من الحكمة أن يكون المولى - ولي الأمر- على حسب من ولي عليه ، إن صلح هذا صلح هذا ، وإن فسد هذا فسد هذا ، وفي الأثر: ( كما تكونوا يول عليكم ) يعني : أن الله يولي على الناس على حسب حالهم ، وهذا الأثر و إن لم يكن صحيحاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه صحيح المعنى ، اقرأ قول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً }[الأنعام:129] أي : نجعل الظالم فوق الظالم ، بماذا ؟ { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأنعام:129] فإذا ظلمت الرعية سلطت عليها الرعاة ، وإذا صلحت الرعية صلح الرعاة، وكذلك بالعكس : إذا صلح الراعي صلحت الرعية )) . قلت : وتأمل العلاقة بين قوله تعالى : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [ الإسراء 16 ] وبين قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا }.
فهلاك
القرى بظُلم أهلها أولاً { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا
ظَلَمُوا } فإذا ظلموا جعل الله مترفيهم أُمراء فأظهروا الفسق {
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا } فحينها ينزل بهم الدمار
جميعاً { فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } .
قال الذهبي في السير [ 4 /343 ] عن الحجاج قال : وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء.
وعن هشام بن حسان بسند صحيح كما عند الترمذي قال : (( أحصوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مئة ألف وعشرين ألف قتيل ))
ولكن لما تذمر الناس من ولايته وظلمه و ان بينهم الحسن البصري ـ ربيب بيت النبوة ـ لم يقل لهم أخرجوا على الحجاج في ثورة أو اعتصام أو احملوا عليه السيف ، ولكنه قال لهم : (( إن الحجاج عقوبة من الله عز وجل ، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف ، ولكن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة وتوبوا تُكْفَوه )) ( أخرجه أبو الشيخ ، وابن أبي شيبة )
قال الذهبي في السير [ 4 /343 ] عن الحجاج قال : وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء.
وعن هشام بن حسان بسند صحيح كما عند الترمذي قال : (( أحصوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مئة ألف وعشرين ألف قتيل ))
ولكن لما تذمر الناس من ولايته وظلمه و ان بينهم الحسن البصري ـ ربيب بيت النبوة ـ لم يقل لهم أخرجوا على الحجاج في ثورة أو اعتصام أو احملوا عليه السيف ، ولكنه قال لهم : (( إن الحجاج عقوبة من الله عز وجل ، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف ، ولكن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة وتوبوا تُكْفَوه )) ( أخرجه أبو الشيخ ، وابن أبي شيبة )
ودخل سفيان الثوري إلى الحرم فوجد الشرطة ـ ولم يكونوا يتواجدون فيه من قبل فبكى وقال : (( إن ذنوبا ولَّت علينا هؤلاء إنها لذنوب جسام )) .
فالمخرج الوحيد حتى يستقيم أمر العُلماء الأُمراء ،
وينعم الناس بالأمن ، وتُحفظ عليهم أعراضهم وأمولهم أن يتوبوا إلى
الله ـ عز وجل ـ ، وأن يؤدوا الحقوق الى أهلها ، وألا يظلموا حتى لا
يُظلموا ، وإن أرادوا أن يُحكم فيهم شرع الله ـ عز وجل ـ أن يأخذوا
بأسبابه من تصحيح المعتقد ، وعمل الصالحات ، وعدم التفريط في الواجبات ،
حينها يكون لهم الاستخلاف في الأرض .
قال الله تعالى : { وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ } .
وقال الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } [ الرعد 11 ]
وأنشد بعضهم :
بذنوبنا دامت بليتنا ......... والله يكشفها إذا تبنا
وفي المأثور في الدعوات : (( اللهم لا تُسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا )) .
و صلى الله على محمد وعلى آله و صحبه و سلم .
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
أبو صهيب وليد بن سعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق