الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
نُشر كلام مؤخراً
للشيخ "هشام البيلي" يُؤصل فيه ويُقعدّ على أن ما حدث مع الحاكم الإخواني
المعزول "محمد مرسي" إنما كان خروجاً عليه، وأنه لا يجوز لأهل الحل والعقد
عزل الحاكم إلا أن يروا كفراً بواحاً كما جاءت السنة.قلت: ومعلوم أن الرجل إذا أخطأ من غير تقعيد، أمكن أن يُعتذر له، ولكنه إذا قَعدَّ فقد سدَّ عليك طريق الاعتذار له، فلا يُقال: ألقَى الكلام على عواهنه!، ولكنَّه ألقاه على قواعده!!.
ولهذا لنا مع هذا الكلام وقفات:
أولاً: ما هي المصلحة الشرعية من ذكر مثل هذا الكلام الآن، مع سقوط ولاية الحاكم السابق بالحبس وعدم التمكن، وقد انعقد الإجماع على طاعة الحاكم المتغلب، ؟!
- قال ابن بطال: (( والفقهاء مجمعون على أن طاعة المتغلب واجبة ما أقام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب، فإن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من تسكين الدهماء وحقن الدماء))[ شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال،دار مكتبة الرشد طـ الثانية (2 / 328 )].
- وقال ابن حجر في الفتح[13 / 7 ]: ((وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء ... ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليه)).
- ولله در القائل:
وواجب نصب إمامٍ مسلمٍ ............. توفرت فيه شروط فاعلَمِ
ومن على الناس بسيفه غلبْ .............. ولم يكن له منازع وجبْ
طاعتهُ ولو يكون ظالمَا .............. خوفاً من الفوضى وحقناً للدِمَا
ومن على الناس بسيفه غلبْ .............. ولم يكن له منازع وجبْ
طاعتهُ ولو يكون ظالمَا .............. خوفاً من الفوضى وحقناً للدِمَا
[ صيحة في حق صماخ الباطل للعلامة أحمد بن يحيى النجمي].
- وصح عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما أنه قال: (( وأصلي وراء من غلب)).
- فهذا الكلام الآن لا يزيد الأمر إلا فتنة، ولا يزيد النار إلا اشتعالاً، ففي هذا الكلام أعطاء الحجة للحرورية الجدد لمزيد من الخراب والدمار والإفساد(1).
لتبدأ سلسلة جديدة من منازعة الأمر أهله، ومعلوم ما عاشته البلاد وما زالت تعيشه من جراء مخالفة هذا الأصل.
- وقد بين ابن القيم ـ رحمه الله ـ أن الخروج على الحكام أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر.
- ومعلوم أن أول خارجي لم يزد على (( أعدل يا محمد!، فهذه قسمة لم يرد بها وجه الله!!))
- ويقول النبي صلى الله علية وسلم : ((من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه)) . [رواه ابن ابى عاصم في السنة ( باب : كيف نصيحة الرعية للولاة ) .وصححه الألباني] .
خامساً: ألم يكن من الأولى بدلاً من الخوض في التأصيل والتقعيد أن ما حدث كان خروجاً، أن يذكر الشيخ للناس العلة التي زال بسببها ملك هذا المعزول ـ قبحه الله ـ ؟
- مثل قوله للثوار من الخوارج والبغاة في ميدان التحرير بعد فوزه : (( أيها الشعب العظيم، جئت إليكم اليوم لأنني مؤمن تماماً بأنكم مصدر السلطة والشرعية التي لا تعلو عليها شرعية!، أنتم أهل السلطة ومصدرها!، أنتم الشرعية وأقوي مكان فيها!، من يحتمي بغيركم يخسر!!، ومن يسير مع أرادتكم ينجح !! ونريد لوطننا أن ينجح!، جئت إليكم لأنني مؤمن تماماً بأنكم مصدر السلطة والشرعية التي تعلو على الجميع!، تعلو على الجميع!!، لا مكان لأحد لمؤسسة ولا هيئة ولا جهة فوق هذه الإرادة!!، الأمة مصدر السلطات جميعها!!، وهي التي تحكم وتقرر!، وهي التي تعقد وتعزل!، من أجل ذلك أتيت اليوم إلى الشعب المصري ...)).
- وكقوله : (( ليس في مصر أحد يقول بثلث ثلاثة؛ إنما النصارى يعبدون الإله الواحد الذي نعبده!)).
- وقوله: (( بين
المصريين مفيش خلاف عقائدي..المصريين كلهم مفيش بينهم خلاف
عقائدي..المصريين يا إما مسلمين أو مسحيين، ومفيش خلاف بين العقيدة
الإسلامية والعقيدة المسيحية كل يعتقد بما يشاء!!، مفيش خلاف
عقائدي..الخلاف ديناميكي!، خلاف آليات!!)).
- وقوله: (( إن في إقامة الحدود في الإسلام خلاف فقهي)).
- وكإباحته الردة عن دين الإسلام مستدلاً بقوله تعالى: { لا إِكْرَاهَ فِى الدين } [ البقرة : 256 ]، إلى أخر تلك الزندقة .
- فضلاً عن فتحه البلاد أمام الغزو الرافضي الخبيث، الذي لم يُمكن له في حكم من يوصفون بالعلمانية.
- وتقريبه كذلك للتكفيريين والقطبيين حتى أصبحوا بطانته، ووصل الحال بأحدهم أن قال بين يديه " أن قتلانا في الجنة، وقتلى مخالفينا في النار!".
فكان من الأولى يا فضيلة الشيخ أن تُعرض عن هذا، وتَذكر هذا.
هذا؛ ولعله يُشغب
قائل:" لماذا تنكرون على الشيخ شيء فعلتموه من قبل!، فقد قلتم من قبل أن
ثورة 25 يناير كانت خروجاً، فلماذا تنكرون على هذا الأمر الآن؟! "- أقول: معلوم أن الكلام في النوازل له تعلق بالزمان والمكان، فالصورة مختلفة هنا، فالذي حدث في ثورة ( 25 يناير ) أنها انطلقت فيها المظاهرات واستمرت قرابة 15 يوم، حتى اعتزل الحاكم وتنحى، فكان طوال هذه الفترة يُحذر علماء أهل السنة العوام من الاشتراك في هذه المظاهرات، إذ أنها من سُبل الخروج على الحاكم، ومن مات على هذه الحالة مُتوعد بأن يَموت على سنة جاهلية، بخلاف الذي حدث مع الحاكم الإخواني المعزول، فالأمر لم يَستمر إلا ساعة من نهار، وتغلب أخر على الحكم، وسقطت ولاية الأول بحبسه وعدم تمكنه، فشتان بين الحالتين.
- هذا؛ وقد قامت عدة دول على هذا النحو، فالدولة العباسية قامت بالسيف، ولا نَعلم أحد من سلف هذه الأمة أخذ يدندن أنها كانت خارجية أو ولايتها غير شرعية كما فعل الشيخ!؛ لكن استقر الأمر على (( ونصلي وراء من غلب)).
فخير الهدي في إتباع من سلف، وشر الهدي في ابتداع من خلف.
وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتبأبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 25 رمضان 1434
6 / 8 / 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ): ومن هنا يُعلم لماذا لا يُتكلم في النوازل إلا العلماء الأثبات؟،{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[ النساء : 83 ]
( 2 ): مثل كلام الحدادي الخبيث " محمد بن عبد العليم ال ماضي"، فقد نشرت له صوتية مؤخراً يُقرر فيها ما مر ذكره، ثم ختمها بتهمة خطيرة نسبها لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ بيد أن الغريب حقاً أن للشيخ "هشام البيلي" تزكية ومدح لهذا الخبيث، فالله المستعان.
كلام اكثر من رائع جزاك الله خيرا
ردحذفوجزاك مثله وزيادة أخي
ردحذف