إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 8 أبريل 2013

أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ ؟!!


أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ
؟!!




الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من نبي بعده ، وبعد :


" نبينا محمد "– صلى الله عليه وسلم – صاحب الشريعة الغراء ، و الملة السمحاء ، و المحجة البيضاء ، والشفاعة و الاسراء ، له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ، صاحب الغرة والتحجيل ، المذكور في التوراة والإنجيل ، والمؤيد بجبريل ، حامل لواء العزّ في بني لؤي ، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي ، أشرف من ذُكر في الفؤادِ ، وصفوة الحواضر والبوادي ، وأجل مصلحٍ وهاد ، جليل القدر ، مشروح الصدر ، مرفوع الذكر، رشيد الأمر ، القائم بالشكر ، المحفوظ بالنصر ، البريء من الوزر ، المبارك في كل عصر ، أحسن الناس خُلقاً ، وأسدهم قولاً ، وأمثلهم طريقه ، وأطهرهم سريرة ، وأنقاهم سيرة، وأجودهم يداً ، وأصفاهم صدراً ، وأتقاهم لربه ، وأوصلهم لرحمه، واشجهم قلباً .


" نبينا محمد " الذي نَزل الله عليه الكتاب الذي أفحم الشعراء ، وأسكت الخطباء ، وغلب البلغاء ، وقهر العرب العرباء ، وأعجز الفصحاء ، وأعجب العلماء ، وأذهل الحكماء { إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ...} .


" نبينا محمد " أكرم من خلق الله ، كان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر ، سيد الأجواد على الإطلاق من بُعث ليتمم مكارم الأخلاق .

يُسئل ثوبه الذى يلبسه فيخلعه ويعطيه لسائله لأنه كان لا يرد سائل .


تراه إذا ما جئته متهللاً...كأنَّك تعطيه الذى أنت سائله



فصلى الله عليه كلما تحرك بذكره اللسان ، وسارت بأخباره الركبان ، وردد حديثه الإنس والجان .


فهل مثل هذا لو وضع العالم أجمع أفلام ورسوم تُسيء لشخصه هل تؤثر فيه ؟!!

لكن الإساءة الحقيقية في ردِة فعل اتباعه ، فرءيناهم هبوا ـ بزعمهم ـ لنصرة نبيهم – صلى الله عليه وسلم – و لكن بماذا ؟!!

باتباع سنة أعداءه !

فخرجوا في مظاهرات حاشدة ، وحرقوا و اتلفوا ، وشجبوا واستنكروا ، حتى وصل الحال ببعضهم أنه همّ بتغير بروفيل الفيس بوك ، ومقاطعة جوجل وتوتير !! نصرة لنبيه – صلى الله عليه وسلم – .


وهذا غاية ما أراد الغرب الصليبي الاطمئنان عليه من نشر مثل هذا الفيلم


ارادوا أن يطمئنوا هل أتت القواعد التي زرعوها في البلاد الإسلامية أثناء ثورات الخريف العربي أكُلها ؟ .

قواعد الحضارة الغربية التي قامت عليها أمريكا و أوربا وصدروها للبلاد المسلمين للقضاء على ما تبقى من الإسلام في هذه البلاد .

أرادوا أن يطمئنوا على " الديمقراطية " التي أصبحت ديناً يُقاتل عليه الناس ، حتى أصبح في معتقد الكثير : أن العدل والحرية لا يوجدان الإ في " الديمقراطية "،

" الديمقراطية " التي مبناها على حكم الاكثرية ، ولهذا ما خرجت المظاهرات الا "مليونيه" .

أرادو الاطمئنان على أن الاضطرابات ما زلت قائمة بين الشعب وحكومته وعدم اعطاء فرصة لهذه البلاد من اصلاحات بعد انتهاء موسم الثورات ، فينشغل الناس بالحكام مرة أخرى ، فإن لم يُعلن الحاكم الحرب العالمية الثالثة ـ وهو لا يملك الحفاظ على الأمن داخل بلده ـ كان هو العميل رضيع الامريكان .

و حينها يأمن العدو الصهيوني على نفسه ، لان المنشغل في نفسه لا يفكر في ايذاء غيره .


ولكننا أن سئلنا هذه الجماهير الغاضبة هل تحبون النبي – صلى الله عليه وسلم – حقا .

فماذا تعرفون عنه ؟!!.


كنيته – صلى الله عليه وسلم – هي : " أبا القاسم " فما الذي نعرفه عن القاسم الذي تكنى باسمه ؟

و من الذي غسل الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد موته ؟

كم رجل حَمل نعشه ؟

من كان أمام المسلمين في صلاة الجنازة عليه ؟


هل دفُن باليل أم بالنهار ؟

هذه الاسئلة وغيرها تجد اجابتها ـ بإذن الله تعالى ـ في المواضيع القادمة :

" أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ ؟!! "


" نصرة الرب للنبي حياً وميتاً "


" نفخ الطيب بتنقيح أحاديث وفاة الحبيب "


جمع وترتيب

أبو صهيب وليد بن سعد 
 هذه نُتف من سيرة نبينا ـ صلى الله عليه و سلم ـ الصحيحة .

و لكن لما كانت التخلية قبل التحلية رأيت التنبيه على بعض ما أشتهر عن نبينا ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لم يصح عنه ، بل هو من جملة الاوهام و الاساطير ؛ و منها :

. توارث الناس أن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ لما قَدِمَ المدينة خرج النساء و الصبيان لاستقباله بنشيد " طلع البدر علينا من ثنياة الوداع "
و هذا الحديث أورده البيهقي في دلائل النبوة ، و أبو الحسن الخلعي في الفوائد ، و قال ابن حجر في الفتح : " اسناده منقطع " .
. و حديث : " أنا ابن الذبيحين " ( يعني : اسماعيل ـ عليه السلام ، و عبد الله والد النبي ـ صلى الله عليه و سلم ) ، هذا حديث لا أصل له .
. و احاديث أنه ولد مختوناً ، أو ختنه جبريل ـ عليه السلام ـ كل الاحاديث الواردة في ذلك معلولة بعلل قادحة لا تخلو من وضاع أو متهم .
. و حديث : بحيرة الراهب عندما شاهد غمامة تُظل النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فعلم أنه نبي و اليهود ستقتله ، فامر أبو طالب بأن يعود به مرة أخرى . فهذا أيضا ضعيف .
. و حديث : أنه يوم مولده سقط أيوان كسرى ، و خمدت نيران المجوس و تحطمت بعض أصنام قريش .
أكثر هذه الاحاديث رواها الخرائطي في " هواتف الجان " و مدارها على " عبد الله محمد البلوي " و " عمارة بن زيد " و هما وضاعان كذابان .
. و حديث : " يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي ..." .
أخرجه ابن اسحاق ، و فيه يعقوب بن عتبة بن المغيرة لم يُدرك أحد من الصحابة ؛ فالحديث معضل .
. و حديث : الهجرة ، و دار الندوة وأن ابليس كان معهم في هيئة شيخ من نجد و أشار عليهم بأن يأخذوا من كل قبيلة رجل . ضعيف .
. و حديث : أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ مر على امرأة تُسمى " أم معبد " و كان معه الصديق ـ رضى الله عنه ـ و طالبا السقية و لم يكن عندها الا شاة هزيلة فمسح على درعها ـ صلى الله عليه و سلم ـ فانتفخ الدرع و حلبوها و علة الرغوة و شربوا حتى أرتوا ثم تقلص الدرع مرة أخرى . ضعيف لا يصح .
. و حديث : حصار المشركين لبيت الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ فذر التراب على رؤوسهم و خرج من بينهم . رواه ابن هشام مرسلا .
. و حديث : ان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لما كان في الغار مع الصديق ، فجاء العنكبوت و نسج خيطه حول الغار ، و عششت الحمامة و وضعت بيضها .
ضعيف .
بل فيه نكارة في المتن ، فإن الرب سبحانه و تعالى قال : {
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ... } [ التوبة : 40 ] .


فالمعجزة كانت في انه كان أمامهم و لا يرونه ، و لهذا كان يقول أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، و الاية صريحة { ... وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ... } .
. و حديث : المعراج ان جبريل قال للنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ : " هنا ينتهي مقامي فلو تقدمت أحرقت ، و لو تقدمت أنت اخترقت " .
فهذا من وضع الزنادقة أصحاب وحدة الوجود .
. و حديث : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس يا أرحم الراحمين ! إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي ...
ضعفه الشيخ الالباني في ضعيف الجامع رقم : 1182


يتبع بإذن الله ...
" نبينا محمد "


هو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي
أمه هي : امنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة .

روي مسلم في صحيحه من حديث واثلة بن الاسقع أن النبي- صلى الله عليه و سلم - قال : " ‏ ‏إن الله - عز وجل - اصطفى من ولد ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏إسماعيل ، ‏ ‏واصطفى من ‏ ‏بني إسماعيل ‏ ‏كنانة ، ‏ ‏واصطفى من ‏ ‏بني كنانة ‏ ‏قريشاً ، ‏ ‏واصطفى من ‏ ‏قريش ‏ ‏بني هاشم ، ‏ ‏واصطفاني من ‏ ‏بني هاشم ‏" .

و في المتفق عليه من حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : " لي خمسة أسماء أنا محمد و أحمد و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، و أنا الحاشر الذي يُحشر الناس علي قدمي ( يعني : يقدمهم و هم خلفه ) ، و أنا العاقب ( يعني : اخر الأنبياء ) " .

و من حديث ابي موسى قال : سمى لنا رسول الله - صلى الله عليه و سلم - نفسه فقال : " أنا محمد و أحمد و المقفى ( يعني : العاقب ، لأنه تبع الأنبياء ، و كل شيء تبع شيئاً فقد قفاه ) ، و الماحي و الحاشر و نبي التوبة و الملحمة " ، و في لفظ : نبي الرحمة " . و الحديث انفرد به مسلم في صحيحه .

و قد اختلف العلماء في أول اسم سمي به الرسول - صلى الله عليه و سلم - ، ففريق ذهب انه سمي " أحمد " أولاً ، بدليل قول عيسى - عليه السلام - في سورة الصف : { وَ إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ... } [ الصف : 6 ] .
و انتصر ابن القيم - رحمه الله - في كتابه " جلاء الأفهام " أنه سمي بـ " محمد " أولاً ، و ذلك لأنه ذكر في التوراة باسم " مادْ مادْ " ، و العبرانية - لغة التوراة - هي أقرب لغات الارض الى اللغة العربية ، فهي تختلف معها في طريقة نطق الحروف أو تغيير صفة الحرف ، فيقولون : " اب رحيم " بدلاً من " إبراهيم "
، و يقولون : " موشى " بدلاً من " موسى " ، و يقولون " اشماعيل " بدلاً من " اسماعيل " ، و يقولون : " اورشاليم " بدلاً من " اور ساليم " .
فيكون بذلك " مادْ مادْ " بدلاً من " محمدْ " .

و على كل حال فقد ثبت لنبينا - صلى الله عليه و سلم - الاسمين فهو " محمد ، و أحمد " .

و لكن ليس من أسمائه " يس أو طه " ، و الذين قالوا بهذا اعتمدوا على أن الضمير في الايتين يعود على النبي - صلى الله عليه و سلم - قال الله تعالى : { طه ، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } ، و قال سبحانه : { ‏يس ، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } . فالضمير في الايتين عائد على الرسول فيكون من اسمائه " طه ، و يس " .

و هذا خطاْ من وجوه أولها أن " طه ، و يس " من جملة الحروف المقطعة التي بدأت بها بعض سور القران بدليل انك إذا ادخلتها في جملة لا يَستقيم لك نطقها كما تنطق في القران ، فلو قلت : " جاء يس " فكيف ستثبت الياء و النون ؟
و أما من قال أن الضمير عائد على النبي - صلى الله عليه و سلم - في الايتين ، فيلزمه ان يسمي الرسول - صلى الله عليه و سلم - { الَر } لأن الله - عز و جل - قال في بداية سورة ابراهيم { الَر ، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } ،و هذا لا يقبله عاقل .
و الخلاصة : أن أسماء نبينا - صلى الله عليه و سلم - كلها نعوت و ليست اعلاماً محضة لمجرد التعريف ، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة توجب له المدح و الكمال .

فصلى الله عليه و على اله و صحبه و سلم
نبينا " محمد "


كنيته : " أبا القاسم " .
و القاسم كان أكبر أولاد نبينا - صلى الله عليه و سلم - ولد قبل النبوة ، ومات قبل البعثة ، وتوفي عن سنتين .

وقيل : عاش إلى أن ركب الدابة ، ودفن في مكة . ذكره ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الزاد .

وعند البخاري في الأدب المفرد ( 1 / 293 ) أن جابر قال : " ولد لرجل منا غلاماً فسماه القاسم فقالت الأنصار : لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عيناً "، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له ما قالت الأنصار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أحسنت الأنصار تسموا باسمي و لا تكنوا بكنيتي إنما أنا قاسم ". و هو صحيح
وأهل العلم على جواز التسمي باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ذهب بعضهم إلى وجوب التسمي باسمه لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( تسموا باسمى ).
و هذا أمر ؛ والأمر يفيد الوجوب .
ولكنهم نهوا عن التكني بكنيته -صلى الله عليه وسلم - لِما جاء في الحديث " و لا تكنوا بكنيتي " .

و لا يُنادى عليه باسمه ، ولكن يُنادى عليه بكُنيته .. قال الله تعالى : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [ النور : 63 ] .

و النداء عليه بكنيته - صلى الله عليه و سلم - فيه توقير له و إجلال واستجابه لامر الرب - سبحانه و تعالى - : { لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ... } .
وقد عُلم من سُمي بـ " محمد " في حياته - صلى الله عليه و سلم - ، كـ " محمد بن مسلمة " و " محمد بن أبى بكر " .
ولم يعلم من تكنى بكنيته في حياته ، والأحرى الا يتكنى بكنيته أحد حتى بعد موته .
فائدة : أول من سُمي " أحمد " بعد نبينا - صلى الله عليه و سلم - " أحمد الفراهيدي " أبو الإمام الجليل أستاذ عصره في العربية " الخليل بن أحمد الفراهيدي " .

و الله تعالى أعلم .

يتبع بإذن الله ...
 نبينا " محمد "

مولده – صلى الله عليه وسلم – :

ولد بلا خلاف يوم الأثنين .

روى مسلم عن أبي قتادة – رضي الله عنه – : ( أن اعرابياً سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين ، فقال : ذاك يوم ولدت فيه ، و أنزل على فيه ) .

وقد حقق العلامة / محمود باشا الفلكي ، أن ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في التاسع من شهر ربيع الاول سنه 571 م ، وليس يوم الثاني عشر من ربيع الأول كما هو مشهور ؛ وهذا هو الراجح إن شاء الله. [ ذكره المباركفوري في الرحيق المختوم ].

وأما الإحتفال بيوم مولده فهو بدعة بلا خلاف .
و الأشنع منه الإحتفال به يوم مولده بـ " الحصان والعروسة " ، فهو من فعل الباطنية الروافض أصحاب الدولة العبيدية - الفاطمية - عاملهم الله بعدله - فإن هؤلاء الزنادقة أرادوا غمزه و لمزه - صلى الله عليه و سلم - بأنه " مزواجّ " فعبروا عن هذا بالعروسة ، و أرادوا بـ " الحصان " أن دينه - الإسلام - أنتشر بحد السيف !!

ولِد - صلى الله عليه وسلم - في أرض الجزيرة العربية في مكة بالتحديد ، في بني هاشم ، من قبيلة قريش . وقيل : أنها سميت بهذا الاسم نسبة لـ " قريش " رجل من ولد النضر بن كنانة ، سموه بتصغير القرش ، وهى دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ويهابها كل حيوانات البحر . ( ذكره النسفي في تفسيره ) .

وأقرت العرب كلهم بعلو نسب قريش وسيادتها ، وفصاحة لغتها ، وكرم أخلاقها ، وشجاعتها ، وكانوا حلفاء متألفين ، متمسكين بكثير من شريعة ابراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - ، و كانوا يحبون أولادهم ، ويحجون البيت ، ويقيمون المناسك ، و يكفنون موتاهم ، ويغتسلون من الجنابة ، وكانوا يتزوجون بالصداق ، والشهود ، ويطلقون ثلاثاً . ( على بن الطالب . الصلابي ص / 24 ) .

نصرهم الله وهم كفار ، وأنزل سورة باسمهم لم يُذكر أحد معهم فيها ، قال الله تعالى : { لإِيلَفِ قُرَيْشٍ ، إِيلَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خوْفٍ} .

و معنى قوله تعالى : { لإِيلَفِ قُرَيْشٍ ... } ، يعني : من أجل تأليف قلوب قريش ، و ذلك لأن أبرهة وجنوده لما أتوا لهدم الكعبة و كان معهم الفيل - و كان اداة للحرب كالدبابة اليوم - كما قال الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) } [ الفيل 1 :5 ].
فالخطاب في الآيات موجه للنبي - صلى الله عليه و سلم - فيقول الرب سبحانه : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } ، و المقصود بالرؤية هنا في الآية هو العلم ، و ليس المقصود هنا الرؤية البصرية لأن النبي - صلى الله عليه و سلم -
ولد عام الفيل فكان رضيعاً في هذا الوقت ، فيكون المعنى : ألم تعلم يا محمد ما فعل ربك بأصحاب الفيل ( يعنى : أبرهة و جنده ) ، { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } ، ألم يجعل مكرهم وسعيهم لتخريب الكعبة في تضييع وإبطال لما حاولوا ، { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ } ، طيرا كثيرة متتابعة ، { تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ } حجارة من الطين كما جاء عن ابن عباس - رضى الله عنه - ، { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ }
فجعلهم كالتبن المبعثر الذى تأكله البهائم وما ذلك إلا { لإِيلَفِ قُرَيْشٍ } ، ( يعنى : من أجل أن يتألف قلب قريش ) ، و لولا أن الله حفظ بيته و صانه من الهدم على يد أبرهه ، لاستباحت العرب قريشاً ، و لأغارت عليهم ، و لم تستطيع أن تأمن قريشاً على تجارتها التي كانت في الشتاء و الصيف بين الشام و اليمن ، لأن العرب ما أَمّنت قريشا إلا لأنهم خُدام البيت . فكان من المفترض عليهم بعد كل هذا الفضل { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت ، الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } .
و لهذا سورة الفيل و قريش سورة واحدة ليس بينهما فاصل كما عند الكوفيين .

و الله تعالى أعلم .

يتبع بإذن الله ...
نبينا محمد "

وصفه – صلى الله عليه وسلم - :



يقول أمير المؤمنين على بن أبى طالب – رضي الله عنه – كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليس بالطويل ولا بالقصير ، شئن الكفين والقدمين ( يعنى : في كفيه و قدميه غلظة مع خشونة ) ، مشرب وجهه حمرة ، طويل الْمَسْرُبَةِ (الْمَسْرُبَةِ: شعر دقيق يأخذ من الصدر إلى السرة ) ، ضخم الْكَرَادِيسِ ( الْكَرَادِيسِ : رؤوس العظام ، هذا يدل على كمال الخلقة والقوة ) ، إذا مشى تكفأ تكفؤاً ( يعني : مال صدره إلى الأمام ) ، كأنما ينحط من صبب ( يعنى : من موضع منحدر ) .رواه أحمد ، والترمذي وصححه و وافقه الألباني .


و سأل رجل البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أكان وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل السيف ؟ قال لا مثل القمر . اخرجه البخاري .
وعن أبي الطفيل – رضى الله عنه ـ قال : ( رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – وما بقى على وجه الأرض أحدٌ رآهُ غيرى ، قال : كان أبيضَ ، مليحاً مُقْصدِاً ) .

رواه مسلم و الترمذي و اللفظ لأحمد في المسند 

أبو الطفيل هو : عامر بن واثلة الليثي ، و كان اخر الصحابة موتاً 

و معنى قوله "مليحاً " : يعنى : حسن الخلقة .
و معنى " مقصداً " : يعنى : ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم وسط لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط .

وروى أحمد في المسند ، و ابن سعد في الطبقات بإسناد حسن .
عن عمرو بن أخطب الأنصاري قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا زيد ادن مني فامسح ظهري ) ، فمسحت ظهره فوقعت أصابعي على الخاتم . قلت : وما الخاتم . قال : شعرات مجتمعات .
فكان بين كتفيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ " خاتم النبوة " . سُئل عنه أبا سعيد الخدري فقال : ( كان في ظهر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بِضِعُةً ناشزةُ ) يعنى : قطعه لحم مرتفعة عن الجسم .
وعند مسلم أن خاتم النبوة كان مثل : " بيضة الحمامة " 

و خاتم النبوة الذي بين كتفيه – صلى الله عليه وسلم- كان هو العلامة التي استدل بها سلمان الفارسي على نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم – لان علماء النصارى أخبروه أن النبي المرسَل بين كتفيه خاتم النبوة وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة . و إن كان حديث إسلام سلمان الفارسي فيه مقال .


وهنا ملحظ في قُبح الكلمة التي نقولها إذا ما أردنا أن نرفع عن أنفسنا الغفلة فنقول : ( أنا مختوم على قفايه ) وهذا يخشى أن يكون تعريض بالنبي – صلى الله عليه وسلم – نسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا 

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : ( كان شَعْرُ رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى نصف أذُنيه ) . صحيح أخرجه النسائي و الترمذي في الشمائل 

وعند أحمد ، و ابن حبان في صحيحه من حديث أنس أيضاً قال : ( ما عَدَدْتُ في رَأسِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – ولِحيته إلاِ أربَعَ عَشْرَةَ شَعْرةً بَيْضاَءَ ) 

وعن جابر بن سمرة وقد سئل عن شيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال ( كان إذا دَهَن رَأْسَهُ لم يُرَ منهُ شَيْبً ، وإذا لم يَدْهُنْ رئي منهُ ) .رواه مسلم و النسائي و الترمذي .



وعن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : ( كان أحَبُ الثَيابِ إلى رسُولِ الله – صلى الله عليه وسلم – القميص ) . رواه أبو داود و النسائي و الترمذي و حسنه .
و القميص هو : ما يلبسه الناس من الكتان والقطن والصوف .

و في صحيح البخاري من حديث أنس : ( " كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحِبَرَةَ ) .

و الحِبَرَةَ : ثوب من كتان أو قطن يصنع في أرض اليمن .


وعن ابن عباس قال : ( قال : رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليكم بالبياض من الثياب فليلبسها أحياؤكم و كفنوا فيها موتاكم فإنها خير ثيابكم ) صحيح . رواه الترمذي و غيره .


وعن عيس بن طهمان قال : ( أخرج إلينا أنسُ بن مالك نعلَينِ جرْداَوَيْن لهما قِبَالانِ ) فقال : فحدثني ثابت بعدُ عن أنس ( أنهما كانتا نعلي النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ) . اخرجه البخاري .

و معنى " جرْداَوَيْن " : لا شعر عليهما ، و " قِبَالانِ " : هو السير الذي يكون بين الأصابع في النعل .


وكان من هديه ـ صلى الله عليه و سلم ـ إذا انتعل بدأ باليمين وإذا نزع بدأ بالشمال . رواه البخاري 

وعند مسلم من حديث أنس قال ( كان خَاَتمُ النبي – صلى الله عليه وسلم – من وَرِقٍ ( يعنى : من فضه ) وكان فَصُّهُ حبشياً ( يعنى : من أرض الحبشة ) .


وكان سبب اتخاذه للخاتم أنه لما أراد أن يكتب إلى العجم قيل له : إن العَجَم لا يَقَبلُون إلا كتاباً عليه خاتم ، فاصطنع خاتماً . وهذا متفق عليه 

( وكان نفشه محمدٌ رسُولُ الله ) . وبعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – اتخذه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فسقط منه بعدها في بئر أرِيس .
( متفق على صحته ) .
و روى الترمذي في الشمائل وأبو داود في الجهاد والنسائي في الزينة بسند صحيح 

عن أنس قال : ( كانت قَبيعَةُ سَيف رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – من فضة ) .
يعنى : كانت رأس مقبض سيف النبي – صلى الله عليه وسلم – مصنوعة من فضة .
و عن عائشة – رضي الله عنها قالت : ( كان النبيُ يحبُ الحلواءَ والعسَلَ )
( متفق عليه ) .
وعند البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة قال : ( أُتِىَ النبي – صلى الله عليه وسلم – بِلحْمٍ فَرُفِعَ إليه الذراعُ ، وكانتْ تُعجبُهُ ، فنهش منها ) 

وعن عائشة قالت : ( كان أحب الشَرابِ إلى رسُولِ الله الحُلوُ البارِدُ ) . رواه أحمد و الترمذي والحاكم و صححه الألباني 

وعن عبد الله بن الحارث قال : ( ما كانَ ضَحكُ رسُولِ الله – صلى الله عليه وسلم – إلا تبسماً ) . انفرد به الترمذي ، و صححه الشيخ في المشكاة.

فصلى الله عليه و على اله و سلم
.


يتبع إن شاء الله ...

من المقصود بولي الأمر ؟!

من المقصود بولي الأمر ؟

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
افتتح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ كتاب الفتن من صحيحه ـ
والذي جعله جامع لأحاديث الإمارة ـ بقوله تعالى :
{ واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } [ الأنفال : 25 ]
فتراه جعل مسألة الإمارة من جملة الفتن الذي تبتلى بها الأمة كنزول الدجال وغيره ، وأن الخلل الذي يحدث في هذا الباب يَجُر الفتن على الأمة جميعاً وليس على الذين ظلموا خاصة .

ومعلوم أن الخلاف والتنازع واقع بين الناس لا محالة ، إذ هو سنة كونية لا تتغير ولا تتبدل ، يقول الله عز وجل : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ... } [ هود : 118 ] .

ومن رحمة الله ـ سبحانه و تعالى ـ بهذه الأمة أنه جعل لها شريعة تُسعد العباد دنيا وآخرة ، ومن الأمور التي جاءت بها الشريعة لفض مادة النزاع والشقاق ـ الذي هو سنة كونية كما أسلفنا ـ تنصيب رجل تجتمع عليه الكلمة يأتمرون بأمره في المعروف ، ولا طاعة له في المعصية ، وهذا تراه جليا في أمر الصلاة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ... ) رواه البخاري .

فترى أهل المسجد جميعاً التزموا بأمر أمامهم في المعروف من تكبير و ركوع وسجود ... وغير ذلك ، ومن خالفه بطلت صلاته ، لأننا مأمورون في متابعته في المعروف ، أما إذ قام الإمام للخامسة مثلاً و نحن نعلم أنها الخامسة فلا نتابعه عليها ، لأن الطاعة في المعروف كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم .

وكذلك الحال في إثناء السفر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود بسند صحيح .


فأمر الإمارة وملازمة الجماعة من الأمور التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، وغلظت النكير على من لا يلتزم بها ، لأن المخالفة هنا لا تعنى إلا الشقاق والنزاع ، والتشبه بأهل الجاهلية ومخالفة سمت أهل الإسلام ، وبهذا تعلم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ) أخرجه البخاري ، وفي رواية مسلم ( فميته ميتة جاهلية ) .

وعند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان ( من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ) .

وعند مسلم في صحيحه (من خلع يدا من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية ) .

والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم : (من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ) أو (من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ) .

يعنى حال موته : فالذي يفارق جماعة المسلمين في طاعة ولي الأمر ، ويخرج عن طاعة السلطان في السمع والطاعة يموت على حال أهل الجاهلية ، يموت كموتهم على ضلال و ليس له إمام مطاع . لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك ، إنما كانوا قبائل متناحرة لا يرون لأحد عليهم سمع و لا طاعة ، فجاء الإسلام بمخالفة أهل الجاهلية وذلك بتنصيب رجل يكون إمام وقائد للناس يلتزمون بأمره ونهيه في المعروف .[ أفاده ابن حجر في الفتح] .
ومن حكمته ـ سبحانه و تعالى ـ أن جعل هذا القائد الإمام من طينة الرعية وعلى صورتها . قال تعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، فإن كانت الرعية صالحة كان سلطانهم صالحا ، وإن كانت الرعية ظالمة كان كذلك ، فكما تكونوا يولى عليكم .

ولم يجعل الله ـ عز وجل ـ سبيل تسلكه الرعية لإقامة سلطان عادل عليهم إلا أن يستقيموا على أمر الله ، وأن يلتزموا شرعه ، فإن ظهر منهم العدل والصلاح نصب الله عليهم سلطانٌ صالح ، وإن ظهر منهم خلاف ذلك كان سلطانهم كذلك . لأن أمر تَنصيب الحاكم على الناس هو لله وحده ، يقول ـ سبحانه ـ : { قُلِ اللهم مالك الملك تُؤْتِى الملك مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ... } [ آل عمران : 26 ]

وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ... فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ) .لأن هذا الأمر لم يُعرف إلا في دين الإسلام ، فمن اعترض عليه وخالفه وفارق جماعة المسلمين فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه .


إذاً من هو الإمام الذي يتوجب طاعته
يقول الإمام ابن حجر في الفتح في معرض شرحه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( السمع والطاعة حقٌ ـ يعني : للإمام ـ ما لم يؤمر بمعصية ...) الحديث .

قال : ((والمراد بالإمام كل قائم بأمور الناس والله أعلم )). اهـ

قلت : فالذي له الاستطاعة في السيطرة على الأمور ، وله القدرة على كف أذى الناس بعضهم عن بعض ، ومنع العدو من إيذاء المسلمين كان هو الإمام . وهذا هو معنى كلمة ( السلطان ) يعني : يكون له سلطة وقوة وإحكام على مقاليد الأمور .

ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ...وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به ... ) متفق على صحته .

ومعنى جُنة بضم الجيم : إي سترة . فالإمام بالنسبة للمسلمين سترة

يتقى به الشر من العدو ، ومن أذى الناس بعضهم البعض .

تنبيه : تسمية ولي الأمر بـ ( الإمام أو السلطان أو الحاكم أو الرئيس أو الخليفة أو...) كلها أسماء اجتهادية بمعنى واحد وهو كل قائم بأمور الناس وله عليهم سلطان ، حتى أنه من الممكن إحداث اسم لإمام ولا يطلق على أحد بعده ، كما سمى الصحابة الصديق ـ رضي الله عنه وعنهم ـ خليفة رسول الله ـ صلى الله على نبينا وسلم ـ وأيضا سمى المسلمون الأمير يوسف بن تاشفين ـ بعد نصرته أهل الأندلس ـ سموه أمير المسلمين ، ولا يُعلم أن هذا الاسم أطلق على أحد بعده . فالمهم المعنى وليس الاسم.

وتكون إمامته على الناس بصورتين :
الأولى : ببيعة شرعية ، كما حدث مع الخلفاء الأربعة ، فبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع أعيان الصحابة في سقيفة بني ساعده لاختيار رجل يقود الأمة بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم فوقع الاختيار على الصديق ـ رضي الله عنه ـ ، ثم اجتمع الناس على الرضا به حاكماً عليهم تبعاً لما ذهب إليه اختيار أهل الحل والعقد من صفوة الصحابة رضي الله عنهم ، ثم لما مات الصديق عَهِدَ بالخلافة لعمر الفاروق رضي الله عنه فبايعه الناس إماماً إقراراً لاختيار الصديق ثم عهد الفاروق بالأمر من بعده لستة من الصحابة مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فاختار الناس عثمان بن عفان من هؤلاء الستة ، ثم اختاروا على بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ بعد مقتل عثمان ، ... وهكذا .

فالطريقة الأولى في اختيار إمام للناس أو حاكماً لهم يكون باجتماع أهل الحل والعقد من أولى الفهم والعلم على رجل ثم يلتزم عامة الناس بالبيعة لهذا الرجل . وليس معنى الالتزام بالبيعة له أن تذهب إليه وتصافحه وتقول : لك السمع والطاعة مني في المكره والمنشط وأن لا أخالفك في أمر فيه طاعة لله ، ولكن يكفيك النية أن فلاناً أصبح إماما مطاعا .

أما الطريقة الثانية في نصب الإمام أو الحاكم : هو أن يتغلب الإمام على الحكم والسلطة بالسيف والقوة ، فيتسلط على الحكم بقوته وسلطانه ، وعندها يلزمنا أيضا أن نبايعه على السمع والطاعة كحال الحاكم الذي جاء ببيعة شرعية ، شريطة أن يكون هذا الحاكم المتغلب مسلماً ، أما إذا تغلب كافر على ديار الإسلام كـ (نابليون بونابرت ) مثلاً ، هل يكون ولي أمر ؟ بالطبع لا ؛ لأن ولي الأمر لابد أن يكون مسلماً .

قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ أحد شراح صحيح البخاري : اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ... ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها .

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني المصري في فتح الباري :
(( فإذا اجتمع الناس على إمام ولو بالتغلب بالسيف وجب طاعته، ثم ساق قصه فتنة ابن الزبير وما كان من الاقتتال بينه وبين جيش الشام في الصراع على الخلافة ، وانتهى الأمر بقتل ابن الزبير وصَلبه عند الحرم ، واجتمعت الكلمة لعبد الملك بن مروان بالخلافة ، ودخول ابن عمر فقيه الفتن ـ رضي الله وعن أبيه ـ على عبد الملك و أعطاه البيعة ، وكان ممتنعاً من إعطاء البيعة لأي أحد من الفريقين عند الاقتتال فلما انتهت الفتنه . قال ابن عمر حينها وهو يعطى ببيعته لعبد الملك بن مروان الذي اخذ الخلافة بالسيف والقوة : والله ما كنت لأعطى بيعتي في فرقة ، ولا امنعها في جماعة )).

فالشاهد أن ابن عمر بايع عبد الملك بن مروان وقد أخذ الخلافة بالسيف ))
وهذا هو كلام السلف وفعلهم .
وعن حرملة قال : سمعت الشافعي يقول : ((كل من غلب على الخلافة بالسيف ،حتى يسمى خليفة ، ويجتمع الناس عليه فهو خليفة)) .

قلت : ونحن نقول :كل من غلب على السلطة بالقوة وسماه الناس حاكماً أو رئيساً فهو حاكم تجب طاعته .

و أهل العلم متفقون على طاعة من تغلب ، وحكى الإجماع على ذلك جماعة منهم ابن حجر والإمام محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل شيخ وغيرهم كثير

ولهذا تجد في كتب اعتقاد أهل السنة : (ونصلى خلف كل بر وفاجر) ، (ونصلى وراء من غلب) ، وجاء هذا مسندا إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ فانه كان يصلى أيام فتنة ابن الزبير تارة خلف ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وتارة خلف الحجاج بن يوسف الثقفي ـ الذي قتل سبعون إلفا صبرا ، قتلهم وهم يرون السيف ، وذهب بعضهم لتكفيره ـ فلما سئل ابن عمر عن هذا عن صلاته خلف ابن الزبير تارة وخلف الحجاج تارة ؟ قال : ((وأُصلى وراء من غلب)) .
وقد وردت النصوص وتعددت في وجوب السمع والطاعة للسلطان منها قوله تعالى : { أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] ، رجح الإمام البخاري أنها نزلت في طاعة الأمراء خلافاً لمن قال أنها نزلت في العلماء كما بين ابن حجر في بداية كتاب الإحكام ، وهو ما رجحه الإمام الطبري أيضا ، وذهب جماعة من السلف أنها عامة في طاعة الأمراء والعلماء معاً .
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : بايعنا رسول الله صلى الله وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .

وعند مسلم وغيره عن إبى ذر قال : إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبداً حبشياً مُجَدَّع الأطراف .
يعني : إن كان هذا الحاكم أو الأمير الذي عليك ( عبداً ) ، فأنت أفضل منه لأنك حر ، وأيضا ليس سيلم الخلقة بل مُجَدَّع الأطراف يعني : مقطع الأطراف ، وأنت سليم البنيان ، ومعلوم أن المسلم القوي خير من المسلم الضعيف ،ومع ذلك فاسمع له وأطع فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ .

وعن أسيد بن خضير : أن رجلا من الأنصار قال يا رسول الله استعملت فلاناً ولم تستعملني ؟ قال: ((فإنكم سترون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) . أخرجه البخاري

وعن ابن مسعود قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكمْ)) . أخرجه البخاري .

وعن ابن عباس أن النبي صلى اله عليه وسلم قال : ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) .

قال ابن حجر في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : ((إنكم سترون بعدى أثرة ))؛ قال : حاصلها الاختصاص بحظ دنيوي . اهـ
يعني : هؤلاء الأمراء يستأثرون بالدنيا بعيداً عن الرعية ؛ فماذا على الرعية حينها ؟ يقول عليه الصلاة والسلام : ( فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) فعلى الرعية الصبر علي جور هؤلاء الحكام وإن استلزم الأمر الصبر عليهم إلى يوم القيامة حتى نلقى النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض ، هذا الحوض الذي يُفصل عنده بين من التزم السنة وصبر عليها ، وبين من بدل وغير فيقال له : سحقاً سحقاً ، بعداً بعداً .

وهذا الجور و الظلم الذي يكون من الحكام لا يمنعهم حقهم ، فعلينا أن نوفي إليهم حقهم ونسأل الله ـ عز وجل ـ حقنا الذي لنا .
قال ابن حجر : أي بأن يلهمهم إنصافكم أو يبدلكم خيراً منهم .
وقال الإمام النووي في شرح مسلم تعقيبا على حديث ( إنها سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا فأدوا الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ ) ، قال : هذا من معجزات النبوة ، وقد وقع هذا الإخبار متكرراً ووجد مخبره متكرراً ( وهو استئثار الحكام بالدنيا كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ) قال : وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيُعطى حقه من الطاعة، ولا يُخرج عليه ولا يُخلع ، بل يُتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ورفع شره وإصلاحه .

وبوب الإمام النووي على حديث ( يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا ) قال : باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق . ثم قال : ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )

إن الله تعالى حمل الولاة وأوجب عليهم العدل بين الناس ، فإذا لم يقيموا أثموا ، وحمل الرعية السمع والطاعة لهم ، فإن قاموا بذلك أثيبوا عليه وإلا أثموا .وقال في شرح حديث ( عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ) قال معناه : تحب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة .
ومعنى الأثرة : الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم فاسمعوا و أطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم مما عندهم .

قلت : فكأن الصبر على ظلم الحكام وجورهم هو من باب صبر العبد على القدر ، فنحن أُمرنا بالصبر على القدر حلوه ومره ، خيره وشره فلهم السمع والطاعة منا في المعروف .

يعني : لو قال الحاكم أن غدا أول أيام رمضان لزمنا الصيام معه ولا نلتفت لمن يخرج ويفتى بان الصيام ينبغي إن يكون مع دولة كذا كالمملكة أو غيرها ، لان الصيام من المعروف ، ونحن أُمرنا بأن نسمع لهم ونطيع في المعروف ، وإن أمر الحاكم بمعصية فلا سمع له ولا طاعة ، فلو قام مثلا بإلغاء الختان وقد ثبت في السنة وجوب الختان لم نسمع له ولا نطيع .
ولكن لا نخالفه علانية ، وليس معنى هذا أن نسكت على باطل ، ولكن الأمر فيه توسط بمعنى : أن نقوم في الناس ونذكر حكم الختان الصحيح ولا نُداهن ، ولكن نتجنب التجريح في الحاكم على المنابر ، فننبه على الخطأ ولا نذكر المخطئ حتى لا تنشغل القلوب وتحمل الحقد والكراهية على الحكام ويكون بعده الخروج الذي فيه هلاك البلاد والعباد . وهذا الأمر ربما لا يُعجب أكلى لحوم الحكام ، ويظنون انه من الجبن .
ولكن ماذا نفعل ؟ هذا هو الدين .

يقول النبي صلى الله علية وسلم : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه ) .[ رواه ابن ابى عاصم في السنة ( باب : كيف نصيحة الرعية للولاة ) .و صححه الألباني] .

وفى صحيح البخاري قيل لأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ : ( لو أتيت فلاناً فكلمته ) ، وفي رواية أحمد في المسند قالوا له : ( ألا تدخل على هذا الرجل فتكلمه ) ، وفى صحيح مسلم قالوا له : ( ألا تدخل على عثمان فتكلمه ) ، فجاء هنا التصريح بالاسم.

وعثمان هو: عثمان بن عفان أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ .
فقالوا له : ( ألا تدخل على عثمان فتكلمه ، قال : إنكم لترون أنى لا أكلمه إلا أسمعكم إني أكلمه في السر دون أن افتح باباً لا أكون أول من فتحه ) .

قلت:
انتبه لهذا الفقه العزيز الذي يُشغب عليه أهل الأهواء والبدع ، و هو أن تكون النصيحة لولاة الأمور في السر .

وقد فَتح هذا الباب ـ الإنكار على ولاة الأمور في العلن ـ الخوارج الذين نَصحوا لأمير المؤمنين ، شهيد الدار ( عثمان بن عفان ) في العلن فألبوا عليه الناس وانتهى الأمر بحصاره في بيته ثم قتله ـ رضوان الله عليه ـ فكان أول خليفة يُقتل في الإسلام من جراء بذل النصح للسلطان في العلن ، ومخالفة هدي السلف في طريقة النصح للحكام .

وروى ابن أبى الدنيا في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وابن أبى شيبة في مصنفه بسند صحيح عن طاوس قال : أتى رجل ابن عباس ، فقال : ( ألا أقوم إلى هذا السلطان فأمره و أنهاه ) . قال : ( لا تكن له فتنة أو لا تكن لك فتنة) . قال : أرأيت إن أمرني بمعصية لله عز وجل ، قال : ( ذاك الذي تريد فكن حينئذ رجلاً ؟ ).

قلت : هذا هو الأصل إن كنت بين يدي السلطان فأمروه و انهاه ، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) . رواه أبو داود .

فـ ( عند ) المذكورة في الحديث ظرف مكان ، فإن كنت بين يدي الحاكم فأمروه و انهاه ؛ ولكن لا تقف في الميادين وتستدل بالحديث ، ثم إن كنت بين يديه دعوت له! ، لا ، كن حينها رجلاً كما قال ابن عباس للسائل ، لأن هذا التلون من النفاق ـ عياذا بالله ـ .

أخرج البخاري في صحيحه عن محمد بن زيد قال : قال أناس لابن عمر إن ندخل على سلطاننا فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ، قال : كنا نعدها نفاقاً .

وقال أبو الدرداء : ((إن أول نفاق المرء طعنه على إمامه)) . رواه ابن عبد البر في التمهيد .

ولهذا كان رد ابن عباس على الرجل عندما قال له أرأيت إن أمرني بمعصية الله عز وجل ، قال : ذاك الذي تريد فكن حينئذ رجلا .

فلا تدعوا له و أنت بين يديه و تجتهد في تحسين الكلام وتزينه ، ولكن أصدع بالحق في وجه الظالم ، و أمره بالمعروف و انهاه عن المنكر ، وإلا كنت منافقاً أو جباناً عياذا بالله .
وإن نصحت فاصبر ؛ يقول معاوية ـ رضي الله عنه ـ : اتقِ غضب السلطان ، فإن السلطان يغضب غضب الصبي ، ويأخذ أخذ الأسد .

فكن كإمام أهل السنة أحمد بن حنبل ـ عليه الرحمة ـ فإنه نصح للسلطان وصدع بالحق بين يديه ، فعُذب وجلد حتى خلعت يده وكاد يموت ، ومع ذلك صبر ولم يُداهن ، ولم يستطيعوا صرفه عن الحق لأنه كان على السنة قولاً وعملاً واعتقاداً ، لم يستطيعوا صرف أحمد عن الحق لأن أحمد ممنوع من الصرف !.
سؤال : إلى أي مدى يكون السمع والطاعة و الطاعة للأمير؟

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ :« تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ))[ رواه مسلم و ابن حبان في صححيهما] .

و أخرج أحمد و أبو داود من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : ((فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك ، فالزمه)) . وصححه الألباني في الصحيحة ( 1791 ) .

وفى السنة للخلال و الشريعة للآجري وغيرهما أن عمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ قال لسويد بن غفلة : ((يا أبا أمية أنى لا أدرى لعلى لا ألقاك بعد عامي هذا ، فان أُمر عليك عبدٌ حبشيٌ مُجدّعٌ فاسمع له وأطع ، وإن ضربك فاصبر ، وإن حرمك فاصبر ، وإن أراد أمر ينقصُ دينك . فقل : سمعاً وطاعة دمي دون ديني ، ولا تفارق الجماعة)) .
فإن ظلم ولاة الأمور للرعية ، ومنعهم الحقوق ، وضربهم واستثاروهم بالدنيا والثروة دونهم ، لا يُسوغ للرعية الخروج عليهم .

لأن الخروج لا يكون إلا في حالة واحدة فقط .

يقول عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ وهو في مرضه الذي مات فيه : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في نشطنا ( يعني : الأمر الذي ننشط له لأننا نحبه ) ومكرهنا ( الأمر الذي يشق على النفس فتكرهه ) وعسرنا ( في الشدة والضيق ) ويسرنا، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان . [متفق على صحته]

فهذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها الخروج على الحاكم . وهى أن يَصدر من الحاكم كفراً بواحاً ، لا يختلف عليه اثنان ، معلوم من الجميع أنه كفر ، وليس كما نرى من البعض ، فنسمع من أحدهم أنه يقرر ويناظر أن الحاكم كافر، فإذا سألناه لماذا ؟ قال : لأن الشيخ فلان كفره! ؛ فليس هذا معنى الحديث، ولكن الكفر الذي لا اشتباه فيه ، فضلاً عن أنه لا تقليد في التكفير .

مثال : لو خرج الحاكم وقال : بإلغاء صلاة الجمعة أو قال بأن الخمر حلال أو الزنا ليس حرام . هذا ما يسمى بالكفر البواح الذي لا يلجأ فيه الناس لاستفتاء عالم . فإن صدر منه هذا وجب الخروج عليه واستبداله بأخر .

ولكن شريطة وجود الامكانيه . فلا نخرج عليه بسكينة المطبخ مثلاً وهو عنده الدبابات والطائرات . هذا يسمى انتحار . وانظر إلى حال أهل سوريا حتى تعلم صدق ما أقول لك .

لكن إن توفرت العدة و الإمكانيات وجب الخروج عليه و استبداله .

و أما الخروج عليه لأي سبب أخر فحرام .

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة : قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمور منكرة , ومع هذا أمرنا أن نؤتيهم الحق الذي لهم ، ونسال الله الحق الذي لنا ولم يأذن في اخذ الحق بالقتال .

وعند أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وفي غيرهما. عن فضالة بن عبيد ـ صحابي من أهل بدرـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ لا تسأل عنهم : رجلٌ فارق الجماعة وعصى إمامه ، ومات عاصياً)) . [وصححه الألباني في صحيح الجامع (3058 )].

وعند الترمذي وغيره .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم )).[وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 6766 )] .

وفي صحيح البخاري عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية , جمع ابن عمر حشمه وولده , فقال : إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ينصب لكل غادر لواءً يوم القيامة ) ، وإن قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال . أهـ

قلت : وقد جرت سنة الله في كونه أنه ما خرج قوم على إمامهم ـ وإن كان ظالماً غشوماً ـ إلا وكان حالهم بعد الخروج أسوأ من حالهم قبل الخروج.

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة النبوية : ( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنه , فلا يُدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما , ولعله لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزلته , والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان ولا أمر بقتال الباغين ابتداء ) .

قلت : ولهذا قالوا قديماً : سلطان غشوم خيرٌ من فتنةٍ تدوم .

وقد تواترت كلمات السلف الصالح في الحث على لزوم الجماعة والطاعة للأمير منها :

قول الإمام سهل بن عبد الله التسترى ـ رحمه الله - : (( هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة اثنان وسبعون هالكة كلهم يبغض السلطان , والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان)). (قوت القلوب لأبى طالب المكي 2 / 242 ).

وقال أيضا كما في تفسير القرطبي ( 5 /260-261) : ((لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء , فان عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم , وإن استفتحوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخرهم)) .

وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : ((إياكم ولعن الولاة , فإن لعنهم الحالقة , وبغضهم العاقرة ، قيل يا أبا الدرداء : فكيف نصنع إذا رأينا منهم مالا نحب ؟ قال: اصبروا , فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت)). ( رواه ابن أبى عاصم في السنة 2 / 488 ).

وكان حذيفة بن اليمان يقول: (( اصبروا حتى يَستريح برٌ أو يُستراح من فاجر)) .
وجاء في اعتقاد سفيان الثوري : قال يا شعيب : ((لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر , والجهاد ماضي الى يوم القيامة والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل)) .

وقال أحمد : ((والسمع والطاعة للائمه وأمير المؤمنين البر والفاجر ، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين ... ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق)).


و النصوص في هذا الباب كثيرة معروفة ، و صاحب الحق يكفيه دليل ، وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل .


وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم .

وكتب
أبو صهيب و ليد بن سعد
11 / رجب / 1433 هـ