إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 26 مارس 2025

حقيقة قول أبي حنيفة في زكاة الفطر

حقيقة قول أبي حنيفة في زكاة الفطر  


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فهذا فصل من بحث "صد نِبال من خالف السنة في زكاة الفطر، وقال: تخرج من المال"
 وهو بحث موسع في زكاة الفطر.
   عجلت بهذا الفصل لضيق الوقت، وفيه تحقيق قول الإمام أبي حنيفة النعمان في هذه الشعيرة، لأنه يتحصن بقوله -رحمه الله-  كل ما خالف السنة فيها.
 فاجتهدت في تحقيق قوله في المسألة، ليكون المسلم على بينة من دينه ولا يلتبس عليه ما يشغب به أهل الأهواء.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد

القاهرة 24 / رمضان / 1446

24 / 3 / 2025

 

فصل

في تحقيق قول أبي حنيفة في زكاة الفطر

 

   فإن مذهب الرجل هو ما ذهب إليه، فقولهم: مذهب مالك في هذه المسألة كذا وكذا، يعني هو ما ذهب إليه مالك في هذه المسألة وترجح عنده.
  وأئمة المذاهب الفقهية يَبنون مذاهبهم على أصول وقواعد، فنجد من أصول مذهب الإمام مالك اعتبار عمل أهل المدينة، وهذا يخالفه عليه غيره من الفقهاء؛ ونجد في مذهب الإمام أحمد تقديم العمل بالحديث الضعيف على القياس إن لم يوجد حديثًا غيره في الباب[1]، في حين نجد أن مذهب الإمام محمد بن حزم رد القياس بالكلية، وهكذا..
  فإن نظرنا إلى مذهب الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- والذي يَبرز مذهبه جدًا في هذه المسألة، فالعوام تكاد لا تعرف من مذهبه إلا القول بجواز إخراج زكاة الفطر نقدًا لأن هذا أنفع للفقير!.
  إن نظرنا إلى مذهبه نجده قَعدّ له بأصل أتفق عليه معه باقي المذاهب الفقهية وهو قوله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"[2].
فجعل الإمام -رحمه الله- العمدة في مذهبه هو ما صح عن الرسول المعصوم -صلى الله عليه وسلم-؛

  بل زاد على ذلك قيودًا حتى لا يتحمل وزر تبعة من خالف السنة بزعم اتباع المذهب، فقال: "إذا قلت قولًا يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فاتركوا قولي". [3]
وقال: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه؟".[4]
وفي رواية: "حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي".

زاد في رواية: "فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا".

  وفي أخرى: "ويحك يا يعقوب (هو أبو يوسف)[5]  لا تكتب كل ما تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدًا، وأرى الرأي غدًا وأتركه بعد غد".


  وعليه: فمذهب الإمام أبي حنيفة مبناه العمل بالحديث الصحيح، فإن خالف المذهب الحديث، ترك قول المذهب و عمل بالحديث، ونكون بذلك التزمنا المذهب. [6]

  كما أنه يحسن في هذا المقام بيان أن هناك فرق بين قول أبي حنيفة وقول الأحناف، فلا ينسب للإمام ما ذهب إليه اتباع مذهبه، ولكن يقال: هذا قول فلان وفلان من الأحناف.

   لأننا إن نظرنا إلى شعيرة زكاة الفطر نجد أنه يُنسب للإمام أبي حنيفة -رحمه الله- قولًا خلاف السنة، وهذا مشتهر جدًا في بعض الكتب المتأخرة[7]، مع أن هذا على وجه التحقيق لا يُعرف من قول الإمام، وإنما قال به بعض اتباع مذهبه.
  بل مذهب الإمام موافق للسنة في هذه المسألة، فهذا محمد بن الحسن الشيباني -صاحب الإمام والرجل الثالث في المذهب- يَنقل عن أبي حنيفة أنه يقول بأن زكاة الفطر تخرج طعامًا كما جاءت السنة.
   قال في كتابه الجامع الصغير: باب صدقة الفطر..

  عن يعقوب عن أبي حنيفة -رضي الله عنهم- في صدقة الفطر، قال: "فيه نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب، أو صاع من تمر أو صاع من شعير"... وروى الحسن بن زياد-رحمه الله-في المجرد عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنه قال: "صاع من زبيب".[8]

  قلت: وعمدة الإمام في المسألة ما نقله بسنده عن الإمام إبراهيم النخعي أنه قال: "في صدقة الفطر نصف صاع من بُرّ، أو صاع من تمر، عن كل حر أو عبد، صغير أو كبير". [9]
  وقال علاء الدين السمرقندي الحنفي: "وأما الزبيب فقد ذكر في الجامع الصغير عن أبي حنيفة نصف صاع لأن الغالب أن قيمته مثل قيمة البر في ديارهم.
 وروى الحسن عن أبي حنيفة صاعًا، وهو قول أبي يوسف ومحمد لما روي عن أبي سعيد الخدري أنه

قال: "كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام أو صاعًا من زبيب، وكان طعامنا الشعير". [10]

   وكذا لما تناول محمد بن الحسن خلاف الأحناف مع المالكية حول زكاة الفطر، في كتابه "الحجة على أهل المدينة"، لم يأت في هذا الخلاف الكلام حول القيمة وأن الزكاة تخرج نقدًا، وإنما نقل مسائل أشهرها جواز إخراج نصف صاع في الزكاة، فقال: "وقال بعض أهل المدينة صدقة الفطر صاع من تمر فكأنهم أنكروا نصف الصاع من الحنطة، ... ثم ذكر بإسناده عن عائشة وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- جواز ذلك[11].
   وذكر مسائل أخرى عن أبي حنيفة، كقوله: "ليس على الرجل في رقيق امرأته صدقة الفطر ولكن المرأة تؤدي عن نفسها وعنهم".
   وقوله: "إذا كان للرجل عبد لغير التجارة، ولعبده عبيد فعلى المولى فيهم جميعًا صدقة الفطر، وإن كانوا للتجارة فعلى المولى فيهم صدقة التجارة، وليس عليه فيهم صدقة الفطر"[12].

   قلت: فلم يَذكر القيمة هنا أيضًا، لأن القول بالقيمة لم يكن معروفًا عن الإمام -رحمه الله-.

   وأما مذهبه في إخراج الزكاة نص صاع من البر، فقد ذكروا دليله في ذلك، وأنه أخذ بقول عائشة وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، في المسألة، فله سلف في ذلك، وإن لم يصح هذا عنهما.
 

هذا؛ وقد استدرك على أبي حنيفة أشياء في زكاة الفطر، ليس فيها القول بالقيمة، منها:

أنه أُخذ عليه قوله: أن صاع الزكاة ثمانية أرطال، وهذا مما رده العلماء عليه.
  أخرج الدارقطني بسنده إلى إسحاق بن سليمان الرازي، قال: قلت لمالك بن أنس: "يا أبا عبد الله كم وزن صاع النبي صلى الله عليه وسلم؟، قال: " خمسة أرطال وثلث بالعراقي، أنا حزرته"، قلت: يا أبا عبد الله خالفت شيخ القوم، قال: "من هو ؟" ، قلت: أبو حنيفة يقول: ثمانية أرطال، فغضب غضبًا شديدًا، ...  ثم قال لبعض جلسائه: "يا فلان هات صاع جدك،  ويا فلان هات صاع عمك، ويا فلان هات صاع جدتك ".
 قال إسحاق: فاجتمع آصُعٌ، فقال مالك: "ما تحفظون في هذه؟ "، فقال
هذا: حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الآخر: حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الآخر: حدثني أبي عن أمه أنها أدت بهذا الصاع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال مالك: "أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلثا".
 قلت : يا أبا عبد الله أحدثك بأعجب من هذا عنه، إنه يزعم أن صدقة الفطر نصف صاع، والصاع ثمانية أرطال، فقال : هذه أعجب من الأولى، يخطئ في الحزر وينقص في العطية؟!،" لا بل صاع تام عن كل إنسان، هكذا أدركنا علماءنا ببلدنا هذا". [13]

   قلت: ولقوة مذهب أهل المدينة في هذه المسألة، فارق أبو يوسف مذهب صاحبه أبي حنيفة وأخذ بمذهب مالك.
   أخرج البيهقي بسنده إلى الحسين بن الوليد، قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فأتيناه، فقال: "إني أريد أن أفتح عليكم بابًا من العلم همني، تفحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت لهم: ما حجتكم في ذلك؟ فقالوا: نأتيك بالحجة غدًا، فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخًا من أبناء المهاجرين والأنصار، مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه أو أهل بيته أن هذا صاع رسول الله

-صلى الله عليه وسلم- فنظرت فإذا هي سواء، قال: فعايرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان

معه يسير، فرأيت أمرًا قويًا. فقد تركت قول أبي حنيفة في الصاع، وأخذت بقول أهل المدينة".
   قال الحسين: فحججت من عامي ذلك فلقيت مالك بن أنس، فسألته عن الصاع، فقال: "صاعنا هذا صاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت : كم رطلًا هو؟ قال: "إن المكيال لا يرطل".[14]

  وأسند البيهقي إلى علي بن المديني قوله: "عيرت صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالتمر".[15]

  وقد ذهب بعض العلماء أن الأمر ألتبس على أبي حنيفة بين صاع الوضوء وصاع الزكاة، فذكر ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق: "وقد قال أصحابنا: صاع الوضوء غير صاع الزكاة.

   قال ابن قتيبة: لما سمع العراقيون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل بالصاع، وسمعوا في حديث آخر: أنه كان يغتسل بثمانية أرطال، توهموا أن الصاع ثمانية، ولا اختلاف بين أهل الحجاز أن الصاع خمسة أرطال وثلث"[16].

  وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: "أهل العراق ذهبوا إلى أن الصاع ثمانية أرطال؛ لأنهم سمعوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل بالصاع، وسمعوا في حديث آخر: أنه كان يغتسل بثمانية أرطال، وفي حديث آخر: أنه كان يتوضأ برطلين، فتوهموا أن الصاع ثمانية أرطال لهذا، وقد اضطرب مع هذا قولهم، فجعلوه أنقص من ذلك.
  وأما أهل الحجاز فلا اختلاف بينهم فيه أعلمه أن الصاع عندهم خمسة أرطال وثلث، يعرفه عالمهم وجاهلهم، ويباع في أسواقهم، ويحمل علمه قرن عن قرن. وقد كان يعقوب زمانًا يقول كقول أصحابه فيه، ثم رجع عنه إلى قول أهل المدينة. وبه كان يفتي يزيد بن هارون.
  قال أبو عبيد: وهذا هو الذي عليه العمل عندي؛ لأني مع اجتماع قول أهل الحجاز عليه تدبرته في حديث يروى عن عمر، فوجدته موافقًا لقولهم "[17].


  وقال ابن حبان في صحيحه عقب حديث: " قيل يا رسول الله صاعنا أصغر الصيعان، ومدنا أصغر الأمداد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " اللهم بارك لنا في صاعنا...". الحديث
  قال: " في ترك إنكار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حيث قالوا : "صاعنا أصغر الصيعان" بيان واضح أن صاع أهل المدينة أصغر الصيعان، ولم يختلف أهل العلم من لدن الصحابة إلى يومنا هذا في الصاع وقدره، إلا ما قاله الحجازيون والعراقيون، فزعم الحجازيون: أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وقال العراقيون: الصاع ثمانية أرطال، فلما لم نجد بين أهل العلم خلافًا في قدر الصاع إلا ما وصفنا صح أن صاع النبي-صلى الله عليه وسلم- كان خمسة أرطال وثلثا، إذ هو أصغر الصيعان وبطل قول من زعم أن الصاع ثمانية أرطال من غير دليل ثبت له على صحته". [18]
 
  قلت: كما أخذ على أبي حنيفة أيضًا أنه أجاز إخراج الهُلِيْلَج في زكاة الفطر.[19]
  أخرج الدارقطني في سننه عن يونس بن بكير، عن أبي حنيفة، قال: "لو أنك أعطيت في صدقة الفطر هليلج لأجزأ". [20]

  قلت: وسبب رد العلماء عليه في هذه المسألة، أن هذه النبتة لا تعلم أنها من الطعام، ولكنها تستخدم للتداوي، والله أعلم.
  بوب ابن خزيمة -رحمه الله- لحديث ابن عباس الموقوف: "صدقة رمضان صاع من طعام من جاء ببر قبل منه، ومن جاء بشعير قبل منه ومن جاء بتمر قبل منه ... "[21]
  قال: باب إخراج جميع الأطعمة في صدقة الفطر "والدليل على ضد قول من زعم أن الهُليلج، والفلوس جائز إخراجها في صدقة الفطر".
قلت: فالذي أجاز الهُلَيلج هو أبو حنيفة كما مر، وهو نبات يُطعم.


 وأما من أجاز الفلوس في زكاة الفطر فمحمد بن الحسن الشيباني، حيث قال في كتابه الأصل المعروف بالمبسوط: "ومما يستحب يوم الفطر قبل الخروج أن يَستاك، ويَطعم، ويَمس طيبًا إن وجده، ويُخرج الصدقة، ثم يَخرج.
 وصدقته نصف صاع من حنطة أو سويق أو دقيق أو صاع من تمر أو صاع من شعير؛ فإن أعطى قيمة ذلك دراهم أو فلوسًا أجزاه، وإن جمع لمسكين واحد عن نفر أجزاه، وإن فرق طعامًا عن واحد في مساكين أجزاه". [22] 

  قلت: فالقول بإخراج زكاة الفطر من المال قول محمد بن الحسن الشيباني، وليس قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-.
ذكره محمد بن الحسن في كتابه المبسوط، وهو كتاب قائم على الرأي وليس على الحديث والأثر، فليس فيه أدلة على كلامه من قرآن أو سنة، وإنما مبنى الكتاب على الرأي المجرد، فيسأل عن مسألة بصيغة:"
أرأيت رجل فعل كذا وكذا، ماذا عليه؟ فيجيب: عليه كذا وكذا
  هذه الصيغة تكررت في الكتاب نحو ألف مرة، وكل مرة يأتي الجواب برأي محمد بن الحسن المجرد من غير ذكر دليل على فتواه وكلامه.
  فالقول بالقيمة في زكاة الفطر، هو رأي لمحمد بن الحسن الشيباني، قالها من غير ذكر دليل عليه، ولا يعرف هذا من قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-
 ولهذا أعلم في كلام المتقدمين من نسب للإمام القول بإخراج قيمة زكاة الفطر نقدًا.

  قلت: فالقول بإخراج زكاة الفطر من المال قول محمد بن الحسن الشيباني، وليس قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، ولا أعلم في كلام المتقدمين من نسب للإمام القول بإخراج قيمة زكاة الفطر نقدًا.
  وقد أسند عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهما عن جماعة من السلف والتابعين قولهم في زكاة الفطر؛ ومنهم من قال بإخراجها قيمة، غير أننا لم نجد منهم من أسند هذا القول إلى أبي حنيفة ولو بسند ضعيف.

  كما أن ابن أبي شيبة -رحمه الله- وضع كتابًا في أخر كتابه المصنف[23] سماه: " كتاب الرد على أبي حنيفة، وافتتحه بقوله: "هذا ما خالف به أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".
  قلت: فلم يذكر ابن أبي شيبة شيئًا من مخالفة السنة في زكاة الفطر، مع كثرة ما تتبع من المسائل، وغاية ما هنالك أنه أسند إلى مكحول قوله: "ليس في الخيل صدقة إلا صدقة الفطر؛ وذكر أن أبا حنيفة قال: إن كانت خيل فيها ذكور وإناث يطلب نسلها ففيها صدقة". [24]

  قلت: فلم يكن يُعرف عنه -رحمه الله- خلاف ما نقلناه، وهو فيما ذهب إليه موافقًا للسنة، في أن هيئة زكاة الفطر تكون من طعام، وما أثر عنه في مقدار الصاع أو تجويز نبات لا يُعد من الطعام عند غيره، فهذا موجود في الخلاف بين الفقهاء، والأمر فيه قريب بإذن الله تعالى.
 

  هذا، وعلى فرض أن هذا الإمام قال بخلاف السنة في المسألة..
  أليس الأصل أن نرجع إلى أصول مذهبه، والذي منها قوله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"؟.
  وأيضًا: هل يسع مسلم الأخذ بقول إنسان كائن من كان وهو يعلم يقينًا أن هذا القول يخالف ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
  روى الترمذي بسنده عن الزهري، أن سالم بن عبد الله بن عمر، حدثه، أنه سمع رجلًا من أهل الشام، وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال عبد الله بن عمر: "هي حلال"، فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها، فقال عبد الله بن عمر: "أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أأمر أبي نَتبع؟ أم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال : "لقد صنعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".[25]
 

  وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: "قد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب، فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هو دون إبراهيم أو مثله؟،

  وقال جعفر الفريابي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل قال: قلت لمالك ابن أنس: يا أبا عبد الله إن عندنا قومًا وضعوا كتبًا يقول أحدهم: ثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا وكذا، وفلان عن إبراهيم بكذا، ويأخذ بقول إبراهيم.
قال مالك: وصح عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم، فقال مالك: هؤلاء يستتابون، والله أعلم.[26]

 

وخلاصة القول في هذا الفصل:
   إن مذهب أبي حنيفة في زكاة الفطر موافق للسنة، فعنده أن زكاة الفطر تخرج من الطعام، وتكون صاعًا من التمر أو الشعير أو الزبيب، أو نصف صاع فيما سوى هذه الأصناف المذكورة في الحديث.
  وأما من ينسب خلاف هذا الكلام للإمام، فنقول له كما قال الله تعالى: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ". [النمل: 64].

والحمد لله رب العالمين.


الهامش



[1] ـ المقصود بالحديث الضعيف هنا، هو ما رواه صدوق خفيف الضبط، ومثل هذا الراوي لا يعتمد حديثه في أحاديث الأحكام والحلال والحرام، وإنما تقبل أحاديث هذه الأبواب من الثقات الأثبات، وأما الصدوق خفيف الضبط فيُقبل حديثه في الترهيب والترغيب والسير وتفسير القرآن، هذا إن لم يحمل حديثه حكمًا جديدًا أو يكون فيه نكارة.

[2] ـ قال محمد بن عابدين في حاشيته(1 / 67 : 68): "صح عن الإمام أنه قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".
 ثم طرح ابن عابدين مسألة، وأجاب عليها، فقال: هل إن خالف بعض أصحاب الإمام مذهبه، هل يكونوا بذلك لهم مذهب جديد؟، ثم أجاب: "إن الإمام لما أمر أصحابه بأن يأخذوا من أقواله بما يتجه لهم منها عليه الدليل صار =

   ما قالوه قولًا له لابتنائه على قواعده التي أسسها لهم ... فيكون من مذهبه أيضًا.
   ونظير هذا ما نقله العلامة بيري في أول شرحه على الأشباه عن شرح الهداية لابن الشحنة، ونصه: إذا صح
الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيًا بالعمل به، فقد صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.  وقد حكى ذلك ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة". اهـ

[3] ـ الفلاني في الإيقاظ (ص / 50)، بواسطة كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (ص / 48).

[4] ـ ابن عابدين في "حاشيته على البحر الرائق" (6 / 293)، نقلا من الكتاب السابق للشيخ الألباني -رحمه الله- .

[5] ـ هو: "يعقوب بن إبراهيم القاضي" المعروف بأبي يوسف، صاحب سنة، نقل الطحاوي عن ابن معين، أنه قال:

"ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثًا ولا أثبت من أبي يوسف". اهـ .
 قلت: وجاء عنه -رحمه الله- ما يوافق قول إمامه، حيث قال: "لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا؟".
[رواه البيهفي في المدخل إلى السنن الكبرى رقم (262)، وانظر إعلام الموقعين عن رب العالمين ( 2 / 140)].

[6] ـ انظر هامش (2).

[7] ـ سيأتي قريبًا فصل في الرد على أشهر كتاب فيها.

[8] ـ الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير ( ص / 136). لمحمد عبد الحي اللكنوي الهندي.

[9] ـ أسنده أبو يوسف بسند أبي حنيفة في كتابه الآثار رقم: (318)، ورواه ابن زنجوية عن النخعي بسند أخر في الأموال.

[10] ـ تحفة الفقهاء (1 / 337 وما بعدها).

[11] ـ لم يصح هذا عنهما، انظر تحقيق قولهما في فصل تحقيق الأحاديث، حديث رقم (18) ، و(34).

[12] ـ انظر الحجة على أهل المدينة ( 1 / 531 : 550 ).

[13] ـ سنن الدارقطني رقم : (2124).

[14] ـ السنن الكبرى (7721)، ومعرفة السنن والآثار له (8156).

[15] ـ معرفة السنن (8156).

[16] ـ تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، لابن عبد الهادي الحنبلي ( 3 / 137).

[17] ـ الأموال للقاسم بن سلام ( ص / 623).

[18] ـ صحيح ابن حبان، حديث : (3284)

[19] ـ والهُليلج: هو عشبة طبية يتداوى بها، لها أنواع منها: الهليلج الأسود، وهو صغير الحجم، ويعرف بالزبيب الهندي، ومنها الهليلج الأصفر وفي حجم الليمون، ومنها الهليلج الكابي وهو يشبه التمر.

[20] ـ سنن الدارقطني رقم: (2122).

[21] : انظر تحقيق الحديث في فصل تحقيق الأحاديث والآثار، رقم (13).

[22] ـ المبسوط ( 2 / 314 : 315).

[23] ـ  الكتاب الخامس والثلاثين من المصنف

[24] ـ المصنف رقم: (36391)

[25] ـ حديث صحيح، رواه الترمذي(824)، ورواه أبو يعلى في مسنده بإسنادين (5451) (5563)، وأبو عوانة في مستخرجه (3366).
  وجاء الحديث عند أبي يعلي من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن مسلم، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: "جلس رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن عمر وأنا معه، فقال له : يا أبا عبد الرحمن، ما ترى في " التمتع بالعمرة إلى الحج" ؟ فقال له عبد الله : حسن جميل لمن صنع ذلك، فقال له الرجل: فإن أباك قد كان ينهى عنها، فغضب عبد الله ثم قال: ويلك، أرأيت إن كان أبي نهى عنها وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمل بها ، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأخذ أم بأمر أبي؟ قال : لا بل بأمر رسول الله، قال : فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد فعل ذلك، فقم لشأنك".
قلت: وإسناده جيد.

[26] ـ إعلام الموقعين ( 2 / 140).

السبت، 22 مارس 2025

صد نِبال من خالف السنة في زكاة الفطر، وقال: تخرج من المال.

   صد نِبال من خالف السنة في زكاة الفطر، وقال: تخرج من المال.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

   الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
  فهذا فصل من بحث موسع في زكاة الفطر، عجلت به لضيق الوقت، فيه تحقيق الأحاديث والآثار الواردة في الباب.
   أردت به بيان حال هذه الأحاديث من حيث القبول والرد، ليكون المسلم على بينة من دينه ولا يلتبس عليه ما يشغب به أهل الأهواء.
   وقد جعلته على صفة المسند، فجمعت أحاديث كل صحابي سواء كانت مرفوعة أو موقوفة، ثم أتبعتها ببعض الآثار عن التابعين دعت الحاجة لتحقيق قولهم في المسألة.
والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة ليلة 21 / رمضان / 1446
21 / 3 / 202


أولًا: أحاديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- :
 1 ـ عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". [1]

  2 ـ وفي رواية:  عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: " فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر - أو قال : رمضان - على الذكر، والأنثى، والحر، والمملوك صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير"، فعدل الناس به نصف صاع من بر، فكان ابن عمر رضي الله عنهما، " يعطي التمر"، فأعوز أهل المدينة من التمر، فأعطى شعيرًا"، فكان ابن عمر "يعطي عن الصغير، والكبير، حتى إن كان ليعطي عن بني"، وكان ابن عمر رضي الله عنهما "يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين". [2]

   3 ـ وعن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة".[3]
  وفي رواية لمالك في الموطأ عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان" يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر، بيومين أو ثلاثة ".

   4 ـ عن نافع، عن ابن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين فرض صدقة الفطر: صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فكان لا يخرج إلا التمر". [4]

  5 ـ عن نافع ، عن ابن عمر قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، فكان عبد الله يخرج عن الصغير والكبير والمملوك من أهله صاعًا من تمر فأعوزه مرة،

فاستلف شعيرًا، فلما كان زمان معاوية عدل الناس مدين من قمح بصاع من شعير". [5]

  6 ـ وعن عمر بن صهبان عن نافع، عن ابن عمر، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم، " لا يغدو يوم الفطر حتى يغدي أصحابه من صدقة الفطر". [6]

  7 ـ عن أبي مجلز، عن ابن عمر، أنه كان "يستحب التمر في زكاة الفطر ".[7]
  8 ـ عن أبي معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كنا نؤمر أن نخرجها، قبل أن نخرج إلى الصلاة، ثم يقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المساكين إذا انصرف، وقال: " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ". [8]
9 ـ عن أبي مجلز، قال: قلت لابن عمر: قد أكثر الله الخير، والبر أفضل من التمر؟، فقال: " إني أعطي ما كان يعطي أصحابي، سلكوا طريقًا فأريد أن أسلكه ". [9]
قلت: وقد أعرضت عن أحاديث أخرى رويت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- لأنها تحمل نفس المعنى الذي في هذه الأحاديث.


ثانيًا: أحاديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- :
  10 ـ عن عياض بن عبد الله العامري، عن أبي سعيد الخدري، قال: " كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، عن كل صغير، وكبير، حر أو مملوك، صاعًا من طعام ، أو صاعًا من أقط ، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب"، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًا، أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: "إني أرى أن مدين من سمراء الشام، تعدل صاعًا من تمر"، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: "فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه، أبدا ما عشت". [10]

  11 ـ عن عياض بن عبد الله بن سعد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: "كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام"، وقال أبو سعيد: "وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر ". [11]

12 ـ وعن عياض بن عبد الله بن أبي سرح ، قال : قال أبو سعيد الخدري : وذكروا عنده صدقة رمضان، فقال: "لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاع تمر، أو

صاع حنطة، أو صاع شعير، أو صاع أقط "، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح؟
 فقال : " لا ، تلك قيمة 
معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها". [12]

  13 ـ وفي رواية عن أبي سعيد الخدري، قال: " كنا نخرج زكاة الفطر من ثلاثة أصناف: الأقط، والتمر، والشعير". [13]

  14ـ وفي رواية، عن أبي سعيد -رضي الله عنه-، قال: "كنا نطعم الصدقة صاعًا من شعير". [14]

  15ـ عن ربيح بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "جاء رجال من أهل البادية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله إنا أولو أموال فهل يجوز عنا من زكاة الفطر؟ قال: " لا؛ فأدوها عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط". [15]

  16 ـ عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده قالوا : نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة بزكاة الفطر ، وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال ، وأن تخرج عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو مدان من بر ، وكان يخطب رسول الله صلى
عليه وسلم قبل الفطر بيومين فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى ، وقال : " أغنوهم " يعني المساكين عن ط
واف هذا اليوم". [16]


ثالثًا: أحاديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- :
  17ـ عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات ". [17]

  18 ـ عن أبي رجاء العطاردي، قال : سمعت ابن عباس، يخطب على منبركم - يعني منبر البصرة - يقول: "صدقة الفطر صاع من طعام". [18]

    19 ـ عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس، أنه كان يقول: "صدقة رمضان صاع من طعام من جاء ببر قُبل منه، ومن جاء بشعير قُبل منه ومن جاء بتمر قبل منه، ومن جاء بسلت قُبل منه، ومن جاء بزبيب قُبل منه، وأحسبه قال: "ومن جاء بسويق أو دقيق قبل منه". [19]
  20 ـ عن الحسن البصري، قال: قال ابن عباس - وهو أمير البصرة - في آخر الشهر أخرجوا زكاة صومكم، فنظر الناس بعضهم إلى بعض، فقال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا فعلموا إخوانكم فإنهم لا يعلمون أن "هذه الزكاة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ذكر وأنثى، حر ومملوك، صاعًا من شعير أو تمر أو نصف صاع من قمح"، فقاموا "[20]

  21ـ عن عطاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخًا ببطن مكة ينادي: "إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير، أو كبير: ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، حاضر أو باد، صاع من شعير أو تمر". [21]

    22 ـ عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، مثله". [22]

  23 ـ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه أمر بزكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو مدين من قمح على كل حاضر وباد صغير وكبير حر وعبد".[23]

  24 ـ عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "يخرج الرجل زكاة الفطر عن مكاتبه، وعن كل مملوك له، وإن كان يهوديًا أو نصرانيًا".[24]
  25 ـ عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك نصف صاع من بر ، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير " . [25]

قلت: وقد أطلت عن عمد في تتبع أحاديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في هذا الباب، لأنها كما سيأتي اعتمد عليها من خالف السنة في هذه الشعيرة، واحتج بها كأنها من المتفق على صحته،  وأغلبها كما مر من رواية الضعفاء والمتروكين.


رابعًا: أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه.

  26 ـ عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : إني محتاج، وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه".[26]
  27 ـ محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله
عنهما ، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كخ كخ " ليطرحها، ثم قال: "أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة". [27]

  هذا، وقد اعرضت عن حديث أخرجه ابن زنجويه في الأموال، والطحاوي في مشكل الآثار، لأنه من رواية ابن لهيعة، وسيأتي قريبًا حكم أحاديثه.


خامسًا: حديث ثعلبة بن صُعير -رضي الله عنه-:

   28ـ عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري، عن أبيه، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا وأمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، عن كل واحد أو عن كل رأس أو صاع قمح بين اثنين". [28]

سادسًا: حديث عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه-:
   29 ـ عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على كل صغير وكبير ذكر وأنثى عبد وحر صاعًا من تمر أو صاعًا من طعام أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط".[29]
سابعًا: أحاديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:
  30 ـ عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: " كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح، بالمد الذي تقتاتون به". [30]

31   ـ عن هشام بن عروة عن أبيه، عن أسماء قالت: " كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين". [31]

ثامنًا: أحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
     32 ـ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم " بعث مناديًا ينادي في فجاج مكة ألا إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم، على كل ذكر وأنثى حر وعبد وصغير
وكبير مدان من قمح، أو  صاع مما سواه من الطعام".[32]

ـ أثر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- :
   33 ـ عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن ابن قارظ أخبره، أن عمر بن الخطاب كتب إلى الأجناد في زكاة الفطر: "أن أدوا صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو مدين من قمح، وأعطوا من أصفى ما

 عندكم ".[33]


ـ أثر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :

  34 ـ عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي قال: "زكاة الفطر عن كل إنسان تعول، من صغير أو كبير، أو حر أو عبد، وإن كان نصرانيًا مدين من قمح، أو صاعًا من تمر". [34]

تاسعًا: حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- :

  35 ـ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك  قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" وفي رواية: 

" ويأكلهن وترًا ".[35]

  وفي رواية لأحمد في المسند: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الفطر، لم يخرج حتى يأكل تمرات يأكلهن إفرادًا ".


ـ أثر معاذ بن جبل -رضي الله عنه- :
  36 ـ قال البخاري: وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: " ائتوني بعرض ثياب خميص 
-أو لبيس- في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ".[36]

    قلت: حاولت تتبع كل ما روي في هذا الباب من الأحاديث المرفوعة والموقوفة، وتبقت بعض الآثار عن التابعين أو تابعيهم يشغب بها من يخالف السنة في هذه الشعيرة، يزعم بها أنه له سلف في مخالفته هذه.
  والأمر كما أسلفنا في المقدمة أن الدين قال الله قال رسوله قال الصحابة، وما خالف هذا فهو مردود، فلو صح عن تابعي أو أكثر ما يخالف ما جاءنا في الكتاب والسنة وفعل الصحابة، فهل يجوز لنا العمل به؟ بالطبع لا.
   ومع ذلك سنحقق هذه الآثار لكي لا يكون لأحد بعد ذلك حجة، ويكون المسلم على بينة من دينه.


أثر عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- :

  فإنه قد وردت آثار عنه -رحمه الله-، منها ما هو موافق للسنة ومنها ما هو مخالف لها، فمن ذلك:

  37 ـ عن ابن عون، قال : سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي يقرأ بالبصرة: "في صدقة رمضان على كل صغير وكبير، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى نصف صاع من بر ، أو صاع من تمر". [37]

  38ـ عن النضر بن شميل، أخبرنا الربيع بن صبيح قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز في صدقة رمضان: "عن الصغير، والكبير ، والعبد، والحر، والذكر، والأنثى، نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير". [38]

    39 ـ عن عوف ابن أبي جميلة ومجاهد، قالا: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة كتابًا، فقرأه على منبر البصرة، وأنا أسمع: "أما بعدُ: فمر من قبلك من المسلمين أن يخرجوا زكاة الفطر صاعًا من تمر أو نصف صاع من بر".[39]

  40 ـ عن قرة بن خالد السدوسي، قال : جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر " نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم ". [40]


ـ آثر أبي إسحاق السبيعي -رحمه الله- :
  41 ـ عن زهير، قال : سمعت أبا إسحاق، يقول: "أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام". [41]

ـ أثر الحسن البصري -رحمه الله- :

  42 ـ عن هشام، عن الحسن، قال: "لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر". [42]

 

الهامش

[1] ـ متفق على صحته.

[2]  ـ هذا لفظ البخاري، ورواه مسلم مختصرًا.

[3] ـ متفق على صحته، ورواه مالك في الموطأ رقم: (55).

[4]  ـ رواه ابن خزيمة في صحيحه (2392  ـ الأعظمي) من طريق سليمان بن طرخان التيمي عن نافع مولى ابن عمر.

[5] ـ رواه ابن خزيمة في صحيحه (2393) ، وأصل الحديث في البخاري.

[6] ـ حديث ضعيف جدًا، رواه ابن ماجة ( 1755 )، وفيه ثلاثة ضعفاء:

ـ جبارة بن المغلس الحماني، ضعيف مضطرب الحديث.

ـ مندل بن علي العنزي، قال أبو زرعة: لين الحديث.

ـ عمر بن صهبان الأسلمي، قال أبو حاتم والنسائي: متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث.

[7] ـ حديث موقوف، وإسناده حسن، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10366)، ورواه الطبراني في معجمه الكبير  (13961) : عن أبي مجلز، قال: قال ابن عمر: "أما نحن فكنا نعطي صدقة الفطر التمر".

[8] ـ  حديث منكر، رواه الدارقطني في سننه (2133)، والحاكم في معرفة علوم الحديث، وقال في المستدرك (1495): "تركته إذ ليس من شرط الكتاب". اهـ ، ورواه البيهقي في سننه الكبرى (7739 )، وابن عدي في الكامل(7 / 55)، جميعًا من طريق نجيح بن عبد الرحمن السندي المديني
وأبو معشر هذا ضعفه الإمام أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وقال البخاري منكر الحديث، وقال علي بن المديني: "كان شيخا ضعيفا ضعيفا، وكان يحدث عن محمد بن قيس، ويحدث عن محمد بن كعب بأحاديث صالحة، وكان يحدث عن المقبري، وعن نافع بأحاديث منكرة" . اهـ .

قلت: وهذا الحديث من مناكيره فهو من رواية نافع، فضلًا عن تفرده بهذا الحرف عن الثقات مع ضعفه.
وجاء عن ابن عمر موقوفا عليه حديثا أشد من هذا الحديث في النكارة، انظره في هامش (23).
قال البيهقي في الخلافيات (4 / 324): قلنا: هذا الخبر غير ثابت، وراويه (5) أبو معشر نجيح السندي، وهو ممن اختلط في آخر عمره، وبقي في ذلك سنين حتى كثرت المناكير في روايته، وتعذر تمييزه، فبطل الاحتجاج به.
والحديث ضعفه ابن عدي في الكامل، قال ابن حجر في التقريب (7100) في ترجمة أبي معشر هذا: "ضعيف من السادسة، أسن واختلط مات سنة سبعين ومائة" . اهـ
هذا؛ وسيأتي قريبًا طريقًا لهذا الحديث من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[9] ـ  حديث موقوف، وإسناده صحيح، رواه ابن زنجويه في كتاب الأموال ( 2390  )، باب: السنة في زكاة الفطر.

[10] ـ متفق على صحته، وفي رواية ابن خزيمة (2408): "فلم نزل نخرجه، حتى قدم علينا معاوية من الشام حاجًا أو معتمرًا، وهو يومئذ خليفة، فخطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم ذكر زكاة الفطر، فقال: "إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، فكان أول ما ذكر الناس بالمدين حينئذ".

[11] ـ رواه البخاري.

[12] ـ رواه ابن خزيمة(2419)، وقال: "ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهمورواه ابن حبان (3306).

[13] ـ رواه مسلم (985).

[14] ـ رواه البخاري (1505).

[15] ـ ضعيف، رواه عبد الله بن وهب في الجامع (195)، والبيهقي في سننه الكبرى (7731)، وفيه: "كثير بن عبد الله بن عمرو المزني"، منكر الحديث، وسيأتي حاله بشيء من التفصيل في حديث (27)

[16] ـ ضعيف جدًا، رواه ابن سعد في الطبقات (1 / 249 ) من طريق الواقدي، وهو متروك الحديث _وإن كان من الحفاظ _، ومثله لا يعتمد على روايته في أحاديث الأحكام، بيد أن هذا التفصيل في هذه الرواية يُبين المقصود بالإغناء، وهو أن تكون زكاة الفطر طاعًا من طعام شعير أو تمر أو زبيب، والله أعلم.

[17]ـ حديث حسن، رواه أبو داود (1609)وابن ماجة(1827)، والدارقطني في سننه(2067)، وقال عن رواته عقب الحديث: "ليس فيهم مجروح". ، ورواه الحاكم في المستدرك(1488) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه"؛ والحديث اختاره الضياء المقدسي، وقال ابن الملقن في البدر المنير ( 5 /  619 ) : قال المنذري: إسناده حسن. ورواه الحاكم في «مستدركه» كذلك، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وكأنه أراد بكونه على شرطه أنه من رواية عكرمة؛ فإنه احتج به في غير ما موضع من (صحيحه) ، ولم يخرج لسيار و (لا) لأبي يزيد، وقد أثنى مروان على أبي يزيد ووصفه بأنه شيخ (صدق) ، وقال أبو زرعة في سيار: لا بأس به
واعترض الشيخ تقي الدين في «الإلمام» على الحاكم، وقال: فيما زعمه نظر؛ فإن يزيد وسيارًا لم يخرج لهما البخاري. وقد أسلفنا قريبًا أن مراد الحاكم بقوله: «إن الحديث على شرط الشيخين أو أحدهما» أن رجاله في الثقة كهم لا هم أنفسهم، وقد صرح بذلك في خطبته". اهـ
قلت: وكذا حسنه الشيخ الألباني في غير موضع من كتبه.

[18] ـ حديث موقوف، وإسناده صحيح، رواه النسائي في الصغرى (2510 )، وقال: "هذا أثبت الثلاثة "، يعنى: أبو رجاء العطاردي، لأنه روي الحديث عن ابن عباس ومن طريق الحسن ومحمد بن سيرين، وحديثهما مرسل وفيه نكارة، وسيأتي حديثهما قريبًا.

وقد جاء في كتب الأحناف حديثًا يروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قريبًا من هذا المتن، أخرجه ابن حزم في المحلى، وهو أيضًا ضعيف، فإنه لم يصح حديثًا في النص صاع كما قال البيهقي إلا حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-.

[19] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف مرسل، أخرجه ابن خزيمة واللفظ له، وعبد الرزاق في المصنف (5767) والدارقطني (2091)، والبيهقي في الكبرى(7714)، وغيرهما؛ وعلة هذا الحديث أن محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس، وزاد الحديث وهنًا أنه روي مرفوعًا أيضًا، ولم يصح في حديث مرفوع في الباب ذكر الدقيق، قال البيهقي في الكبرى:

"وهذا أيضًا مرسل، محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئًا إلا أنه يوافق حديث أبي رجاء العطاردي الموصول عن ابن عباس فهو أولى أن يكون صحيحًا، وما شك فيه الراوي ولا شاهد له، فلا اعتداد به. والله أعلم".

[20]ـ  حديث ضعيف مرسل، رواه النسائي في الصغرى(2508) والدارقطني في سننه(2130)، وآفته: تدليس الحسن البصري، قال ابن حجر في التقريب: "ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرًا ويدلس".

[21] ـ حديث ضعيف، أخرجه الحاكم في المستدرك(1492) ومن طريقه البيهقي في سننه الكبرى(7726)، وآفته: يحيى ابن عباد السعدي، ضعفه الدارقطني، وقال العقيلي في الكامل: يحيى بن عباد مجهول بالنقل لا يقيم الحديث.
قال البيهقي عقب الحديث: وهذا حديث ينفرد به يحيى بن عباد، عن ابن جريج هكذا، وإنما رواه غيره عن ابن جريج عن عطاء من قوله في المدين، وعن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سائر ألفاظه.

[22] ـ حديث ضعيف، أخرجه الترمذي في جامعه (674)، واستغربه، فقال: حسن غريب، وقول الترمذي حديث حسن، يعني حديث معل، أو لا يخلو من ضعف من جهة الرواة، وتفصيل ذلك لا يسمح به المقام، ولكن كل سلسلة عمرو بن شعيب في جامعه حكم عليها بالحسن، ثم أورد بعضها في كتابه العلل الكبير، كما سيأتي.
ورواه الدارقطني، وضعفه ابن عدي في الكامل، وقد اختلف على ابن جريج إسناده، فمرة يرويه عن ابن عباس، ومرة عن ابن عمر، ومرة عن عمرو بن شعيب مرسًلا.
قال الترمذي في العلل الكبرى: " سألت محمدًا (يعني البخاري) عن حديث ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديًا: "ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم" فقال:

"ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب".

[23] ـ  حديث ضعيف جدًا، رواه الدارقطني (2087) من طريق الواقدي، وهو متروك الحديث.

[24] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف، رواه عبد الرزاق في المصنف (5812)، وفيه رجل لم يسم.

[25]ـ حديث ضعيف جدًا، رواه الدارقطني(2119) من طريق عن سلام الطويل، عن زيد العَمي، عن عكرمة، ثم قال عقبه: "سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده غيره".
قلت: وفيه أيضًا "زيد العمي" وهو  ضعيف، قال أبو زرعة الرازي: ليس بقوى واهي الحديث؛ وضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم.
وروى أيضًا الدارقطني قريبًا من هذا المتن رواية عن ابن عمر، من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن نافع عنه، بلفظ: "أنه كان يُخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد صغير وكبير ذكر وأنثى كافر ومسلم حتى إنه كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه "،قال الدارقطني: "عثمان هو الوقاصي متروك".

[26]  ـ رواه البخاري(2311)، والنسائي في الكبرى(10729).

[27] ـ متفق على صحته، وله شاهد عن أحمد في مسنده من حديث أبي الحَوراء السعدي، وأخرج أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي -صلي الله عليه وسلم- وجد تحت جنبه تمرة من الليل، فأكلها، فلم ينم لخط الليلة، فقال بعض نسائه: يا رسول الله، أرقت البارحة؟، قال: "إني وجدت تحت جنبي تمرة في فأكلتها، وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه".

[28] ـ حديث ضعيف مضطرب، رواه أبو داود في سننه(1620)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني(629)، والحاكم في المستدرك(5214)، وقال: "هذا حديث رواه أكثر أصحاب الزهري عنه، عن عبد الله بن ثعلبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا أباه".

قلت: فنبه -رحمه الله- على علة الحديث، وأنه مضطرب، وقد ذكر أبو داود في سننه أوجه اختلاف الرواة على الزهري.
وقد رواه أحمد في المسند عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير مرسلًا.
قال مهنا: "ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير، في صدقة الفطر نصف صاع من بر. فقال: ليس بصحيح، إنما هو مرسل، يرويه معمر بن جريج، عن الزهري مرسلا. قلت من قبل من هذا؟ قال من قبل النعمان بن راشد، ليس هو بقوي في الحديث". [المغني لابن قدامة 3 / 82 ].
وذكر البيهقي في سننه الكبرى اختلاف الرواة على ألفاظ الحديث، فقال: " قال محمد بن يحيى الذهلي في كتاب العلل : إنما هو عبد الله بن ثعلبة ، وإنما هو عن كل رأس أو كل إنسان ، هكذا رواية بكر بن وائل لم يقم هذا الحديث غيره قد أصاب الإسناد والمتن". اهـ

[29] ـ حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، أخرجه الدارقطني في سننه(2092)، وفيه: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، قال أحمد: منكر الحديث، ليس بشيء، وقال أبو زرعة الرازي: واهي الحديث، وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو داود والدارقطني، وقال ابن حبان: " روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في  الكتب و لا الرواية عنه إلا على وجه التعجب". اهـ
وقد رواه ابن خزيمة مختصرًا بلفظ: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزكاة على المسلمين صاع تمر أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط أو صاعًا من شعير".

[30] ـ حديث ضعيف، رواه أحمد(26936)، والحارث في مسنده، وابن زنجويه في الأموال(2377)، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط، والطحاوي في مشكل الآثار(3112).
قال الطبراني في الأوسط(8972): " لم يرو هذا الحديث عن أبي الأسود إلا ابن لهيعة".
قلت: وابن لهيعة العمل على تضعيف حديثه كما قال الذهبي، وهو أيضًا مدلس كما قال السيوطي، وقد عنعن هذا الحديث، هذا من جهة السند.
وأما المتن فباطل، فإنه لم يصح في المدين حديث، قال البيهقي رحمه الله في معرفة الآثار: "فقال: " تواترت هذه الروايات، عن عياض بن عبد الله، وهو من الثقات الأثبات  عن أبي سعيد بأن التعديل إنما كان من معاوية رحمنا الله وإياه، وأنه أنكر ما فعله من ذلك، فثبت بحديثه، وحديث ابن عمر خطأ الروايات التي ذكر فيها فرض النبي صلى الله عليه وسلم نصف صاع من بر ، وثبت بحديث أبي سعيد أن التعديل كان من معاوية بخلاف قول من زعم أن ذلك كان من جماعة الصحابة، وكيف يجوز دعوى الإجماع فيه، وأبو سعيد الخدري ينكره على معاوية؟ واختلفت الرواية فيه، عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، فروي عن كل واحد منهما: صاع من حنطة، وروي نصف صاع، وعبد الله بن الزبير ذهب إلى أنه صاع". اهـ
قلت: فالكيل بنصف صاع أو مدين، هذا أُحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين من بعده، وأول ظهور له كان في خلافة معاوية رضي الله عنه، فكل حديث مرفوع في هذا الباب أو موقوف على الخلفاء فهو باطل.

[31] ـ حديث ضعيف، رواه الطحاوي في مشكل الآثار(3407)، وفيه: "سلامة بن روح الأموي"، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عن سلامة بن روح ، فقال : أيلى ضعيف منكر الحديث.

وقال: سمعت أبى وسئل عن سلامة بن روح، فقال: ليس بالقوى، محله عندى محل الغفلة.

قلت: يروي الحديث عنه ابن أخيه " محمد بن عُزِيز الأيلي" قال ابن حجر في التقريب: " فيه ضعف، وقد تكلموا في صحة سماعه من عمه سلامة" . اهـ

[32] ـ  حديث ضعيف مضطرب، رواه الترمذي في جامعه واستغربه، والدارقطني في سننه(2080)، وذكر له عدة طرق، مدارها على ابن جريج، و بيانها كالآتي:
فرواه سالم بن نوح عن ابن جريج مرفوعا كما في هذه الرواية، وسالم هذا ليس بشيء كما قال ابن معين.

ورواه عبد الرزاق وعبد الوهاب بن عطاء عن ابن جريج مرسلًا.

ورواه يحيى بن عباد السعدي عن ابن جريج من حديث ابن عباس.

ورواه يحيى بن أبي طالب عن عبد الوهاب عن  ابن جريج من قول عطاء بن أبي رباح.

وقال الترمذي في جامعه(674) بعد أخرج طريق سالم بن نوح: وروى عمر بن هارون هذا الحديث ، عن ابن جريج، وقال عن العباس بن ميناء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا الحديث ، حدثنا جارود قال : حدثنا عمر بن هارون هذا الحديث. اهـ

قلت: وعمر بن هارون هذا، قال فيه ابن معين: ليس بثقة، وقال أبو زرعة : سمعت إبراهيم بن موسى ، وقيل له : لم لا تحدث عن عمر بن هارون ؟ فقال : الناس تركوا حديثه.

هذا؛ وسبب اضطراب هذا الحديث تدليس ابن جريج، فقد قال الترمذي في العلل الكبير : سألت محمدا عن حديث ابن جريج , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا : " ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم " فقال : ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب". انظر حديث 

رقم ( 20 ).

[33] ـ  حديث موقوف، وإسناده ضعيف، رواه ابن زنجويه في الأموال(2373)، وابن قارظ في هذا الإسناد: هو إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، ثقة، غير أنه لم يدرك عمر رضي الله عنه، فالحديث منقطع.
وهو أيضًا من رواية ابن لهيعة وقد عنعنه، وقد مر في كلام البيهقي أن نصاب المدين لم يعرف إلا في خلافة معاوية رضي الله عنه. انظر حديث رقم (28).

[34] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف، رواه ابن زنجويه في الأموال(2375)، وفيه: عبد الأعلى بن عامر الثعلبي.

ضعفه أحمد وأبو زراعة والنسائي، وكان ابن مهدي لا يحدث عنه، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ليس بقوي، وقد روي نفس المتن عن أبي هريرة من طريق ابن لهيعة، وهذا دليل على ضعفه -رحمه الله- .

[35] ـ رواه البخاري(953)، وأحمد في المسند(12268).
قلت: ولا تعرف سنة أكل التمر وترًا إلا في هذا الحديث، فاعتقاد الإفطار في رمضان على تمرات وترًا ليس من السنة، كما قال الشيخ محمد صالح بن عثيمين -رحمه الله-.

[36] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف منقطع، علقه البخاري في صحيحه، وأسنده عبد الرزاق في المصنف(7133)، عن طاوس، عن معاذ بن جبل: "أنه كان يأخذ من أهل اليمن في زكاتهم العروض"، وأسنده ابن أبي شيبة(10540) قال: حدثنا ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، قال : قال معاذ: "ائتوني بخميس، أو لبيس آخذ منكم"، وفي رواية(10538) حدثنا عبد الرحيم، عن الحجاج، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، قال : "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ الصدقة من الحنطة ، والشعير . فأخذ العروض الثياب من الحنطة والشعير"، وفي ثالثة (10541): حدثنا وكيع، عن سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس؛ "أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة".
قلت: فمدار هذه الروايات
المرفوع منها أو الموقوف على طاوس، وهو : طاوس بن كيسان اليماني الحميري صاحب ابن عباس رضي الله عنه ثقة كبير الشأن، غير أنه لم يدرك معاذ بن حبل رضي الله عنه، قال ابن حجر في تغليق التعليق ( 3 / 13 ) : " وهو إلى طاوس إسناد صحيح، لكنه لم يسمع من معاذ فهو منقطع".
وقال في فتح الباري (3 / 312): "وقال طاوس: "قال معاذ لأهل اليمن"، هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع؛ فلا يغتر بقول من قال: ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده، لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا" اهـ
قلت: وسبب تحقيقي لهذا الأثر مع أنه غير داخل في أحاديث زكاة الفطر، لأني وجدت من يدلس ويزعم أن معاذًا -رضي الله عنه- أخذ مكان زكاة الفطر القيمة، ثم أتى بقول ابن رشيد: "وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل". مع أن هذا النقل عن ابن رشيد نقله من دلس عن ابن حجر قبل سطر واحد من كلامه السابق والذي بين فيه فساد هذا الإسناد لأن طاوسًا لم يدرك معاذ بن جبل -رضي الله عنه- .
والعجيب أن البخاري بوب بهذا الحديث لزكاة العروض، فلما أسند أحاديث الباب روى بسنده عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك أن أنسًا رضي الله عنه حدثه: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء". اهـ
قلت: فأين هذا الحديث من زكاة الفطر؟، ولكن هو الكذب والتدليس والخيانة، وإنما أحاديث الباب تتناول أحاديث زكاة عروض التجارة، ودليل ذلك تتمة تبويب البخاري لأحاديث الباب، بعد أن أشار لحديث معاذ من طريق طاوس، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله " وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تصدقن ولو من حليكن " " فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها ، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها ، ولم يخص الذهب والفضة من العروض.
هذا؛ وقد اختلف العلماء في جواز أخذ العروض في الزكاة، أسند ابن أبي شيبة في باب: من كره العروض في الصدقة.

عن إبراهيم النخعي، قال: "كانوا يستحبون زكاة كل شيء منه؛ الورق من الورق، والذهب من الذهب، والبقر من البقر، والغنم من الغنم".
وأسند إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب في صدقة التمر : "أن يؤخذ البرني من البرني ، واللون من اللون ، ولا يؤخذ اللون من البرني".
والراجح أخذ القيمة في زكاة العروض لحديث أبي بكر الصديق السابق، أما في زكاة الفطر، فلا يجوز لعدم ثبوت ذلك في حديث صحيح، وهو ما عليه الأئمة الثلاثة، كما لم أقف على نص لأبي حنيفة بالجواز، والله أعلم.

[37] ـ إسناد جيد، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10352)، وجاء عن ابن عون رواية في القيمة، ولكنها ليس فيها ذكر زكاة الفطر.

[38] ـ إسناد حسن، رواه ابن زنجويه في الأموال(2387)، والربيع بن صبيح، صدوق لا يُدلس، وقد اختلفوا عليه، فحسن حاله أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو الوليد الطيالسي، وضعفه أخرون، قال ابن عدي في الكامل: "له أحاديث صالحة مستقيمة، ولم أر له حديثًا منكر جدًا، وأرجو أنه لا بأس به، ولا برواياته".

قلت: وعلى كلٍ فالأثر يُقوى بما سبقه.

[39] ـ إسناده حسن، رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار بإسنادين (3139، 3140 ) ، ويشهد لهما ما سبق.

[40] ـ إسناده شاذ، رواه ابن أبي شيبة في المصنف(10369)، وإن كان قرة بن خالد ثقة، إلا أنه خالف من هم أكثر منه عددا، فثلاثة رواة ذكروا كتاب عمر بن عبد العزيز ولم يذكروا فيه الدراهم.
وحتى لو صح هذا عنه -رحمه الله- فهو مردود عليه بالسنة الصحيحة وفعل الصحابة رضي الله عنهم.
قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطى دراهم يعني في صدقة الفطر؟ قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وقال لي أبو طالب قال لي أحمد: لا يعطى قيمته، قيل له قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: قال فلان؛ قال ابن عمر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال: تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}.
 وقال: قوم يردون السنن قال فلان، وقال فلان!

قال ابن قدامة: وظاهر مذهبه، إنه لا يجزئه إخراج القيمة في شئ من الزكوات، وبه قال مالك والشافعي". [المغني 3/87].

[41] ـ إسناده ضعيف، رواه ابن أبي شيبة في المصنف(10371)، وزهير هو ابن معاوية الجعفي، قال صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: "زهير فيما روى عن المشايخ ثبت بخ بخ، وفى حديثه عن أبى إسحاق لين، سمع منه بأخرة"؛ وقال أبو زرعة الرازي: "ثقة إلا أنه سمع من أبى إسحاق بعد الاختلاط"؛ وقال أبو حاتم: "ثقة متقن صاحب سنة؛ تأخر سماعه من أبى إسحاق".
هذا من جهة الإسناد، أما من جهة المتن ففيه نكارة شديدة، فظاهر الكلام أن أبا إسحاق السبيعي أدرك عامة الصحابة -عليهم الرضوان-، وهذا لم يكن.
كما أنه يقول: "
أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام"، وهذا يخالف ما صح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- حيث قال: "كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، ... صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب".
وفي رواية أخرى: "كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام"، وقال أبو سعيد: "وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر". 
فالحديث ضعيف الإسناد، باطل المتن.
وسبب تحقيق هذا الأثر أني وجدت من يزعم أن قول أبي إسحاق السبيعي: "أدركتهم" المقصود بهم الصحابة، هكذا بإطلاق!. ويريد أن يهدم بهذا الأثر ما ثبت في الصحيحين في هيئة زكاة الفطر.
والأثر ضعيف منكر، فلا يعول عليه، ولا يلتفت إليه.
هذا؛ وقد اعرضت عن أقوال تنسب لبعض السلف، لكونها لا تتعدى أراء شخصية مجردة من الدليل، أو لأنها منقطعة لا يصح لها إسناد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة. ومثال ذلك ما ينسب إلى سعيد بن المسيب -رحمه الله- أنه قال: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فرض زكاة الفطر مدين من قمح"، وفي رواية: " كانت الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر نصف صاع من قمح".
قلت: أخرجهما أبو داود في كتابه المراسيل، فليس لهما حكم الرفع، ولهذا أعرضت عنهما.
ولكن لعلنا نتعرض إلى بعض هذه الآثار عند الكلام على مذهب الأحناف في المسألة، لأنهم يكثرون الاستدلال بمثلها ويعرضون عن الصحيح المرفوع للرسول -صلى الله عليه وسلم- .

[42] ـ إسناده ضعيف، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10370)، وهشام هو ابن حسان القردوسي الأزدي، ثقة حافظ غير أن حديثه عن الحسن لا يصح، قال علي بن المديني: "كان يحيى بن سعيد وكبار أصحابنا يثبتون هشام بن حسان ، وكان يحيى يضعف حديثه عن عطاء، وكان الناس يرون أنه أخذ حديث الحسن عن حوشب"، وقال أيضًا: "، أما حديث هشام عن محمد فصحاح، وحديثه عن الحسن عامتها تدور على حوشب"؛ وقال سفيان بن عيينة: "لقد أتى هشام أمرا عظيما بروايته عن الحسن، قيل لنعيم بن حماد: لِمَ ؟ قال : لأنه كان صغيرا ". وذكر لجرير بن حازم هشام بن حسان، قال: "ما رأيته عند الحسن قط"، وكذا قال عباد بن منصور وقد سئل عن هشام بن حسان القردوسي؟ قال : "ما رأيته عند الحسن قط"، وقال إسماعيل بن عُليه: "كنا لا نعد هشام بن حسان في الحسن شيئًا"، وقال ابن حجر في التقريب: ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفى روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما".
 قلت: وقد أطلت في تحقيق هذه الأثر لأنه عمدة من يجوز إخراج زكاة الفطر قيمة بزعم لنا سلف في المسألة، وهو قول الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز، وقد ظهر ضعف ما ينسب إليهما رحمهما الله، ولم يكن يتصور فيهما وهم من أئمة السنة أن يخالفوها.
  غير أني أعيد ما ذكرته في أثر أبي إسحاق السبيعي، بفرض صحة هذه عن أحد العلماء أو التابعين، فإنه لا يتعدى راي شخصي يخالف الدليل الصحيح والسنة الثابتة، فلا يقابل ويعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد كائن من كان، ولكننا نتأدب مع السلف، فإن صح عن أحدهم خلاف السنة، نقول أجتهد فأخطأ، ولا نتابعه على خطئه، لأن قوله لا يحتج به في دين الله، وإنما الحجة كما أسلفنا قال الله قال رسوله قال الصحابة.