إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 8 أبريل 2013

من المقصود بولي الأمر ؟!

من المقصود بولي الأمر ؟

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
افتتح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ كتاب الفتن من صحيحه ـ
والذي جعله جامع لأحاديث الإمارة ـ بقوله تعالى :
{ واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } [ الأنفال : 25 ]
فتراه جعل مسألة الإمارة من جملة الفتن الذي تبتلى بها الأمة كنزول الدجال وغيره ، وأن الخلل الذي يحدث في هذا الباب يَجُر الفتن على الأمة جميعاً وليس على الذين ظلموا خاصة .

ومعلوم أن الخلاف والتنازع واقع بين الناس لا محالة ، إذ هو سنة كونية لا تتغير ولا تتبدل ، يقول الله عز وجل : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ... } [ هود : 118 ] .

ومن رحمة الله ـ سبحانه و تعالى ـ بهذه الأمة أنه جعل لها شريعة تُسعد العباد دنيا وآخرة ، ومن الأمور التي جاءت بها الشريعة لفض مادة النزاع والشقاق ـ الذي هو سنة كونية كما أسلفنا ـ تنصيب رجل تجتمع عليه الكلمة يأتمرون بأمره في المعروف ، ولا طاعة له في المعصية ، وهذا تراه جليا في أمر الصلاة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ... ) رواه البخاري .

فترى أهل المسجد جميعاً التزموا بأمر أمامهم في المعروف من تكبير و ركوع وسجود ... وغير ذلك ، ومن خالفه بطلت صلاته ، لأننا مأمورون في متابعته في المعروف ، أما إذ قام الإمام للخامسة مثلاً و نحن نعلم أنها الخامسة فلا نتابعه عليها ، لأن الطاعة في المعروف كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم .

وكذلك الحال في إثناء السفر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود بسند صحيح .


فأمر الإمارة وملازمة الجماعة من الأمور التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، وغلظت النكير على من لا يلتزم بها ، لأن المخالفة هنا لا تعنى إلا الشقاق والنزاع ، والتشبه بأهل الجاهلية ومخالفة سمت أهل الإسلام ، وبهذا تعلم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ) أخرجه البخاري ، وفي رواية مسلم ( فميته ميتة جاهلية ) .

وعند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان ( من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ) .

وعند مسلم في صحيحه (من خلع يدا من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية ) .

والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم : (من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ) أو (من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ) .

يعنى حال موته : فالذي يفارق جماعة المسلمين في طاعة ولي الأمر ، ويخرج عن طاعة السلطان في السمع والطاعة يموت على حال أهل الجاهلية ، يموت كموتهم على ضلال و ليس له إمام مطاع . لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك ، إنما كانوا قبائل متناحرة لا يرون لأحد عليهم سمع و لا طاعة ، فجاء الإسلام بمخالفة أهل الجاهلية وذلك بتنصيب رجل يكون إمام وقائد للناس يلتزمون بأمره ونهيه في المعروف .[ أفاده ابن حجر في الفتح] .
ومن حكمته ـ سبحانه و تعالى ـ أن جعل هذا القائد الإمام من طينة الرعية وعلى صورتها . قال تعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، فإن كانت الرعية صالحة كان سلطانهم صالحا ، وإن كانت الرعية ظالمة كان كذلك ، فكما تكونوا يولى عليكم .

ولم يجعل الله ـ عز وجل ـ سبيل تسلكه الرعية لإقامة سلطان عادل عليهم إلا أن يستقيموا على أمر الله ، وأن يلتزموا شرعه ، فإن ظهر منهم العدل والصلاح نصب الله عليهم سلطانٌ صالح ، وإن ظهر منهم خلاف ذلك كان سلطانهم كذلك . لأن أمر تَنصيب الحاكم على الناس هو لله وحده ، يقول ـ سبحانه ـ : { قُلِ اللهم مالك الملك تُؤْتِى الملك مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ... } [ آل عمران : 26 ]

وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ... فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ) .لأن هذا الأمر لم يُعرف إلا في دين الإسلام ، فمن اعترض عليه وخالفه وفارق جماعة المسلمين فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه .


إذاً من هو الإمام الذي يتوجب طاعته
يقول الإمام ابن حجر في الفتح في معرض شرحه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( السمع والطاعة حقٌ ـ يعني : للإمام ـ ما لم يؤمر بمعصية ...) الحديث .

قال : ((والمراد بالإمام كل قائم بأمور الناس والله أعلم )). اهـ

قلت : فالذي له الاستطاعة في السيطرة على الأمور ، وله القدرة على كف أذى الناس بعضهم عن بعض ، ومنع العدو من إيذاء المسلمين كان هو الإمام . وهذا هو معنى كلمة ( السلطان ) يعني : يكون له سلطة وقوة وإحكام على مقاليد الأمور .

ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ...وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به ... ) متفق على صحته .

ومعنى جُنة بضم الجيم : إي سترة . فالإمام بالنسبة للمسلمين سترة

يتقى به الشر من العدو ، ومن أذى الناس بعضهم البعض .

تنبيه : تسمية ولي الأمر بـ ( الإمام أو السلطان أو الحاكم أو الرئيس أو الخليفة أو...) كلها أسماء اجتهادية بمعنى واحد وهو كل قائم بأمور الناس وله عليهم سلطان ، حتى أنه من الممكن إحداث اسم لإمام ولا يطلق على أحد بعده ، كما سمى الصحابة الصديق ـ رضي الله عنه وعنهم ـ خليفة رسول الله ـ صلى الله على نبينا وسلم ـ وأيضا سمى المسلمون الأمير يوسف بن تاشفين ـ بعد نصرته أهل الأندلس ـ سموه أمير المسلمين ، ولا يُعلم أن هذا الاسم أطلق على أحد بعده . فالمهم المعنى وليس الاسم.

وتكون إمامته على الناس بصورتين :
الأولى : ببيعة شرعية ، كما حدث مع الخلفاء الأربعة ، فبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع أعيان الصحابة في سقيفة بني ساعده لاختيار رجل يقود الأمة بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم فوقع الاختيار على الصديق ـ رضي الله عنه ـ ، ثم اجتمع الناس على الرضا به حاكماً عليهم تبعاً لما ذهب إليه اختيار أهل الحل والعقد من صفوة الصحابة رضي الله عنهم ، ثم لما مات الصديق عَهِدَ بالخلافة لعمر الفاروق رضي الله عنه فبايعه الناس إماماً إقراراً لاختيار الصديق ثم عهد الفاروق بالأمر من بعده لستة من الصحابة مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فاختار الناس عثمان بن عفان من هؤلاء الستة ، ثم اختاروا على بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ بعد مقتل عثمان ، ... وهكذا .

فالطريقة الأولى في اختيار إمام للناس أو حاكماً لهم يكون باجتماع أهل الحل والعقد من أولى الفهم والعلم على رجل ثم يلتزم عامة الناس بالبيعة لهذا الرجل . وليس معنى الالتزام بالبيعة له أن تذهب إليه وتصافحه وتقول : لك السمع والطاعة مني في المكره والمنشط وأن لا أخالفك في أمر فيه طاعة لله ، ولكن يكفيك النية أن فلاناً أصبح إماما مطاعا .

أما الطريقة الثانية في نصب الإمام أو الحاكم : هو أن يتغلب الإمام على الحكم والسلطة بالسيف والقوة ، فيتسلط على الحكم بقوته وسلطانه ، وعندها يلزمنا أيضا أن نبايعه على السمع والطاعة كحال الحاكم الذي جاء ببيعة شرعية ، شريطة أن يكون هذا الحاكم المتغلب مسلماً ، أما إذا تغلب كافر على ديار الإسلام كـ (نابليون بونابرت ) مثلاً ، هل يكون ولي أمر ؟ بالطبع لا ؛ لأن ولي الأمر لابد أن يكون مسلماً .

قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ أحد شراح صحيح البخاري : اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ... ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها .

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني المصري في فتح الباري :
(( فإذا اجتمع الناس على إمام ولو بالتغلب بالسيف وجب طاعته، ثم ساق قصه فتنة ابن الزبير وما كان من الاقتتال بينه وبين جيش الشام في الصراع على الخلافة ، وانتهى الأمر بقتل ابن الزبير وصَلبه عند الحرم ، واجتمعت الكلمة لعبد الملك بن مروان بالخلافة ، ودخول ابن عمر فقيه الفتن ـ رضي الله وعن أبيه ـ على عبد الملك و أعطاه البيعة ، وكان ممتنعاً من إعطاء البيعة لأي أحد من الفريقين عند الاقتتال فلما انتهت الفتنه . قال ابن عمر حينها وهو يعطى ببيعته لعبد الملك بن مروان الذي اخذ الخلافة بالسيف والقوة : والله ما كنت لأعطى بيعتي في فرقة ، ولا امنعها في جماعة )).

فالشاهد أن ابن عمر بايع عبد الملك بن مروان وقد أخذ الخلافة بالسيف ))
وهذا هو كلام السلف وفعلهم .
وعن حرملة قال : سمعت الشافعي يقول : ((كل من غلب على الخلافة بالسيف ،حتى يسمى خليفة ، ويجتمع الناس عليه فهو خليفة)) .

قلت : ونحن نقول :كل من غلب على السلطة بالقوة وسماه الناس حاكماً أو رئيساً فهو حاكم تجب طاعته .

و أهل العلم متفقون على طاعة من تغلب ، وحكى الإجماع على ذلك جماعة منهم ابن حجر والإمام محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل شيخ وغيرهم كثير

ولهذا تجد في كتب اعتقاد أهل السنة : (ونصلى خلف كل بر وفاجر) ، (ونصلى وراء من غلب) ، وجاء هذا مسندا إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ فانه كان يصلى أيام فتنة ابن الزبير تارة خلف ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وتارة خلف الحجاج بن يوسف الثقفي ـ الذي قتل سبعون إلفا صبرا ، قتلهم وهم يرون السيف ، وذهب بعضهم لتكفيره ـ فلما سئل ابن عمر عن هذا عن صلاته خلف ابن الزبير تارة وخلف الحجاج تارة ؟ قال : ((وأُصلى وراء من غلب)) .
وقد وردت النصوص وتعددت في وجوب السمع والطاعة للسلطان منها قوله تعالى : { أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] ، رجح الإمام البخاري أنها نزلت في طاعة الأمراء خلافاً لمن قال أنها نزلت في العلماء كما بين ابن حجر في بداية كتاب الإحكام ، وهو ما رجحه الإمام الطبري أيضا ، وذهب جماعة من السلف أنها عامة في طاعة الأمراء والعلماء معاً .
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : بايعنا رسول الله صلى الله وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .

وعند مسلم وغيره عن إبى ذر قال : إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبداً حبشياً مُجَدَّع الأطراف .
يعني : إن كان هذا الحاكم أو الأمير الذي عليك ( عبداً ) ، فأنت أفضل منه لأنك حر ، وأيضا ليس سيلم الخلقة بل مُجَدَّع الأطراف يعني : مقطع الأطراف ، وأنت سليم البنيان ، ومعلوم أن المسلم القوي خير من المسلم الضعيف ،ومع ذلك فاسمع له وأطع فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ .

وعن أسيد بن خضير : أن رجلا من الأنصار قال يا رسول الله استعملت فلاناً ولم تستعملني ؟ قال: ((فإنكم سترون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) . أخرجه البخاري

وعن ابن مسعود قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكمْ)) . أخرجه البخاري .

وعن ابن عباس أن النبي صلى اله عليه وسلم قال : ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) .

قال ابن حجر في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : ((إنكم سترون بعدى أثرة ))؛ قال : حاصلها الاختصاص بحظ دنيوي . اهـ
يعني : هؤلاء الأمراء يستأثرون بالدنيا بعيداً عن الرعية ؛ فماذا على الرعية حينها ؟ يقول عليه الصلاة والسلام : ( فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) فعلى الرعية الصبر علي جور هؤلاء الحكام وإن استلزم الأمر الصبر عليهم إلى يوم القيامة حتى نلقى النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض ، هذا الحوض الذي يُفصل عنده بين من التزم السنة وصبر عليها ، وبين من بدل وغير فيقال له : سحقاً سحقاً ، بعداً بعداً .

وهذا الجور و الظلم الذي يكون من الحكام لا يمنعهم حقهم ، فعلينا أن نوفي إليهم حقهم ونسأل الله ـ عز وجل ـ حقنا الذي لنا .
قال ابن حجر : أي بأن يلهمهم إنصافكم أو يبدلكم خيراً منهم .
وقال الإمام النووي في شرح مسلم تعقيبا على حديث ( إنها سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا فأدوا الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ ) ، قال : هذا من معجزات النبوة ، وقد وقع هذا الإخبار متكرراً ووجد مخبره متكرراً ( وهو استئثار الحكام بالدنيا كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ) قال : وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيُعطى حقه من الطاعة، ولا يُخرج عليه ولا يُخلع ، بل يُتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ورفع شره وإصلاحه .

وبوب الإمام النووي على حديث ( يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا ) قال : باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق . ثم قال : ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )

إن الله تعالى حمل الولاة وأوجب عليهم العدل بين الناس ، فإذا لم يقيموا أثموا ، وحمل الرعية السمع والطاعة لهم ، فإن قاموا بذلك أثيبوا عليه وإلا أثموا .وقال في شرح حديث ( عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ) قال معناه : تحب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة .
ومعنى الأثرة : الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم فاسمعوا و أطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم مما عندهم .

قلت : فكأن الصبر على ظلم الحكام وجورهم هو من باب صبر العبد على القدر ، فنحن أُمرنا بالصبر على القدر حلوه ومره ، خيره وشره فلهم السمع والطاعة منا في المعروف .

يعني : لو قال الحاكم أن غدا أول أيام رمضان لزمنا الصيام معه ولا نلتفت لمن يخرج ويفتى بان الصيام ينبغي إن يكون مع دولة كذا كالمملكة أو غيرها ، لان الصيام من المعروف ، ونحن أُمرنا بأن نسمع لهم ونطيع في المعروف ، وإن أمر الحاكم بمعصية فلا سمع له ولا طاعة ، فلو قام مثلا بإلغاء الختان وقد ثبت في السنة وجوب الختان لم نسمع له ولا نطيع .
ولكن لا نخالفه علانية ، وليس معنى هذا أن نسكت على باطل ، ولكن الأمر فيه توسط بمعنى : أن نقوم في الناس ونذكر حكم الختان الصحيح ولا نُداهن ، ولكن نتجنب التجريح في الحاكم على المنابر ، فننبه على الخطأ ولا نذكر المخطئ حتى لا تنشغل القلوب وتحمل الحقد والكراهية على الحكام ويكون بعده الخروج الذي فيه هلاك البلاد والعباد . وهذا الأمر ربما لا يُعجب أكلى لحوم الحكام ، ويظنون انه من الجبن .
ولكن ماذا نفعل ؟ هذا هو الدين .

يقول النبي صلى الله علية وسلم : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه ) .[ رواه ابن ابى عاصم في السنة ( باب : كيف نصيحة الرعية للولاة ) .و صححه الألباني] .

وفى صحيح البخاري قيل لأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ : ( لو أتيت فلاناً فكلمته ) ، وفي رواية أحمد في المسند قالوا له : ( ألا تدخل على هذا الرجل فتكلمه ) ، وفى صحيح مسلم قالوا له : ( ألا تدخل على عثمان فتكلمه ) ، فجاء هنا التصريح بالاسم.

وعثمان هو: عثمان بن عفان أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ .
فقالوا له : ( ألا تدخل على عثمان فتكلمه ، قال : إنكم لترون أنى لا أكلمه إلا أسمعكم إني أكلمه في السر دون أن افتح باباً لا أكون أول من فتحه ) .

قلت:
انتبه لهذا الفقه العزيز الذي يُشغب عليه أهل الأهواء والبدع ، و هو أن تكون النصيحة لولاة الأمور في السر .

وقد فَتح هذا الباب ـ الإنكار على ولاة الأمور في العلن ـ الخوارج الذين نَصحوا لأمير المؤمنين ، شهيد الدار ( عثمان بن عفان ) في العلن فألبوا عليه الناس وانتهى الأمر بحصاره في بيته ثم قتله ـ رضوان الله عليه ـ فكان أول خليفة يُقتل في الإسلام من جراء بذل النصح للسلطان في العلن ، ومخالفة هدي السلف في طريقة النصح للحكام .

وروى ابن أبى الدنيا في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وابن أبى شيبة في مصنفه بسند صحيح عن طاوس قال : أتى رجل ابن عباس ، فقال : ( ألا أقوم إلى هذا السلطان فأمره و أنهاه ) . قال : ( لا تكن له فتنة أو لا تكن لك فتنة) . قال : أرأيت إن أمرني بمعصية لله عز وجل ، قال : ( ذاك الذي تريد فكن حينئذ رجلاً ؟ ).

قلت : هذا هو الأصل إن كنت بين يدي السلطان فأمروه و انهاه ، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) . رواه أبو داود .

فـ ( عند ) المذكورة في الحديث ظرف مكان ، فإن كنت بين يدي الحاكم فأمروه و انهاه ؛ ولكن لا تقف في الميادين وتستدل بالحديث ، ثم إن كنت بين يديه دعوت له! ، لا ، كن حينها رجلاً كما قال ابن عباس للسائل ، لأن هذا التلون من النفاق ـ عياذا بالله ـ .

أخرج البخاري في صحيحه عن محمد بن زيد قال : قال أناس لابن عمر إن ندخل على سلطاننا فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ، قال : كنا نعدها نفاقاً .

وقال أبو الدرداء : ((إن أول نفاق المرء طعنه على إمامه)) . رواه ابن عبد البر في التمهيد .

ولهذا كان رد ابن عباس على الرجل عندما قال له أرأيت إن أمرني بمعصية الله عز وجل ، قال : ذاك الذي تريد فكن حينئذ رجلا .

فلا تدعوا له و أنت بين يديه و تجتهد في تحسين الكلام وتزينه ، ولكن أصدع بالحق في وجه الظالم ، و أمره بالمعروف و انهاه عن المنكر ، وإلا كنت منافقاً أو جباناً عياذا بالله .
وإن نصحت فاصبر ؛ يقول معاوية ـ رضي الله عنه ـ : اتقِ غضب السلطان ، فإن السلطان يغضب غضب الصبي ، ويأخذ أخذ الأسد .

فكن كإمام أهل السنة أحمد بن حنبل ـ عليه الرحمة ـ فإنه نصح للسلطان وصدع بالحق بين يديه ، فعُذب وجلد حتى خلعت يده وكاد يموت ، ومع ذلك صبر ولم يُداهن ، ولم يستطيعوا صرفه عن الحق لأنه كان على السنة قولاً وعملاً واعتقاداً ، لم يستطيعوا صرف أحمد عن الحق لأن أحمد ممنوع من الصرف !.
سؤال : إلى أي مدى يكون السمع والطاعة و الطاعة للأمير؟

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ :« تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ))[ رواه مسلم و ابن حبان في صححيهما] .

و أخرج أحمد و أبو داود من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : ((فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك ، فالزمه)) . وصححه الألباني في الصحيحة ( 1791 ) .

وفى السنة للخلال و الشريعة للآجري وغيرهما أن عمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ قال لسويد بن غفلة : ((يا أبا أمية أنى لا أدرى لعلى لا ألقاك بعد عامي هذا ، فان أُمر عليك عبدٌ حبشيٌ مُجدّعٌ فاسمع له وأطع ، وإن ضربك فاصبر ، وإن حرمك فاصبر ، وإن أراد أمر ينقصُ دينك . فقل : سمعاً وطاعة دمي دون ديني ، ولا تفارق الجماعة)) .
فإن ظلم ولاة الأمور للرعية ، ومنعهم الحقوق ، وضربهم واستثاروهم بالدنيا والثروة دونهم ، لا يُسوغ للرعية الخروج عليهم .

لأن الخروج لا يكون إلا في حالة واحدة فقط .

يقول عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ وهو في مرضه الذي مات فيه : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في نشطنا ( يعني : الأمر الذي ننشط له لأننا نحبه ) ومكرهنا ( الأمر الذي يشق على النفس فتكرهه ) وعسرنا ( في الشدة والضيق ) ويسرنا، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان . [متفق على صحته]

فهذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها الخروج على الحاكم . وهى أن يَصدر من الحاكم كفراً بواحاً ، لا يختلف عليه اثنان ، معلوم من الجميع أنه كفر ، وليس كما نرى من البعض ، فنسمع من أحدهم أنه يقرر ويناظر أن الحاكم كافر، فإذا سألناه لماذا ؟ قال : لأن الشيخ فلان كفره! ؛ فليس هذا معنى الحديث، ولكن الكفر الذي لا اشتباه فيه ، فضلاً عن أنه لا تقليد في التكفير .

مثال : لو خرج الحاكم وقال : بإلغاء صلاة الجمعة أو قال بأن الخمر حلال أو الزنا ليس حرام . هذا ما يسمى بالكفر البواح الذي لا يلجأ فيه الناس لاستفتاء عالم . فإن صدر منه هذا وجب الخروج عليه واستبداله بأخر .

ولكن شريطة وجود الامكانيه . فلا نخرج عليه بسكينة المطبخ مثلاً وهو عنده الدبابات والطائرات . هذا يسمى انتحار . وانظر إلى حال أهل سوريا حتى تعلم صدق ما أقول لك .

لكن إن توفرت العدة و الإمكانيات وجب الخروج عليه و استبداله .

و أما الخروج عليه لأي سبب أخر فحرام .

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة : قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمور منكرة , ومع هذا أمرنا أن نؤتيهم الحق الذي لهم ، ونسال الله الحق الذي لنا ولم يأذن في اخذ الحق بالقتال .

وعند أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وفي غيرهما. عن فضالة بن عبيد ـ صحابي من أهل بدرـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ لا تسأل عنهم : رجلٌ فارق الجماعة وعصى إمامه ، ومات عاصياً)) . [وصححه الألباني في صحيح الجامع (3058 )].

وعند الترمذي وغيره .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم )).[وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 6766 )] .

وفي صحيح البخاري عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية , جمع ابن عمر حشمه وولده , فقال : إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ينصب لكل غادر لواءً يوم القيامة ) ، وإن قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال . أهـ

قلت : وقد جرت سنة الله في كونه أنه ما خرج قوم على إمامهم ـ وإن كان ظالماً غشوماً ـ إلا وكان حالهم بعد الخروج أسوأ من حالهم قبل الخروج.

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة النبوية : ( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنه , فلا يُدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما , ولعله لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزلته , والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان ولا أمر بقتال الباغين ابتداء ) .

قلت : ولهذا قالوا قديماً : سلطان غشوم خيرٌ من فتنةٍ تدوم .

وقد تواترت كلمات السلف الصالح في الحث على لزوم الجماعة والطاعة للأمير منها :

قول الإمام سهل بن عبد الله التسترى ـ رحمه الله - : (( هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة اثنان وسبعون هالكة كلهم يبغض السلطان , والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان)). (قوت القلوب لأبى طالب المكي 2 / 242 ).

وقال أيضا كما في تفسير القرطبي ( 5 /260-261) : ((لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء , فان عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم , وإن استفتحوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخرهم)) .

وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : ((إياكم ولعن الولاة , فإن لعنهم الحالقة , وبغضهم العاقرة ، قيل يا أبا الدرداء : فكيف نصنع إذا رأينا منهم مالا نحب ؟ قال: اصبروا , فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت)). ( رواه ابن أبى عاصم في السنة 2 / 488 ).

وكان حذيفة بن اليمان يقول: (( اصبروا حتى يَستريح برٌ أو يُستراح من فاجر)) .
وجاء في اعتقاد سفيان الثوري : قال يا شعيب : ((لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر , والجهاد ماضي الى يوم القيامة والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل)) .

وقال أحمد : ((والسمع والطاعة للائمه وأمير المؤمنين البر والفاجر ، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين ... ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق)).


و النصوص في هذا الباب كثيرة معروفة ، و صاحب الحق يكفيه دليل ، وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل .


وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم .

وكتب
أبو صهيب و ليد بن سعد
11 / رجب / 1433 هـ

ميرابو الثورة ( سيد قطب ) . الجزء الثاني




البيان قبل وصول الإخوان (4)

ميرابو الثورة  ( سيد قطب ) . الجزء الثاني


الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من نبي بعده ، و بعد :

قال الإمام ابن رجب الحنبلي في " الفرق بين التعبير والنصيحة " : (( فرد المقالات الضعيفة ، و تبين الحق في خلافِها بالأدلة الشرعية ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء ، بل مما يحبونه و يمدحون فاعله و يثنون عليه ، فلا يكون داخلاً في الغيبة بالكلية ، فلو فُرض أن أحداً يكره إظهار خطِئِة المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك ، فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفاً لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة ، بل الواجب على المسلم أن يُحب ظهور الحق و معرفة المسلمين له ، سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته ، و هذا من النصيحة لله و لكتابه و رسوله و دينه ، و أئمة المسلمين و عامتهم ، و ذلك هو الدين كما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ... وقد بلغ الأئمة الوَرِعون في إنكار مقالاتٍ ضعيفة لبعض العلماء و ردها أبلغ الردَّ ، كما كان الإمام أحمد يُنكر على أبي ثور و غيره مقالاتٍ ضعيفة تفردوا بها ، و يُبَالغ في ردها عليهم ، هذا كله حُكم الظاهر ، و أما في باطن الأمر فإن كان مقصودة في ذلك مجرد تبين الحق ، و لئلا يغتر الناس بمقالات من اخطأ في مقالاته ، فلا ريب أنه مثابٌ على قصده ، و دخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله و رسوله و أئمة المسلمين و عامتهم )) . اهـ

و قال ابن الجوزي – رحمه الله - : (( و قد استشعر بعضُ جهلة الزُهاد ، و من قلَّ علمه من العباد أن ذلك القدحَ غيبة ، و هذه غفلة عن معرفة حراسة الشرائع ، و جهلٌ بمقدار الوسائل و الذرائع )). [ مقدمة الضعفاء والمتروكين 1 / 5 - 6 ] .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : (( و النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة و العامة : مثل نَقَلةِ الحديث الذين يَغْلطِون أو يَكذِبون ... و مثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب و السنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب و السنة فإن بيان حالهم و تحذير الأمة منهم وجبٌ باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجلُ يصومُ و يُصلى و يعتكف أحب إليك أو يتكلمُ في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام و صلى و اعتكف فإنما هو لنفسه ، و إذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين ؟ هذا أفضل . فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللَّهِ وَ دِينِهِ وَ مِنْهَاجِهِ وَ شِرْعَتِهِ ، و دفع بغي هؤلاء و عدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، و لولا مَن يُقيمهُ الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، و كان فسادهُ أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا اسْتَوْلَوْا لم يُفسدوا القلوب و ما فيها من الدين إلا تبعا ، و أما أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً )) . [مجموع الفتاوى 28 / 231 . ط الثالثة . دار الوفاء ] .

وقال الإمام البربهاري – رحمه الله - : (( و لا يحل أن تكتم النصيحة أحداٌ من المسلمين برهم و فاجرهم في أمر الدين ، فمن كتم فقد غش المسلمين ، و من غش المسلمين فقد غش الدين ، و من غش الدين فقد خان الله و رسوله و المؤمنين )).[ شرح السنه ص / 43 ] .
و قد قيل :

فمن الدين كشفَ السَّتر عند كل كاذب .......................
............................... وعن كل بِدعيِّ أتى بالعجائبِ
ولولا رجالا مؤمنون لُهَّدمتْ............................

............... صوامعُ دينِ اللهِ من كلَِّ جانبِ
قلت : و الرد على أصحاب المقالات المخالفة للكتاب و السنة و فهم سلف هذه الأمة مصلحة كبرى لإصحاب هذه المقالات ابتداءً .
جادل رجلاً يوماً يوسف بن أسباط – رحمه الله – في رده على أصحاب المقالات البدعية فقال له : أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ فقال : (( لِمَ يا أحمق ؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم ! أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا ، فتتبعهم أوزارهم . و من اطراهم كان أضر عليهم )) .[ تهذيب التهذيب لابن حجر 2 /1249 ] .
و قال ابن الجوزي في " مناقب الإمام أحمد . ص / 253 " : (( و قد كان الإمام أبو عبد الله لشدة تمسكه بالسنة و نهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنة ، و كلامه محمول على النصيحة للدين )) . اهـ
قلت : و مصداقُ ذلك ما كان من " الإمام أحمد " على " علي بن المديني " ، فإن الإمام أحمد قبل محنة خلق القرآن كان معظماً لابن المديني جداً ، قال الحافظ المزي في( تهذيب الكمال 21/ 9 ) : " كان علي علماً في الناس في معرفة الحديث و العلل ، و كان أحمد لا يسميه إنما يكنيه تبجيلاً ، و ما سمعت أحمد سماه قط " . اهـ
فلما وقعت محنة خلق القرآن و جنح للقول بخلقه " ابن المديني " مخافة السيف ، تركه أحمد مع أنه تاب و أناب كما قال الحافظ ابن حجر في ( تهذيب التهذيب 7 /356 ) ، و قال ابن أبى حاتم : قال أبو زرعة : (( لا يرتاب في صدقه ( يعنى : ابن المديني ) و ترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل المحنة )) .
و لعله يُظنّ أن هذا خاص برواة الحديث ، و لا شأن لمن ليس له رواية بحكم علماء الجرح و التعديل عليه !! ، أو تحذير أهل العلم منه .
و الصحيح أن الكلام في المبتدعة و التحذير منهم يدخل في تخصص علماء الجرح والتعديل ، و لعل " التاج السبكي " أول من فتح هذا الباب – أن الكلام في المبتدعة لا يدخل في جرح أهل الحديث فقد انتقد شيخه " الإمام الذهبي " لما تكلم في الفخر ( يعنى : الرازي ) ، و قال : أن " الفخر الرازي " قد اعتراف على نفسه أنه لا رواية له وهو أحد أئمة المسلمين فلا معنى لا دخاله في الضعفاء . اهـ
و قد رد على هذا الكلام الإمام ابن جحر العسقلاني فقال : وهذا الكلام خرج من " التاج السبكي " من تعصبه الشديد للأشاعرة ، ثم بين كلام العلماء في " الفخر الرازي " مع أنه ليس من أهل الرواية .( انظر لسان الميزان لابن حجر ترجمة السيف الآمدي ) .

ومعلوم أن الناس بين قادح ومادح ، فالذي يُنكر على أهل السنة جرحهم لأهل البدع و الاهواء ، تراه مادحاً لشيوخه و جماعته حتى أنه يَصعب عليك في هذا الزمان من تجده تكلم في دين الله ولا يُطلِق عليه اتباعه أنه " العلامة الحبر الفهامة " ، و العجيب أن شروط التعديل أشد من شروط الجرح !! .

يقول الإمام البربهاري في" شرح السنة ص / 128 " : (( و لا يحل لرجل أن يقول : فلان صاحب سنة حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة ، فلا يُقال : صاحب سنة حتى تجمع فيه السنة كلها )). اهـ .

فلَيْسَ العَمَى أنْ لا تَرىَ . بَلِ العَمَى أنْ لاَ تُرىَ . ُمَميزَّاً بَيْنَ الصَّوَاب و الخَطَأ
و أحياناً يسلُك الذين يشغبون على منهج أهل السنة في التحذير من أصحاب الأهواء إلى حيلة لخداع العوام ، فتراهم أحياناً يتكلمون و يحذرون من رجل ساقط بمرة ، حاله لا يخفى على العوام فضلاً عن الخواص ، فيجرحوه و يحذرون منه حتى يُقال عنهم: أنهم لا يسكتون على خطأ .
قلت : و هذا الامر من باب " تغير شَكْل ِمن أجل الأكل " و المضمون واحد .

و الفَرق بين أهل السنة و غيرهم في هذا الباب لخصه وكيع بن الجراح – رحمه الله – بقوله : (( أهل العلم يكتبون مالهم و ما عليهم و أهل الأهواء لا يكتبون إلا مالهم )) .
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية : (( فلا تجد قط مبتدعاً إلا و هو يُحب كتمان النصوص التي تخالفه و يبغضها ، و يبغض إظهارها و روايتها و التحدث بها ، و يُبغض من يفعل ذلك )) . مجموع الفتاوى ( 20 /161-162 ).
وقد قال " ابن سرين " ـ رحمه الله ـ : (( أن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم )) .( مقدمة صحيح مسلم ) .
فمن أجل ذلك فسنخوض فيما لا نحب ، لنميط الأذى عن منهج ارتضينه ، و حاول غيرنا التشغيب عليه بشبهاته ، والتنمر عليه باغلاطاته .
لأنه من المعلوم أن عدم رد الباطل ، و السكوت عليه ، تأثم به الإمة جميعاً ، لأن فرض الكفاية فرض عين حتى تقوم به الكفاية .

فضلاً عن أن تعظيم المبتدع و السكوت عليه ، تقوية لمذهبه ، و التحذير منه إخماداً لبدعته .
و لا يحصى عدد العلماء ممن حذّروا من آبائهم و مشايخهم لما علموا أنهم غير ثقات ، و كلامهم في الجرح و التعديل مدوّن مشهور ، و لولاهم لدخل الوهن باكرا في الإسلام .
و الامر ليس فيه إلا كما قال الشاعر :

لم أشَتْمِ لكم عِرْضاً ولَكنْ ...... حَدَوْتُ بحيثُ يُسْتَمَعُ الحَداءُ
فهذه وقفة جديدة مع رجل من جماعة الإخوان المسلمين ، أصبح فكره اليوم " سَيِّد ! " أفكار كثير من الجماعات ، و " قُطب ! " رحى أحزابهم ( السياسية ! ) كُلِّها ، هو : الأستاذ " سيد قطب"فَعَنْه يُدافِعُون ! وفي تلميع صورته يَتَماوَتون ! ومنه يَسْتَمِدُّون !! وعلى تُراثه يُعَشْعِشون !!! .

وقد اسلفنا في " الجزء الاول " نتف من أقواله و أفكاره ، و يتبقى حكم أهل العلم على هذه الأقوال و الأفكار .
و لما كان الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتامَّ المعرفة ، تامَّ الورع ، كما قال الإمام الذهبي – رحمه الله – في ( ميزان الاعتدال 2 /46 ) .
قدمنا كلام أئمة و أعلام هذا العصر في الحكم على أقوال و أفكار الأستاذ سيد قطب – رحمه الله و عفا عنه – و نسأل الله كلمة الحق في السخطِ و الرضا .

كلام الأئمة في سيد قطب
بدءً فالمسلم الذى لا يرى جميع المسلمين أفضل منه – حقيقة – على شفا هلكة ، لأنه معظم لشأنه ، مُستَصغرَُ لذنبه ، فمثل هذا أنّى يُلَتفت لقوله ، أو يُؤخذ بمدحه أو ذمه .
و الأقبح منه من يرى حرمات الله تُنْتهك ، و أنبياء الله يُنْتقص منهم ، و يُرمي أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالعظائم ، و يَسكت .. بادعاء الورع البارد ـ ، و التَنَبُل عن نبش كلام الأموات !! .
فالحق أعز على المسلم من كل أحد ، و الباطل مردود على صاحبه كائنا من كان ، و العدل واجب ، و الظلم حرام ,
كلام الشيخ الألباني – رحمه الله - :
قال في تعليقه على تفسير سيد قطب لسورة الإخلاص : (( نَقل [سيد ] كلام الصوفية ، و لا يمكن أن يُفهم منه إلا أنه يقول بوحدة الوجود )) .
و قال في تعليقه على كتاب " العواصم مما في كتب ( سيد قطب ) من القواصم " : (( يتبين لكل قارئ مسلم على شيء من الثقافة الإسلامية أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله و فروعه )) .
وقال لمؤلف الكتاب ـ الشيخ ربيع المدخلي ـ : (( فجزاك الله خيراً على قيامك بواجب البيان ، و الكشف عن جهله ، و انحرافه عن الإسلام )) .
و قال عن كتاب " العدالة الاجتماعية " لسيد قطب ، و الذى قال فيه "سيد قطب " : "تحطمت أسس الإسلام في عهد عثمان " .
قال الشيخ الألباني :(( لا قيمة له إطلاقا )) .


كلام الشيخ ابن باز – رحمه الله - :
قال الشيخ معقباً على تفسير " سيد قطب " بأن الاستواء يعنى : الهيمنة كما تجده عند تفسيره لقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى }
قال :
(( هذا كلام فاسدٌ ، هذا معناه الهيمنة ، ما أثبت الاستواء ، معناه إنكار الاستواء المعروف ، و هو العلو على العرش ، و هذا باطلٌ يدل على أنه مسكين ضايع في التفسير )) .( تسجيلات منهاج السنه بالرياض سنة 1413 مجلس في منزل الشيخ – رحمه الله – ) .
و لما قرئ على الشيخ أيضا قول سيد قطب في كتابه " التصوير في القرآن " عن موسى عليه السلام : ( لنأخذ موسى إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج ) عند تفسير قوله تعالى :{ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ... }
و قوله
: "وهنا يبدو التعصب القومي كما يبدو الانفعال العصبي وسرعان ما تذهب هذه الدفعة العصبية فيثوب إلى نفسه شأن العصبين " .
وكما عند قوله تعالى : { فَأَصْبَحَ في المدينة خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } [ القصص : 18 ]
قال: " هو تعبير مصور لهيئة معروفة ، هيئة المتفزع المتلفت المتوقع للشر في كل حركة وتلك سمة العصبين " . ( التصوير الفني 200، 201 ، 202 – ط 13 ، دار الشروق ) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – معلقاً : (( الاستهزاء بالأنبياء ردة مستقلة )) .

و قال معلقاً على كلام " سيد قطب " عندما قال : " و حين يركن معاوية وزميله [ يعنى : عمرو بن العاص ] إلى الكذب ، و الغش و الخديعة ، و النفاق أو الرشوة ، و شراء الذمم..." .

قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : (( كلام قبيح !! هذا كلام قبيح سب لمعاوية و سب لعمرو بن العاص ، كل هذا كلام قبيح ، و كلام منكر . معاوية و عمرو و من معهما مجتهدون أخطأوا . و المجتهدون إذا أخطأوا فالله يعفوا عنا و عنهم )) .

قال السائل : قوله : إن فيهما نفاقاً أليس تكفيراً ؟
قال الشيخ - رحمه الله - : (( هذا خطأ و غلط لا يكون كفراً ؟ فإن سبه لبعض الصحابة ، أو واحد من الصحابة منكرً و فسق يستحق أن يؤدب عليه – نسأل الله العافية – و لكن إذا سب الأكثر أو فسقهم يرتد لأنهم حملة الشرع . إذ سبهم معناه قدح في الشرع )) .
قال السائل : ألا ينهى عن هذه الكتب التي فيها هذا الكلام ؟
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – : (( ينبغي أن تُمزق )) .
( شرح رياض الصالحين
بتاريخ يوم الاحد 18 /7 / 1416 ) .


كلام الشيخ محمد صالح العثيمين – رحمه الله - :
قال : (( قرأت تفسيره لسورة الإخلاص ( يعني : سيد قطب ) ، و قد قال قولاً عظيماً فيها ، مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة ؛ حيث أن تفسيره لها يدل على أنه يقول بوحدة الوجود ، و كذلك تفسيره للاستواء بأنه الهيمنة و السيطرة )) .
مجلة الدعوة ( رقم 1591- تاريخ 9/ 1 / 1418هـ ) . السعودية .

و قال الشيخ مجيباً على سؤال فيه : ما هو قول سماحتكم في رجل يَنصحُ الشباب السُّني بقراءة كتب سيد قطب ، و يَخص منها : " في ظلال القرآن " و " معالم على الطريق " و " لماذا أعدموني " دون أن يُنبه على الأخطاء و الضلالات الموجودة في هذه الكتب ؟
فقال ـ رحمه الله ـ : (( أنا قولي - بارك الله فيك - إن من كان ناصحاً لله و رسوله و لإخوانه المسلمين أن يَحث الناس على قراءة كتب الأقدمين في التفسير و غير التفسير فهي أبرك و أنفع و أحسن من كتب المتأخرين ، أما تفسير سيد قطب - رحمه الله - ففيه طوام - لكن نرجو الله أن يعفو عنه - فيه طوام : كتفسيره للاستواء ، و تفسيره سورة " قل هو الله أحد "، و كذلك وصفه لبعض الرسل بما لا ينبغي أن يصفه به )) .

كلام الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
قال تعليقاً على تفسير " سيد قطب " لقول الله تعالى : { وفي الرقاب } ذلك حين كان الرق نظاماً عالمياً ، تجرى المعاملة فيه على المثل فياسترقاق الأسرى بين المسلمين و أعدائهم ، و لم يكن للإسلام بُدْ من المعاملة بالمثل حتى يتعاره العالم على نظام أخر غير الاسترقاق . ( في ظلال القرآن 3 / 1669 ) .

قال الشيخ : (( هذا كلام باطل و إلحاد .. و هو و أمثاله نعذرهم بالجهل فلا نقول إنهم كفار ، لأنهم جهال أو مقلدون ، و الا الكلام خطير لو قاله إنسان متعمداً عالماً أرتد عن الإسلام )) . ( براءة الأمة للسناني ص / 48 ) .


كلام الشيخ صالح بن العزيز آل الشيخ – حفظه الله - :
قال في حق تفسير سيد قطب " الظلال " :


" اشتمل على كثير من البدع و الضلالات .. و التحريفات.."
( شرح مسائل الجاهلية . نقلاً عن النصيحة ص / 7) .

كلام الشيخ محمد جميل زينو ـ المُدرس في دار الحديث الخيري بمكة المكرمة ـ :
قال تحت عنوان ( وحدة الوجود في الظلال ) ما نصه : "
1- كنت مولعاً بظلال القرآن لمؤلفه سيد قطب ، و لما قرأته وجدت وحدة الوجود في تفسير أول سورة الحديد و سورة الإخلاص ، و غيرها من الأخطاء التي تتنافى مع عقيدة الإسلام كقوله عن تفسير الاستواء الوارد في عدة آيات : كناية عن السيطرة و الهيمنة ! ؛ و هذا مخالف للتفسير الوارد في " البخاري "عن مجاهد و أبي العالية : في قوله تعالى : { ثُمَّ استوى إِلَى السماء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سموات وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } [ البقرة : 29 ]، قال مجاهد و أبو العالية : علا و ارتفع . ( انظر كتاب التوحيد ج 8 ) .

2- ذكرتُ ذلك لأخيه محمد قطب و قلتُ له : عَلِّق على كلام أخيك في الظلال ، فقال لي : أخي يتحمّل مسؤولية كلامه . و بعد سنين طلبت مني ( إحدى دور النشر ) نَشْرَ كتابي الجديد : ( شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .

فذكرتُ فيه من نواقض الشهادتين : وحدة الوجود عند الصوفية ، و قرأت في كتاب ( لا إله إلا الله عقيدة و شريعة و منهج حياة ) لمؤلفه محمد قطب ، ذَكَرَ فيه نواقض لا إله إلا الله ، و لم يذكر وحدة الوجود ، فاتّصلتُ به هاتفيا : قلتُ له : أنت مشرف على طبعة الشروق ( في ظلال القرآن ) أنا أُطالبك بالتعليق في الحاشية امتثالاً لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل : (( مَن رأى منكم منكراً فليُغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان )) ، و أنت تستطيع أن تُغيّره بلسانك و قلمك ، فقال لي : شَكَرَ الله سعيك ، فشكرته على ذلك ، و طلبتُ منه نسخة فيها تعليقه على وحدة الوجود فسكت ، و أسأل الله أن يوفقه لذلك ...ثم قال : وليت الشيخ محمد قطب أخذ بهذه الأخطاء و علّق عليها في " طبعة الشروق " لأنه مشرف عليها ، فهو مسؤول أمام الله عنها ، و أسأل الله أن يوفقه لذلك "
( انظر : مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع ج 3 / 46-47 ) .

قلت :و لكلٍ من المشايخ : عبد المحسن العباد ، و صالح اللحيدان ، و حماد بن محمد الأنصاري ، و عبد الله بن محمد الدويش ، و أحمد بن يحيي النجمي ، و مُقبل الوادعي ، و غيرهم – رحم الله الأموات و حفظ الأحياء - ردود و تعقيبات على ما كتب سيد قطب .
و قد أحسن الأخ عصام بن عبد الله السِّنَاني ـ حفظه الله ـ بأن جمع هذه الفتاوى في كتابه" براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدع و المذمة " و الذي قرأه و أثنى عليه فضيلة العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ و راجعة فضيلة الشيخ الفوزان ـ حفظه الله ـ
و معلوم ما كان بين الشيخ الأستاذ " محمود محمد شاكر " و بين الأستاذ "سيد قطب " ـ في حياته ـ من ردود و مراجعات في قضية سب الصحابة – رضي الله عنهم – .

ولكنى أريد أن أختم بكلمة لرجل من أعلام جماعة الإخوان لا يُختلف على علمه في صفوف الجماعة ، لعلهم يقولون : لا نريد شاهداً الا من أنفسنا .
قال الدكتور "يوسف القرضاوي " بعد أن بين أن كتابات " سيد قطب " أثارت جدلاً طويلاً داخل الإخوان في السجون و قد أثارت بحث قضية : هل نحن جماعة المسلمين ؟ أم نحن جماعة من المسلمين ؟!
و تبني فكرة التكفير و ترك الصلاة في المساجد و جعلها في البيوت و ذلك لأن المساجد تعتبر معابد جاهلية كما جاء في تفسير قول الله تعالى : { واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } [ يونس : 87 ] ( في ظلال القرآن – 3 /1816- دار الشروق ) .

قال القرضاوي : (( و القضية التي نتحدث عنها ـ قضية تكفير مسلمي اليوم ـ ليست قضيه فقهية بعيدة عن اختصاص " سيد " كما يتصور أو يُصور بعض الإخوة المتحمسين ، بل هي قضية فكريه محورية أساسية ، أو قل هي : قضية أصولية اعتقادية ، هي ألصق بعلم العقائد و الكلام منها بعلم الفقه و الفروع ؛ و لأنها قضية فكرية محورية مركزية عند " سيد " ، رأيناه يلح عليها ، و يكررها و يؤكدها بأساليبه البيانية الرائقة و الرائعة حتى تتضح كالشمس في رابحة النهار ... )) اهـ ( اسلام أون لاين . سبتمبر 2004م ) .

وقال أيضاً في كتابه ( أولويات الحركة الإسلامية ص / 110) : (( في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد " سيد قطب " التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره ، و التي تنضح بتكفير المجتمع ، و تأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي ، و السخرية بفكرة تجديد الفقه و تطويره ، و أحياء الاجتهاد ، و تدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع ، و قطع العلاقة مع الأخرين و إعلان الجهاد الهجومي على الناس كافه ...)) اهـ
وقال في" أفاق عربيه " 8 يوليو 2004 م " : (( و أخطر ما تحتويه التوجيهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب ، هو ركونه إلى فكرة التكفير و التوسع فيه ...)) اهـ .

و شهد " فريد عبد الخالق " بضلوع سيد قطب في نشر فكر التكفير ، قال : (( ألمعنا فيما سبق إلى نشأة فكر التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات و أوائل الستينات ، و أنهم تأثروا بفكر سيد قطب و كتاباته ، و أخذوا منها أن المجتمع في جاهلية !! )) .( في ميزان الحق ص / 115 ) .

قلت : و هذه عينة واحدة مما انتجته مدرسة سيد قطب الفكرية التكفرية تبين صحة ما أثبته القوم .
قال فتحي يكن ـ و هو أشهر من أن يُعرف – في كتابه ( كيف ندعوا إلى الإسلام صـ/112 .ط الرسالة ) : (( و اليوم يشهد العالم أجمع ردة عن الإيمان بالله و كفراً جماعيا و عالمياً لم يعرف لهما مثيل من قبل !! )) . اهـ


فيا محنة الإسلام بهذا الفكر...

وحسبنا الله فيمن جاءوا لإيقاد النار في صفه رجال المطافئ !! .
تنبيه : لا يُفهم من كلام بعض العلماء ـ الذي مر ـ أنه يَذهب أحدهم لتكفير " سيد قطب " لأن القاعدة عند أهل السنة أن التكفير لا يكون إلا بعد إقامة الحجة الرسالية ، و انتقاء الشبهة . فانتبه !! .
و ربما يجد القارئ كلام لبعض العلماء الذين ذكرناهم أنفاً فيه ثناء على كتابات " سيد قطب " فَنُذكِر بالمرتبة الخامسة من مراتب علم الجرح و التعديل يقولون : " فلان تغير بآخره " ، فالمعتمد في الحرج أو التعديل عند العلماء هو : كلام العالم المتأخر ، و معلوم أن مذهب الرجل هو ما مات عليه ، فلا عبرة بالثناء المتقدم للعالم إذا أخلفه بجرح ، فالحكم للأخير ، كما أن الجرح المُفسر مقدم على التعديل .
و لن نناقش ما يتعلق به الـحزبيون من ثناء الشيخ " بكر أبو زيد " ـ رحمه الله ـ على كتابات " سيد قطب " فيما يُسمى بالخطاب الذهبي فهذا الخطاب من الممكن أن يُقال عنه : " لقيط ليس لها أب شرعي " حيث أن الشيخ " بكر " لم يعترف به رسمياً ، و لم يرض عن طبعه و نشره إلى أن توفي ـ رحمة الله عليه ـ ، فلا سبيل لنا على من أراد أن يتعلق بخيوط العنكبوت !! .
 سيد قطب الأديب
فإننا إن لم نمضى على سنة سلفنا الصالح من أرجاع النوازل إلى أصلها من الكتاب والسنة وفهم السلف – لئن لم نفعل هذا – لمحق الله منا نصف العقل وبقى النصف الأخر متردداً بين قال فلان وكتب فلان ، و لصرنا في المنتهى أمام هذا و ذاك نتعبد لحرفه ونخضع لنصه .
و يُصدم المرء من أُناس يطالبون غض الطرف و السكوت عن تناول ما صدر من " سيد قطب " بحجة أنه أديب ، فإلى إي فهم يستند هؤلاء ؟!
فإن قالوا : نستند إلى فهم السلف المتقدمين ، قلنا لهم : أخطأتم ، فقد رأينا السلف قديماً أخذوا " ابن المقفع " بما قال ، بل حكموا عليه بالزندقة و قُتل ، و لم يقولوا : أنه أديب له أن يتكلم في دين الله كما شاء .
و أن قالوا : نستند لفهم الخلف المتأخرين ، قلنا لهم : أخطأتم ، لأننا رأيناكم تأخذون " سلمان رشدي " بما قال ، و حكمتم عليه بالردة ، و لم تسلموا بأنه أديب – و قد اعترف أنه لم يقصد بكتابته الإساءة للإسلام – ، و لماذا نجد لكم ردود على " نجيب محفوظ " – ومن لف لفه – مع أنهم أدباء و لم يقولوا يوماً أنهم علماء ؟! .
و إن كان " سيد قطب " أديباً ، فلماذا تعرض لتفسير القرآن ؟! ، و بأي حق يتكلم في دين الله و لا يُعرف له شيوخ ، و لا تحصيل لعلم ، و لم يكن له طلبه أو حلقة تعليم ؟! .

فلمصلحة من السكوت عن رجل هذا حاله ؟!

فـ الهوى أمرُ عجيبٌ شأنُهُ .... تارةَّ بأسٌ وأحْياناً رَجَا

ليس فيمن مات مِنْهُ عَجَبٌ ...... إنما يُعْجَبَ ممن قَدْ نجا !!
ثم كيف تنسبون لشخص أمر نفاه عن نفسه ، بل عاب من كان عليه ؟
فـ " سيد قطب " يُبين أنه ما كتب تصانيفه الدينية بصفته اديب !! و لكن بصفته مُعلم يذكر الناس بالتمسك بأمور دينها و اعتقادها .

قال في الظلال ( 4 /2012) : (( إن العمل في الحقل الفكري للفقه الإسلامي عمل مريح لأنه لا خطر فيه ، و لكنه ليس عملاً للإسلام ، و لا هو من منهج هذا الدين و لا من طبيعته . و خير للذين ينشدون الراحة و السلامة أن يشتغلوا بالأدب و بالفن أو التجارة )). اهـ

وقال في ( 2 /1011) من ظلاله : " كذلك يجب أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية ، أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين !! ، يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة . حتى و لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين !! و تشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون !! " . اهـ

و لذلك فليحذر المسلم من الدفاع عن أهل البدع والاهواء والصدّ عنهم .
قال إبراهيم بن ميسرة – رحمه الله – :(( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الدين )) .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " و يجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم أو عرف بمساعدتهم و معاونتهم أو كره الكلام فيهم أو أخذ يعتذر لهم ، بأن هذا الكلام لا يُدرى ما هو ؟ أو من قال إنه صنف هذا الكتاب ؟ و أمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ، بل تَجب عقوبة كل من عرف حالهم ولَمْ يعاون على القيام عليهم ، فإنَّ القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات ؟ لأنهم أفسدوا العقول و الأديان على خلق من المشايخ و العلماء و الملوك و الأمراء ، و هم يسعون في الأرض فساداً ويصدَّون عن سبيل " . مجموع الفتاوى ( 2/ 132 ) .

ميرابو الثورة
كان بداية ارتباط " سيد قطب " بجماعة الإخوان المسلمين رِدة فعل نشأت في مستشفى كان يُعالج فيها من مرض الدرن و القلب في أمريكا ، إذ وجد بعض العلوج يذكرون موت الأستاذ " البنا " ـ رحمه الله ـ بفرح و سرور . فظن أن ذلك لا يكون إلا إذا كان حسن البنا على حق ! ، و عندما عاد إلى مصر في أوائل 1915 م انضم لجماعة الإخوان ، و عين مباشرة رئيساً للجنة الدعوة ، مع أنه لم يربطه بجماعة الإخوان قبل هذه الحادثة شيء ؛ و إنما كان في كنف أستاذه الأديب " عباس محمود العقاد " يأخذ من أدبه و يقف بجواره في معاركه الأدبية .. ثم اشتغل بالسياسة منتمياً لحزب الوفد ؛ و عمل بالصحافة ، و كان صاحب قلم في الصحف الاشتراكية ؛ فما إن انضم لجماعة الإخوان حتى طلق صالونات الأدب و توجهللعمل الديني .. و لكن ـ مع الأسف ـ بنفس فكر صالونات الأدب المتعالمة بالفكر الفلسفي .

و كانت كتابات " سيد قطب " في الصحف الاشتراكية كـ " مصر الفتاة " و غيرها ، سبباً في تَعرُفِه بضباط الثورة .. حتى أن اللواء " محمد نجيب " هاتفه ، و قال له : " نحن تلاميذك ، تتلمذنا على كتابك " العدالة الاجتماعية في الإسلام " ، و على مقالاتك في مجلات الاشتراكية ، و نريد أن تكون أنت مستشارنا في الأمور الداخلية . اهـ
قال الأستاذ محمد قطب ـ شقيق سيد ـ : " فذهب إليهم بعدها و احتفوا به احتفاء شديداً في مبدأ الأمر على أساس أنا أستاذهم الذي وجههم !! ، و ما كان يعرفهم من قبل و ما التقى بهم أبداً قبل ذلك ، و لكن قالوا له : نحن تتلمذنا على فكرك الموجود في العدالة الاجتماعية ، و على مقالاتك في الاشتراكية . فذهب إليهم و عاش معهم ستة أشهر " . أهـ .( حياة سيد قطب موقع الإسلام اليوم 13 / 2 / 2001 م ) .

و قال محمد قطب ايضاً : " فتحوا أمامه كل الملفات الداخلية و طلبوا مشورته في كل الأمور ، و قد عهدوا إليه أن يكون مستشاراً لأمور الداخلية " . اهـ

و عندما وقعت النزاعات بين ضباط الثورة و بين الإخوان حاول " سيد قطب " التوفيق بينهم ، و كانوا يستجيبون له حرصاً على إبقائه معهم كما قال " محمد قطب " .

و كان " سيد قطب " متحمساً للثورة تحمساً شديداً ، و كان خطيباً لها داعياً إليها ، حتى أنه أنكر على الذين يريدون عودة الضباط إلى الثكنات العسكرية .. و طالب الضباط بعدم تمكين السياسيين من الوثوب على الثورة ، بأي صورة من الصور .. و بَيّن أن القوة المتمثلة في رجال الجيش أقوى في الوصول إلى المقصود من الجماهير الحمقاء و الأحزاب البالية ..حتى أنه طالب الضباط الأحرار بإقامة " ديكتاتورية عادلة !! " ؛ الأمر الذي أخرج " إحسان عبد القدوس " من صمته و قال : كيف تكون ديكتاتورية و عادلة ؟!! .

و كان " سيداً " منافحاً عن أهداف الثورة و شرعيتها ، و ذو علاقة وثيقة جداً بالثوار .. حتى أنه كان المدني الوحيد الذي يحضر جلسات " مجلس قيادات الثورة " ؛ و من شدة تأييده للثورة أُطلق عليه لقب " ميرابو الثورة المصرية " تشبيهاً له بـ " ميرابو " أشهر خطباء الثورة الفرنسية ، و تَحمُس "سيد " للثورة جعله يؤيد كل مطالب الثورة ، بما فيها قانون الإصلاح الزراعي ، و نزع الملكيات الخاصة و إعادة توزيعها و لو كانت قائمة على أساس شرعي !!.. و زعم أن حق المجتمع في المال حق مطلق ، و أن حق الملكية الفردية لا يقف في وجه هذا الحق العام !! .

ثم بعد ذلك وقع الصراع بينه و بين ضباط الثورة بسب الإخوان ، و انفصل عنهم و اعتزلهم و انضم لجانب الإخوان .. و ذلك في أواخر عام 1953 م . ( مقال : الشهيد سيد قطب في ذاكره الـ 39 . موقع إخوان أون لاين 29 / 8 / 2005 ) .


إعدام ميت
تبين مما سبق أن النزعة الاشتراكية التي تبنتها حكومة " الضباط الاحرار " كان منشأها وأصلها كتابات وفكر" سيد قطب " ، حتى أنهم قالوا : أنهم تتلمذوا عليها . وقد عاش " سيد قطب " في صفوف هذه النخبة يُأصل لها ، ويُنافح عن فكرها ، بل ويخطط لها أمور ربما لم تكن في حسابتها كفكرة " الدكتاتورية العادلة !! " ثم لما انفصل عنهم واعتزلهم و انضم لصفوف الإخوان بعد الصراع الذى دار بين رجال الجماعة وبين الضباط الاحرار ، أشرف " سيد قطب " بعدها على المنشورات الإخوانية التي تدعو إلى الانقلاب على الثورة ، و وجوب قتل ضباط الثورة كما قال " سيد قطب " لرئيس محكمة الشعب "جمال سالم " قال : " إنني نَصحت الأستاذ المرشد أننا جماعة الإخوان يجب أن نقضى على حركة الجيش قبل أن تقضى علينا ". ( قافلة الإخوان صـ 522 ) .

وقد صَدّق الدكتور القرضاوي على هذا الكلام في كتابه ( سيرة وميسرة 2 /77 ) .

وأيضاً كان من أسباب محاكمة " سيد قطب " قيادته لتنظيم 1965 الذي أقرت به " زينب الغزالي " و كان تنظيماً مسلحاً يَسرق ذخيرته من الجيش . وقد حكى قصته كاملة عباس السيسي في كتابه ( قافلة الإخوان صـ 711 ) .

فلم تكن محاكمة " سيد قطب " بسبب دينه و اعتقاده ، بل كانت بسبب الامور السياسة التي خاضها مع جماعة الإخوان ، و أما ما تروجه جماعة الإخوان من أن " سيد قطب " حُوكم و دفع عمره من أجل قضية الحاكمية فهذا كذبٌ أصلع ، لأن " سيد قطب " ما تعرض في مؤلفاته لقضية الحاكمية إلا في كتابه " الظلال " و من بعده كتاب " معالم على الطريق " و ( الظلال و المعالم ) لم يؤلفهما " سيد قطب " الا بعد دخوله السجن !!

فكيف يُحاكم على فكر لم يكن تبناه بعد ؟!!

وكيف يوزع و يوضع كتابه الظلال ـ وهو الكتاب المكتظ بالحديث عن قضية الحاكمية ـ في السجن الحربي ؟!! ( انظر قافلة الإخوان صـ 789 ) .


و لكن لما كان أهل الباطل لا تُسعفهم الناحية العلمية لإقامة ما يريدون ترسيخه في أذهان أتباعهم لجئوا إلى الناحية العاطفية و التي لها فعل السحر للوصول إلى هدفهم ، و حينها لا يُفكر المتبوع في مدي صحة الكلام الذى يسمعه أو يُفتش في حقيقه . و هذا المسك من علامات أهل الباطل .

و هذا مثال لما تتاجر به الإخوان دائما ، و هو المتاجرة بمأساة " سيد قطب " في سجن الثورة ، و أنه تمزق جسده بسبب السياط و أنياب الكلاب البوليسية الثورية !!

و هذا بخلاف ما شهد به الأستاذ " أحمد عبد المجيد " – أحد أعضاء تنظيم 65 م من أن " سيد قطب " كان على علاقة طيبة بضباط سجن طرة ، حتى قال : كانت صلته بالضباط و الجنود في السجن صله طيبة ، حتى إن مأمور سجن طرة قال : " إن سيداً هو مدير السجن لصلته القوية بالجميع " . ( إسلام أون لاين 12/7/2004 ) .

و لعل القضية الأكبر في قصة " سيد قطب " التي تاجر بها الإخوان هي : إعدام " سيد قطب " ، حتى أنهم اشبعوا العالم الإسلامي كلاماً حولها ، و رسموا بسبها ستاراً من القداسة حول أفكاره ، حالت زمناً كبيراً دون التعرض لها ، و لو كانت مخالفة لصميم الإسلام ، و رسموا حولها الأساطير .


و لكن العجيب أن " سيد قطب " – عفا الله عنه – لم يُعدم الا ميتاً

فبعد أربعين عاماً من موت " سيد قطب " ـ رحمه الله ـ يُفاجئنا موقع جماعة الإخوان ( إخوان أون لاين نت 7 /11 / 2006 م ) . بمقال بعنوان ( سيد قطب عملاق في زمن الأقزام ) و فيه أن سيد قطب مات ساجداً و لم يُعدم !! .


قال المستشار على جريشة : و علمنا – أخي سيد – أنك طلبت قبل التنفيذ أن تصلى ركعتين ، و دعوت في السجود أن يقبضك الله قبل أن يَصلوا إليك ، واستجاب لك ربك ، فقبضت وأنت ساجد ، لكنهم أصروا أن يُعلقوك على حبل المشنقة !! ليعطوا التمام إلى رئيسهم أنهم نفذوا فيك حكم الإعدام !! . اهـ .

و ليس معنى إيراد هذه القصة أننا نسلم بها ، و لكن لإظهار كذب القوم و تناقدهم ، و لو جمعت روايات الإخوان في مقتل سيد قطب لرأيت عجباً ، فرواية تثبت أنه ندم على ما فعل و يخشى من القادم ، و أخرى تظهر عليه السرور لقرب ملاقاة ربه ، و ثالثة في أنه طلب منه أن يطلب العفو فرفض لانه موحد !! ، إلى غير ذلك من خزعبلات القوم .
هذا و قد أحسن الشيخ الفاضل " على الوصيفي " في تتبعهم و بيان عوارهم في كتابه " الإخوان المسلمون بين الابتداع الديني و الإفلاس السياسي " و كتابه الأخير " سر الجماعة "


و نسأل الله العدل و الانصاف ، و أن يتوفانا على ما يُحب ، و أن يغفر لنا و لموتى المسلمين .

وللحديث تتمة


يتبع بإذن الله ...

البيان القادم : " الجماعة العنكبوتية "
و صلى الله على محمد و على اله و صحبه و سلم
جمع وترتيب
أبو صهيب وليد بن سعد


الإعلام بسبب جور الحكام

الإعلام بسبب جور الحكام


الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، و بعد :

روى البخاري في صحيحه [ 3834 ] عن قيس بن أبي حازم قال : (( دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب ، فرآها لا تكلم ، فقال : ما لها لا تكلم ؟ قالوا : حجت مصمتة ، قال لها : تكلمي ، فإن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية ، فتكلمت ، فقالت : من أنت ؟ قال : امرؤ من المهاجرين ، قالت : أي المهاجرين ؟ قال : من قريش ، قالت : من أي قريش أنت ؟ قال : إنك لسؤول ، أنا أبو بكر ، قالت : ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال : بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم ، قالت : و ما الأئمة ؟ قال : أما كان لقومك رؤوس و أشراف ، يأمرونهم فيطيعونهم ؟ قالت : بلى ، قال : فهم أولئك على الناس ))
و في رواية ابن الأعرابي أنها قالت : (( إنا مررنا بأقوام كنا نغزوهم و يغزونا فلم يعرضوا لنا ، و لم نعرض لهم ))
قلت : و هذا هو ما كانت تعنيه من الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ، و هو أنها مرت بقوم كانت بينهم عداوة أيام الجاهلية ، فلما جاء الإسلام مرت بهم فلم يتعرضوا لها .
فبين الصديق رضى الله تعالى عنه في هذا الحديث أن بقاء الناس على هذا الأمر الصالح الذي يتضمن الأمن على الأنفس و الأموال و الحُرمات و غيرها مقرون ببقاء الأئمة على الإستقامة .
و لا يُفهم أن الأئمة المقصود بهم الحكام و الأمراء فقط ، بل يدخل معهم العلماء .


فـ " ولاة الأمور " : هم " الأمراء و العلماء " معاً

قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... } [ النساء 59 ]
قال ابن عباس رضى الله عنهما : { وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } يعني : (( أهل الفقه و الدين ))، و كذا قال مُجاهد و عطاء و الحسن البصري و أبو العالية : يعني : العلماء .
و قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : (( و الظاهر - و الله أعلم - أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء و العلماء ، ثم ذكر حديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، و من عصاني فقد عصا الله ، و من أطاع أميري فقد أطاعني ، و من عصا أميري فقد عصاني )) متفق عليه .
قال الحافظ : (( فهذه أوامر بطاعة العلماء و الأمراء ، و لهذا قال تعالى : { أَطِيعُوا اللَّهَ } أي : اتبعوا كتابه { وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ } أي : خذوا بسنته { وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } أي : فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، كما تقدم في الحديث الصحيح : (( إنما الطاعة في المعروف )) .
حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أبي مراية ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا طاعة في معصية الله )) . اهـ
قلت : فأولي الأمر تشمل العلماء و الأمراء ، و لا يخفى فساد كثير من العلماء في زماننا ، و انظر غير مأمور إلى مشيخة الأزهر فستجد عليها صوفي محترف يتقرب إلى الله بالبدعة .


و السؤال :


ما هو سبب فساد العلماء و جور الأمراء ؟
و الإجابة عن هذا السؤال لا تجد إجابتها بصدق عند من يتصدر لزعامة الناس ، لأنه لو أجاب بحق لإنفض الناس من حوله ، لأن الإجابة مُرة
و هي : أن سبب فساد ولاة الأمور من عُلماء و أُمراء هو فساد الرعية ، فإن العبد إذا عصى الله عز و جل و إرتكب المعاصي و جاهر بها سلط الله عليه من يقهره و يُذله عقوبة له .
يقول الله عز و جل : { وَ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [ الشورى 30 ] .


و قال سُبحانه : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران 165 ] .


و قال عز و جل : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [ النساء 79 ] .
و هذا المعنى معروف عند الناس فتراهم يقولون : (( إن الحكام صورة الرعية ، و يقولون : كما تكونوا يولى عليكم ، و يقولون : كل سُلطان من طينة رعيته )) .
و قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ((
و تَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ و أُمراءَهم و وُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُ لاَتهم و مُلوكِهم ، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم ، و إن عدَلوا عدَلَت علَيهم ، و إن جارُوا جارَت مُلوكُهم و وُلاَتُهم، و إن ظهَرَ فيهم المَكرُ و الخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ ، و إن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم و بَخِلوا بها ، مَنعَت مُلوكُهم و وُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ و بَخِلوا بها علَيهم ، و إن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم ، أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه و ضَرَبَت علَيهم المُكوسَ و الوَظائفَ ، و كلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم ، و ليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم ، و لمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ و أبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ
فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ
فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز ، فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ و عُمرَ ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، و وُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم و كلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها )) اهـ
و انظر- بارك الله فيك - إلى قوله تعالى في بيان العلة التي سُلط بها فرعون على قومه .
فقال سُبحانه : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ } [ الزخرف 54 ] .فوصفهم الله ـ عز و جل ـ بالفسق و لهذا سلط عليهم من يُناسبهم .
و قد روى الطبراني عن الحسن البصري أنه سمع رجلاً يدعو على الحجاج _ و حال الحجاج لا يخفى على أحد ، فقد كان ظلوماً جهولاً يقتل بالظن ، صلب ابن الزبير رضى الله تعالى عنهما ، و رمى الكعبة بالمنجنيق و غير ذلك _ سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج ، فقال له : (( لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم ، إنما نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة و الخنازير ، فقد روى أن أَعمالَكم عُمَّالُكم ، و كما تكونوا يُولى عليكم )) .

فأصل البلية أن الناس تجني ثمار أعمالهم ، و من هذه الثمار ظلم و جور و فساد الأُمراء و العُلماء .
أخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال سألت الأعمش عن قوله تعالى { وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا ... } [ الأنعام 129 ] ما سمعتم يقولون فيه ؟ قال سمعتهم يقولون : (( إذا فسد الناس أُمّرَ عليهم شِرارُهم )) . ( الدر المنثور للسيوطي 3 /358 ) .
و قال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه : (( يا أمير المؤمنين ما بال أبي بكر و عمر إنطاع الناس لهما و الدنيا عليهما أضيق من شبر فإتسعت عليهما ، و وليت أنت و عثمان الخلافة و لم ينطاعوا لكما و قد إتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر ؟! )) فقال : (( لأن رعية أبي بكر و عمر مثلي و مثل عثمان ، و رعيتي أنا اليوم مِثلك و شبهك )) .
و قد أرسلوا يوماً لأحد الأُمراء يشكون له جور العمال ( المحافظين ) : فكتب لهم بلغني كتابكم و ما أنتم فيه ، و ليس ينبغي لمن يعمل المعصية أن يُنكر العقوبة ، و لم أرى ما أنتم فيه إلا من شُؤم المعصية ، و السلام .
و جاء في تفسير حِقِّي في قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء }
قال : (( معناه إن كنتم من أهل الطاعة يُوَل عليكم أهل الرحمة ، و إن كنتم من أهل المعصية يُوَل عليكم أهل العقوبة )).
و قال الإمام السعدي في تفسيره لقوله تعالى : { وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، قال : (( كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالماً مثله ، يؤزه إلى الشر و يحثه عليه ، و يزهده في الخير و ينفره عنه ، و ذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها ، البليغ خطرها ، و الذنب ذنب الظالم ، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه ، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } ، و من ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم و فسادهم ، و منْعهم الحقوق الواجبة ، ولَّى عليهم ظلمة ، يسومونهم سوء العذاب ، و يأخذون منهم بالظلم و الجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله ، و حقوق عباده ، على وجه غير مأجورين فيه و لا محتسبين ، كما أن العباد إذا صلحوا و استقاموا، أصلح الله رعاتهم ، و جعلهم أئمة عدل و إنصاف، لا ولاة ظلم و اعتساف )) اهـ .
و قال الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - :
(( كثير من الناس يريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون ، ولا شك أننا نريد من الرعاة أن يكونوا على أكمل ما يكون ، لكننا لا نعطيهم في المعاملة أكمل ما يكون ، بمعنى أن بعض الرعية يقول : يجب أن يكون الراعي على أكمل ما يكون ، و مع ذلك تجد الرعية على أنقص ما يكون .. أهذا عدل ؟ لا و الله ما هو بعدل ، إذا كنت تريد أن تعطى الحق كاملاً ، فأعط الحق الذي عليك كاملاً ، وإلا فلا تطلب ؛ و من حكمة الله عز وجل أن المُوَلَّى على حسب المولَّى عليه .. و هذه من الحكمة أن يكون المولى - ولي الأمر- على حسب من ولي عليه ، إن صلح هذا صلح هذا ، و إن فسد هذا فسد هذا ، وفي الأثر: ( كما تكونوا يول عليكم ) يعني : أن الله يولي على الناس على حسب حالهم ، و هذا الأثر و إن لم يكن صحيحاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه صحيح المعنى ، اقرأ قول الله تعالى : { وَ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً }[الأنعام:129] أي : نجعل الظالم فوق الظالم ، بماذا ؟ { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأنعام:129] فإذا ظلمت الرعية سلطت عليها الرعاة ، و إذا صلحت الرعية صلح الرعاة، و كذلك بالعكس : إذا صلح الراعي صلحت الرعية )) .

قلت : و تأمل العلاقة بين قوله تعالى : {وَ إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [ الإسراء 16 ] و بين قوله تعالى : { وَ تِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا }.


فهلاك القرى بظُلم أهلها أولاً { وَ تِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا } فإذا ظلموا جعل الله مترفيهم أُمراء فأظهروا الفسق { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا } فحينها ينزل بهم الدمار جميعاً { فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } .
قال الذهبي في السير [ 4 /343 ] عن الحجاج قال : و كان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء .. و عن هشام بن حسان بسند صحيح كما عند الترمذي قال : (( أحصوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مئة ألف و عشرين ألف قتيل ))
و لكن لما تذمر الناس من ولايته و ظلمه و كان بينهم الحسن البصري ربيب بيت النبوة لم يقل لهم أخرجوا على الحجاج في ثورة أو اعتصام أو احملوا عليه السيف ، و لكنه قال لهم : (( إن الحجاج عقوبة من الله عز و جل ، فلا تستقبلوا عقوبة الله بالسيف ، و لكن إستقبلوها بتوبة و تضرع و إستكانة و توبوا تُكْفَوه )) ( أخرجه أبو الشيخ ، و ابن أبي شيبة )
و دخل سفيان الثوري إلى الحرم فوجد الشرطة ـ و لم يكونوا يتواجدون فيه من قبل فبكى و قال : (( إن ذنوبا ولَّت علينا هؤلاء إنها لذنوب جسام )) .


فالمخرج الوحيد حتى يستقيم أمر العُلماء و الأُمراء ، و ينعم الناس بالأمن ، و تُحفظ عليهم أعراضهم و أمولهم أن يتوبوا الى الله ـ عز و جل ـ ، و أن يؤدوا الحقوق الى أهلها ، و ألا يظلموا حتى لا يُظلموا ، و إن أرادوا أن يُحكم فيهم شرع الله ـ عز و جل ـ أن يأخذوا بأسبابه من تصحيح المعتقد ، و عمل الصالحات ، و عدم التفريط في الواجبات ، حينها يكون لهم الإستخلاف في الأرض .
قال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } .


و قال الله عز و جل : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } [ الرعد 11 ]
و أنشد بعضهم :

بذنوبنا دامت بليتنا ......... و الله يكشفها إذا تبنا

و في المأثور في الدعوات : (( اللهم لا تُسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا )) .

و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلم .


و كتب
أبو صهيب وليد بن سعد