إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 نوفمبر 2021

الخوارج والمخدرات

الخوارج والمخدرات.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

    فقد استمعت لبعض الشباب يتحدثون ويتعجبون من قوة قلب هذا الفتى التكفيري الذي كان بالأمس في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن في منطقة حلوان بالقاهرة!، وكيف  كان يتجول في الشارع بحرية لا يَخشى الموت؟!،

   ومع ذلك لم تستطع الشرطة الاقتراب منه؟ حتى أنها لم تُوفْق في قتله لأن الرصاصة أصابت رجله فقط، وأن الذي أمسكه أحد السكان ثم تكالبت الشرطة عليه بعدها!.

   فأقول: إن الصورة الحقيقية للمشهد بخلاف هذه النظرة السطحية؛ فهذا التصوير الذي ظهر فيه هذا الفتى التكفيري أنه لم يكن يحمل سلاحا، ومع ذلك يتحرك بحرية على طريقة نجوم الأفلام السينمائية "سوبر هيرو"!! .. في الوقت الذي فيه قوات الشرطة تخشاه ولا تستطيع الاقتراب منه!..

   هذا المشهد له زاوية أخرى في الرؤية، وهي: أن غرض هذا الشخص هو أن تقترب منه هذه القوات حتى يُفّجر نفسه فيهم، فيقتل منهم أكبر عدد، فكونه لم يكن يحمل مسدسًا في يده لا يعنى أنه غير مسلح، أو أنه لا يمثل خطرا.

  وإن إصابة الشرطة لرجله وعدم قتله عن عمد وقصد؛ لأنه لا ينفعهم وهو ميت، لأنهم يريدون معرفة من خلفه ومن يموله ويدربه .. لمحاصرة هذا الفكر, ومحاربة هذا التنظيم، والقضاء على هذه الجماعات التكفيرية الانتحارية.

  وأن هذا المواطن الذي اقترب من هذا الانتحاري لم يُحسن في فعله، وعَرض نفسه وغيره للخطر..

   بيد أنه لفت نظري قضية مهمة في طريقة هذا الانتحاري، ليست هي ثباته وهو يواجه الشرطة.

    فهذا طبيعي عند صاحب كل معتقد .. يُضحي بنفسه من أجل معتقده!، حتى لو كان ملحدا!، كمن قُتل في السودان منذ عدة سنوات، عندما منحت الحكومة هناك فرصة للتوبة والرجوع للإسلام لحزب اشتراكي التوجه.

  فعاد أعضاء الحزب جميعًا، إلا رئيس الحزب، لم يرجع وفضل أن يُعدم من أجل معتقده وقضيته!.

  والخوارج الذي هذا الفتى الانتحاري منهم، هم من أشهر الناس في هذا الباب، ودونك قصة ثبات "ابن ملجم"، قاتل "علي بن أبي طالب" أمير المؤمنين  ـ رضي الله عنه ـ ، قطعت أعضاءه وهو حي، فلم يلتفت!.

   فالخوارج ممن زين لهم الشيطان أعمالهم، فظنوا أن الأمر في المنتهى صبر ساعة ثم الجنة والحور العين!.

   فالذي لفت نظري طريقة مشي هذا الفتى وأسلوبه في الكلام، وعدم اتزانه وإدراكه لما يحدث حوله، وسرعة استسلامه بمجرد القبض عليه.

   فكل ذلك يُرشد إلى أنه لم يكن في كامل قواه العقلية، ليس لعته أو جنون، ولكن لأنه تحت تأثير مخدر، فعامة هؤلاء الانتحاريون يتعاطون المخدرات وقت قيامهم بعمليتهم الأخيرة..

   فالمتتبع لطريقة التنظيمات التكفيرية المسلحة المعاصرة، المتتبع لهم فكريا ونفسيا، يجد أن عامة من يُدفع به لتفجير نفسه، تكون عنده حمية شديدة على النساء، يستغلها شيوخه في شحنه، وأن سجون الحكام يُفعل فيها العظائم بحرائر المسلمين!، وهكذا..

   ويأتي التصريح بذلك في هذا التسجيل المصور الذي يصوره هذا الانتحاري قبل أن يفجر نفسه، أو يفجره غيره بدون علمه، يصرح أنه يقوم بهذه العملية ثأرا لحرائر المسلمين في سجون الطواغيت!.

   وتوثيق هذه المقاطع المصورة ضروري لهذا الجماعات، إذ يصرح الانتحاري من هؤلاء الأحداث أنه يبايع جماعة كذا، وأن ولاءه لهم، وذلك حتى تأتي التمويلات المالية لهذه الجماعة دون غيرها، ولهذا أحيانا يتنازعون فيهما بينهم بنسبة بعض العمليات الكبرى .. وذلك كله من أجل التمويل المادي، فالأمر بعيدا كل البعد عن العمل لله، والجهاد في سبيله، وإنما هو اقتتال على الدنيا باسم الدين.

  فالشاهد أن شيوخ هذا المغفل الانتحاري يعلمون أن هذه الحمية التي عنده، وهذا الوهم الذي شحنوه به، هذا كله يخشى أن يرتفع عند ساعة الحقيقة، عند ملاقاة الموت الأحمر، وتظهر ساعتئذ الفطرة البشرية من حب الحياة وكراهية الموت، فيتراجع عن العملية ولا يُفجر نفسه!.

     فعندها تأتي حيلة "الحسن الصباح" مؤسس فرقة "الحشاشين"، أول تنظيم للقتل السياسي عُرف في الإسلام، فكان "الحسن" يُغرق أتباعه في شرب مخدر الحشيشة حتى تسموا باسمها!.

   فكان الحدث من الحشاشين يقوم بنحر نفسه بالسكين بعد تنفيذ عملية اغتياله لأحد القادة أو الأمراء، وممن حاولوا اغتياله ولم يُفلحوا الناصر صلاح الدين الإيوبي ـ رحمه الله تعالى ـ حاولوا مرتين وفشلوا، وقد قتلوا غيره من العلماء والوجهاء.

   ولعله لو كانت متوفرة المتفجرات على عصر "حسن الصباح" لكان أمر أتباعه بتفجير أنفسهم بدلا من استخدام السكين والخنجر!. 

    هذا؛ ومعلوم أن المخدرات تضخم الإحساس، ويتولد منها هلاوس سمعية وبصرية، وأحاديث نفسية، تجعل من يتعاطاها يخرج من عالم الواقع، إلى عالم الخيال والأسطورة!، فيشعر بأنه صاحب ذكاء ودهاء وحيلة!، وأنه يستطيع فعل أي شيء!.

  هذا في المخدرات الطبيعية التي تُستخرج من النباتات، فما بالك بمخدرات اليوم، التي كلها مواد كيميائية شديدة التأثير، حتى أن بعضا منها صنع لتسكين هياج الثيران!، فيتعاطاها البشر؟!.

     ومن تأمل الفيديوهات التي يصورها هؤلاء قبل القيام بتفجير أنفسهم!، أو قبل أن يفجرهم غيرهم من غير علمهم!!، من تأملها يلحظ أثر المخدر علي هؤلاء، من ثقل في اللسان، وضحك هيستيري، وشتات فكري، إلى غير ذلك.

  فالتعامل مع المخدرات عند الجماعات الإرهابية سنة قديمة بدأت بفرقة الحشاشين، واستمرت إلى هذا العصر، حتى أن حركة طالبان اليوم لا تستحي أن تَذكر أنها تُمويل تنظيمها من تجارة الحشيش.

    وكان سبب قتل طالبان للشيخ المجاهد جميل الرحماني ـ رحمه الله ـ أمير ولاية كونر، أنه بعد إسقاط السوفيت في إفغانستان، أفتى الشيخ بحرمة تجارة الحشيش، وقام بتطبيق الشريعة في ولايته، فقتلوه بسبب ذلك.

  كما أن الحركات التحريرية في أرض الشام، والتي ترفع الشعارات الإسلامية من أجل جمع التبرعات واستعطاف العالم الإسلامي معها.. تلك الحركات تتاجر في المخدرات ولها شبكة دولية تنظم هذه التجارة، كما تجد تفاصيل ذلك في كتاب "قبضة الإخطبوط" الذي يتكلم عن دور المخابرات الأمريكية في حادثة لوكيربي، وكيف أن هذا المخابرات متورطة في تَمويل هذه الحركات بالسلاح في مقابل المخدرات؟!.

فالخلاصة :

  إن الخوارج من قديم تربطهم بالمخدرات علاقة تعاطي واتجار، وأن هذه الجلادة والصبر الذي يَظهر منهم ليس سببه حبهم للموت وكارهتهم للحياة، ولكن لأنهم تحت تأثير مخدرات تتحكم في مشاعرهم وتخرجهم من طبيعتهم البشرية إلى طبيعة حيوانية تتلذ بالتعذيب والقتل، والأمر لله من قبل ومن بعد.   


وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد.

القاهرة ١٤ / ربيع الآخر / ١٤٣٩ هـ

 1 / 1 / 2018م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق