إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 16 مارس 2023

الحكمة من الزلازل

الحكمة من الزلازل


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر أن من علامات الساعة ظهور الفتن وكثرة الزلازل، فقال:

  " لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج، حتى يكثر فيكم المال فيفيض". (1)

والهرج: هو القتل بلسان الحبشة.

ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " بين يدي الساعة مَوْتَانٌ شديدٌ، وبَعدهُ سَنواتُ الزلازل"(2).

 والمَوْتَان بوزن البطلان، ويقصد به: الموت الكثير الوقوع.

قلت: فكثرة الزلازل من علامات يوم القيامة، فهي نذير وتذكير للناس في الدنيا بالزلزلة الكبرى = زلزلة يوم القيامة.

  يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }. [سورة الحج: 1 ].

  وقال عز وجل: { إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا، فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا }. [ الواقعة : 4 : 6 ].

  وقوله سبحانه: { وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ }. [ الحاقة: 14 : 15 ].

  وقال سبحانه: { يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا }. [المزمل : 14].

وقال : { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ }. [النازعات : 6: 7 ].

  فيوم القيامة تتزلزل الأرض وتنشق وتُخرج الموتى من قبورهم، وتلقي ما فيها من الكنوز بوحي من ربها.

  كما في قوله تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}. [ الزلزلة: 1 : 5 ].

وقوله: { وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }.[ الانشقاق: 3 : 5 ] .

  { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا }: يعني استمعت لربها، فالأذن هو الاستماع، وحق لها أن تستمع له وتطيعه.

    فجعل الله ـ عز وجل ـ هذه الزلازل التي يجدها الناس في الدنيا تذكيرًا لهم بالزلزلة الكبرى.

   كما أنها تخويفًا لهم من شديد عقابه، وأنه لا يقف أمام بأسه شيء.

    إذ أن الزلازل آية من آيات وحدانيته سبحانه، الدالة على قوته وعظيم ملكه، وأنه هو وحده من بيده ملكوت السموات والأرض، حتى لا يغتر البشر بما أتاهم الله من علم.

   فالعالم الغربي اليوم وصل من العلوم الدنيوية ما لم تصل إليه أمة من الأمم السابقة، وحاز من التقدم العلمي ما يتبجح به، مثل التنبؤ ببعض الظواهر قبل حدوثها كالأعاصير والأمطار، ولكنهم لا يستطيعون مع ذلك.. التنبؤ بالزلازل والهزات الأرضية، وغاية ما توصلوا إليه هو مقياس هذه الهزة وتحديد موقعها بعد أن تقع.

  ولو فتح الله برحمته عليهم بالعلم في المستقبل، واستطاعوا التنبؤ بهذه الزلازل قبل وقوعها، فلن يستطيعوا مع ذلك مواجهتها .. إذ هي من جند الله الذي ليس للبشر سبيل في مواجهته والتصدي له .

   بيد أنه يُخشى على بلاد المسلمين تسلط هؤلاء الغربيين على وسائل الإعلام، فيتسرب إلى ألسنتنا بعضًا من إلحادهم، إذ يأبي عليهم كفرهم أن تُنسب هذا الظواهر من الزلازل والأعاصير والبراكين إلى خالقها سبحانه، ولكن ينسبوها إلى الطبيعة، فيقولون: كوارث طبيعية أو غضب الطبيعة؛ كأن الطبيعة هي التي خلقتهم وأنشأتهم؟!.

    بل يُصرّون على تهوين شدة هذه العقوبات بأن تسمى بأسماء يألفها الناس ، حتى لا يكون له وقع فيما بعد في نفوسهم، فيطلقون عليها "تسونامي، وكاترينا، وساندي" وغير ذلك من الأسماء، كأنها حيوانات أليفة!!.

   ومع شديد الأسف أن هذه النظرة المادية أصبحت عند قطاع كبير من المسلمين ؛ إذ أصبحوا يرون أن هذه الآيات من الزلازل والأعاصير وغيرهما، أنها من الظواهر الطبيعية، وأنها ليست من جند الله الذي يُعذب به العصاة وأهل الشرك حتى يعودوا إليه ويتوبون.

  مع أنه سبحانه قد بَين في القرآن أنه عذب وأهلك أممًا سابقة بمثل هذه الآيات..

  فقال سبحانه: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}، وقال: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}.

وقال تعالى: { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ }.[الشعراء : 173].

 وقال عز وجل:{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }. [ العنكبوت : 40 ].

 فأنزل الله تعالى عقابه بهؤلاء الكفرة.. بالريح والمطر والغرق، وابتلاع الأرض لهم.

فذكر سبحانه أنه خسف بقارون الأرض..

  والخسف: هو تغييب الأرض ما على ظهرها، فانخسفَ الشيء أي: غاب في باطن الأرض، ومنه خُسوف القمر أي : غياب ضَوْئه.

قال الله تعالى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ }. [ القصص : 81 ] .

   والزلازل من جملة هذه الآيات التي يأخذ الله بها على أيدي العصاة ويخوفهم بها حتى يعودوا إليه ويتوبوا، كما يعذب بها من كفر وألحد من عباده.

   ومن عظيم فقه الإمام البخاري  ـ رحمه الله ـ أنه بوب لحديث  " لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ..."= باب ما قيل في الزلازل والآيات.

كأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}. [الإسراء: 59].

   فـ لله عز وجل حكمة بالغة من تخويف الناس بإرسال هذه الآيات، حتى يحثهم على ترك الذنوب والمعاصي، والمسارعة إلى التوبة ورد المظالم، وتذكيرهم بقدرته عليهم.

قال سبحانه: { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا }. [الروم: 24].

    هذا؛ وقد بينت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجب على المسلم عند نزول هذه الآيات..

  فعند مسلم في صحيحه، والبخاري في الأدب المفرد من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح ، قال : " اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به "، قالت : وإذا تَخَيَّلت السماء، تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت، سُري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت: فسألته، فقال: " لعله، يا عائشة كما قال قوم عاد:{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}. الحديث.

ومعنى " تَخَيَّلت السماء ": تهيأت للمطر، فأغامت ورعدت وبرقت.

  وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: " كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم".(3)

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الريح من روح الله ، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، وعوذوا بالله من شرها". (4)

    وكان " عبد الله بن الزبير " إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول : إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض".(5)

     وفي صحيح البخاري ومسلم، أن الشمس خسفت يوم موت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت الناس: إن الشمس خسفت لموته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده".

  زاد مسلم: " فإذا رأيتم كسوفًا، فاذكروا الله حتى ينجليا ".

   وفي رواية عند البخاري: " إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة".

  فالواجب على المسلم عند رؤية هذه الآيات الربانية الفزع إلى الصلاة (6)، والمسارعة بالتوبة والانابة، لأنها ما نزلت إلا عقوبة من الله تعالى لمن عصاه وخالف أمره.

  أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن صفية ابنة أبي عبيد الثقفية ـ زوج عبد الله بن عمر ـ  قالت : "زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصَطَفقتْ السُّرَرُ ، فوافق ذلك عبد الله بن عمر وهو يصلي فلم يدر، قال : فخطب عمر الناس، فقال : " لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم ".

  وعند ابن أبي الدنيا في العقوبات أنه قال: " أيها الناس ، ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه ، والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا ".

   وقد قال أنس بن مالك لعائشة رضي الله عنها : حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة ، فقالت : "يا أنس  ... إن  المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين الله من حجاب، فإن تطيبت لغير زوجها كان عليها نار وشنار، فإذا استفحلوا في الزنا، وشربوا الخمور مع هذا، وضربوا المعازف، غار الله في سمائه، فقال : تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها الله عليهم"، فقال أنس: عقوبة لهم؟ قالت : " بل رحمة وبركة وموعظة للمؤمنين، ونكالًا وسخطة وعذابًا على الكافرين ". (7)

  وقال جعفر بن برقان : " كتب إلينا عمر بن عبد العزيز : " أما بعد ، فإن هذا الرجف شيء يعاقب الله تعالى به العباد... ، فمن كان عنده شيء فليصدق ، قال الله عز وجل : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى }. (8)

فهذا الآيات من الزلازل والأعاصير تنزل بالناس بما أصابوا من المعاصي والآثام.

قال الله تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }. [الشورى: 30].

وقال سبحانه: { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ }. [ النساء : 79 ] .

  فالمصائب والبلايا والفتن تنزل بالناس بسبب شؤم معاصيهم ومخالفتهم لأوامر الله تعالى، فإذا نزلت شملتهم فلم تميز بينهم، فتشمل الصغير والكبير، والغني والفقير، والقوي والضعيف.

  قالت أم المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها: " يا رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث". [متفق عليه].

  ومن فقه الإمام البخاري عليه الرحمة أنه افتتح كتاب الفتن من صحيحه والذي جمع فيه جملة من أحاديث  الرسول صلى الله عليه وسلم في السمع والطاعة لولاة الأمور والتحذير من الخروج عليهم، افتتحه بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، كأنه ينبه أن الفتنة التي تنشأ من مخالفة هذا الأصل لن تتوقف عند من خالفها وخاض فيها وحسب، بل تشمل غيره من الأبرياء، والله أعلم.

   وهذا هو قدر الله تعالى بهذه الأمة، أنها لحمة واحدة .. وجسد واحد، إذا أخذت بأسباب النجاة فازت ونصرها الله، وإلا كان الخسران والدمار.

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلمكما عند البخاري في صحيحه: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا = هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا ".

     وعند البخاري أيضًا من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يغزو جيش الكعبة ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم"

قالت : قلت : يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قال : " يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم ". الحديث.

  فالفتن والبلايا إذا نزلت عمت ولم تميز، إلا أن الله لا يُظلم عنده أحدا.

    كما أن هذه الفتن تمحص الناس وتبين معادنهم، وقد شاهد الناس في زلزل سوريا الأخير.. هذه المرأة التي أبت أن تخرج من تحت الأنقاض إلا أن يأتوا لها بحجاب تستتر به، فرفضت أن تخرج سافرة في هذا الموقف الرهيب.

وهذه الفتاة الصغيرة التي لعلها لم تبلغ العاشرة بعد، والتي عندما سئلت بعد أن أخرجوها ما أكثر ما أحزنكِ؟

    قالت: أنها لم تصل هذه المدة، مع التزمها بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم طوال فترة حسبها تحت الانقاض.

  هذا؛ ولا يتصور أنه يستطيع المرء ترتيب مثل هذه الصورة ليظهر بين الناس أنه من أهل الاستقامة والصلاح ؛ لأنه عند الموت والفزع لا يستطيع الإنسان التفكير إلا في النجاة والخلاص من هذا الهلاك الذي يحيط به. 

  بيد أن ما ظهر في مثل هذه الحالات، إنما هو تثبيت من الله تعالى لمن التزم شرعه قبل هذه المحنة.

  يقول الله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} .[إبراهيم: 27].

  فالمرأة المحافظة على حجابها يسترها الله في الدنيا قبل الآخرة، وكذا من يحافظ على صلاته يحفظه الله بها، وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس فقال: " احفظ الله يحفظك". [رواه أحمد والترمذي بسند حسن].

فالخلاصة:

  فـإن  لله عز وجل حكمة بالغة في كل ما خلق، وقد يعجز كثير من الخلق عن فهم  وإدراك هذه الحكمة؛ لأنه ربما تكمن الرحمة فيما ظاهره العذاب .. كما في آية الزلازل .

    فإن الزلازل ظاهرها الفساد والدمار ، وباطنها الرحمة، إذ أنها تذكيرا من الله سبحانه لعباده بالزلزلة الكبرى، زلزلة يوم القيامة .. حتى لا يغفلوا عنها وتغرهم الحياة الدنيا عن هذا اليوم العصيب وما سيترتب بعده من خلود في نار أو جنة.

  كما أن فيها تخويفا وترهيبا لعباده العصاة حتى يرجعوا ويتوبوا إليه، وتذكيرا لمن كفر بالله وألحد أنه  لا يقف أمام بأسه شيء، وأنه لو أرد أهلكهم كما أهلك أمما ممن قبلهم ، وساعتئذ لن تنفعهم علومهم الدنيوية.

   وفيها أنها من البلاء الذي ينزله الله بعباده بسبب ذنوبهم، وأن هذا البلاء وتلك العقوبة إذ نزلت بالناس شملتهم وعمتهم ولم تفرق بينهم، فعليهم المسارعة بالتوبة والإنابة لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب.. وما رفع إلا بتوبة.

فنسأل الله أن يتوب علينا وعلى جميع المسلمين، وأن يرفع عنا البلاء ، ولا يؤخذنا بما فعل السفهاء منا.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد

القاهرة 26 / رجب / 1444 هـ

17 / 2 / 2023 م

الهامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1): رواه البخاري.

(2): رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه؛ وقال الذهبي في مختصره: لم يخرجا لأرطاة وهو ثبت، والخبر من غرائب الصحاح، وصححه الشيخ الألباني.

(3): رواه البخاري.

(4): صحيح، رواه أبو عوانة في مستخرجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وأحمد في المسند، والبخاري في الأدب المفرد، ورجاله ثقات رجال الصحيح، خلا ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي، فإنه ثقة مشهور، وثقه النسائي.

 فائدة: ثابت بن قيس هذا تفرد بالرواية عنه الزهري، وليس له إلا هذا الحديث الفرد فيما أعلم، فهو في عرف من اشترط رفع الجهالة برواية اثنين  = مجهول، ومع ذلك وثقه النسائي، وقال ابن مندة: مشهور من أهل المدينة، وأخرج حديثه ابن حبان في صحيحه، فقضية اشتراط رفع الجهالة برواية اثنين عن الراوي أو توهين حديثه لم تكن بهذه الصورة عند المتقدمين ، فانتبه!.

(5): رواه مالك في الموطأ بسند صحيح، والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن.

(6): الثابت في السنة أن الصلاة عند كسوف الشمس أو القمر، أما الزلازل والأعاصير وغيرها من الآيات لم يثبت فيها صلاة، والله أعلم.

(7): رواه نعيم بن حماد في الفتن، وعنه ابن أبي الدنيا في العقوبات، والحاكم في المستدرك، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"!!، وليس كما قال ـ عفا الله عنا وعنه ـ ، فإنه تفرد به بقية بن الوليد الحمصي ، عن يزيد بن عبد الله الجهمي، و"بقية" وإن كان ثقة، إلا أن حديثه يُرد أن حدث عن المجاهيل، ويزيد هذا منهم.

 ويستأنس بحديثه هنا من باب قول سفيان بن عيينة: "لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنة، و اسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره". والله أعلم.

(8): رواه ابن أبي الدنيا في العقوبات، وأبو نعيم في الحلية بسند حسن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق