الحمد لله وحده، والصلاة
والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الفجوة التي حدثت بين
المعاصرين وأئمة الحديث في عصر الرواية خلقت حالة من الجرأة على هؤلاء الأعلام، حتى
صار من المسلمات اليوم وص
ف بعض هؤلاء الأئمة بالتساهل والتناقض.
والحق أن المعاصر ولا أقول
المتأخر، لأن المتأخرين لا يدخلون في هذا الكلام الذي يأتي..
والحق أن المعاصر لمَا تجرأ على
تراثهم ولم يراعي السبب الذي وضع من أجله المؤلَف، أو الشرط الذي وضعه العالم لكتابه،
أو الترتيب الذي ارتضاه ..
فضلًا عن إعادة ترتيب هذه
المؤلفات بجعل قسم منها صحيح وآخر ضعيف، أو غير ذلك مما كان يقدر عليه هذا العالم
ولم يفعله.
فإنه لمَا تجاهل المعاصر هذا
كله، أخذه سوء الظن بهذا الإمام، وحكم على مؤلفه بالكلية.
مع أن هذه المؤلفات كانت بين
يدي علماء العلل وأئمة الحديث في عصر الرواية وبعده، ولم يذهبوا لما ذهب إليه
المعاصر، وإنما وافقوا هذا العالم على ما ذهب إليه في كتابه، وأحيانًا أثنوا على
حسن تصنيفه.
فالعلة هنا في فهم وطريقة
المعاصر..
ومثال ذلك: هذه التجني بوصف
الإمام الترمذي -عليه الرحمة- بالتساهل لتحسينه أحاديث في جامعه مدارها على راوٍ
فيه ضعف.
فيأتي المعاصر فيصف هذا
الحديث بالنكارة حسب ما يوجد في كتب المصطلح!، كأنه يتعامل مع أحاديث السنة بطريقة
رياضية وقواعد جامدة.
ولو فتشت عن هذا الحديث الذي
حكم عليه المعاصر بالنكارة لا تجد من سبقه من أهل الصنعة بهذا الحكم.
وذلك لأنهم كانوا يفهمون مراد
هؤلاء الأئمة، وإنهم لم يكونوا يحسنون الحديث لمجرد النظر في إسناده وحسب، وإنما يحسنون
الحديث بالنظر في متنه أيضًا، وأن هذا المعنى الذي يتضمنه المتن ثابت في الشرع من
وجوه أخرى.
فله شواهد إما قرآنية أو حديثة
أو موقوفات صحيحة.
فهو بهذا المعنى حسن صالح للاستدلال،
ويوضح هذا ويجليه تبويب هؤلاء الأئمة لهذا الحديث.
فالترمذي -رحمه الله- يحسن في
جامعه بمجموع الباب، يعني أن هذا الباب المبوب له معناه معروف معمول به عند
العلماء، وروي هذا المعنى من غير وجه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
حتى أن الإمام المزي -إن لم
تخن الذاكرة- جمع هذه الوجوه التي أشار إليها الترمذي.
فإذا ما نظرت إليها مجموعة
فهمت أنه حسن بالشواهد أو مجموع الطرق.
وأما من ينظر إلى الحديث
بعيدًا عن تبويب الإمام وكلامه عليه، لا يَظهر له هذا المعنى.
ولهذا هو أشار في آخر جامعه
أن أحاديث كتابه معمول بها، إلا حديثين وذكرهما، فهو يقصد أن أحاديث الكتاب وإن
وجد في بعضها ضعف، فهو يسير، إذ أن العلماء لم يهجروها وعملوا بها، حتى أنه يذكر
في الغالب مذاهب العلماء بعد الحديث تنبيها على هذا الأصل، والله تعالى أعلم.
وصل اللهم على محمد وعلى اله
وصحبه وسلم.
وكتب.
القاهرة 17 / صفر / 1445ه
2 / 9 / 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق