فلسطين ومخطط أنف الدُب!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن علماء الطب النفسي يذكرون ظاهرة مرضية يزعمون أنها شديدة الانتشار جدًا حتى أنك تكاد لا تجد شخصًا لم تصبه!، وتكمن خطورتها أنها من المرض النفسي، فلا يظهر لها على الأعضاء تأثير ولهذا يغفل عنها المصاب بها.
ومع ذلك
فإن ضررها على الإنسان شديد جدًا.
هذه الظاهرة أو هذا المرض النفسي يدعى "الإدراك الانتقائي"، وحقيقته:
إن
الإنسان لا يستطيع أن يتصور مسألة من المسائل، أو يحكم في قضية من القضايا إلا بما
عنده من مخزون ثقافي ومعلومتي حول هذه المسألة أو تلك القضية.
فإن كانت معلوماته حول هذه القضية أو تلك المسألة صحيحة، كان حكمه وتصوره صحيحًا.
وإن كانت معلوماته أو ثقافته حولهما خطأ كان
حكمه وتصوره خطأ، وإن اشتملت معلوماته على حق وباطل، كان حكمه وتصوره كذلك.
ومرض "الإدراك الانتقائي" هذا
يعد اليوم من أشرس أسلحة اليهود، إذ يستخدمونه من خلال سيطرتهم على وسائل الإعلام
سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية، أو حتى ما أحدثوه في هذا العصر من وسائل
التخاصم الاجتماعي كفيس بوك وأخواته[1].
فاليهود من خلال وسائل إعلامهم يغيرون وعي
الأمم والشعوب، ويفسدون عليهم معتقداتهم وقناعاتهم، ويحرفون فطرتهم، ويؤصلون من
خلالها لأفكارهم ومخططاتهم.
حتى زرع الهزيمة النفسية واليأس والوهن، كل ذلك وغيره يسربونه للعالم من خلال هذه
الوسائل.
فنجد بعد فترة المشاهد والمتابع لهذه
القنوات والصحف، قد ترسخ في فكره ومعتقده من خلال هذا المرض النفسي "الإدراك
الانتقائي"أفكارهم، ثم أصبح بعدها يتكلم بلسان اليهود ويؤصل لأفكارهم ومعتقداتهم، وهو
يظن أنه يحاربهم، ولا يعرف المسكين أنه قد وقع فريسة في مصيدة اليهود هذه، ويظن أن
المحرك له في تصوراته وأحكامه هو ما تعلمه طوال حياته وتربى عليها.
ومما زاد الطين بِلة أنه قد أصبح كثيرًا من
الناس اليوم يعتقد أن الخبر الذي لا يأتيه من رويترز أو البي بي سي، أو السي أن أن، أو غيرها من وسائل الإعلام التي صنعت على أعين اليهود.
يظن أن الخبر الذي لم تذكره تلك القنوات أنه
خبر يفتقر إلى المصداقية وتحري الحق[2]،
بخلاف الأخبار التي تبثها القنوات المحلية في بلده، فإنها أخبار لفقت ولها أجندة
خاصة!!.
والمتأمل في حال هذه القنوات الصهيونية يظهر له
الحق واضحًا جليًا، من أنها لها غاية تسعى إليها؛ إذ أن هذه القنوات ينفق عليها
شهريًا ملايين الدولارات من أجور مذيعين ومصورين ومخرجين، وإيجار استديوهات،
واشتراك في الأقمار الصناعية، ومكاتب ومراسلين يملئون دول العالم لتغطية أي حدث
مباشرة.
ومع كل هذه الأموال الطائلة المنفقة إلا
أننا لا نجد ولو دعاية أو إعلان عن منتج واحد يُروج له على تلك القنوات ليتكفل
بهذه المصاريف الضخمة، أو حتى فتح باب التبرع لها لكي تستمر في مسيرتها.
بل العكس نجدها لا تتوقف لتعسر الانفاق أو ضعف
الميزانية، بل تزداد انتشارًا وتطورًا.
وهذا يثبت شيئًا واحدًا أن وراء هذه القنوات مشاريع ومخططات خفية، تجعلها تصبر على
دفع كل هذه الأموال، وأنها تستهدف المشاهد المجاني لها ليكون جنديًا يخدم مشاريع
اليهود من حيث لا يدري ولا يشعر.
وهذه القنوات مع اختلاف مشاربها
وتوجهاتها، إلا أنها تجتمع في المنتهى على دفع المتابع لها إلى التعلق بالسياسة،
حتى يدمن الكلام فيها والاستماع إليها وتكون هي محور فكره ومنطقه.
ثم يأتي "الإدراك الانتقائي" ويعمل
عمله، فيقرر المتابع لها مشاريع اليهود ومخططاتهم، وهو في غفلة شديدة، ولا يعلم
المسكين من أين أُتي؟
والذي لا يعرفه عامة من شغلته السياسة من
متابعي هذه القنوات الإخبارية، أن السياسة قائمة على الخداع والمراوغة، وهذا دلت
عليه السنة الصحيحة عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "الحرب
خَدعة"[3].
فيريد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مثلًا فتح
مكة، فيسأل عن الروم وتسليحهم والطريق المؤدي إليهم، فيُخدع بهذا أعين الأعداء
التي بين المسلمين، ويعتقدون أن الجيش الذي يتجهز هو لحرب الروم.
ويخرج
الجيش من المدينة والكل يعتقد أنه ذاهب لخوض معركة مع الروم، إلا أنه ينحرف في الطريق،
ويأخذ قريشًا على حين غفلة وتفتح مكة من غير خسائر تُذكر.
فهذا
من معنى الحرب خَدعة، وأنها قائمة على المراوغة والخداع.
كما أن من السياسة "الإلهاء" فتشغل عدوك وتلهييه حتى يفقد تركيزه ولا ينتبه
لمخططك، عندها تهزمه وتفوز عليه.
ولهذا كان من النصائح المفيدة في هذا الباب، قول القائل: "لا تشتغل بالثعبان
حتى لا تلدغ من العقرب".
وما أكثر من لدغه العقرب ومازال حتى الساعة
مشتغل بالثعبان.
كما أنك لن يكتب لك الفوز على عدوك
وهزيمته إلا إن كنت عالمًا بمتعقده وفكره ومخططاته،
وما بين يديه من مقدرات حالية، وما يستطيع أن يتكفل به مستقبلًا، وما يريده بك،
وما يتوقعه منك؟
ولهذا
قيل: "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم"[4].
وعدو الأمة الإسلامية من وقت البعثة إلى اليوم= اليهود.
قال
الله -تعالى- : {لَتَجِدَنَّ
أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ
أَشْرَكُواْ} [المائدة:
82].
فهم أشد عداوة للمسلين من الكفار الأصلين، فالله -سبحانه- قدم عدواتهم على
المشركين مع أنهم أهل كتاب، فتأمل!.
فمن هم
اليهود؟
اليهود: هم قوم أعزهم الله وفضلهم على العالمين،
فجعل فيهم الملك والنبوة، وأرسل لهم الأنبياء والرسل تترا لكي يعلموهم ويؤدبوهم
ويقيموهم على الشرع.
وفتح عليهم أبواب الرزق، فملكهم الثروات
والأموال، فأصبحوا من أباطرة المال.
حتى في الوقت الذي كان يعاقبهم فيه كان -سبحانه- بهم لطيفًا، فأنزل عليهم وهم في
التيه، المن والسلوى، وهما من طعام أهل الجنة.
كما وقاهم من حر الصحراء فظللهم بالغمام البارد
الذي يرطب لهم الجو، ويحميهم من أشعة الشمس، فأصبح هذا الغمام لهم كأنه ظلة
"شمسية".
فبما قابل اليهود هذا النعم وتلك الممن؟
والجواب: أنهم قابلوها بالكفر والالحاد.
فنسبوا
له الولد -سبحانه- ، قال الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}.
[التوبة: 30].
ونسبوه إلى الفقر، وهو الغني -سبحانه-، فقالوا:
{إِنَّ اللَّهَ
فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } [آل عمران:181]
ونسبوه
إلى البخل -سبحانه-، قال الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}.
[المائدة: 64].
كما ألحدوا في اسمائه وصفاته فسموه يهوه -رب الجنود-، وزعموا أنه تعب في اليوم
السابع بعد خلق السموات والأرض فاستراح، فرد الله عليهم باطلهم فقال -عز وجل-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}. [ق: 46].
إلى
غير ذلك من شركهم ومخازيهم التي ذكرت في القرآن والسنة، وحتى في التوراة.
فلما
كان ذلك كذلك، لعنهم الله فطردهم من رحمته، قال الله -تعالى- : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا
كَانُوا يَفْعَلُونَ }. [المائدة:
78، 79].
كما ختم
الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلا يصل إليهم الحق، ولهذا لا يؤمنون إلا
قليلًا، قال الله تعالى: {
خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [البقرة: 7] .
كما عاقبهم الله بأن جعل قلوبهم قاسية فلا تنتفع بموعظة أو تذكير، قال الله تعالى:
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ
مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [المائدة: 13].
بل أصبحت
أشد قسوة من الحجارة ، قال الله تعالى: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ
كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}. [البقرة: 74].
فأصبحت قلوب اليهود غليظة قاسية[5]
لا تلين ليس فيها مكان للرحمة أو الشفقة، لا تتأثر ولا تتعاطف مع ضعيف أو صغير أو
مسكين، فخرجت بذلك من صفة قلوب الآدميين إلى قلوب الوحوش الضارية المفترسة كالضباع
التي لا تأكل لحم فريستها حية.
حتى أن هذا كان معلومًا في العالم الغربي قبل أن يتهود، وقد أجاد شكسبير في روايته
تاجر البندقية[6]
في تصوير قسوة القلب اليهودي وأنه ليس فيه مكانًا للرحمة أو الشفقة، مع مخزون كبير
من النفاق والغل، وكيف أن "شيلوك" التاجر اليهودي المرابي، أصر على قطع
رطل من لحم "أنطونيو" الذي اقترض منه مبلغًا من المال، وتأخر في السداد،
وقد اشترط اليهودي هذا الشرط في العقد، وهو الذي لم يلتفت إليه
"أنطونيو" وظن أنه مجرد حبر على ورق، وليس له وجود في دنيا البشر.
كما أن الله ضرب عليهم الذل والصغار، فهم أذلاء في أعين جميع الخلق حتى من يعبدون
الأحجار والأصنام كالبوذيين والهندوس، فلم ينفعهم أنهم من سادة المال والتجارة في
العالم من تللك المهانة، وذلك لأن الذل ملازمًا لهم عقوبة من الله، مصدقًا لقوله
تعالى: {وَضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ
بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}. [البقرة: 61].
كما أن الله عقابهم بأن جعلهم جبناء، حتى أصبح الجبن فيهم جبلة وطبع، فهم أجبن
الخلق، لا يستطيعون القتال كالرجال في مواجهة مباشرة، ولكن لا بدْ أن يتحصنون في
أبراج وحصون ومدن مشيدة، كما قال تعالى: { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى
مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}.
ولذا لا نجد اليهود يقاتلون إلا وقد تحصنوا خلف جدران تحميهم وتمنعهم من عدواهم،
فنجد
عندهم خط بارليف، والجدار العازل، والقبة الحديدة وهكذا.
إلا أن الذي لا ينتهي منه العجب، كيف أن قومًا بهذه المهانة والضعف الذي ذكر
آنفًا، نجدهم قد ركبوا أكتاف العالم جميعًا؟ حتى أننا لا نرى في حكومات العالم
الغربي اليوم من يتجرأ لتخطئة اليهود أو الأنكار عليهم، بل الكثير منهم يسعي لخطب
ودهم ومهادنتهم.
فكيف
ذلك وكيف استطاعوا أن يصلوا إلى هذه المنزلة؟
ويكمن جواب ذلك اللغز في معرفة سر الرجل اليهودي.
فاليهودي
لغز عالمي، فمع أنه مشتت في الأرض إلا أنه محافظ على جنسه لا يتأثر بثقافة وعادات
الأمم التي يعيش بينها، بل هو المؤثر فيها.
حتى أنه يعيش طواعية داخلة مجتمعات مغلقة عليه تعرف بالجيتو أو حارة اليهود[7].
ومع أن
اليهود يعانون ندرة عددية، فلو اجتمعوا جميعًا في معركة كبيرة نسبيًا لقضي عليهم
على بكرة أبيهم.
ومع ذلك لا نجدهم يبشرون باليهودية كما يفعل إخوانهم من النصارى الذين يتكلفون
السفر إلى أحراش أفريقيا ليجعلوا من هؤلاء الوثنيين نصارى يؤمنون بالمسيح المخلص.
أما اليهود فيعتقدون أن دعوة غيرهم لليهودية شرف لا يستحقونه، فاليهودية حجر على
شعب الله المختار وحدهم.
كما أن اليهود عندهم صبر أشد من صبر الحمار في إنفاذ مشاريعهم ومخططاهم، فلا
يستعجل
اليهودي قطف الثمرة، بل لا يهمه أصلًا أن يكون هو من يقطفها، المهم أن تزرع ولا
يستعجل
إن جاء الحصاد بعد مدة طويلة ولو استمرت قرونًا من الزمن.
وصبرهم
هذا وعدم استعجالهم للنتائج عملًا بالحكمة الانجليزية المشهورة "Slow
But Sure" = بطيء لكن أكيد.
وهذا
ما يدفعنا إلى الرجوع إلى التاريخ للنظر في بداية مشروعهم الاستطاني في العالم العربي
الإسلامي، وكيف بدأ؟
فنجد
أن اليهود استطاعوا اقتناص فرصة ظهرت في ألمانيا في مطلع القرن السادس عشر، أو هم
من صنع هذه الفرصة، الله أعلم بما حدث.
فقد ظهر في ألمانيا في هذا الوقت قس ألماني فيلسوف، قام في وجه الكنيسة
الكاثوليكية في روما منتقدًا لها في أمور: كمنح صكوك الغفران لمن يَبذل ماله في
التبرعات للكنيسة ولو كان من أشر الخلق.
فقال هذا القس: إن هذه تجارة بالجنة والنار ليس
فيها نصيبًا للفقراء، كما انتقد أحكام الزواج، وتسلط القساوسة والباباوات على
تفسير الكتاب المقدس، وأنه لا يوجد مانع من فهم كل إنسان للنصوص الكتاب المقدس كما
يَظهر له، واستدرك مسائل عدة، بلغت أكثر من تسعين مسألة.
إلا أن أغرب ما استدركه وناقشه، أن اليهود
ليسوا بهذا السوء الذي تصوره الكنيسة، وإنما هم عترة المسيح وأقاربه، فالمسيح ولد
يهوديًا من امرأة عذراء من بني إسرائيل، فاليهود أقرب للمسيح منا نحن النصارى،
فنحن الغرباء واليهود هم الأقرباء.
ولهذا يتحدم علينا رد الجميل لليهود ومساعدة عترة المسيح وأقاربه!.
وهذا الطرح كان غريبًا على العالم الغربي الذي كان يعتقد أن اليهود هم قتلة المسيح
الذين أسلموه للرومان ليصلب على خشبة في بيت المقدس -حسب معتقدهم- ، إلا أن أفكار
هذا القس الذي يدعى "مارتن لوثر"[8]
وجدت هوًا في نفوس طائفة كبيرة من نصارى الغرب فأمنوا بأفكاره واعتنقوها.
ومن
وقتها أصبحت طائفة اللوثرية -بدعة مارتن لوثر- أو ما يعرفون بالبروتستانت، يعملون
على خدمة اليهود، كخدمة الخادم لسيده، والكلب لصاحبه، يفعلون هذا تدينًا من غير
مقابل مادي أو معنوي، وإنما دين يعتقدونه ويقاتلون عليه.
وهو ما يجعل بريطانيا وأمريكا تدفع
بفلذات أكبدها في خدمة الصهيونية في بلاد المسلمين[9].
كما
أن ما أحدثه "مارتن لوثر" جعل اتباعه يؤمن بكل ما جاء في الكتاب المقدس
بشقيه العهد القديم والعهد الجديد[10].
وقد كانوا قبله يؤمنون بما جاء في الانجيل فقط "العهد الجديد"، فأصبح ما
حرفه اليهود وأدخلوه في التوراة من الدين الذي يقاتل اتباع لوثر على تنفيذه.
ومن هنا بدأت المحنة، وأصبح لليهود حميرًا يركبونهم لغزو أعدائهم، ومع شديد الأسف
صادف
أن هذه الحمير تعد من أقوى الجيوش العسكرية في هذا العصر وهي أمريكا، ويتبعها في
هذا
تلك المملكة التي كانت لا تغرب عنها الشمس
قديمًا، أعني بريطانيا الفاجرة.
وأصبحت
معركتنا اليوم ليست مع اليهود وحدهم ،بل أصبحت مع اليهود وأعاونهم من الأمريكان
والانجليز ومن ضم تحت لواءهم من أجل المساعدات المالية والسياسية والعسكرية.
وزاد الطين بَلة عندما وُجد لحمير اليهود الغربيين، حميرًا لهم من الشرقيين يُنفذون
خططهم ويمهدون لمشروعهم، فالأمريكان والانجليز وجدا أن الشيعة والخوارج خنجران في ظهر
العالم الإسلامي، يحملان الغل والحقد والسواد على أهل الإسلام، والفريقان يسعيان
لحكم البلاد الإسلامية.
ومن
هنا بدأت محنتهم، فقد مكنوا الخميني من حكم إيران وأصبحت من يومها حليفًا لليهود
تعمل معه على إضعاف البلاد السنية بإثارة الفتن والثورات فيها، وزرع مليشيات مسلحة
تتدين بحصد أرواح أهل السنة كجماعة حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.
أو افتعال معارك زائفة مع دولة اليهود تجعلهم يتمكنوا بعدها من غزو هذا البلد،
كهذه التي قام بها "حسن نصر الله" -رئيس حزب الله اللبناني- عندما خطف
جندي اسرائيلي واطلق صارخًا على اليهود، فأعطاهم الذريعة هم واحلافهم لدك هذا
البلد المسلم، فدمروا شمال لبنان وقتلوا أهله، وتركوا خلفهم 15 ألف جندي صليبي
بحجة حفظ السلام وعدم تكرار ما حدث.
وبالطبع اليهود لم تمس حمارها الشيعي، فلم تقرب الجنوب اللبناني الذي يسكنه
"حسن نصر الله" وقتها، ومازال حيًا يرزق إلى اليوم يكمل مخططات أسياده
في بلاد المسلمين.
وأما الخوارج فلا يقلون عن الشيعة في خدمة المشروع اليهودي، فهم من أعطى لأمريكا
الذريعة لغزو أفغانستان وتصفية الوجود السني في العراق بعد زعم تدميرهم لبرجي
التجارة العالمي في أمريكا.
فجاءت
أمريكا تجر خلفها تحالفًا صليبيًا إلى بلاد الإسلام فدمرت أفغانستان هذا البلد
السني، كما افتعل الخوارج معها حربًا في العراق فدخلتها ودمرت ما بقي منها، وتركت
حروب الشوارع للشيعة فقضوا على ما تبقى من الوجود السني في هذا البلد الذي كان
يومًا بيتًا للخلافة الإسلامية، ثم أصبح الشيعة على رئاستها.
كما أشعل الخوارج من الإخوان المسلمين وأشياعهم فوضى ثورات الخراب العربي[11]،
ثم صنعوا ما زعموا أنه جيش الدولة الإسلامية "داعش" وخرج زعيمهم
"البغدادي" يخطب في الأمة أن النصر على الأبواب وبدأ مناوشة الأمريكان
من سوريا، فلم يكتفي بحرب النظام السوري الشيعي لأهل السنة هناك، بل أتى
بالأمريكان لإبادة ما بقي من أهل السنة في سوريا، وكان لهم ما خططوا، ثم تبخر
"البغدادي" واختفى، واختفى معه جيش الدولة "داعش"، كما حدث مع
"القاعدة" و"بوكو حرام" وغيرهم من تنظيمات الخوارج التي لا يُعلم
لها نصرًا إلا على أهل السنة وجلب البلاء عليهم.
وما تفعله حركة "حماس" في فلسطين خير دليل على معاونتهم لليهود في
مشروعهم، سواء بعلم أو بجهل، كما توضح هذا الأحداث والنتائج، تطلق "حماس"
الإخوانية كل فترة صاروخًا على اليهود، لا يصنع شيئًا إلا تدمير جزء من مبنى أو
احراق سيارة، ثم يأتي اليهود بهذه الذريعة كردة فعل فتدمر منازل الأبرياء وتقتلهم
فيها.
وما فعلته "حماس" أخيرًا خير دليل على هذا، عندما قتلت جماعة من
المدنيين واخطفت أخرين، ومنهم من بلاد أخرى، وأطلقوا على عمليتهم هذه "طوفان
الأقصى"، والأقصى والإسلام برئ من فعل هؤلاء، فليس في الإسلام قتل النساء ومن
لم يكن من أهل القتال.
فأعطوا ذريعة لليهود لإبادة أهل غزة حتى
وصل عدد القتلى فوق خمسة عشر ألفًا من المسلمين معظمهم من الأطفال والنساء، وأما
عدد المصابين ممن فقدوا بعض أعضاءهم جراء القصف فحدث ولا حرج، بخلاف مأساة من أصبح
هنالك في العراء والبرد القارص لأن بيته دُمر، وما وصلت إليه حال البنية التحتية
التي ربما لن تعود إلى حالتها مرة أخرى.
نعود:
ولعل أخطر ما في معركتنا مع اليهود هو ما حدث من تغير لوعي الأمة الإسلامية، إذ
استطاع الإعلام الصهيوني تصوير أن حرب هؤلاء على أهل الإسلام ليس من أجل الدين
والمعتقد، وإنما من أجل ما في أيديهم من ثروات وبترول.
وأصبح من يخوض المعركة ضدهم من أبناء الأمة معتقده أننا نقاتل من أجل الأرض وتراب
الوطن، وليس أن دفع شر هؤلاء وقتالهم إنما هو جهاد في سبيل الله لكي تكون كلمة
الله هي العليا.
واليهود
من قديم يحركهم معتقد يزعمون أنه وعد إلهي حتمي الوجود إن أخذوا بأسبابه، وهو أن
ربهم "يهوه" وعدهم كما في سفر التكوين بأرض تبدأ من نهر النيل في مصر
وصولًا إلى نهر الفرات في العراق [12].
وهذا الأمر معلن لا يخفونه، حتى جعلوه
شعارًا على علم دولتهم، فهو مكون في نجمة سداسية في وسطه، يطلقون عليها نجمة داود،
وذلك لأن ملك بني إسرائيل الذي سيملك العالم ويجعل اليهود يتحكمون في الأمم إنما
هو من نسل داود [13]،كما
صرحوا بذلك في البروتوكول الرابع والعشرين، وهو أخر بروتوكول من برتوكولات صهيون،
ليظهر أن هذه البروتوكولات والمخططات ما وضعت إلا لتنفيذ هذا الهدف والتمهيد له.
وجعوا على طرفي العلم اليهودي خطان أزرقان يرمزان إلى نهر النيل ونهر الفرات.
وأما حمير اليهود من البروتستانت من الأمريكان والانجليز، فينطلقون من نبوءة عندهم
في سفر الرؤيا، وهي ما تعرف برؤيا يوحنا[14]
والتي هي اخر نصوص الإنجيل.
ورؤيا
يوحنا تمثل أهمية كبيرة في هذا المشروع الصهيوصليبي، حتى أن عامة الرموز الماسونية
مستوحاة منها لأهميتها عندهم.
وخلاصة
هذه الرؤيا: أنه لن تقوم الساعة حتى ينزل المسيح المخلص إلى الأرض، وتنطلق حملة
صليبية يكون جندها من اتباعه ومحبيه، هذه الحملة يقتل فيها المحمديين والوثنيين،
فإذا تطهرت الأرض منهم، أصبحت هذه الأرض جنة لمدة ألف سنة يتمتع بها اتباع المسيح
المخلص، جنة لا يحتاجون فيها إلى طعام أو شراب، ثم تقوم الساعة ويدخلون جنة الخُلد
بعد أن يغفر لهم ويسامحهم!.
وهو ما يسمى بمعتقد الألفية السعيدة، والتي أشار إليها الرئيس الأمريكي "بوش
الأب" عندما كان يتجهز إلى بداية هذا المشروع بضرب العراق
"الفرات"، فقال: "نحن على مشارف نظام عالمي جديد".
فلما بدأت الحرب فعلًا أيام ابنه "بوش الابن" قال: "أنها حرب
صليبية".
وهذا الحلم يقاتل عليه نصارى أوربا من قديم قبل أن تنجح أمريكا في تنفيذه في هذا
العصر.
فقد كانت سبب الحملات الصليبية هذه الغاية، حتى أن رموز سفر الرؤيا كانت مرسومة
على ملابس الفرسان والأحصنة.
إلا أن هذه الحملات الصليبية باءت بالفشل بعد قرنين من الزمن في حرب ديار الإسلام،
وتم القبض على "لويس التاسع" أخر ملوك هذه الحملات الصليبية، وحبس في
دار قاضي القضاة "ابن لقمان" بمصر، وهو في حبسه هذا تفكر في كيف
للمسلمين أن يكون لهم الغلبة علينا كل مرة مع أننا أحيانًا نكون أكثر منهم عددًا
وتسليحًا؟
فتوصل إلى أن السبب هو ما بين أيدي
المسلمين من هذا العلم والتراث المسطور في كتبهم، فلو سلبوا هذا العلم لكانت لنا
الغلبة.
ومن وقتها اتخذت الحرب بين أهل الإسلام وهؤلاء الغرب أسلوبًا جديدًا، فانطلقت من
أوربا بعدها حملة صليبية جديدة بقيادة قائد فرنسي محنك كان على رتبة عالية في
الماسونية، وهو الفاجر "نابيلون بونابرت".[15]
غزا الديار المصرية وكانت غايته الأولى: تخليص ديار المسلمين من باقي التراث
الإسلامي الذي خلفه علمائهم الأوائل والذي يُعد قوة المسلمين التي قهروا بها
العالم، فجاء لسرقة ما تبقى من هذا التراث والذي أهلَك أكثره التتار في حربهم مع
المسلمين.
والثانية: هو جعل مصر مركزًا ينطلق منه لتمهيد هذه الأرض التوراتية لليهود، فحرك
جيشه لغزو بيت المقدس؛ إلا أن "أحمد باشا الجزار" حاكم عكا -رحمه الله-
كسر جيشه وهزمه، مع ما وقع في جيش الفرنسيس من الطاعون، فعاد نابليون مرة أخرى إلى
مصر وأكتفى بسرقة ما جاء من أجله، ثم سافر إلى فرنسا.
كما كان
من مخططه أيضًا استبدال هذا التراث الإسلامي بتراث اخر ترتبط الناس به، فأحيا
التراث الفرعوني بزعم فك علماء حملته لرموز حجر رشيد، ومن أن هذه الرموز الفرعونية كانت موجودة في مكتبة الخليفة العباسي المأمون
ولم يعبأ بها المسلمون، ولم يفعل "فرنسوا شامبليون" إلا أن سرق هذه
الرموز ونسبها لنفسه، إلا أنه كان من مكر هؤلاء أظهار الانبهار بهذا التراث
الفرعوني، وأنها حضارة بهرت العالم، فانطلى هذا على كثير من الخلق، وتناسوا تراثهم
الإسلامي العريق الذي كان سبب عزهم وتقدمهم، وتلعقوا بهذه الحضارة الفرعونية
الوثنية والتي ليست سوى بعض الأحجار والعظام البالية، والتي لا يأتي منها نفع في
الدنيا ولا في الأخرة، والأمر لله من قبل ومن بعد.
فسرق نابليون تراث المسلمين الموجود في الديار المصرية في جامع الأزهر والمكتبات
العامة والخاصة. وأصبحنا نجد حتى الساعة تراث علماء الإسلام في مكتبات أوربة
وأديرتها، فمن أراد طباعة كتاب للشافعي أو ابن تيمية، ذهب إليهم ..وهم بالخيار سمحوا
له بالتصوير أو منعوه.
وبالطبع يدفع لهم الأموال إن وافقوا على تصوير الكتاب.
مع
التنبيه أن الأمر يضيق عليه جدًا إن كان هذا الكتاب من التراث العلمي، ككتب علماء
المسلمين في الطب والهندسة والرياضيات، وما أشبه.
فقد وصل المسلمون في هذه العلوم الغاية، حتى أن الجبرتي المؤرخ -رحمه الله- وكان
معاصرًا لحملة "نابليون" ذكر أنهم في مصر توصلوا وقتها إلى إخراج الطاقة
من السكون إلى الحركة، وهو ما عرف بعدُ بعلم الميكانيكا.
ويكيفك أن تعلم أن الفرنسيس في حربهم مع أهل مصر سقطت منهم "بومبة" -قنبلة-
لم تنفجر في منطقة إمبابة، فاستطاعوا في
إمبابة في خلال ثلاثة أيام صناعة مثيل لها، وأصبحوا يحاربون هؤلاء العلوج بنفس
سلاحهم، فلم يكن من بُدْ لخروجهم من مصر وعودتهم إلى بلادهم[16].
فخرج
الفرنسيون من مصر ولم يتحقق لهم شرف تمهيد هذه الأرض لسيدهم المخلص، فجاء الانجليز
من بعدهم، وبدأ تمكين اليهود من هذه الأرض المباركة بوعد من بلفور، وبدأت المحنة
التي مازالت فصولها يعيشها أهل الإسلام حتى الساعة في فلسطين والعراق وسوريا
ولبنان وغيرها من هذه الأرض المباركة.
إلا
أنه خلَفَ الانجليز بعد ضعفهم الأمريكان، وأصبحوا هم من يتولى مشروع اليهود
عسكريًا واقتصاديًا، وأما التخطيط فهو لليهود وحدهم.
وما يحدث في غزة اليوم إنما هو حلقة من هذا المشروع التوراتي، والذي يقصد منه
تطهير هذه الأرض من المحمديين الوثنيين لقدوم مخلص اليهود والنصارى، ولا بأس أن حملة
التطهير هذه تسيل فيها الدماء أنهارًا[17].
ويستخدم
اليهود في فلسطين استراتيجية عسكرية تعرف بـ "انف الدب"، وفيها: أن دبًا
دخل مستعمرة للنمل فدمرها وأفسدها، فأراد النمل الانتقام لأرضه وإخراج هذا الغريب
منها، فملء جسد الدب وأخذ يقرصه ويؤذيه.
ففكر
الدب في التخلص من النمل نهائيًا فنزل الماء، فما أن نزل بنصفه الأسفل حتى تجمع
النمل على وسطه هربًا من الماء، فنزل أعمق فاجتمع النمل على كتفه، فنزل بكتفه
فاجتمع النمل على رأسه، فنزل برأسه وأبقى أنفه ليتنفس منها، فاجتمع النمل على أنف
الدب، فجاء الدب بحزمة قش وأخذ نفسًا عميقًا وغطس في الماء، فقفز النمل على حزمة
القش هربًا من الغرق، فخرج الدب من الماء وقد تخلص من النمل المؤذي، وقد أستولى
على المستعمرة لا ينازعه عليها أحد.
والدب في هذه القصة = اليهود، ومستعمرة النمل هي =فلسطين، والنمل هم = أهلها،
والماء هو= حملات التهجير والقتل والإبادة والجدار العازل وكل ما نشاهده من
العدوان الصهيوني في فلسطين، وأنف الدب الآن هي= غزة، وأما حزمة القش = فوسائل
الإعلام تحاول من خلال الإدراك الانتقائي تصوير أن اليهود يقصدون إخراجهم إلى
سيناء، وهذا دجل وخداع، إذ أن سيناء والقاهرة وكل شرق النيل داخله في أرض اليهود
التوراتية، وأول مكان خارج هذه الأرض هو غرب النيل ناحية الجيزة في المكان الذي فيه
سفارة اليهود.
فقد وافق اليهود عند وعد بلفور بالعريش في شرق النيل، ورفضوا ليبيا وأوغندا وقبرص
وغيرهم، لأن العريش داخلة في الأرض التوراتية، إلا أن المندوب البريطاني
"اللورد كرومر" رفض فكرة مد فرع من النيل إلى العريش لضعف منسوب المياه
فيه، فأعطوهم فلسطين.
إلا أن أخطر ما في هذا المشروع الصهيوني اليوم هو
كيدهم ببلد الله الحرام، فإن حمير اليهود في أمريكا منذ مدة طويلة نسبيًا يهيئون
الرأي العام المسيحي هناك بأن منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية داخلة في
أرض الميعاد، وأن غار نبي الله دانيال كان في هذه الأرض، وأن التيه الذي كان فيه
موسى مع بني إسرائيل لمدة أربعين سنة، إنما كان في تبوك وليس في سيناء، وأن تبوك
تبعد اليوم عن تل أبيب نحو 200 كيلو فقط.
كل
ذلك وغيره يروج له صهيوني يدعى "آفي ليبكين" وألف كتابًا في هذا سماه
"العودة إلى مكة"، وتأمل أنه لم يجعل الأمر قاصرًا على تبوك وحدها، بل
ذكر عودتهم إلى مكة، فانتبه!.
والأمر لا يقتصر عليه وحده، بل هناك قنوات خصصت برامج لمناقشة هذه المسألة، ويأتون
بأُناس تزعم أن المملكة تخبئ آثار بني إسرائيل المنتشرة في هذه البقعة، وأنها منعت
الناس من دخول تبوك حتى لا تظهر الحقيقة، ومثل هذا الدجل الإعلامي المبني على
قاعدة"ما تكرر تقرر".
هذا؛
وما تخفيه وسائل الإعلام اليهودية، أن الشعب الأمريكي ليس علمانيًا بل هو شعب
متدين أصولي يعتقد بحرفية نصوص الكتاب المقدس.
حتى أنه يوجد بها اليوم عدة ولايات تعرف بالحزام الإنجيلي، يمتد شرقًا من وسط
فلوريدا عبر الأباما، وتينيسي، وكنتاكي، وجورجيا، ونورث كارولينا إلى فرجينيا.
وله وجود غربًا يمتد من وسط تكساس إلى نورث داكوتا، ويتركز في تكساس، وأركنساس،
ولويزيانا، وأوكلاهوما، وميزوري، كانساس، ومسيسيبي.
بعض
هذه الولايات القائم بإنفاذ القانون فيها قساوسة الكنيسة، ينطلقون مع الشرطة في
سيارتهم وهم من يحدد من أهلًا للعقوبة من المخالفين، ومن يعفى عنه ويعطى فرصة
أخرى.
ونسبة
المتدينين في هذه المناطق مرتفع جدًا، ذكرت الإحصائيات أن أكبر نسبة لغير المتدينين
في الحزام الإنجيلي موجودة في ألاباما حيث تبلغ 6 %.
حتى
أنهم لم يمتنعوا من الذهاب إلى الكنيسة وإقامة القداس في جائحة كورونا.
وليس معنى ذلك أن باقي الولايات الأمريكية ليست على هذا المعتقد إلا أن نسبة
الالتزام في بعضها أقل.
فأمريكا أنشأها اليهود والبروتوستانت، فقد كان مع "كريستوفر كولومبوس"
في رحلته خمسة من اليهود، وأول طفل أبيض ولد لهم، كان يهوديًا من ولاية فرجنينا
واسمه "إسحاق منيس"[18].
وقد كتب "كولومبوس" إلى ملك اسبانيا بأن يجعل حصاد ثلاث سنوات كاملة من
ذهب هذه القارة الجديدة الذي سرقوه من أهلها بإبادتهم، فقد قتلوا أكثر من 400 أمة
كانت تعيش على هذه الأرض في سلام، قتلوهم في زحفهم تجاه الغرب والبحث عن الذهب
والثروات.
كتب "كولومبس" بجعل هذا الذهب قوة وعتاد لازمين لتحرير
"أورشليم" من أهل الإسلام، كما كتب إلى الملكة إيزابيلا وإلى البابا يحرضهما
على إنفاق غنائم أمريكا وثرواتها في هذا السبيل[19].
فحقيقة الصراع الدائر في العالم الإسلامي اليوم، ليس كما يصوره الإعلام الغربي
الموجه أنه صراع من أجل الثروات والبترول، وإنما هو صراع عقائدي، يعتقد فيه اليهود
واتباعهم من الأمريكان والانجليز ومن لف لفهم أنهم في حرب مقدسة تُعجل وقوع هذه النبوءات
التوراتية التي تجلب السعادة على الأمة اليهودية والمسيحية، ويتخلصوا فيها من شر
المحمديين الوثنيين.
والحق
أنهم في هذا الصراع الحالي أوقعوا الهزيمة بالأمة الإسلامية ليس في معركة واحدة بل
في معارك؛ إلا أن الحرب بيننا وبينهم لم تنتهي.
فنحن نؤمن أن حربنا هذه سيكون النصر فيها حليفنا
في النهاية، كما أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ قال:" لا تقوم الساعة
حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله".
[رواه البخاري].
وفي رواية مسلم في صحيحه: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون
حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله
هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود[20]".
فنحن نؤمن أن هذا واقع لا محالة، وأن الله سينطق هذه الجمادات من الحجر والشجر حتى
تُدلنا على من يختبئ خلفها من اليهود.
كما
نؤمن أن النصر من عند الله، فهو الناصر والمعين.
قال سبحانه: {وَمَا النَّصْرُ
إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}. [آل
عمران:126].
وقال عز وجل: { كَتَبَ
اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. [المجادلة: 21].
كما نؤمن أن النصر له أسباب يتوجب علينا تحصيلها، أهمها نصرة شرع الله عز وجل.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ
يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. [محمد: 7].
كما نؤمن أيضًا أن جهادنا مع اليهود ليس هو ما تتبناه الفرق الحزبية، من أننا
نقاتلهم من أجل أنهم سلبوا منا أرضنا، كما صرح بذلك مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين
"حسن البنا"، وتابعه على باطله الشيخ "أحمد ياسين"،
و"القرضاوي"، وغيرهما.
وإنما نجاهدهم جهادًا حقيقيًا لكي تكون كلمة الله هي العليا.
وأما
الأرض فليست هي غايتنا، وإنما هي وسيلة لتطبيق شرع الله في أرضه.
قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. [الحج: 41].
فالتمكين
في الأرض ليس هو الغاية، وإنما إقامة شرع الله في أرضه هو غاية كل مسلم، فإن أخذنا
بهذا الأصل وأقام المسلمون شرع الله في أنفسهم ومعاملاتهم مكنهم الله ساعتها من
رقاب اليهود ومن خلفهم وكتب لهم النصر عليهم.
فالله -عز وجل- لما أوجب علينا إعداد العدة في الجهاد، فقال سبحانه: {وَأَعِدُّواْ
لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}. [الأنفال: 60].
كان على رأس هذا
الإعداد = العدة الإيمانية، بأن تصفى عقائد الناس من الشرك والبدع، ويكونوا على صحيح
الدين الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وأما أخذ الناس اليوم بالنظم اليهودية كالديمقراطية[21]
والرأسمالية، أو بسبل التغير الغربية كالمظاهرات والاعتصامات، ثم الطمع في نصرة
الله لهم، فهذا ليس من سنن الله تعالى.
وإنما أمرنا في الشرع بمخالفة سبيل المغضوب عليهم من اليهود، والضالين من
النصارى، والتمسك بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء المهديين من
بعده، من هنا يأتي النصر، ويشفى الله صدور قوم مؤمنين.
وأما خلاف ذلك فليس سوى المزيد من الهزيمة وسفك للدماء المعصومة.
وأخيرًا أن ما يروج له الإعلام الصهيوني من سعي اليهود لهدم المسجد الأقصى، فلن
يحدث منه شيء بإذن الله تعالى.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الدجال: "يمكث في الأرض أربعين صباحًا يبلغ
فيها كل منهل، ولا يقرب أربعة مساجد مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد
الأقصى". [رواه أحمد وابن أبي شيبة بسند حسن].
فالمسجد الأقصى سيكون على حاله عند وقوع ملاحم اخر الزمان، والله تعالى أعلم.
وصلى
الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد.
القاهرة 5 / ربيع الآخر 1445 هـ
20 / 10 / 2023
الهامش
[1] :
جعل اليهود السيطرة على الإعلام بكل أشكاله هدفًا لهم لتحقيق أحلامهم، فوضعوه ضمن
مخططاتهم التي تعرف ببرتوكولات حكماء صهيون، فالبرتوكول الثاني عشر يتكلم عن حتمية
السيطرة على الإعلام والصحافة.
[2] :
يحاول اليهود من خلال أعلامهم الموجه هذا تهيئة العالم الإسلامي أخيرًا بعد أحداث
غزة 2023 إلى إطالة حالة الاستنامة التي غرق فيها، وذلك من خلال بث أن هناك ما
يسمى بـ "لعنة العقد الثامن" والتي هي عبارة عن: أنه لم تقم دولة يهودية
على مدار التاريخ وكتب لها البقاء فوق 80 سنة، فإذا وصلت للعقد الثامن زالت
تلقائيًا، هكذا يروجون لهذه الفكرة، حتى أننا رأينا من يتحدثون باسم الجهاد
ومحاربة الكيان الصهويني من المبتدعة الذين يتاجرون بجراح المسلمين، رأيناهم
يكررون هذه الفكرة كأنها من الحق الذي لا مرية فيه.
وما هي إلا خدعة لإضعاف عزم المسلمين من التجهز والاستعداد لحرب أبناء القردة
والخنازير، والاعتماد على أن القدر سيتكفل لنا بالنصر من غير بذل أسبابه، وإنا لله
وإنا إليه راجعون.
مع التنبيه: أن دولة داود وسليمان كما في التوراة كانت مدتها 70 سنة فقط، وليس 80
سنة.
[3] :
رواه البخاري، والصحيح والأفصح أن كلمة "خَدعة" تكون بفتح الخاء.
[4] :
هذه المقولة ليست بحديث، فليس لها أصل في السنة، ولكنها حكمة معناها صحيح.
[5] :
حتى أن هذا الوصف جاء في توراتهم مع ما أصبها من تحريف، انظر مثلًا: "سفر
حزقيال (3 : 5)".
[6] :
ذكر "هنري فورد" في كتابه اليهودي العالمي كيف استطاع اليهود منع تدريس
هذه الرواية في المدارس الأمريكية مع أنها كانت ضمن المقررات الدراسية لتعلم
الإنجليزية، والجدير بالذكر أن هذا الكتاب متقدم كُتب قبل 1919م ؛ فتأمل قوتهم في
هذا الوقت، وتصور ما وصلوا إليه الآن؟
وكذا ذكر "جون بيتي" في كتابه "الستار الحديدي حول أمريكا" (ص
/ 61).
[7] :
كان اليهود في أوربا قديمًا عندما يخرجون من مساكنهم المعروفة بالجيتو أو حارة
اليهود، يُلزمون بلبس نجمة سداسية صفراء تعلق على صدرهم تميزًا لهم حتى لا يختلطون
بالسكان الأصليين، والتي عرفت بعدُ بنجمة داود، والتي جعلها اليهود اليوم في وسط
علم دولتهم تعبيرًا على صمودهم في وجه الظلم الذي تعرضوا له.
إلا أن بعض المحققين ذهبوا أن رؤوس اليهود في هذه الأحياء هي من كانت تلزم عوام
اليهود بلبس هذا الشعار، لتغذية روح المظلومية والعداء في نفوسهم.
[8] :
ليس هو "مارتن لوثر كينج"، فهذا أمريكي معاصر، أما صاحبنا فهو ألماني
متقدم (1483 ـ 1546) ، ذكره الشيخ شاكر في كتابه الخطير "رسالة في الطريق إلى
ثقافتنا" ص/ 43 ، أنه كان من علماء أوربا الذين أخذوا على عاتقهم أخراج أوربا
من عوامل الجهل التي كانت غارقة فيه، وتهيئتها لحرب أهل الإسلام بعد فتح
القسطنطنية وسقوط اخر حصن للصلبيين في الشام.
[9] :
أمريكا نشأت على هذا المذهب، فعند اكتشافها هاجر إليها البروتستانت هربًا من
اضطهاد الكاثوليك لهم، وأطلقوا عليها اسم "أورشليم الجديدة"، وكان
اليهود معهم عند اكتشافها واحتلالها، فكان على سفينة "كرستوفر كلومبس"
خمسة من اليهود، وأول رجل وضع قدمه على أرض أمريكا يهودي، وأول كتاب = طبع فيها كان
"سفر المزامير"، فأمريكا ليست دولة علمانية كما تصور وسائل الإعلام،
وإنما هذا يراد به خدع العالم لكي لا ينتبه أنهم يخضون حربًا دينية عقائدية. والله
المستعان.
[10] :
العهد القديم يقصد به التورة، والتي تتضمن أسفار موسى -عليه السلام- وهي خمسة أسفار، وبعض كتب ووصايا أنبياء بني
إسرائيل قبل بعثة عيسى -عليه السلام- ، والذي بدء ببعثته عهد بني إسرائيل الجديد،
ويقصد بالعهد الجديد: الانجيل.
[11] :
من تأمل ما يوجد في سفر إشعياء إصحاح 19، يعلم أن هذه الثورات صنعت على عين
اليهود.
[12]: "في
ذلك اليوم قطع الرب مع "إبرام" -إبراهيم عليه السلام- ميثاقًا قائًلا :
"لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات". [سفر
التكوين ( 15 / 18 : 19)].
ومن خداع اليهود وتدليسهم جعل نسل إبراهيم -عليه السلام- قاصرًا على نسل إسحاق
وحده، مع أن نسل إسماعيل أيضًا من نسل إبراهيم -عليهم جميعًا الصلاة والسلام- .
[13]:
والشيعة تعتقد نفس المعتقد أن مهديهم المنتظر يحكم بحكم داود وليس بحكم محمد -صلى
الله عليه وسلم-، فتأمل!
في أصول الكافي ( 1 / 397 ):
"قال أبو عبد الله: إذ قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل
بينة".
[14]:
هذه الرؤيا حدثت بعد نحو قرن من المسيح -عليه السلام- كما أقرت بذلك كنائسهم، ومع ذلك وضعوها في
كتابهم المقدس وتدينوا بها!، فهل هناك أوضح من ذلك بتلاعب هؤلاء بكتابهم وتحريفه؟
ويكفي أننا نجد إنجيل لمرقس ولوقا ويوحنا
وبرنابا وتوما وغيرهم، ولا نجد إنجيل عيسى الذي أنزل عليه.
[15]:
انظر تفصيل هذه المأساة في كتاب "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" للشيخ
الأستاذ محمود محمد شاكر -رحمه الله-، هذا الكتاب المبارك الذي غير صورة الحياة
عند كل من قراءه، وزاد في فهمه وبصرته.
[16]: للإمام
المؤرخ "الجبرتي" -رحمه الله- كتابان في هذا الباب، الأول:"يوميات
الجبرتي" والثاني: "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" والمعروف
أختصارًا بتاريخ الجبرتي.
[17] :
كما في رؤيا يوحنا وما يكون في معركة هرمجدون (16 : 16)، وأن الدماء ستصل في هذه
المعارك إلى لُجُم الخيل (14 : 20) أي موضع اللجام، فكأن الذي حصل في الحروب
الصليبية وذبحهم لأهل بيت المقدس حتى وصلت الدماء إلى رُكب الخيل كان تفريضًا
منهم، لأنه لابد أن يصل إلى ارتفاع اللجام، والله المستعان.
[18] :
اليهودي العالمي لهنري فورد (1 / 16).
[19]:
انظر تلمود العم سام "الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا"،
تأليف/ منير العَكش، ص / 9 وما بعدها.
[20] :
الغرقد: شجر معروف له شوك، ويعرف بقيع
الغرقد في المدينة به لأنه كان فيه وقطع لآنه من شجر اليهود.
وقد قيل: أنه يشترك مع اليهود في صفاتهم، فهو كريه الرائحة، كما أنه لا يعيش
بجواره زرع أخر لانه يستحوذ على أكثر الماء ولو كان مالحًا، مع صبره جدًا على
فقده، كما أنه لا ينتفع منه بظل ولا ثمر، وهو كثير الشوك سام.
وقد أكثر اليهود من زراعته في الأراضي المحتلة، كما جعلوه شعارًا لعلامة تجارية،
فماركة الملابس والأحذية "تمبر لاند" علامتها شجر الغرقد.
وتخيل الآن بعض شباب المسلمين يخرجون على سنة الغربيين متظاهرين ومعتصمين لإسقاط
إسرائيل، وقد لبسوا ملابس وضعت عليها علامة شجر الغرقد اليهودية، وإنا لله وإنا
إليه راجعون.
[21]: وضع اليهود في مخططات البرتوكولات لإسقاط الدول، أنه لن تكون
الدولة حديثة وعصرية إلا أن كان لشعبها حق الانتخاب، وأن هذا من الحرية والمساواة
والعدالة، والحجر على حق الشعب في الانتخاب إنما هو استعباد لهذا الشعب وحرمان
لحقه المشروع، كما جاء في البرتوكول التاسع.
وفي البرتوكول العاشر: تنظيم لشكل هذه الدولة الحديثة بأن يكون هناك انتخابات تخرج
ممثلين عن الشعب = =وهو ما يعرف بمجلس الشعب، وأن هذا المجلس هو من يختار الرئيس،
وهو من يقدم له مقترحات وطلبات الشعب، فإن لم يجد هذه الرئيس المصلحة في هذه
المقترحات ردها مرة أخرى، فإن أصر عليها مجلس الشعب، فمن صلاحيات الرئيس حل هذا
المجلس كما ينص على ذلك الدستور، (والدستور) ليس إلا مدرسة للفتن والاختلافات
والمشاحنات الحزبية العقيمة.
ومن هنا يقع الخلاف بين الشعب وحكومته ويبدأ في كراهية وطنه والعمل على إسقاطه،
وهنا يأتي دور اليهود في الضغط على هذه الدولة وإضعافها أكثر وأكثر حتى تسقط في
قبضة اليهود.