إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 14 أبريل 2013

مختصر : حكم تقنين الشريعة الإسلامية


حكم تقنين الشريعة الإسلامية

( الدستور الإسلامي )
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، و بعد :
يكثر الكلام في الآونة الأخيرة بأن هناك مشروع دستور إسلامي ، و أن هذا الدستور هو البديل الإسلامي للدساتير الوضعية المضروبة على بلاد الإسلام .
فهل وضع مثل هذا الدستور جائز شرعاً ؟
و هل يجوز الإلزام به ؟
أم أنه خطوة جديدة لتبديل الشريعة ؟

أولاً : المراد بالتقنين :


قال الشيخ صالِحُ الفوزان - وفَّقَه الله - : ( وَضْعُ مَوادَّ تشريعيةٍ يَحكُمُ بها القاضي ولا يتجاوَزُها ) صحيفة الجزيرة عدد 11913 .


وعرَّفه الأستاذ صبحي المحمصاني بقوله : ( صياغةُ الأحكامِ الشرعيةِ في عباراتٍ إلزاميةٍ ، لأجْلِ تنفيذها والعمل بموجبها ) فقه النوازل للشيخ العلاَّمة بكر بن عبد الله أبو زيد 1 /94 .
ثانياً : تاريخ الدعوة الى تقنين أحكام الشريعة الإسلامية :

أول من دعى الى تقنين أحكام الشريعة ( عبد الله بن المُقفع ) - زنديق معروف قُتل سنة 145 هـ - ألف رسالة سماها " الصحابة " - أي صحابة الولاة و الخلفاء - و إقترح فيها على الخليفة جمع الأحكام الفقهية و إلزام القضاة بالحكم بها 
و جاء الخبر أن أبو جعفر المنصور خليفة المسلمين أراد أن يُلزمَ الناسَ بموطأِ الإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ ، فامْتَنَعَ الإمامُ مالكٌ وقال : ( إنَّ الناس قد جمعوا واطَّلعوا على أشياء لَم نطَّلع عليها ) .
ثم دعا الخليفة المهدي الإمام مالك الى إلزام الناس بموطئه فرفض الإمام 
فأعاد الخليفة هارون الرشيد نفس العرض على الإمام مالك فرفض أيضاً 
و في عام 1038 - 1118 أمر السلطان محمد عالمكير - أحد ملوك الهند – بتأليف لجنة من كبار مشاهير علماء الهند ، برياسة الشيخ نظام ، لتضع كتاباً جامعاً للأحكام الفقهية سمي بعدُ بالفتاوى الهندية ، ومَعَ هذا لم يكن هذا الجمع شبه رسمي مُلزماً للمفتين أو القضاة . 
ثُمَّ خَمَدَتْ هذه الفتنةُ حتَّى أحْيَتْها الدولةُ العثمانيةُ في أواخرِ ملكِها ، فأصدَرَتْ عام 1286هـ - 1869م " مَجلَّة الأحكامِ العدليةِ " ، مُتضمنةً جملةً من أحكامِ " البيوعِ ، و الدعاوى ، و القضاءِ " على هيئةِ قوانينَ تَتَلاءمُ كما يدَّعونَ معَ رُوحِ العصرِ ؟! و كانت على المذهبِ الحنفيِّ فقط ، و بغَضِّ النظرِ إنْ كان راجحاً ، أو مرجوحاً.
و في عام 1293 هـ صار هذا التقنين في المجلة المذكورة دَرَكة أولى لحلول القانون الفرنسي .
ثُمَّ اتَّجَهَت حكومةُ مصرَ عام 1334 إلى وضعِ قانونٍ للزَّواجِ والطلاقِ ، وفي عام (1342) أصدروا مَا يُسَمُّونهُ بـ " قانون الأحوالَ الشخصية " ، مُستمَدَّةً مِنَ المذاهِبِ الأربعةِ وغيرِها ، ثمَّ قاموا بتعديلِ بعضِ أحكامِ الوقْفِ عام 1365 ، و التي قاموا بإلغائها بالكلية عام 1371 هـ .
و في 27 - 11 - 1368 وافق مجمع البحوث الإسلامية بمصر ( على أن من مهمة المجمع العمل على إيجاد مشروع قانون شامل للأحوال المدنية و غيرها ) .
و ما بين فترة و اخرى يصدرون مذكرات تفسيرية و إلغائية و إستبدالها بأراء اخرى و هكذا ، حتى عم إدخال القوانين الغربية في غالب أنظمة محاكم هذه الدول .
و لا حول و لا قوة إلا بالله .

الجمعة، 12 أبريل 2013

تنبيه الأنام عن المخالفات في صلاة القيام

تنبيه الأنام عن مخالفات في صلاة القيام
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا بني بعده، وبعد :
لا يُتخيل أن يُذكر شهر رمضان من غير أن يُذكر معه صلاة القيام،  حتى أنك من الممكن أن ترى الرجل لا يقوم لله ـ عز وجل ـ من الليل طوال السنة
 لكن إن دخل رمضان تجده حريصاً على هذه الشعيرة طلباً للفضل الذي أشار إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديثه: ((من قام رمضان ، إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه )) [ متفق على صحته ]، لكن الكثير يغفل عن تعلم آداب هذه الشعيرة والتي هي داخلة تحت قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) [ رواه البخاري]، وهذا ربما يوقع العبد في حد البدعة وربما يُرد عليه عمله بالكلية! وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) [رواه مسلم]، ومعنى فهو رد : يعني مردود علي صاحبه غير مقبول منه، لأن الله ـ عز وجل ـ لا يقبل العمل إلا إن كان خالصاً صحيحاً ، ومعنى أنه خالص يعني لا يُقصد به إلا وجه الله ، وصحيحاً يعني: موافقاً لهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فهذه بعض التنبيهات عن المخالفات التي أحدثها الناس في هذه الشعيرة ننبه عليها حتى تصفوا هذه العبادة : 1- انتظار بعض المأمومين إلي ركوع الإمام ثم الدخول معه بسرعة في الصلاة لإدراك الركعة!. والصواب أنهم اخطئوا ، لتعمدهم بهذا التأخير ترك قراءة الفاتحة، وهي ركن لا تسقط عن الإمام، أو المأموم، أو المنفرد .
2- استخدام مكبرات الصوت المشتملة على صدى الصوت في الصلاة وقد سُئل عن ذلك العلامة ابن عثيمين - رحمه الله – فأجاب : أرى أنها حرام لأنه يلزم فيها زيادة حرف أو أكثر في القرآن، وهذا لا يجوز، والواجب على الأئمة أن يتقوا الله ـ عز وجل ـ وألا يتخذوا للقرآن مزامير كمزامير اللهو دون أن تكون مزامير كمزامير آل داود، ومزامير آل داود حسن الصوت المجرد، أما أن يضيفوا إليه آلة تكرر معه بحيث يكون الحرف الأخير ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة حروف فهذا والله تحريف للقرآن لا يجوز .[جلسات رمضانية 19 / 11 شاملة].

3- استحباب صلاة التراويح بسورة القلم " اقرأ " ، لأنها أول ما نزل من القرآن ، وآخر ما نزل . قال بكر أبو زيد : فلم أرى لهذا الاستحباب دليلاً .
4- استئجار القراء لصلاة التراويح . قال الشيخ الشقيري : ((أما استئجار القراء للقراءة في ليالي رمضان بالأجرة فبدعة مذمومة، ثم ذكر حديث: ((اقرءوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه )) [قال الشيخ الألباني : إسناده صحيح رجاله رجال مسلم] .
5- تقليد بعض الأئمة لأصوات مشاهير القراء . وقد نبه بكر أبو زيد على هذا في كتابه "بدع القراء" .
6- قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات بين ركعات التراويح .
7- الدخول في صلاة التراويح بعد صلاة العشاء مباشرةً، وترك سنة العشاء.
8- متابعة بعض المأمومين لما يقرءاه الإمام في التراويح بالنظر في المصحف.
وفيه تضييع لسنة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وسنة النظر إلى موضع السجود، فضلاً عن أن الإمساك بالمصحف في الصلاة من أجل الفتح على الإمام بدعة، فالصلاة ليست موضع تعليم أو تعلم، كما أن هذا الفعل يتنافى مع قوله تعالى : {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (( إن في الصلاة لشُغلاً ))
[ متفق على صحته] .

9- الزيادة على إحدى عشرة ركعة. قال الشيخ الألباني في كتابه " صلاة التراويح " (1 /86) : ((ولقد تبين لكل عاقل أنه لا يصح عن أحد من الصحابة صلاة التراويح بعشرين ركعة، وأنه ثبت عن عمر رضي الله عنه الأمر بصلاتها إحدى عشرة ركعة، كما تبن أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصلها إلا إحدى عشرة ركعة، فهذا كله مما يمهد لنا السبيل لنقول: بوجوب التزام هذا العدد، وعدم الزيادة عليه إتباعاً لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة )) . ثم قال الشيخ : إني أرى أن الزيادة عليها مخالفة لأن الأمر في العبادات على التوقف والإتباع لا على التحسين العقلي والابتداع ، ومن العجيب أن العامة قد تنبهوا لهذا، فكثيراً ما تسمعهم يقولون في هذه المناسبة وغيرها : ( الزايد أخو الناقص ) فما بال الخاصة؟! ويعجبني في هذه المناسبة ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال : ( جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أني وصاحبي كنا في سفر فكنت أُتم ، وكان صاحبي يُقصر ، فقال له ابن عباس : بل أنت الذي كنت تقصر وصاحبك الذي كان يُتم )).
10- مواظبة بعض الأئمة على سجود التلاوة كلما مروا بأي سجدة . وتلك المواظبة تُشعر بالوجوب، وأنه يُفضل ترك بعض المندوبات خوفاً من خلط العوام بين السنة والفرض، مثل مواظبة الأئمة والخطباء على الدعاء دُبر خطبة الجمعة حتى فهم العوام أنها واجبه، وإن لم يدعوا الخطيب وقعت الجمعة باطلة، وقد نبه الإمام "الشاطبي" في الجزء الثاني من كتابه " الاعتصام " على هذا الأصل : ( وهو أنه يُفضل ترك المندوبات أحياناً )، وضرب مثالاً وهو: مواظبة الأئمة في الديار المصرية على قراءة سورة السجدة كل ليلة جمعة والإتيان بالسجدة فيها وعدم تركها أحيانا، حتى زرع هذا في قلوب عوام المصريين أن ليلة الجمعة فُضلت بسجدة !).
11- صلاة الركعة الأولى في الوتر بسورة " الإخلاص "، والثانية بـ " الفلق" ، والثالثة بـ "الناس". و قد ورد في ذلك حديث ضعيف لا يصح العمل به.
12- قول بعض المأمومين في التأمين على الدعاء " حقاً - صدقاً - نشهد - .... " . وهذا من الممكن أن يكون مبطلاً للصلاة لأنه ليس من ألفاظ الصلاة ولكن من كلام الدنيا ، على خلاف قولهم " آمين " فهي من ألفاظ الصلاة .
13- تنبيه بعض الأئمة على هيئة صلاته للوتر، وأنه سيصلي الوتر ثلاث ركعات بتشهد واحد، أو أنه سيصلي ركعتين وركعة، وهذا لا نعلم له سلف.
وعلى المأموم أن يدخل الصلاة بنية متابعة الإمام في الوتر لعموم الحديث: (( فإنما جُعل الإمام ليؤتم به )). وقد سُئل العلامة "ابن عثيمين" ما حال المأموم إذا نوى أن يصلي الوتر مع الإمام بـ " سبح "، و" قل يا أيها الكافرون " ، ثم ركعة، ثم أن الإمام وصل ثلاث ركعات ببعضها ؟ فأجاب: ((المأموم لا يضُره إذا نوى الوتر سواء سلم الإمام من ركعتين أم لم يُسلم، لا يضُره شيئاً )) [جلسات رمضانية 21/14 شاملة] .
14- صلاة الوتر على هيئة صلاة المغرب بلا تسليم بعد التشهد الأوسط . وهذه هيئة لم تأتي بها السنة، والأصل في العبادات التوقف والاتباع، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( صلوا كما رأيتموني أُصلي )) [رواه البخاري].
15- غفلة بعض المأمومين عن قول " سمع الله لمن حمده " . وهذا خطأ لأننا مأمورون بمتابعة الإمام في التكبيرات الانتقالية ، وأما الاكتفاء بذكر " ربنا لك الحمد " فهذا ذكر الاعتدال من الركوع، ويتبقى ذكر الرفع من الركوع، والذي هو " سمع الله لمن حمده " وهو على الإمام ، والمأموم ، والمنفرد . وقد نبه الشيخ الألباني - رحمه الله - على هذه المسألة في كتابه صفة الصلاة ( هامش ص/ 135 و 136 طـ الثانية . مكتبة المعارف ).
16- قول بعضهم عند القيام في التراويح {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء 89]. وهذا القول بدعة محدثة إذ لم تأتي به السنة، ويدخل في مجمل ما أحدثه الناس في الصلاة، مثل قولهم دُبر الصلاة: " حرماً ، و "تقبل الله" ، والمصافحة بعد التسليم ، أو قولهم عند الوضوء "زمزم " .

17- جمع آيات سجدات القرآن في الركعة الأخيرة بعد الختمة من التراويح . قال الإمام السيوطي : ((وابتدع بعضهم بدعة أخرى، وجمع آيات سجدات القرآن عُقيب ختم القرآن في صلاة التراويح في الركعة الأخيرة فيسجد بالمأمومين جميعاً)). [الأمر بالإتباع و النهي عن الابتداع ص 192].
18- دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح . قال بكر أبو زيد : ((ودعاء ختم القرآن داخل الصلاة في التراويح عملٌ لا أصل له من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يرد فيه مروي أصلا ، ومن أدعى فعليه الدليل)) . [ تصحيح الدعاء ص 423 ، 424 ] .

19- المواظبة على عقد مجلس وعظ أو تذكير بعد الركعة الرابعة . وهذا لا يُعلم من فعل السلف ، فضلاً عن أنه كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفعل ويترك، قال العلماء: حتى يبين أن هذا الفعل سنة ، فما بالك بما لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ؟. وقد سُئل العلامة ابن عثيمين عن هذا فقال : ((إنه ليس من هدي السلف، وإذا أراد الإمام أن يعظ الناس فليجعله في آخر شيء إذا انتهت الصلاة نهائياً حتى يكون الناس باختيارهم إن شاءوا بقوا، وإن شاءوا انصرفوا)) .ا هـ [ لقاء الباب المفتوح لقاء رقم 229 ]. قُلت : ولا يلزم المواظبة على هذه الهيئة أيضا، فمن الممكن جعل هذا المجلس بعد الركعة الثانية تارة، وأخرى بعد الركعة السادسة، وأخرى يُعلم أن الشيخ أو المحاضر موجود، ولكن لا يقوم بوعظ الناس حتى يستقر في النفوس أن هذه الهيئة ليست واجبة.
20- قراءة سورة الأنعام في ركعة واحدة من صلاة التراويح . ((ويروون في ذلك حديثاً لا أصل له عن ابن عباس عن ابي بن كعب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أُنزلت سورة الأنعام جملة واحدة يُشيعها سبعون الف ملك بالتسبيح والتحميد ) وهذا الحديث إسناده ضعيف مظلم ، فاغتر بذلك من سمعه من عوام المصلين، ثم أن هذا الحديث لم يكن فيه دلالة على استحباب قراءتها في ركعة))[ الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع ص 20 ، للسيوطي ] .
21- قول بعض المصلين في أول ركعتين " أبو بكر! " ، وبعد الأربع ركعات " عمر !" ، وبعد الست ركعات " عثمان !" وبعد الثمان ركعات " علي! "
فوزعوا الخلفاء الأربعة على الثمان ركعات! .

22- إطفاء الإضاءة عند بدء صلاة التراويح. اعتاد بعض الأئمة على إطفاء الأنوار عند بدء الصلاة، وأداء الصلاة في المكان المظلم لا حرج فيه وهو أمر جائز، ولكن اعتقاد الصلاة فيه ميزة أو أنه أقرب للخشوع فهذا أمر مُحدث لا أصل له، ولعله من تلبيس إبليس، فقد غر أقواما قديماً بتغميض أعينهم في الصلاة ، فلما تنبهوا أن هذا خلاف السنة خدعهم مرة أخرى بإطفاء الأنوار، فضلاً عن أنه قيل أن إطفاء الأنوار عند بدء الصلاة هو من عادات النصارى!، فإن ثبت هذا فيُحرم هذا الفعل من باب ترك التشبه بالكافرين .
23- ترك مراعاة حال المأمومين كتعند بعض الأئمة في الإصرار على ختم القرآن في الصلاة . وربما نبه على هذا، وأخبر على أن الذي لا يوافق على هذا يذهب إلى مسجد أخر!، فيطرد أهل المسجد لكي يصفوا له ولأتباعه ، ونقول: إن ختم القرآن في صلاة التراويح وإن كان شيئاً طيبا قريبا للنفس ، إلا أنه لم يثبت في السنة، ولم يثبت عن أحد من الأصحاب عليهم الرضوان، والذي ينبغي للإمام إن يعلم أنه لا يصلي لنفسه حتى يصنع ما شاء، بل يصلي لغيره، ولهذا يُعبر الصحابة فيقولون : (( صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم )) فهو يصلي لغيره، وقد نصح النبي صلى الله عليه سلم معاذ بن جبل فقال : (( أنت إمام قومك، وأُقدر القوم بأضعفهم )) [رواه أبو داود والنسائي، وحسنه الحافظ في الفتح 2/299]، وفي المتفق علي صحته أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( يا أيها الناس ، إن منكم منفرين ، فمن أم الناس فليتجوز ، فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة))، وهذا في الفرض فما بالك في النافلة؟! ، أما من أراد الإطالة فليصلي لنفسه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا صلى أحدكم لنفسه فليصلي ما شاء )) .
24- تعمُد بعض الأئمة أن يختم القرآن في الصلاة في أيام قلائل . وذلك بإتباع سرعة القراءة، ولكن الملاحظ والمُشاهد من حال هؤلاء أنهم يقرؤون بطريقة يصعب فيها متابعة الإمام ورده إن اخطأ، فضلاً عن ترك التدبر والتأمل في معاني الآيات، وحجة هؤلاء هو تحصيل ثواب القراءة ويستدلون على هذا بحديث : ((لا أقول الم حرف ، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))، و نسأل: هل ورد هذا الحديث في أحاديث صفة الصلاة، وهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( صلوا كما رأيتموني أصلي)) ، أم ورد في فضل قراءة القرآن ؟، وأيضاً هذه الهيئة في القراءة مخالفة لأمر الله عز وجل : {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا}[ المزمل: 4 ]، وقد كانت تُعد حروف الكلمة الواحدة من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا تدعوا إحياء السنة بمخالفة السنة !.
25- إتباع بعض الأئمة سياسة استحلاب الدموع عند الدعاء . فتراهم يتجهزون لهذا الأمر بأدعية مخترعة الغرض الوحيد منها هو جعل المأمومين ينتحبون ويبكون، ويُخشى أن يكون هذا من الرياء والسُمعة، وهيئة هذه الأدعية كتفصيلهم في وصف النار كـ ( اللهم إن نعوذ بك من النار، ومن حر النار، ومن زقوم النار، ومن عقارب النار، ومن .... ) وهذا كله من اللغو، فلو أعاذك الله ـ عز وجل ـ من النار ابتداء لأعاذك من كل هذا، وقد سمع "سعد بن أبي وقاص" - رضي الله عنه – ابناً له يدعو (( اللهم أني أسألك الجنة، ونعيمها، وبهجتها، وكذا، وأعوذ بك من النار، وسلاسلها، وأغلالها، وكذا، وكذا، فقال له : يا بني إني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ((سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، فإياك أن تكون منهم ، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير ، وإن أعذت من النار أعذت منها ، وما فيها من الشر ))[أخرجه احمد، وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 3/218 ) ، وانظر دعاء القنوت للشيخ بكر أبو زيد ص12 ، 13 ].
26- زيادة لفظة"حليم" في دعاء ليلة القدر . فإن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها – سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إذ أنا وافقت ليلة القدر فبما أدعو فقال : قولي اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فأعف عني )، وقد صحح الشيخ الألباني لفظة (( عفو كريم )) كما في تحقيقه لسنن ابن ماجة، فيزيد بعضهم فيقول : ( اللهم انك عفوٌ حليم تحب العفو فأعف عني ) ، فهذا استدراك على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ربما يأثم صاحبه .
27- إحداث بعض الزيادات عن دعاء القنوت المأثور . كقولهم : (( فلك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت به علينا وأوليت ))، ومثل الزيادة في : (( اللهم أهدنا بفضلك يا مولانا فيمن هديت )) ، قال العز بن عبد السلام في فتاواه ص 87 : (( ولا ينبغي أن يُزاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت شيء ولا يُنقص )) .
28- دعائهم عند ختم القرآن بحديث داود بن قيس . وفيه: (( اللهم ارحمني بالقرآن، واجعله لي إماماً ونوراً، اللهم ذكرني منه ما نُسيت، وعلمني منه ما جهلت ... ))، [وهذا الحديث ذكره الغزّالي في الإحياء بدون سند ، وضعفه السيوطي] .
29- تفصيلهم في الطلب عند الدعاء . فتراهم يدعون: (( اللهم أدخلنا الجنة، وزوجنا من الحور العين، واسقنا من خمر الجنة، وثمر الجنة، وطير الجنة ... ))، والسنة على خلاف هذا، فجاءت السنة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتفصيل في الاستغفار، والإجمال في الطلب . فتراه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو : (( اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أسررنا وما أعلنا ... )) . ويقول : ((إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك) ويقول : (( اللهم إني أعوذ بك من عُضال الداء ، وخيبة الرجاء ، وشماتة الأعداء ... ))، هذا في الاستغفار . أما في الطلب فيقول : (( إذا سئلتم الله الجنة فأسالوه الفردوس الأعلى .. ) .
30- مبالغة بعض المأمومين في التأمين . حتى أنك ترى في بعض الأحيان يصل الأمر صيحات بصرخات حماسية تشبه الهتافات، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه – أنهم كانوا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أيها الناس ، أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم )) [متفق على صحته]، وتأمين المأمومين في الصلاة من الذكر الذي يُسن الجهر به بقدر يحصل به المقصود .
31- ابتداء دعاء القنوت بعض الثناء والمحامد . فإنه ليس من السنة البدء ببعض المحامد الطويلة التي يُستفتح بها دعاء القنوت، ولكن يدخل مباشرة في دعاء القنوت كما علمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحسن بن علي - رضي الله عنهما - .
32- التزام السجع في الدعاء. ومن صورة هذا التزامهم بأحاديث واهية السند، لكنها يظهر فيها هذا السجع، مثل حديث: (( اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته .... )). ومن الأدعية المخترعة المسجوعة : (( اللهم ارحمنا تحت الأرض، وارحمنا فوق الأرض، وارحمنا يوم العرض .... ))، وقد ثبت في صحيح البخاري عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال له : ( فانظر السجع في الدعاء، فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب )).[ دعاء القنوت لبكر أبو زيد ص 11 ، 12 دار ابن الجوزي ].

33- إطالة الدعاء . قال البغوي : (( يُكره إطالة القنوت كما يُكره إطالة التشهد الأول))[ المجموع 3/479 ]. وقال بكر أبو زيد : ((وإذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لمعاذ - رضي الله تعالى عنه - لما أطال في صلاة الفريضة أفتانٌ أنت يا معاذ ؟ فكيف في هذا الحال؟)) . [ دعاء القنوت صـ 14].
34- فتح مكبرات الصوت ليلاً في صلاة القيام . وذلك يُكره لما يترتب عليه ضرر يلحق بعض الطلبة، أو عدم راحة بعض المرضى، فضلاً عن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة " ، أو قال : " في الصلاة))[رواه أحمد، أبو داود وغيرهما ، وصححه الحاكم، والذهبي، وكذا الألباني]
35- تساهل بعض الأئمة في مسألة الوقف والابتداء . المُشاهد الآن في كثير من المساجد أن بعض الأئمة تشهي التلاعب في مسألة الوقف والابتداء ، وذلك زعماً منهم أنه يُنبه المستمع، ولا يجعله ينشغل عن القرآن!، وهذا ما أظنه إلا من تلبيس الشيطان، فإنهم يُحدثون معاني جديدة من الممكن أن تُفسد المعنى كقولهم: { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ }، ثم يقفون، ولا يكملون عن عمد، فيتوهم السامع أن الذي أكل البقر كان سبع ( أسد )، إلى غير ذلك من التلبيس . فنقول لهؤلاء وغيرهم : (( أيها الناس التزموا بالسنة، ولا تتلونوا فإن دين الله واحد )) .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
جمع وترتيب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 30 / 7 / 2011

حسم الجدال في رؤية الهلال


حسم الجدال في رؤية الهلال


الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
 فقد أعتاد المسلمون على استقبال شهر رمضان بخلافٍ وجدالٍ ، وعلى توديع شهر رمضان بخلافٍ وجدالٍ يقع فيما بينهم ، فأما الخلاف الأول فهو مسألة " رؤية الهلال " ، والخلاف الثاني في مسألة " هيئة خروج زكاة الفطر " .
وبما أننا على مشارف استقبال الشهر الكريم ، فنتعرض للخلاف الأول وهو مسألة " رؤية الهلال " .

ولعل أصل الخلاف في هذه المسألة نابع من أن الشارع علق أمر الصيام على الرؤية ، فقد قال
عز وجل : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [ البقرة 185 ]  ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :  (( صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته ... )) [ متفق على صحته ] ؛ وقد أجمع المسلمون على أنه لا يُبدأ الصيام إلا بعد رؤية الهلال ؛ ولكن الخلاف في إذا اختلفت المطالع .
 فهل إذا ظهر الهلال في بلد وجب على جميع المسلمين الصيام ، أم أن لكل بلد رؤيتها الخاصة ؟!
 
ومع أن الله ـ تعالى ـ منَّ علينا بحديث عند مسلم في صحيحه هو عمدة في هذه المسألة ، ولكن الخلاف مازال قائماً ، وفيه : (( أن أم الفضل بنت الحارث بعثت كريباً ـ وكان مولاً لها ـ إلى معاوية بالشام . قال : فقدمت الشام . فقضيت حاجتها . واستهل على رمضان وأنا بالشام . فرأيت الهلال ليلة الجمعة . ثم قدمت المدينة في آخر الشهر . فسألني عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما . ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة . فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم . ورآه الناس . وصاموا وصام معاوية . فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت . فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين . أو نراه ـ يعني : هلال شوال ـ . فقلت : أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا . هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ) [ رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة ] .
 وأم الفضل بنت الحارث هي امرأة العباس ، وأخت ميمونة أم المؤمنين ـ رضي الله عنهم ـ [ شرح سنن ابي داود – العباد 13 /29 ] . 

قال الإمام الترمذي : حديث ابن عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيح غريب ، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم . 

وقال الإمام " الطحاوي " في ( مُشكل الآثار ) بعد أن أورد الحديث : (( ففي هذا الحديث عن ابن عباس أنه لم يكتف برؤية أهل بلدٍ غير بلده الذي كان به ، وإخباره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك )) .

 وقال " ابن عبد البر " في ( التمهيد ) ( 14 /356 ) : (( أختلف العلماء في الحكم إذا رأى الهلال أهل بلد دون غيره من البلدان ، فروى عن ابن عباسٍ ، وعكرمة ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، أنهم قالوا : لكل أهل بلدٍ رؤيتهم ، وبه قال إسحاق بن راهويه ، وحُجة من قال هذا القول ما حدثناهُ ... ( وذكر حديث كريب ) ، ثم قال : وفيه قول آخر روى عن :" الليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل " ، قالوا : إذا ثبت عند الناس ان أهل بلدٍ رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا ، وهو قول مالك فيما روى لابن القاسم ، وقد روى عن مالك ، وهو مذهب المدنيين من أصحابه أن الرؤية لا تلزم غير البلد التي حصلت فيه إلا أن يحمل الإمام على ذلك ، وأما مع اختلاف الكلمة فلا إلا في البلد بعينه ، قال أبو عمر ( يعني : ابن عبد البر ) : إلى القول الأول أذهب لأن فيه أثرا مرفوعاً ، وهو حديث حسن تلزم به الحجة ، وهو قول صاحب كبير لا مخالف له من الصحابة ، وقول طائفة من فقهاء التابعين ، ومع هذا فإن النظر يدل عليه عندي ، لأن الناس لا يُكلفون علم ما غاب عنهم في غير بلدهم ولو كُلفوا ذلك لضاق عليهم ... ، وقول ابن عباس عندي صحيح في هذا الباب ، والله الموفق للصواب )) . أ هـ

وقد سُئل العلامة ابن عثيمين - رحمه الله – هل يلزم المسلمين جميعاً في كل الدول الصيام برؤيه واحدة ؟
 فأجاب : (( أن المسألة أختلف فيها أهل العلم إلى ثلاثة أقوال ( الفريق الأول والثاني ) دليلهم مشترك، وهو قول الله تعالى :  { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [ البقرة 185 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا رأيتموه فصوموا )) ، فذهب الفريق الأول أن الخطاب عام لجميع المسلمين ، وذهب الفريق الثاني أنه اذا اُختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته، وذلك لمن كان في مكان لا يوافق مكان الرائي في مقطع الهلال لم يكن رآه حقيقةً ولا حكماً ، وقالوا : التوقيت الشهري كالتوقيت اليومي، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي، فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري ، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره بإتفاق المسلمين .
 قال الشيخ : هذا القول كما ترى له قوته بمقتضى اللفظ ، والنظر الصحيح ، والقياس الصحيح أيضاً قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي .ثم ذكر الرأي الثالث وهو أن لولي الأمر إن رأى وجوب الصوم صام الناس )) . [انظر الشرح الممتع [ 3 /13 وما بعدها  ط دار العقيدة ].

 وهذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني - عليه الرحمة – مع أنه رجح القول الأول الذي يقول أن الخطاب عام لجميع المسلمين ، إلا أنه يرى أن يعمل المسلمون الآن بالرأي الثاني ، وهو : أن لكل بلدٍ رؤيته منعاً لوقوع الخلاف والفرقة ، حتى يأذن الله باتفاق كلمة المسلمين على إمام واحد ))[ انظر  تمام المنة للألباني : 398 ].

وهو قرار اللجنة الدائمة بالمملكة ، وهيئة كبار العلماء رقم (10 /135 شاملة )
قالوا : (( قد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرنا، لا نعلم منها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة؛ فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه، وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته ) أهـ .


فضلاً عن أن هذا ما فهمه علماء السنة من رواة الحديث :

فقد بوب الإمام مسلم لحديث كريب ( باب بيان أن لكل بلدٍ رؤيتهم ) .


وبوب الإمام الترمذي لنفس الحديث ( باب ما جاء أن لكل أهل بلد رؤيتهم ) .

و بوب الإمام ابن خزيمة ( باب الدليل على أن الواجب على أهل بلدةٍ لرؤيتهم لا رؤية غيرهم ) .

وقد حكى ابن المنذر هذا القول عن عبد القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، كذلك عكرمة مولى ابن عباس
وجماعة .

قلت : حتى أن المسألة يبدوا أنها لم يكن فيها خلاف قديماً، فإن الإمام الترمذي قال : (( والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ، ولم يحكي غيره )) ، وحكى ابن عبد البر الإجماع عليه في ( الاستذكار ) ! . ثم ياتي بعد ذلك من يهمش و يرد كلام حبر الأمة ، وتُرجمان القرآن " ابن عباس " ـ رضى الله عنهما ـ بدعوى أنه اجتهاد منه !، وأن اجتهاده غير مُلزم ، ويرد كذلك ما ذهب إليه السلف كـ "عكرمة ، والقاسم بن محمد ، ..".
 ثم يُنصب من شئت من الفقهاء ويدعي أن فتواهم مُلزمة مع أن آرائهم مجردة من الدليل ، وهي لا تتعدى الشُبه ، كما قال " أبو الحسن المباركفوري " في ( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ) ( 6 /428 ) قال : (( وعندي كلام الشوكاني مبني علي التحامل يرده ظاهر سياق الحديث )). أهـ  
وأعظم حججهم أنهم قالوا : لو سلمنا باختلاف المطالع ، لقلنا أنه سيكون هناك لأهل الإسلام عيدان ( فطر وأضحى ) ، مع أن من تأمل فقط حديث ابن عباس رضى الله عنهما يعلم أن أهل المدينة كانوا على خلافٍ في الصيام مع أهل الشام ، وهذا يتضمن بديهياً أنهم سيختلفون أيضاً في يوم عيد الفطر ، ومع ذلك أصر ابن عباس ـ  رضى الله عنهما ـ على رأيه موضحاً أن هذا ما أمر به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ . 

ويتبقى على من يُعاند في هذه المسألة ، ويدعى أن قول ابن عباس غير مُلزم ، أن يوضح لنا ما حكم من صام مع غير أهل بلده بيوم فيكون بذلك صام يوم الشك في بلده ؟
 وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك !
وأيضاً ما حُكم صلاة العيد لمن أفطر مع غير أهل بلده ؟
ومعلوم أن صلاة العيد فرض لا تؤخر عن وقتها ، وهذا اليوم يكون المتمم لرمضان في بلده !

و أيضا ما حكم من أخرج زكاة الفطر بعد أن صلى أهل البلد الأخرى العيد ؟

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة وليست بزكاة !

إلى غير ذلك من الإشكاليات .

وأما من خالف اجتهاده هذا،  فليصم في السر ويفطر في السر، ولا يفتن الناس، ويتذكر قول السلف (( إن ما تكرهون في الجماعة ، خير مما تحبون في الفرقة )) . 

نسأل الله عز وجل أن يفهمنا حقيقة الدين ، وأن يرنا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ، ويرنا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
وصلى الله على محمد على وآله وصحبه وسلم .
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 22 / 7 / 2011

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

مختصر"رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " للأستاذ / محمود محمد شاكـر





مختصر"رسالة في الطريق إلى ثقافتنا "

للأستاذ / محمود محمد شاكـر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد .

  فقد روى بسند صحيح أبو داود الطيالسي و أحمد وغيرهما من حديث أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

 "ألا لا يمنعن رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه".

 هذا الحديث هو ما افتتح به الشيخ شاكر رسالته المباركة " رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " والتي بَين فيها الشيخ الأستاذ أنه لَبِث عشر سنوات من شبابه في حيرة وشكوك من تلك الحياة الأدبية الفاسدة التي كان منغمسًا فيها من كل وجه ، فخاف على نفسه الهلاك، وأن يخسر دنياه وآخرته، وكان في هذه الفترة في السابعة عشرة من عمره عام 1926م، وحتى بلغ السابعة والعشرين من عمره عام 1936م.
هذا الخوف أدى به إلى قراءة كل ما وقع تحت يديه من الشعر العربي بتمهلٍ وتدبرٍ ونظرٍ في طريقِ البحث عن الحق، فأكسبته هذه المرحلة تذوقً للغة الشعر، ثم همّ بقراءة كل ما وقع تحت يديه من كتب السلف من تفسير للقرآن إلى علوم القرآن إلى دواوين السنة وشروحها إلى ما تفرع منها من كتب المصطلح، وكتب الرجال والجرح والتعديل، إلى كتب الفقه وأصوله، وكتب الملل والنحل ثم كُتُبْ الأدب، والبلاغة والنحو والصرف، وما شئت من أبواب العلم؛ فمنَّ الله -عز وجل- عليه بعد هذا بابتكار منهج يسمى

"منهج التذوق"، وهو تذوق الكلام العربي وما يقصد به وما وراءه من معاني .

وبيد أنه خرج بكشف غريب !!
وهو أن الأمة الإسلامية من بعد الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى القرن الحادي عشر الهجري كانت في علو وهمة وتقييدٍ لعلمها واعتزاز بتراثها، ثم حدثت فجوة
!

وقبل الكلام عن هذه الفجوة .. يجب أن تعلم أن حفظ ثقافة العرب منذ 1400 سنة إلى الآن، هو أن الثقافة عندهم هي الدين، وإهمال البحث عن أسباب تلك الفجوة التي حدثت في التراث العربي الذي هو الدين

" جبنًا عن طلب الحق".

فنرجع إلى سنة 489 هـ الموافق 1096م، أي: بعد ستة قرون من سقوط الحضارة الرومانية ، وظهور دولة الإسلام بدينه وثقافته، وبسط ملكه على رقعة تبدأ من حدود الصين إلى الهند ومن أقصى الأندلس إلى قلب أفريقية، وأنشأ حضارة نبيلة متماسكة بعد أن رد النصرانية وأخرجها من الأرض وحصرها في الرقعة الشمالية التي فيها هؤلاء الهمج الرعاع الذين يعرفون اليوم بإسم أوربة، ولما طال الزمان عن هؤلاء النصارى الفارين في الشمال ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا يذكر مع جيوش المسلمين، رأوا أن يُدخِلوا السكان الأصليين لأوربة في النصرانية حتى يكونوا جندًا لجيوش جرارة تُطْبق على ثغور الإسلام وعواصمه.
  وانطلق الرهبان يجوبون شمال أوروبة ليُدخِلوا هؤلاء السكان السكسون الهمج في النصرانية وإعدادهم لخوض المعركة العظمى، وكان جزءً من هذا الإعداد تشنيع الإسلام في عيونهم، وأن أهل الإسلام وثنيون، وأن رسول الإسلام كان وكان، فلم يتركوا بابًا من الكذبِ والتمويه إلا دخلوه.
  وجاءت اللحظة، وأصبح هؤلاء الرعاع من السكسون جيشًا بقيادة الرهبان وملوك الإقطاع وبدأت ما تسمى بالحروب الصليبية التي استمرت قرنين كاملين، تسفك الدماء المسلمة وتكتسح ثغور الإسلام وعواصمه الشمالية، وكانت فرحة رائعة لهؤلاء الرهبان، لكنها لم تستمر حتى انتهت بالإخفاق واليأس من حربِ أهل الإسلام، وذلك كان في عام 690 هـ الموافق1291م، لكنها تركت بصيصًا من اليقظة والتنبه لهؤلاء الهمج من المقاتلين باحتكاكهم المستمر بحضارة راقية كانت تفتنهم وتبعث في نفوسهم الشك مما كانوا يسمعوا عنها من الرهبان.
 وبعد أن بَطُل عمل السلاح بالإخفاق واليأس، خمدت الحروب بين الإسلام والصليب نحو قرن ونصف، ثم وقعت الواقعة واكتُسحت الأراضي المسيحية في آسيا في شمال الشام ودخلت برمتها في حوزة الإسلام، وفي يوم الثلاثاء 2 من جمادى الأولى سنة 857 هـ الموافق 29 مايو 1453م . سقطت القسطنطينية عاصمة المسيحية ودخلها محمد الفاتح بالتكبير والتهليل، وارتفع الآذان في طرف أوروبة الشرقي، وأيقنت النصرانية أن المواجهة مع الإسلام لا تُفيد بعد دخول الناس في الإسلام طوعًا لا كرهًا، كانوا بالأمس نصارى متحمسين في قتال المسلمين الوثنين، واليوم أصبحوا هم جند الإسلام؟ فلجؤوا إلى سلاح آخر خفي ... فانبعث منهم رجال يطلبون العلم والمعرفة في أرض الإسلام ما استطاعوا، في المشرق والأندلس
.

 وظهر رجال من طبقة "روجر بيكين" الإنجليزي الذي جاهد في التعلم جهادًا مستميتًا حتى يخرج نفسه وأهله من عوامل الجهل .

  وقضى الله في السابع عشر من جمادى الآخرة 690 هـ الموافق 17يونية 129م سقوط آخر حصن كان للصليبين في الشام، ورجعت آخر ملوك الحملات الصليبية إلى أوربة بالخزى والعار، وبدأ إعجاب المسلمين بكثرتهم وغرتهم الحياة الدنيا، ووقعوا في محارم الله سبحانه.
  أما في الجهة الأخرى المسيحية في دأب لا يعوقه ملل لإصلاح الخلل الواقع في الحياة المسيحية منذ دخول محمد الفاتح القسطنطينية قبل صلاة العصر، حيث اتجه إلى كنيسة آيا صوفيا، فوجدهم يُصلون فأمرهم بالإتمام، ولما جاء وقت العصر أذّنوا وصلوا وتحولت لمسجد، ومن حينها اهتزت أوربة كلها ولم يبق عليها راهب، ولا ملك، ولا أمير، ولا صعلوك إلا انتفض انتفاضة الغضب لدينه، وهَـّم القساوسة، والساسة لتوحيد اللغة، وإلقاء ما تعلموه من ثقافة المسلمين على هؤلاء الرعاع الهمج لكي يتخصلوا من رعب المسلمين في نفوسهم
.

  وقاموا بتعلم اللسان العربي لأنه مفتاح العلوم في دار المسلمين، فبعثوا أفواجًا إلى ديار المسلمين تجمع الكتب شراء أو سرقة، وتتعلم لكى تمُد علماء اليقظة بهذه الكنوز النفسية في بلاد الإسلام، وكان أهم ما لاحظوه هذه الغفلة المطبقة على أرض الإسلام والتي أورثهم إياها الاستنامة إلى النصر القديم على المسيحية، والاغترار بالنصر الحادث بفتح القسطنطينية، ثم سماحة أهل الإسلام عامتهم وخاصتهم مع من دينه يخالف دينهم ولا سيما اليهود والنصارى لأنهم أهل كتاب وذمة.
  ومن هذا الباب دخلوا وداهنوا العامة والعلماء، ينافقونهم بالمكر والخداع، وأنهم طلاب علم لا غير، خالصة قلوبهم لحب العلم والمعرفة، ومن يؤمئذ نشأت هذه الطبقة من الأوربيين التي عُرفت فيما بعد بالمستشرقين، ثم أمد هؤلاء المستشرقين الساسة الأوربيين بالمعلومات اللازمة لغزو بلاد المسلمين والاستيلاء على كنوزها، وهذه الفئة من الساسة تسمى برجال الاستعمار الذين ألقوا في قلوب رجال الكنيسة الحمية مرة أخرى لكي يُنَصّروا المسلمين في بلاد الإسلام وسموا بالمبشرين، ووقع تحت يد الاستشراق آلاف مؤلفة من مخطوطات وكتب في ديار الإسلام، نفيسة ومنتقاه "مشتراة أو مسروقة" موزعة ومفرقة في جميع أرجاء أوروبا وأديرتها ومكاتبها  "من كتب الدين، واللغة، والتاريخ، والطب، والرياضة، والصناعات، والآلات"، كل ذلك يدرسونه بدقة ونظام وترتيب.
   ولصد المسيحيين عن الإسلام وحتى لا يُفتَنوا به كما حدث من قبل، كتبوا كٌتبًا عن أهل الإسلام أنهم جهال جاءهم رجل ادعى أنه نبي وخلط بين النصرانية واليهودية وقام بفتح البلاد بالسيف لنشر دينه، وثقافتهم مسروقة من اليونان وغيرهم، وأن علماءهم من غير العرب إلى غير ذلك ...
  وسقطت الأندلس كلها بعد أربعين سنة من فتح القسطنطينية 897 هـ، ثم فُقدت دار الخلافة في القسطنطينية بعد مرور مائتا عام على فتحها، فأيقظت هذه الحادثة بعض رجال المسلمين الذين قاموا لإيقاظ الجماهير المستغرقة في غفوتها، رجال عظماء أحسوا بالخطر المحيط بأمتهم فهبوا بلا تواطؤ بينهم، من هؤلاء الرجال خمسة، هم:

 "عبد القادر بن عمر البغدادي" صاحب خزانة الأدب وكان في منتصف القرن الحادي عشر الهجري وكان في مصر، وظهر في جزيرة العرب "محمد بن عبد الوهاب"، الذي هبَّ لمكافحة البدع والعقائد التي تُخالف ما كان عليه سلف الأمة من صفاء عقيدة التوحيد، ولم يقنع بتأليف الكتب بل نزل إلى عامة الناس في بلاد جزيرة العرب وأحدث رجة هائلة في قلب دار الإسلام .

وظهر أيضًا في مصر اثنان هما:

" الجبرتي الكبير" وكان فقيهًا حنفيًا أحيا التراث وجمع كتبه من كل مكان وحرص على تعلم أسراره وألفاظه، وقضى في ذلك عشر سنين من هذا التعلم حتى دانت له الهندسة والكيمياء والصنائع الحضارية كلها حتى النجارة والخراطة، أما الآخر فهو:
 "المرتضى الزبيدي" الذي أحيا التراث اللغوي والديني وعلوم العربية، وهبَّ أيضًا في أرض اليمن الإمام الشوكاني الفقيه الذي أحيا عقيدة السلف وحرم التقليد في الدين، وحطم الفُرقة والتنابذ الذي أدى إلى الاختلاف والعصبية، وكان ظهور هؤلاء بداية تهديد لهذه القوة الجديدة التي ظهرت في أوروبة، وأصبحت هذه اليقظة في ديار الإسلام تُخَوفهم .
  وعمل جهاز الاستشراق على إخماد هذه اليقظة بأن أسرعت إنجلترا إلى سواحل الجزيرة العربية لإخماد صحوة "محمد بن عبد الوهاب" الذي نادى بتنقية الدين مما علق به من بدع ومحدثات، جاءت لتسيطر على تلك الصحوة وتحتويها ولكن بزي الناصر والمعين.
  أما في الجهة الأخرى فجاء التدبير من الاستشراق الفرنسي لإخماد اليقظة التي حدثت في الديار المصرية، والتي ظهر فيها من يقظة اللغة على يد الشيخين  "البغدادي والزبيدي"، ويقظة علوم الحضارة على يد الشيخ "الجبرتي الكبير" وتلاميذه، وأن هذه اليقظة متمثلة في جامعين هما الجامع العتيق "جامع عمرو بن العاص -رضى الله عنه- "، والجامع الأزهر، وهما اسمان يترددان في أرجاء العالم الإسلامي، فاليقظة التي تأتي من قبيلِهما سوف تؤدي إلى يقظة دار الإسلام كلها
.

  وقيض الله لفرنسا قائدًا أوروبيًا محنكًا صار اسمه مثيرًا للرعب في القلوب بأنه القائد الذي لا يُقهر وهو الفاجر نابليون.
  وفي 17 من المحرم سنة 1213 هـ الموافق لأول يولية سنة 1798م ، هوى نابليون على مهد اليقظة في الديار المصرية، فنزل الإسكندرية ثم زحف إلى القاهرة ومعه جيشه ومصطحبًا معه عشرات من صغار المستشرقين وكبارهم، وطائفة من العلماء في كل فن وعلم، ولما دخل القاهرة بدأ في استمالة المشايخ من رجال الأزهر لكي يستجيبوا له، فلما رأى امتناعهم عليه عجل فأطلق جنوده الغزاة ليستبيحوا كل شيء، حتى دخلوا الجامع الأزهر بالخيل، وكسروا القناديل، وألقوا المصاحف على الأرض وداسوها بأرجلهم، وبَالوا في المسجد، وشربوا الخمر.
  ولكن بعدما أحس هذا الفاجر بغليان في الشارع المصري جراء ما حدث، سافر إلى فرنسا، وعين على الحملة كليبر الذي ضرب القاهرة بالمدافع وأخذ في تقتيل الأبرياء، حتى منّ الله على المسلمين بسليمان الحلبى في يوم السبت 21 من المحرم سنة 1215هـ فقتل كليبر، ثم جاء على الحملة بعد كليبر الكذاب المنافق مينو الذي أعلن إسلامه من باب خطة الاستشراق لتسكين المسلمين، وتزوج من إحدى بنات مدينة رشيد، وبقى مينو في إمارته يُنْزل بالناس المصائب والبلايا حتى إجلاء الحملة من مصر في يوم الاثنين 21 ربيع الآخر سنة 1216 هـ الموافق 31 أغسطس 1801م، ولكنهم أخذوا ما جاؤوا إليه من كل نفيس من الكتب والعلوم وتركوا لنا رموز حجر رشيد
!.

  ولا تظن أنهم جاؤوا لنهب الكتب والثروات العلمية فقط .

  ولكن لتجريد بلاد الإسلام من أسباب اليقظة التي حملها الجبرتي الكبير والبغدادي والزبيدي.
   وينبغي التنبيه هنا على أن نابليون قُبيل رحيله فعل أمر هام وهو : إنشاء ما يُسمى بالديوان، وهو عبارة عن: "صورة هزلية لحكومة دستورية، وعين عليه بعض المشايخ الذين كانت لهم هيبة عند الناس وكانوا من أعيان البلاد الذين امتازوا بمركزهم العلمي وكفاءتهم ولكنهم في الأصل مواليين للفرنسيس"، وتم اختيارهم لتنفيذ أغراض المستشرقين وتحسين صورة هؤلاء الصليبين، فكان عملهم إماتة روح الجهاد في قلوب المسلمين.
 ولكن استنكر عليهم الناس، والتفوا حول صغار المشايخ من الأزهر لأن معهم صريح أوامر الله سبحانه وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-
.

  وقاموا بثورة القاهرة التي هزت هذا الغزو الفرنسي، والذي لم يفهمه نابليون أن المشايخ بخلاف القساوسة، فإن القسيسين يحكمون بآرائهم المطلقة، أما المشايخ فهم تحت سلطان الكتاب والسنة.
وبعدها سافر نابليون إلى فرنسا، ولكنه أرسل رسالة مهمة جدًا إلى كليبر، وهى التي غيرت الحياة الأدبية والإسلامية في مصر والعالم العربي والإسلامي إلى يومنا هذا
.

 وفيها أنه قال: "ستظهر السفن الحربية الفرنسية بلا ريب في هذا الشتاء أمام الإسكندرية أو البرلس أو دمياط (اجتهد في جمع خمسمائة أو ستمائة شخص من المماليك حتى متى لاحت السفن الفرنسية تقبض عليهم في القاهرة أو الأرياف ونسفرهم إلى فرنسا؛ وإذا لم تجد عددًا كافيًا من المماليك فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان، فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يُحجزون مدة سنة أو سنتين يُشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية، ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزبٌ يُضم إليه غيرهم . وسأهتم اهتمامًا بإرسال فرقة تمثيلية لأنها ضرورة للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد)  . اهـ

  هذا؛ ولم تذهب معاناة دار الإسلام في مصر من بلايا السنوات الثلاث من فعل الفرنسيس هدرًا، فإن ثورتها على جند الحملة الفرنسية أخرجت من غمار الناس ومن مشايخ الأزهر قادة جدد، علمهم الصراع والقتال ما لم يكونوا يعلموا، وأصبحوا هم حماة القاهرة، ومضت أربع سنوات على رحيل الفرنسيس، واستقر أمر المشايخ والقادة على إسناد أمر مصر إلى رجل كانت تركية بعثته في ثلاثمائة من الجند في أواخر أيام الحملة الفرنسية كان اسمه "محمد علي باشا" في سنة 1801م، وكان "محمد علي" هذا الذي أُسند إليه أمر ولاية مصر وهو في الخامسة والثلاثين من عمره جاهلًا لم يتعلم قط شيئًا من العلوم، وكان لا يقرأ ولا يكتب، وقضى أكثر عمره تاجر للدخان ثم انضم إلى الجند، ولكن كان ذكيًا داهية عريق المكر، يَلبس لكل حالة لبوسها وكان مغامرًا لا يتورع عن كذب ولا نفاق ولا غدر، خالط المشايخ والقادة والمماليك وأظهر لهم المودة والنصح والسلامة حتى انخدع به المشايخ والقادة وآثروا ولايته على ولاية المماليك، فنصبوه واليًا على مصر وعلى رأس من انخدع به السيد "عمر مكرم" أكبر قائد للمشايخ والجماهير، فبذل كل جهده في إسناد ولاية مصر إليه، وكان ما أراد الله أن يكون.

 ولم يكن يَخفي على الاستشراق أمر هذا المغامر الجديد، فكان مُراقَبًا من أول يوم جاء فيه إلى القاهرة .

  فلما تمت ولايته أحاطت به قناصل المسيحية الشمالية إحاطة كاملة فبدؤوا يُغيرون صدره على المشايخ والقادة الذين نصبوه واليًا على مصر، يُخَوفونه عاقبة سلطانهم على جماهير المسلمين، وصادف ذلك استجابة طبيعية لما في قلب هذا المغامر الجريء من الدهاء والخبث وترك التورع عن الغدر وإنكار الجميل، فكان أول من غدر به هو السيد "عمر مكرم" نقيب الأشراف الذي بذل كل جهده حتى ينصبه حاكمًا على مصر، فنفاه إلى دمياط ثم إلى طنطا فتوفي رحمه الله في 1822م يعني استمر نفيه عشر سنوات، ثم استدار بعد ذلك إلى المشايخ ليقضى عليهم، وعزل الأزهر ومشايخه عن قيادة الأمة, وبدأ الاستشراق يستخدم ذلك المسلم الجاهل الأهوج لهدم الإسلام في ديار المسلمين، ولم يكتفِ بهذا في مصر بل أمده بالسلاح والقوة لكي يقضي على اليقظة في بلاد الحجاز التي أنشأها شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب"، ثم بعد ذلك التحول إلى الخلافة العثمانية لتفكيك وحدتها وإسقاطها، وتمهيده للمسيحية الشمالية في بلاد المسلمين .

هذا في مصر..
  أما في فرنسا فمشروع نابليون كان يسير بانتظام، ولكن بتعديل بسيط أحدثه "المسيو جُومار" الذي كان على رأس المشروع، وهو إبدال الشيوخ والمماليك من شيوخ كبار إلى شباب صغار حتى يكونوا أشد استجابة على اعتياد لغة فرنسا وتقاليدها فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزبًا لفرنسا، وعلى مر الأيام يَكبرون ويَتولون المناصب صغيرها وكبيرها ويكون أثرهم أشد تأثيرًا في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكار التي يطلقونها في صميم شعب دار الإسلام في مصر.
  وكان على رأس أول بعثة أرسلت إلى فرنسا، رجل خرج مع البعثة إمامًا لها يصلى بهم الصلوات الخمس ويُراقب أفراد البعثة وهو "رفاعة الطهطاوي" ابن الثالثة والعشرين من عمره، الصعيدي المنشأ، الأزهري الدراسة، التي لم ترَ عينه سوى الريف وضواحي الأزهر القديمة المتهالكة
.

  فرجع بعد ست سنوات من فتنته بباريس وتلك الأبهة والنساء الكاسيات العاريات، وتلك الحضارة الفاجرة، عاد ليخرج مصر من الظلمات إلى النور ومن التخلف إلى التحضر، وأنشاء عند رجوعه مدرسة الألسن التي كانت تُدرس الآداب الغربية والتاريخ المزور، لكي تنافس من طرف خفي الأزهر الشريف الذي أسقط هيبة مشايخه "محمد علي" مؤسس مصر الحديثة .
   وذهب "محمد علي" وذهب ملكه، وجاء أبناؤه على نفس الضرب وسيطر عليهم الاستشراق أيضًا.
   ومضت الأيام حتى جاء الاحتلال الإنجليزي في 1299 هـ الموافق 15 سبتمبر 1882، ووكل أمر التعليم في مصر إلى قسيس مُبشر خبيث هو " دنلوب" ليؤسس أصول الاحتلال الإنجليزي في مصر ويُمَكن لثقافته، ويَمسخ كل ما هو إسلامي وعربي في قلوب الطلبة حتى لا تتطلع إلى ما فيه، ولكي يملؤوا هذا الماضي المفرغ من العربية والإسلام جاؤوا بماضي بائد غامض كالفرعونية والفينيقية لكي يُزاحم بقايا ذلك الماضي المتدفق الحي،.
 وظهرت في الصحف والمجلات ظاهرة تسمى بالإرهاب الثقافي، وتتلخص في كلمات جوفاء "القديم والجديد" و "التخلف والتحضر" ، و "التجديد والتنوير" ، و "ثقافة العصر" .

والنفوس بصفة عامة تميل للجديد، وترفض القديم .

والصحيح لكلمة "التجديد" ليس هو إماتة القديم، وإنما هو إحياء القديم وأخذ ما يصلح منه للبقاء  ..

وهذا المختصر دعوة للرجوع إلى أصل الكتاب .

وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مراجع للتوسع:

كتاب أباطيل وأسمار.

كتاب جمهرة المقالات

للشيخ الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله تعالى.

واختصره

أبو صهيب وليد بن سعد.
10 / شعبان / 1432 ه
11 / 7 / 2011  

النصارى و الشرق الأوسط الجديد

 


النصارى و الشرق الأوسط الجديد 
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا
 نبي بعده ، و بعد : 
فإنه لا يخفى على أحد يعيش في أرض مصر حجم 
اللوبي الإقتصادي الصليبي المصري " شنوده و حزبه " .
يقول د. محمد عمارة في معرض كلامه عن الملف الصليبي المصري :
عددهم لا يزيد عن 3 ملايين و يسيطرون على إقتصاد ما يزيد عن 60 مليون ، فهم يمتلكون :
- 22.5% من الشركات التي تأسست بين عامي 1974 مـ ، 1995 مـ .
- 20 % من شركات المقاولات في مصر .
- 50% من المكاتب الإستشارية .
- 60% من الصيدليات .
- 45% من العيادات الخاصية .
- 20% من رجال الأعمال .
- 15% من وظائف وزارة المالية .
- أكثر من 20% من المستثمرين في مدينتي " السادات و العاشر " أ هـ ( نقلاً من و ا محمداه ص /135 )
قلت : و كما هو معلوم أن آخر وزير للمالية للحكومة السابقة قبل الثورة كان " يوسف بطرس غالي " و الذي خرج من البلاد في توقيت مُريب ، و الذي يزيد الإنسان يقيناً أن أمر هذه الثورة أمر دُبر بليل و له جدول زمني .
و قد فصلت في مقالة  "
أصل ثروة نصارى مصر"  كيف إستطاع نصارى مصر بقيادة شنوده السيطرة على ثروات البلاد ، و ما هي الطريقة التي إتبعوها لإخراج هذه الثروات ، و كيف أنهم أصبحوا أكبر قوة إقتصادية في تجارة الذهب في الشرق الأوسط بعد أن كانوا حتى عام 1968 مـ من أفقر طبقات المجتمع المصري ، و بيان أن أكبر نجاح حققوه هو إخراج هذه الأموال خارج البلاد و إعادة إدخالها مرة أخرى فيما يسمى بـ " غسيل الأموال " .
و ذلك عند حدوث " الفجوة الأمنية " التي أعقبت إغتيال السادات ، و تدور الأيام و تحدث الفجوة الأمنية مرة أخرى بعد ثورة 25 يناير ، و يظهر النصارى مرة أخرى بسيناريو جديد ( من أطفيح إلى إمبابة إلى ماسبيرو إلى ..... ) و مازال سيناريو الفتنة الطائفية مستمر ، و لن يهدأ حتى تحقق النصرانية المصرية ما حققته النصرانية السودانية من تقسيم البلاد و تهيأتها للتفتيت و التقسيم و هو ما يُسمى بـ " مشروع الشرق الأوسط الجديد " و هو على رأس جدول أعمال الكونجرس الأمريكي منذ أواخر الثمانينات ، و ملخصه تقسيم البلاد العربية الإسلامية إلى دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها يَسْهُل السيطرة عليها ، و قد تم تنفيذ بعض أجزاء هذا المشروع في بعض الدول بصورة كاملة مثل " العراق " فقد تم تقسيمه الى ثلاث دويلات صغيرة و ذلك بعد الغزو الصليبي الأمريكي لها ، فبعد أن كانت دولة واحدة سنية صارت دويلة شيعية و أخرى سنية و أخرى كردية عاصمتها " أربيل " ، و تم تنفيذ أجزاء من هذا المشروع بصورة جزئية على أرض " السودان " ، فقد تفاجئ المسلمون بتقسيم أكبر بلد إسلامي الى جزئين في الوقت الذي كانت البلاد الإسلامية منشغلة بربيع الثورات المباركة و التي ما هي إلا جزء من هذا المشروع " الصهيوصليبي " ، و الذي يخصنا هنا هو نصيب مصر في هذا المشروع و هو على النحو الآتي :
مصر تقسم الى 4 دويلات

1- سيناء وشرق الدلتا: "تحت النفوذ اليهودي" (ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات).

2- الدولة النصرانية:
* عاصمتها الإسكندرية.
* ممتدة من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط وتتسع غربًا لتضم الفيوم وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالإسكندرية.
* وقد تتسع لتضم أيضًا جزءًا من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح.

3- دولة النوبة:
* المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية.
* عاصمتها أسوان.
* تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر.

4- مصر الإسلامية:
* عاصمتها القاهرة.
* الجزء المتبقي من مصر.
* يراد لها أن تكون أيضًا تحت النفوذ الإسرائيلي (حيث تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى التي يطمع اليهود في إنشائها).

قُلت : هذا بيان ... فإنتبهوا ...
قبل أن نطالب بحقوق الأقليات المسلمة في هذه البلاد

و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلم .
و كتب 
أبو صهيب وليد بن سعد 
القاهرة 26 / 10 / 2011