إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 ديسمبر 2023

هل أخرج الإمام مسلم أحاديث معلة في صحيحة؟

 

هل أخرج الإمام مسلم أحاديث معلة في صحيحة؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإنه قد كثر الكلام حول هل تعمد الإمام مسلم بن الحجاج -رحمه الله- إخراج أحاديث معلة في صحيحه تنبيهًا منه على علتها؟.

والجواب:

حتى تتصور المسألة لابد أولًا من بيان معنى العلة عند المحدثين.

فإن العلة توسع في معناها العلماء، حتى أصبح يُعبر بها عن كل عيب في الحديث، فإن كان فيه راوٍ ضعيف قالوا: حديث ضعيف وعلته فلان، أو مُعل بالإرسال، وهكذا.

إلا أن الجيل الأول من أهل الصنعة كان لا يتعامل مع العلة بهذا التوسع، إذ أن العلة عندهم هي الكشف عن عيب في الحديث قَلّ من يَنتبه إليه، فالعلة خطأ خفي، ولهذا قيل أن العلة تختص ببيان أوهام وأخطاء الثقات.

وأما الانقطاع وجرح الرواة فليس بخفي، فهذا يستطيعه كل أحد، أما الكشف عن الخطأ الخفي فهذا لا يقدر عليه إلا الجهابذة النقاد أمثال شعبة وأحمد وابن معين وأضرابهم.

وربما استخدموا معنى العلة في التعبير عن ضعف ظاهر في الحديث، ولكن ليس هو الأصل عندهم.

وهذا الذي مر ذكره هو ما كان عليه الإمام مسلم -عليه الرحمة- .

فإن فهمت هذا، ظهر لك أن صنيع الإمام مسلم ومن قبله البخاري كان على نقيض ما ذُكر، من أنه يقصد إخراج أحاديث معلة في صحيحه ليُبين ضعفها؛ إذ أنه وكذا البخاري يتكلفان إخراج طرق أكثر للحديث الواحد دفعًا لعلة متوهمة، كالتفرد مثلًا لأنه ربما يُعل حديث الثقة إن تفرد به، فيأتي مسلم -رحمه الله- فيخرج للحديث متابعات دفعًا لهذا التفرد، ودفعًا لهذه العلة المتوهمة.

وربما يكون في المتابعات بعض الرواة دون مرتبة الثقة، بل ربما ينزل الرواي منهم عن مرتبة الصدوق المطلق، فُيذكر في ترجمته مثلًا أنه صدوق له أوهام.

فيكون إخراج الإمام مسلم لحديث هذا الصنف غير مقصود لذاته، وإنما لإثبات أن هذا الثقة لم يتفرد بالحديث.

وأن إخراج حديث هذا الصدوق الذي يَهم لم يكن تنبيهًا على علة حديثه، إذ أن كلام العلماء في ضبطه ووهمه معروف لا يخفى.

كما أن الإمام مسلم لا يُريد من إيراد متن هذا الصدوق استنباط فائدة فقهيه مثلًا، كصنيع الإمام البخاري، فإن مسلمًا لم يبوب لصحيحه ولهذا يورد الحديث بتمامه ولا يقطعه، أما البخاري فكان يقطعه لأنه يستنبط من المتون.

فيكون العمدة عند مسلم المتن الذي في الأصل وما ذكر في المتابعات ليس مقصودًا لذاته، إذ أنه من رواية من يَهم، وإنما ذكر حديثه لدفع التفرد أو اثبات سماع أو غير ذلك من الفوائد الإسنادية.

فلا يأتي أتٍ بعد هذا ويقول: إنه أخرج حديث هذا الصدوق الذي أخطأ في متنه من أجل أن يُنبه على علة حديثه!، هذا أولًا.

وثانيا: إن الإمام مسلم -عليه الرحمة- ربما قصد العلو فقدم حديث من هو دون الثقة وأخر حديث من هو أرفع منه.

وهذا كان عليه أهل الحديث في زمن مسلم وقبله، وكان عليه حال من جاء بعده.

فهل في هذه الحالة يُقال أنه يُعلّ الحديث المذكور في المتابعات مع أنه أحسن إسنادًا من حديث الأصل؟!

وثالثًا: أنه ربما أورد الإمام متنًا فيه خطأ، كحديث الصدقة باليد اليسرى، وهذا لا يعد علة عندهم، إذ أن العلة الأصل فيها الخفاء وهذا المتن ظاهر الخطأ.

بيد أن مسلمًا أدى الحديث كما حمله، ومعلوم عندهم اللفظ الصحيح، وربما حدث العكس فيخرج المتن الصحيح وينبه على مخالفة بعض الرواة، فيقول بعد إخراج الحديث بتمامه، وقال فلان كذا، أو يُنبه أن هذا لفظ فلان وخالفه فلان فقال: كذا وكذا.

فإن قيل: أن هذا من تنبيه مسلم على علل الأحاديث، نقول: هذا أيضًا يفعله البخاري بكثرة في صحيحه، فهل يقصد أيضًا إخراج أحاديث معلة تنبيهًا على ضعفها؟

والأمر هنا لابد أن يفهم في ضوء ما ذكر آنفًا أن العلة الأصل فيها الخفاء، والتنبيه على ألفاظ الرواة ليس من هذا الباب، بخلاف التنبيه على الإدراج فهو من باب العلل الخفية كما هو فهم الأوائل، والله أعلم.

وما فعله مسلم من التنبيه على اختلاف ألفاظ الرواة يدخل في المعنى الواسع للعلة، ولكنها علة غير قادحة، إذ الأصل لفظ متن الأصل الثابت وما جاء بعده إنما هو لعلة إسنادية كما مر.

رابعًا: إننا إن سلمنا لهذا الزعم، تقرر عندنا أن الإمام مسلم والبزار يشتركان في نفس المنهج في كتابهما إذ يقصدان إخراج أحاديث معلة تنبيهًا على علتها.

وهذا ظاهر البطلان، إذ أن مسلمًا اشترط الصحة في كتابه، فكيف يخرج أحاديث ضعيفة فيه؟

نعم، يوجد ما يُستدرك عليه في كتابه، كما يوجد أيضًا ما يستدرك على البخاري لتبقى العصمة لكتاب الله تعالى.

ولكن أن يُقال إنه تعمد إخراج أحاديث ضعيفة في صحيحة فهذا والله عجيب.

صحيح أنه ربما يَلتبس على البعض ما ذكره في مقدمته من أنه سيوضح ويشرح الأحاديث المعللة التي يأتي عليها.

والسؤال: أين هذا الشرح والإيضاح في بيان علل هذه الأحاديث التي ذكرها؟ وكتابه بين أيدينا.

فلم نجده يقول مثلًا: واختلفوا على فلان، ثم يذكر وجوه الاختلاف كما يفعل ابن المديني والدارقطني.

أو يقول: هذا اشبه بحديث فلان كما يفعل أبو حاتم.

أو ينكر سماع راوٍ صرح بالسماع كما يفعل ابن معين.

فهذا هو إيضاح وشرح علل الأحاديث، وهذا لم يأت منه شيء في صحيح مسلم.

وغاية ما ذكر اختلاف ألفاظ الرواة وهذا فعله البخاري أيضًا، وإن كان يدخل في معنى العلة بإطلاق، إلا أنه ليس فيه غموض ليكون علة قادحة يضعف من أجلها الحديث.

فضلًا عن أن مسلمًا عرض كتابه على إمام العلل أبي زرعة الرازي -رحمه الله-، فما كان فيه علة بالمعنى المعروف الذي يُضعف بسببه الحديث نبه عليه، فحذفه مسلم من كتابه.

فيكون مقصود الإمام مسلم بالتنبيه على العلة هنا، يعني العلل غير القادحة في صحة الحديث، والله أعلم.

وهذا تجده في كتب العلماء بكثرة، أقصد التنبيه على اختلاف الرواة، فأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم يفعلونه، ولا يقصدون به التنبيه على علل في الحديث بالمعنى المتبادر لمفهوم العلة القادحة التي يضعف الحديث بسببها.

وإلا لكان نال من استدرك عليه كالدارقطني أضعاف أضعاف ما استدركه، بيد أنه لم يكن عقيم الفهم، بل كان يعلم أن التنبيه على اختلاف الرواة لا يُعل الحديث، خاصة إن كان هذا في المتابعات والتي لم يأت بها -كما سبق- إلا لفائدة إسنادية بعيده عن المتن.

ولهذا استحق أن يُطلق على كتابه اسم "الصحيح".

والعجيب جدًا أن صاحب هذه الفرية زعم أن مسلمًا لم يشرح أو ينبه على الأحاديث المعلولة بالطريقة المعروفة، وإنما وضع لهذا الأمر منظومة، وهو أنه يأتي بالصحيح في أصل الباب، والمعل في المتابعات.

وهذا كلام عرضه يغني عن رده، إذ هو هلاوس سمعية وبصرية -نسأل الله العافية-، فأين هذا القيد في كلام المؤلف والذي وضع مقدمة لكتابه لفتح مغاليقه؟

وهل يتعامل مع العلم بالتكهنات والتخرصات التي ليس عليها دليل؟

ومن يُسلم بهذا الزعم يلزمه أن يخرج لنا الصحيح من صحيح مسلم، لأن الأصول بطبيعة الحال أقل بكثير من المتابعات كما هو معلوم، فيكون القليل من كتابه صحيح والغالب على البقية العلة والضعف، والله المستعان.

هذا؛ وأنا أعلم أن الأمر يحتاج إلى بعض البسط، ولكن هذا لا أقدر عليه الآن، فياليت أحد الأفاضل ينشط لتلخيص كلام العلماء في دفع هذه الشبهة التي تتضمن الطعن في هذا الكتاب الصحيح المبارك.

وقد شرعت في قراءة كتاب الشيخ ربيع المدخلي -حفظه الله- في رد هذه الفرية فوجدته قويًا في بابه، فإن لُخص أو استخرجت فوائده في نقاط لكان فيها نفع بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد.
القاهرة ٢٠ / ربيع الأول / ١٤٤٥ هـ
5 / 10 / 2023

منهج المتقدمين بين الجهلة والحدادية.

 منهج المتقدمين بين الجهلة والحدادية

 الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

  فإن علماء الحديث الأُول كان لهم طريقة في فهم الحديث والتعامل معه، وهذه الطريقة لم تحرر كتابة.

بيد أن الذي جاء من بعدهم فهمها باستقراء تراثهم، وقد التزم بهذه الطريقة والمنهج من جاء بعدهم من أهل الصنعة أيضًا، فنجد الإمام مسلم والترمذي -رحمهما الله- يذكران طريقة المتقدمين هذه في ثنايا كلامهما.

وهؤلاء لم يحرروا هذا المنهج كتابة أيضًا، وإنما ورد بعضًا منه عرضًا كما في مقدمة مسلم وعلل الترمذي، ثم حدث تحرير هذا المنهج كتابة بعدُ.

هذا، وغالب من كَتب في هذا الباب هو من أهل الصنعة، إلا أنه دخلت على بعضهم علوم الفلسفة والمنطق، فأدخلوا مباحث لم يعرفها الأوائل كالمتواتر والأحاد.

والذي كان عليه الأوائل أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها آحاد كما قرر ذلك ابن حبان -رحمه الله- .

وقال غيره: أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بحديث متواتر بهذا التقرير الموجود في كتب المصطلح. وأن معنى المتواتر المذكور في كلام المتقدمين لا يُقصد به هذا المعنى المعروف أخيرًا، وإنما الحديث من الممكن أن يأتي من طرق متعددة ولا يكون متواترًا، ويأتي من طرق قليلة ويكون متواترًا = لقوة نقلته، وهذا أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

ومع ذلك لو وقف الأمر عند الاصطلاح لهان الخطب، وإنما التباين ظهر في التطبيق.

وذلك لأنه كان للمتقدمين نظرة خاصة في الأحاديث، إن أرد أحدهم أن يوضحها ما استطاع، لأن بعض العلم لا توضحه الكلمات.

ومن هذا الباب الشذوذ والعلة، وهما مما قصر عنه علم من تأخر عنهم، فإنهم في الغالب ينشغلون بحال الرواة واتصال السند؛ أما الشذوذ والعلة، فهما مما يتطلب بيانه أمثال أحمد وابن معين وابن المديني ومن هم أعلى منهم طبقة أو نزل عنهم وعُرف بهذا الشأن.

إلا أن المتأخرين أقروا لهؤلاء الأعلام بعلو الكعب والتقدم في هذا العلم، ولم يردوا عليهم أحكامهم، وما لم يصل إليهم من كلام أو أحكام للمتقدمين في حديث أو راوٍ اجتهدوا في التماس سبيلهم ومنهجهم، فأصابوا تارة وجانبوا الصواب تارة أخرى.

فأتى من بعد هذا الجيل من استدرك عليهم، حتى وجد من استدرك على البخاري -رحمه الله- .

فأصبح صنيع العلماء في هذه المرحلة= جعل المتقدمين في منزلة، الأصل فيها التسليم لهم فيما قالوه وذهبوا إليه.. لكون أنهم خالطوا رواة الأحاديث ووقفوا على أصولهم وعرفوا الخطأ والصواب فيها، مع ما يُضم لهم في هذا المقام من خيرية الزمان الذي كانوا فيه، وهذا كله لم يكن لمن جاء من بعدهم منه نصيب.

والمنزلة الأخرى= أصبحت للذين جاءوا من بعدهم والتمسوا منهجهم وطريقتهم فيما لم يقفوا للمتقدمين فيه على كلام.

وهؤلاء تعامل معهم العلماء بالنظر في دليلهم، فإن أصابوا تابعوهم، وإن أخطأوا رُد عليهم خطئهم، وتحفظ كرامتهم ومنزلتهم، لأن العصمة دفنت يوم دفن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

كما أن أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق، فيعرفون خطأ من أخطأ من هؤلاء العلماء ولا يتابعوهم عليه، مع التماس العذر لهم من أنهم لم يقصدوا مخالفة المتقدمين.

إلا أن هذا العلم يَقل مع مرور الزمان بموت العلماء، وعدم توافر المصادر التي كانت بين يدي المتقدمين.

والعالم من هؤلاء المتأخرين كلما كان أحفظ لصحيح حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعلم بأقوال العلماء المتقدمين، كان أضبط لأحكامه، وأعرف من غيره بعلل الأحاديث، وأقرب لتميز الصحيح من الضعيف.

واستمر الحال على هذا، ثم دخل التساهل من بعض الفقهاء، فتساهلوا في زيادات الثقات، وعدم الإعلال بالتفرد والمخالفة.

وتساهل غيرهم في أحاديث الفضائل، فخالفوا بضم الواهيات لهذا الباب.

فكان التعامل معهم أيضًا بالنظر في دليلهم، فإن وافقوا الحق قُبل منهم، وإلا رُد عليهم.

وينبغي التميز هنا بين المحدثين من أصحاب الأصول كالترمذي وابن خزيمة، وبين من صحح أحاديث وجدها في كتب لم تشترط الصحة، فأعمل عليها القواعد وحكم عليها بالضعف أو الصحة.

فأصحاب الكتب المسندة في منزلة لا يبلغها من جاء بعدهم، ولهم طريقة في كتبهم، أقرهم عليها علماء زمانهم ولم ينكروها عليهم.

ثم وصل بنا الحال إلى هذا العصر الذي كاد أن يُعدم فيه العلم لقلة العلماء، خاصة في الحديث.

فرأينا من يزعم أنه أعلم وأقعد من هؤلاء الفقهاء من المتأخرين بهذا العلم الشريف، وأن جماعة من المحدثين الذين اشتغلوا بالفقه كابن خزيمة وابن حبان، كلامهما كله يحتاج إلى نظر من المعاصر، ليحكم على طريقته بالكلية فيصفه بالمتساهل أو المتناقض .. هكذا بعموم.

وتكون كلمة هذا المعاصر فاصلة في الحكم على هذا العالم الكبير.
والصحيح في هذا المقام النظر في دليل هذا العالم المتقدم
-نسبيًا- كما أسلفنا، فإن خالفت طريقته طريقة المتقدمين، وظهر لنا ضعف دليله، رددنا عليه خطئه مع حفظ كرامته ومنزلته.

مع التنبيه على أن هذا متعسر جدًا، ويصعب على أكثر من مارس هذا العلم خاصة في باب الحديث الحسن، الذي صرح مثل الإمام الذهبي أنه في إياسٍ من الوقوف على ضابط له.

وقد نشأ من هذه المخالفة، أقصد تصنيف هؤلاء العلماء بالتساهل والتناقض أو الوهم والغفلة .. بأن ظهر طائفتان نسبوا أنفسهم كذبًا وزورًا لهذا العلم الشريف، يشتركان في إصدار الأحكام جملة على كتب السنة من منطلق.. هذا كتاب الحاكم، وهو متساهل، أو هذا كتاب ابن حبان وهو كذا.

فعندهم تصور مسبق للحكم على الحديث قبل البحث والدراسة.

الطائفة الأولى: مجموعة من الجهلة لا تَعرف من هذا العلم إلا هذه الأصول والقواعد المذكورة في كتب المصطلح، مع جهل تام بمنهج هؤلاء العلماء المتقدمين خاصة أصحاب الكتب المسندة، فلا يعرفون شروط هؤلاء العلماء في كتبهم، وأن العالم منهم يشترط في كتاب له، ما يخالفه في كتاب اخر.

فيأتي هؤلاء الجهلة ويستدركون على هؤلاء الأعلام بما تعلموه في كتب المصطلح، والذي بعض ما فيه كان يجهله هؤلاء الأوائل -كما مر- لأنه من الفلسفة وعلم الكلام.

وكل ذلك بزعم أنهم على طريقة المتقدمين، فيزعم الجاهل من هؤلاء أنه على طريقة المتقدمين، والترمذي مثلًا يخالفها.

وقد ناقشت أحد هؤلاء من أيام في حديث استدرك تصحيحه على الترمذي، فظهر لي جليًا أنه يجهل شرط الترمذي في جامعه، بل شرط الحديث الصحيح بعموم، ثم تفاجأت أنه يبلغ من العمر أربعة وعشرين سنة، ولا يناديه الناس إلا بفضيلة الشيخ المحدث، فتأمل!.

وتَمْيّز هذه الطائفة سهل ميسور، إذ لا يصبر الواحد منهم إلا أن ينادي على نفسه بالجهل وخفة العقل، حتى أني قرأت لأحد هؤلاء أنه يقول إنه على منهج المتقدمين ولهذا لا يوجد في مكتبته كتب لعلماء بعد القرن الثالث!.

مع تعالم واضح يظهر في طول الحواشي وكثرة النقولات، فيريد الواحد منهم نقل كل ما وقف عليه في كتب الرجال ليُظهر أنه من أهل الصنعة.

والطائفة الثانية: تشترك مع الطائفة الأولى في تجهيل علماء السلف من المحدثين والفقهاء وعندهم شهوة تضعيف الأحاديث أيضًا، حتى أنك إن تحديتهم بتصحيح حديثًا ليس في الصحيحين ما استطاعوا، فهم لا يعرفون إلا التضعيف.

ولو صححوا الحديث، ستجد من يستدرك على المصحح منهم ويضعف الحديث.

فالقوم عندهم شهوة التضعيف، ولو وقف الحال عند هذا الحد لهان الخطب، إلا أنهم يغلب عليهم شهوة التكفير أيضًا.

فهذا الطائفة لم تكتف بتجهيل المتأخرين من أهل الحديث، بل ذهبت إلى تكفير طائفة منهم.

حتى أني رأيت أحد هؤلاء يصرح بتكفير الشيخ الألباني -رحمه الله-، ومشبوه اخر يصف الشيخ أحمد شاكر بأنه شيطان.

وهذه الطائفة من التكفيرين الحدادية ترفع أيضًا شعار منهج المتقدمين وتتستر به للهجوم على تراث الأمة والطعن في علماءها.

نعم هناك ما يُستدرك على الشيخ الألباني والشيخ أحمد شاكر، كما يوجد ما يُستدرك على من سبقهم كالسيوطي وابن حجر والذهبي وغيرهم.

إلا أن الأصل هنا النظر في الدليل، والعمل بما ترجح، مع حفظ مكانة ومنزلة هؤلاء العلماء، وأن لهم شرف السبق، والإقرار بأن المتأخر عنهم لن يستطيع اللحاق بهم مهما حاول، فهذه سنة الله في الخلق.

ودونك الشيخ الألباني -رحمه الله-، لا يستطيع الواحد من هؤلاء مجرد قراءة مؤلفات الشيخ المطبوعة فضلًا عن المخطوطة.

فما بالنا بتأليفها أصلا ؟.

ولكن الأمر كما قال الشاعر:

"إن الزرازير لما قام قائمها

توهمت أنها صارت شواهينا".

كما أنه لا بد أن نُقر اليوم أنه لولا المكتبات الالكترونية لما وقفنا على بعض العلل التي ظهرت لنا عند الجمع والمقارنة.

ولولا الحاسوب اليوم لأصبح أكثر من نسمع عنهم ونراهم هباء منثورًا.

وحتى هذه أيضًا، فالقوم لا يحسنون البحث الالكتروني لعدم تعاملهم مع الكتب، ومعرفة خباياها.

فالذي يستدرك اليوم على الألباني والشيخ أحمد شاكر لو سحب منه جهاز الحاسب لصار أجهل من ...

والكلام يطول في بيان طريقة هؤلاء وبيان منهجهم، ولكنها إشارة تغنيك -إن شاء الله تعالى- عن طول العبارة.

والله هو الموفق والمعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد
22 / صفر / 1445 ه
7 / 9 / 2023


تقريب معنى الحديث الحسن عند الترمذي.

 تقريب معنى الحديث الحسن عند الترمذي.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن الفجوة التي حدثت بين المعاصرين وأئمة الحديث في عصر الرواية خلقت حالة من الجرأة على هؤلاء الأعلام، حتى صار من المسلمات اليوم وص
ف بعض هؤلاء الأئمة بالتساهل والتناقض
.

والحق أن المعاصر ولا أقول المتأخر، لأن المتأخرين لا يدخلون في هذا الكلام الذي يأتي..

والحق أن المعاصر لمَا تجرأ على تراثهم ولم يراعي السبب الذي وضع من أجله المؤلَف، أو الشرط الذي وضعه العالم لكتابه، أو الترتيب الذي ارتضاه ..

فضلًا عن إعادة ترتيب هذه المؤلفات بجعل قسم منها صحيح وآخر ضعيف، أو غير ذلك مما كان يقدر عليه هذا العالم ولم يفعله.

فإنه لمَا تجاهل المعاصر هذا كله، أخذه سوء الظن بهذا الإمام، وحكم على مؤلفه بالكلية.

مع أن هذه المؤلفات كانت بين يدي علماء العلل وأئمة الحديث في عصر الرواية وبعده، ولم يذهبوا لما ذهب إليه المعاصر، وإنما وافقوا هذا العالم على ما ذهب إليه في كتابه، وأحيانًا أثنوا على حسن تصنيفه.

فالعلة هنا في فهم وطريقة المعاصر..

ومثال ذلك: هذه التجني بوصف الإمام الترمذي -عليه الرحمة- بالتساهل لتحسينه أحاديث في جامعه مدارها على راوٍ فيه ضعف.

فيأتي المعاصر فيصف هذا الحديث بالنكارة حسب ما يوجد في كتب المصطلح!، كأنه يتعامل مع أحاديث السنة بطريقة رياضية وقواعد جامدة.

ولو فتشت عن هذا الحديث الذي حكم عليه المعاصر بالنكارة لا تجد من سبقه من أهل الصنعة بهذا الحكم.

وذلك لأنهم كانوا يفهمون مراد هؤلاء الأئمة، وإنهم لم يكونوا يحسنون الحديث لمجرد النظر في إسناده وحسب، وإنما يحسنون الحديث بالنظر في متنه أيضًا، وأن هذا المعنى الذي يتضمنه المتن ثابت في الشرع من وجوه أخرى.

فله شواهد إما قرآنية أو حديثة أو موقوفات صحيحة.

فهو بهذا المعنى حسن صالح للاستدلال، ويوضح هذا ويجليه تبويب هؤلاء الأئمة لهذا الحديث.

فالترمذي -رحمه الله- يحسن في جامعه بمجموع الباب، يعني أن هذا الباب المبوب له معناه معروف معمول به عند العلماء، وروي هذا المعنى من غير وجه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

حتى أن الإمام المزي -إن لم تخن الذاكرة- جمع هذه الوجوه التي أشار إليها الترمذي.

فإذا ما نظرت إليها مجموعة فهمت أنه حسن بالشواهد أو مجموع الطرق.

وأما من ينظر إلى الحديث بعيدًا عن تبويب الإمام وكلامه عليه، لا يَظهر له هذا المعنى.

ولهذا هو أشار في آخر جامعه أن أحاديث كتابه معمول بها، إلا حديثين وذكرهما، فهو يقصد أن أحاديث الكتاب وإن وجد في بعضها ضعف، فهو يسير، إذ أن العلماء لم يهجروها وعملوا بها، حتى أنه يذكر في الغالب مذاهب العلماء بعد الحديث تنبيها على هذا الأصل، والله تعالى أعلم.

وصل اللهم على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

وكتب.

أبو صهيب وليد بن سعد.
القاهرة 17 / صفر / 1445ه
2 / 9 / 2023


الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

خدعة صفقة القرن!

خَدْعَة صفقة القرن!


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن من النصائح النافعة في دنيا السياسة، والتي ينبغي على كل من شغله هذا الباب أن يتعلمها ويعمل بها، قولهم: "لا تشتغل بالثعبان حتى لا تلدغ من العقرب".

وذلك لأن السياسة قائمة على الخداع، كما في قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "الحرب خَدْعَة" .[رواه البخاري ]

وواقع الناس اليوم، وبعد أن دُست لهم الأمور السياسية دسًا، فأصبحت كأنها من أركان حياتهم اليومية!، واقع الناس اليوم يُظهر أنهم دائمًا ينخدعون فيشغلون بالثعبان ويغفلون عن العقرب!.

ودونك هذه الخدعة السياسية التي تسمى "صفقة القرن"، فالأصل فيها أن نجتمع على عداوة من وراءها ومن دبرها.

بيد أن الناس انشغلت بمن دبُرت له، وبمن يُراد له الوقوع فيها، ومن سيتعاون مع اليهود في الدول الإسلامية والعربية لتحقيقها، وبدأ الرمي بالعمالة والتخوين، كأنها أصبحت حقيقة على أرض الواقع وليس مشروعًا يجرى تنفيذه.

وطبيعي في هذه الغفلة أن نلدغ ممن دبرها، وسينتهي الأمر بأن من دبرها وصل إلى ما أراده وزيادة!.

والعقرب في هذه الخدعة هم اليهود، هم من دبر هذه المؤامرة وأسسها.
وينبغي أن تعلم حتى تفهم حقيقة هذه الخدعة أن اليهود من أعلم الخلق بطبيعة البشر وطرق تفكيرهم، فالمشروع اليهودي التوراتي قائم على هذا الأصل:

استغلال غرائز البشر

وميولهم الفكرية والعاطفية والسياسية.

جاء في برتوكولاتهم أن من وسائل التمكين لهم:

"استعمال عواطف الناس المتأججة بدلًا من إخمادها. مع تضخيم الأخطاء والعادات حتى لا يستطيع الإنسان أن يُفكر بوضوح في هذه الظلمة والتشابك، وهو ما يعبر عنه بـ "التفكير في ضوء رؤية ضبابية". [انظر البرتوكول الخامس].

فخلق الغموض وإظهار التشابك والاختلاف حول الأحداث، من سنن المشروع اليهودي للتعمية عليه، لكي لا يُبصر خصمهم ما يدبرون بسبب هذه الصورة الضبابية التي أشرنا إليها آنفا .

كما أن اليهود يفهمون جيدًا نفسية عامة شعوب العالم العربي اليوم!.

هذه النفسية التي لا يستنكف أهلها -إلا من رحم الله- في مواكبة كل ما يأتي به اليهود والحضارة الغربية، بداية من التشبه بهم في المأكل والمشرب والملبس، ووصولًا للعكوف على مواقعهم وقنواتهم.

ولكن إن جاء هذا التشبه أو المتابعة من مسؤول أو مشهور .. كانت الطامة الكبرى، وأن هؤلاء خانوا الأمة وخانوا الأمانة وأصبحوا عملاء لليهود والأمريكان!.

حتى أصبح الأمر أن اليهود إذا أرادوا إسقاط رجل أو حتى دولة في العالم العربي أثنوا عليها، ولو أردوا الترويج أو تحسين صورة أحد عملائهم أظهروا عداواتهم له، كما يدندنون دائمًا حول عداوة إيران وأنها هي الخطر الذي يهدد الدولة العبرية في الشرق الأوسط.

مع أن الشيعة حمير اليهود لا يدخلون بلدًا إلا على ظهورهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ، وكما رأينا ذلك رأي العين في أفغانستان والعراق.

وبهذا تبدأ القلاقل والفتن في ديار المسلمين والعرب، فيستغلها اليهود لتنفيذ مخططاتهم.

وقبل التكلم عن صفة القرن وماذا يريد اليهود من وراءها؟

لابد أن نفهم أيضًا خطة اليهود في إنفاذ مخططاتهم التوراتية التلمودية، والتي يسعون من وراءها لبسط ملكهم في الأرض، وتهيئتها لاستقبال مسيحهم المخلص، والذي سيكون في هيئة ملك من نسل داود، وليس في هيئة قديس، وهذا سبب رفضهم لرسالة عيسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-.

هذه المملكة التي ستكون عاصمتها "أورشليم"، وحدودها الجغرافية من النيل إلى الفرات، كما هي بشرى ربهم -رب الجنود- لإبراهيم -عليه السلام- كما في سفر التكوين.

أما الحدود الفعلية لهذه المملكة، فالأرض كلها!

فحقيقة احتلال الدول، هو : سلب خيراتها، وتسخير أهلها، وبسط المحتل لسلطانه الفكري والاقتصادي والسياسي على أهل هذه الأرض المحتلة، وهذا كله مكفول لليهود بدون تحريك الجيوش والأساطيل، وهو ما يطلق عليه بـ "العبودية طواعية".

وأما أهم مقومات نجاح المشروع اليهودي أنه قائم على "الشخصية اليهودية"!.

فاليهود كالتاجر الحاذق الذي يعرف السوق جيدًا، وما يحتاجه ويفكر فيه "الزبون"!.

فهو تاجر يعرف كيف تأكل الكتف؟ وكيف يتحصل على "الجنيه"؟!

وهذا مشاهد في بعض التجار الحذاق من غير اليهود؛ فترى الرجل من هؤلاء صاحب مشروع أو دكان، وعنده زبائن كُثر، وأصبح موضع ثقة عند الناس.

ولكن دكانه أو شركته أصبحت قديمة ومتهالكة ولا تواكب العصر!، فإن اقترحت عليه أن يجدد ويحسن من صورة مشروعه، تجده يرفض.. ليس بخلًا بالمال، ولكنه يرى أن هذه الهيئة المتهالكة من أسباب نجاحه، فهي لا تلفت نظر المسئولين إليه، ويستطيع من خلالها خداع منافسيه لظنهم أنه خارج المنافسة لِما يظهر من حاله، وربما اعتذر لصاحب اقتراح التجديد والتحسين بقوله: "المهم الدُرج"!.

وكذا اليهود لا يهتمون بمظهرهم ولا ما يقال عنهم، ولا يلتفتون إلى مدح أو ذم، لأن المهم عندهم "الدُرج" وما حصلوه من مكاسب فعليه تخدم مشروعهم التوراتي.

كما أن الملفت للنظر فيهم أنهم مع حرصهم وجشعهم، إلا أنهم يتمتعون بالصبر وعدم التسرع.

فلا يدخلون في صفقة إلا بعد هضم الصفقة التي قبلها جيدًا، فلا تغريهم الفرص السهلة، لعلمهم أن من استطاعوا خداعه سابقًا يتربص لهم ليسترجع ما أخذوه منه، فيصبرون حتى يحكموا قبضتهم جيدًا على ما سلبوه من غيرهم، فيقطع الأمل في استرجاعه.

وإن تركوا شيئًا مما سلبوه من غيرهم فاعلم أن هذا لخدعة سياسية، أو مسألة عقائدية، كتركهم "أريحا" في اتفاقية "غزة أريحا"، وذلك لأنه عندهم في التوراة أن من يُعمر "أريحا" ملعون!.

كما أن عدم تسرعهم يرجع لثقتهم أن ما في أيدي غيرهم محفوظ لهم حتى يأتي وقت حصاده، فهم يعملون في ذلك كله بالقاعدة الانجليزية الاستعمارية: "slow but sure " = بطيء لكن أكيد" .

فمن فهم ذلك وتصوره، أصبح عليه من السهل محاربة هؤلاء والتصدي لهم، لأن من عرف لغة قوم أمن مكرهم.

والآن نعود لتوضيح خدعة "صفقة القرن"، والتي ليست سوى كلمة، لو حاولت تتبع مصدرها وما يقصد بها، وما الهدف من وراءها؟ عجزت عن تحصيل ذلك، لشدة الغموض واللغط والتشابك حولها، فيما يعرف بـ "الرؤية الضبابية" التى أشرنا إليها آنفا.

والتي هي جزء من البرتوكول الرابع، والذي قالوا فيه:

"ففي كل الأزمات، الأمم تأخذ الكلمات على أنها أفعال، كأنما هي قانعة بما تسمع، وقلما تلاحظ ما إذا كان الوعد قابلًا للوفاء فعلًا أم غير قابل له".

فالخدعة في "صفقة القرن" أنها ليست سوى كلمة روج لها إعلاميًا، وليس وراءها مشروعًا بعينه واضح الملامح، وإنما الهدف هو تحريكها وتضخيمها ثم انتظار ما يتحصل من وراءها، وأكبر ثمرة تجنيها هذه الخدعة.

واليهود في "صفقة القرن" كباقي مشاريعهم، ليس لهم هدف واحد.

وهذه طبيعة اليهود.. لا يبدؤون مشروعًا ويأملون من وراءه تحقيق هدف واحد، ولكن يستغلون كل ما يمكن حصاده من وراء هذا المشروع.

والصورة الضبابية مقصودة في هذا المشروع، لأنه ينتج منها شغل العامة بالأمور السياسية ومنازعتهم لقرارات ولاة الأمور والحكام وتخوينهم، كما نص على ذلك البرتوكول التاسع.

وذلك يؤدي إلى ردود فعل في الدولة المستهدفة، ويكشف عن مواطن الخلل والضعف فيها والتي يُعمل على استغلالها فيما بعد.

ومشروع "صفقة القرن" يروج له أنه على تصفية الوجود الفلسطيني من الأراضي المحتلة، وترحليهم إلى أراض أخرى، والذي استبعد حدوثه بهذه الصورة التي تطرح على الناس في وسائل الإعلام، من تفريغ أرض فلسطين من جميع أهلها، وجعلها لليهود وحدهم.

هذا مستبعد في هذه المرحلة من الصراع، إذ وجودهم في فلسطين مصلحة لليهود، لأنهم ورقة ضغط قوية لإبقاء حالة الشحن والغضب بين الشعوب العربية والإسلامية وحكوماتهم حتى تتفكك وتضعف ويَسهل السيطرة عليها وتقسيمها فيما بعد.

وعلى كل حالٍ ما يحدث في فلسطين منذ مدة استراتيجية تسمى "أنف الدب"، وخلاصتها: أن الدب غزا مستعمرة النمل، ولم يكتفي بذلك بل جلس على بيت النمل فدمره، فما كان من النمل إلا الانتقام ممن دمر مستعمرته، فقام بغزو جسم هذا الدب كما غزا هو أرضه، وأخذ يقرصه ويؤذيه.

فلم يكن أمام الدب حيلة للتخلص من إيذاء النمل إلا بالنزول إلى الماء، فلما نزل بنصفه الأسفل في الماء، صعد النمل على ظهره، فنزل الدب بوسطه في الماء، فاجتمع النمل على رأسه، فنزل الدب أكثر ولم يترك من جسده سوى انفه لكي يتنفس منها، فاجتمع النمل على انفه، فأتي بحزمة قش وجعلها بجوار انفه ثم أخذ نفسًا عميقًا ونزل في الماء، فقفز النمل على القش لكي لا يغرق، وخرج الدب من الماء وقد تخلص من عدوه المؤذي.

فالدب في هذه القصة هم اليهود، وجسمه = أرض فلسطين، والنمل هم شعبها، والماء هو عمليات التهجير والجدار العازل وسمي ما شئت من جرائم اليهود في هذه الأرض المقدسة، وأما أنف الدب، فهي غزة، وأما حزمة القش.. فالعامي الذي شغلته السياسة وهو لا يعرف عقيدة عدوه سيقول: سيناء، والحق أن حزمة القش لابد أن غرب نهر النيل، وسيناء شرق النيل وهي من أرض اليهود التوراتية، ولهذا أصر اليهود في اتفاقية كامب ديفيد أن تكون سفارتهم في غرب النيل في الجيزة وضواحيها، ورفضت أن تكون في الجهة الشرقية، لأن سفارة الدولة لا تكون في أرضها، وإنما في أرض الدولة الأخرى، والله المستعان.

وهذا الذي ذكر آنفا هو ما يروج له في الإعلام، والحق أنه يريد منا أن نشتغل بالثعبان عن العقرب.

فهذه المرحلة في المشروع التوراتي ليس المقصود منها فلسطين، فهذا مشروع انتهى عندهم منذ عام 48، وإنما عينهم في هذه المرحلة على بلد الله الحرام.

وهم من فترة ليست بالقصيرة يهيئون الشعب الأمريكي والانجليز إلى قرب وعد الرب بحلول الألف عام السعيدة، والتي على حسب معتقد البروتستانت والذي يتدين به أغلب الشعب الأمريكي والبريطاني، وهم فعلًا يتدينون بهذا المعتقد ويقاتلون عليه وليس كما يروج الإعلام أنهم على العلمانية والالحاد، وابحث عن ما يسمى بمناطق الهلال المسيحي في أمريكا ستعرف حقيقة ذلك.

المهم: نبوءة الألف عام السعيدة ملخصها: أنه سينزل المسيح -عليه السلام- قبل ألف عام من قيام الساعة، وسيجعل لمن أمن به في هذه الأرض جنة يتمتع بها قبل دخول ملكوت السماء!.

ولكن هذا لن يحدث حتى يُرفع غضب الرب عن اليهود ويعودوا مرة أخرى إلى أرض الميعاد التي تم نفيهم عنها بوختنصر أيام النفي البابلي، والتي تمتد من نهر النيل إلى النهر العظيم نهر الفرات.

وهذا في نظر الأمريكان والانجليز كاد يتحقق، فالمنطقة من العراق مرورًا بسوريا ولبنان وفلسطين تكاد تكون تحت أيديهم بالفعل، إلا أن حدود الدولة العبرية التوراتية داخل فيها منطقة تبوك السعودية، إذ أنهم يزعمون أن غار نبي الله دانيال كان يقع في منطقة تبوك والتي لا تبعد سوى 200 كيلو متر من تل أبيب، وقد قام أخيرًا المؤرخ اليهودي "آفي ليبكين" للتأصيل لهذا الغزو لبلاد الحرمين، في كتابه "العودة إلى مكة"، بخلاف حلقاته المصورة في الفضائيات والتي يأتي فيها بصور لثيران نحتت على الصخر في أرض تبوك السعودية يزعم أنها من صنع بني إسرائيل أيام التيه!!.

فيؤصل لهذا المعتقد في نفوس الأمريكان والذي يعتقدون أنهم ليسوا سوى كلابًا عند اليهود كما أسس لهم هذا المتعقد "مارتن لوثر" في كتابه: "المسيح ولد يهوديًا".

فصفقة القرن يا صاحبي ليست قاصرة على تهجير الفلسطينيين من غزة إلى غرب نهر النيل فقط، بل داخل فيها غزو البلد الحرام والذي أظن أنه لن يكون إلا بواسطة حمير اليهود من الشيعة والخوارج كداعش وأخواتها.

كما أنه داخل في خدعة صفقة القرن تقسيم ما بقي من العالم الإسلامي إلى دويلات لا تجرأ على محاربة مملكة الرب "أورشليم".

فهذا هو ما يمكره أعداؤنا، ونحن نعتقد ضده، إذ بشرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أننا سنقاتل هؤلاء العلوج ونقتلهم على بكرة أبيهم شر قتلة يؤمئذ، حتى من يلتجأ منهم للاختباء وراء الحجر أو الشجر، سيُنطق الله هذه الجمادات ساعتئذ، وتقول: "يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود". [رواه البخاري ومسلم].

كما نؤمن أنهم لن يتمكنوا من هدم المسجد الأقصى، إذ أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الدجال، فقال: "إنه يمكث في الأرض أربعين صباحًا يبلغ فيها كل منهل، ولا يقرب أربعة مساجد، مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد الأقصى". [رواه أحمد بسند حسن من طريق عبد الرزاق عن الثوري].

هذا؛ والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وصلى اللهم على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد

القاهرة 3 / محرم / 1442

22 / 8 / 2020