عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال : (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) [متفق على صحته].
وفي لفظ للبخاري: (( ... على الصغير والكبير، والحر والمملوك)).
وعن ابن عباس، قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو(1) والرفث(2)، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات)) [رواه أبو داود وابن ماجه، وقال الشيخ ناصر: إسناده حسن، وحسنه ابن قدامة والنووي].
فهذه الأحاديث تبين هيئة زكاة الفطر، من أنها فرض على الذكر والأنثى
والصغير والكبير من المسلمين، تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد.
قال شيخ الإسلام في
"مجموع الفتاوى"( 16 / 200 ـ 201 ) : ((وَلَمَّا قَدَّمَ اللَّهُ
الصَّلَاةَ عَلَى النَّحْرِ فِي قَوْلِهِ : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }[الكوثر:2]، وَقَدَّمَ التَّزَكِّي عَلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }[الأعلى:14]،
كَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي عِيدِ
الْفِطْرِ، وَأَنَّ الذَّبْحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي عِيدِ النَّحْرِ،
وَيُشْبِهُ ـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ مِنْ
التَّزَكِّي الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ { كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة:183] . فَمَقْصُودُ
الصَّوْمِ التَّقْوَى وَهُوَ مِنْ مَعْنَى التَّزَكِّي . وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: (( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طهرة لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ
وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ))، فَالصَّدَقَةُ مِنْ تَمَامِ
طهرة الصَّوْمِ، وَكِلَاهُمَا تَزَكٍّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ،
فَجَمَعَتْ هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ التَّرْغِيبَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ
بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ)).اهـقلت: والحكمة منها: أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، كما جاء في نص الحديث.
ولفظ"طعمة للمساكين" يسد الطريق على "فقهاء ضغط الواقع" الذين يفتون الناس بإخراجها نقوداً بدلاً من طعاماً؛ بشبة أن النقود أولى من الطعام في هذا الزمان!؛ ومعلوم فساد هذا الكلام إذ أن الحديث نص على أنها طعمة للمساكين، النقود لا تُطعم.
وقد جاءت أحاديث تظهر أنها كانت تخرج على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم طعاماً وليس نقوداً.
منها ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة، قال: ((أخذ الحسن بن علي "تمرة من تمر الصدقة" ، فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كخ كخ ، ارم بها ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ؟)).
وما عند البخاري وغيره، في فضل آية الكرسي، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ "زكاة رمضان" ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من "الطعام" فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقص الحديث ، فقال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدقك وهو كذوب ، ذاك شيطان)).
وعند أحمد في المسند، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ: ((إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ))[قال البوصيري: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وحسنه الأرناؤوط].
وقال الشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله – : (( إن القول بالقيمة مخالفة للأصول من جهتين :-
الجهة الأولى :- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما ذكر تلك الأصناف لم يذكر معها القيمة ولو كانت جائزة لذكرها مع ما ذكر كما ذكر في زكاة الإبل وهو – صلى الله عليه وسلم – أشفق وأرحم بالمسكين من كل إنسان .
الجهة الثانية : وهى القاعدة العامة أنه لا يُنتقل إلى البدل ألا عند فقد المبدل عنه وإن الفرع إذا كان يعود على الأصل بالبطلان فهو باطل)).
قلت: ومن عجيب ما يجد المرء ممن يزعمون الرأفة بالأمة بتبديل صورة الشرع باسم فقه الواقع!، والتسهيل على الناس!، أننا لو قلنا لهم: إن كانت النقود أفضل للمسكين من الطعام، فهل يجوز أن لا نذبح في عيد الأضحى ونعطي المسكين مالاً بدلاً من اللحم؟، تراهم يتناقضون، ويقولون: لابد من الذبح؛ فسبحان أليس الذي فرض الذبح في عيد الأضحى، هو من فرض الإطعام في عيد الفطر؟، فنعوذ بالله من الهوى.
فليحذر المسلم من هذا المسلك، لأنه يخشى أن يُرد عليه عمله، لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)).
فالخلاصة: أن زكاة
الفطر لا تبرأ بها الذمة حتى توضع في الموضع الذي وضعها الله فيه، وعلى
الهيئة التي أمر بها، وإخراجها على هذه الهيئة ابتلاء من الله ـ عز وجل ـ
لعبده المسلم، ليظهر هل هو عبد لسيده ومولاه، أم هو عبد لذوقه وهواه.
فهي طعام؛ وتُصرف للمساكين(3)،
وتؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، وتجزيء قبل العيد بيومين، لقول ابن
عمر رضي الله عنهما: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين))[رواه
البخاري]؛ من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة،
فهي صدقة من الصدقات.
وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتبأبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 19رمضان 1434
28 / 7 / 2013
الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(1): اللغو : السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره، ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع.
(2): الرفث : كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة ، وأصله الكلام الفاحش.
(3):فرق الله عز وجل بين المسكين والفقير، فقال سبحانه: { إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين } [ التوبة : 60 ]، والعطف يفيد التغير، فقيل أن الفقير: هو الذي لا يجد شيئاً فهو مُعدم؛ والمسكين: هو من يملك شيئاً ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا يكون المسكين أحسن حالاً من الفقير، واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى : { أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر . . . } [ الكهف : 79 ]
وقال القرطبي في تفسيره: ((روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ من الفقر. وروي عنه أنه قال: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا". فلو كان المسكين أسوأ حالا من الفقير لتناقض الخبران، إذ يستحيل أن يتعوذ من الفقر ثم يسأل ما هو أسوأ حالا منه)).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق