إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 13 يوليو 2013

الكشاف في حكم أكل الخشاف



الكشاف في حكم أكل الخشاف

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
  روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما ))، وفي رواية ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعًا )).
   قال النووي: ((ذهب أصحابنا وغيرهم من العلماء إلى أن سبب النهي عن الخليط أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتد فيظن الشارب أنه لم يبلغ حد الإسكار ويكون قد بلغه، قال: ومذهب الجمهور أن النهي في ذلك للتنزيه وإنما يمتنع إذا صار مسكرا ولا تخفى علامته، وقال بعض المالكية :هو للتحريم ... )) [ فتح الباري لابن حجر].
    وقال الحافظ في الفتح: قال القرطبي : ((النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم ، وهو قول جمهور فقهاء الأمصار ، وعن مالك يكره فقط ، وشذ من قال: لا باس به ؛ لأن كلا منهما يحل منفردًا ، فلا يكره مجتمعًا، قال: وهذه مخالفة للنص ، وقياس مع وجود الفارق فهو فاسد من وجهين ، ثم هو منتقض بجواز كل واحدة من الأختين منفردة ، وتحريمهما مجتمعتين قال: وأعجب من ذلك تأويل من قال منهم: إن النهي إنما هو من باب السرف .
   قال: وهذا تبديل لا تأويل ، ويشهد ببطلانه الأحاديث الصحيحة . قال: وتسمية الشراب إدامًا قول من ذهل عن الشرع واللغة والعرف .
   قال: والذي يفهم من الأحاديث التعليل بخوف إسراع الشدة بالخلط، وعلى هذا يقتصر في النهي عن الخلط على ما يؤثر في الإسراع )) [فتح الباري (10 /77)].
  قلت : ولعل علة نهي خلط التمر والزبيب في إناء واحد أنهما أصل الخمر، كما صح عن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة )) [رواه مسلم من حديث أبي هريرة].
   قال الخطابي: (( ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكرًا جماعة عملًا بظاهر الحديث، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي وقالوا: من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة فإن كان بعد الشدة أثم من جهتين ...)) .[ فتح الباري].
   وعليه: فلا يخلط التمر مع الزبيب في إناء واحد، وينقع كل واحد منهما على حدة, لما رواه البخاري من حديث عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو ، والتمر والزبيب ، ولينبذ كل واحد منهما على حدة )).
   وأن فترة النقع لا تزيد عن نصف يوم، خاصة في الحر فأنه يسرع التخمير.
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (( كنا ننبذ (1) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى (يغطى) أعلاه وله عزلاء (فوهة يصب منها) ، ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة )).[ رواه مسلم].


   وجاء في الفتوى رقم (7652) من فتاوى اللجنة الدائمة، برئاسة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ .
س:هل ما يفعل في رمضان من ما يسمى الخشاف يدخل في حكم النهي عن نبذ شيئين معا، مع أن الفترة المستغرقة لذلك لا تتعدى أن تلين هذه المجففات من التمر والمشمش وخلافه للماء؟
فأجابت: ((لا حرج فيما ذكرت، ولا يدخل فيما نهي عنه ما لم يصل بتغيره إلى درجة الإسكار. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)).


   وفي الفتوى رقم ‏(‏20795‏)‏، برئاسة الشيخ /عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
س: هل يجوز أكل ما يسمى بـ ‏(‏الخشاف‏)‏ وهو يصنع من التمر والزبيب والتين والسكر، توضع جميعها في الماء فترة من الوقت قبل الأكل‏؟‏
فأجابت‏:‏ ((لا مانع من أكل ما ذكر إذا لم يكن كثيره مسكرًا؛ لأن المواد التي جمعت فيه كلها مباحة‏.‏ وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)).
فالخلاصة: أن خلط التمر مع الزبيب جائز، إلا أن يخشى منه الوصول إلى درجة الإسكار، ولها علامات: منها تغير الرائحة، والطعم، أو ظهور رغوة أو فقاقيع على سطحه ناتجة من تخميره.
قال النووي في شرحه على مسلم: ((في هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز الِانْتِبَاذ، وجواز شرب النبيذ ما دام حلوا لم يتغير ولم يغل وهذا جائز بإجماع الأمة، ... والله أعلم)).اهـ
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 3/رمضان/ 1434
12/7/2013

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): النَّبِيذ : هو ما يُعْمَلُ من الأشْرِبة من التَّمرِ، والزَّبيب، والعَسَل، والحِنْطَة، والشَّعير وغير ذلك يقال : نَبَذْتُ التَّمر والعِنَب، إذا تَركْتَ عليه الْمَاء لِيَصِيرَ نَبِيذاً.
والنبذ في اللغة :الطرح , ومنه قول الله عز وجل :{ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } , وقوله تعالى: {
أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيق مِنْهُمْ }.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق