إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 22 مارس 2025

صد نِبال من خالف السنة في زكاة الفطر، وقال: تخرج من المال.

   صد نِبال من خالف السنة في زكاة الفطر، وقال: تخرج من المال.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

   الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
  فهذا فصل من بحث موسع في زكاة الفطر، عجلت به لضيق الوقت، فيه تحقيق الأحاديث والآثار الواردة في الباب.
   أردت به بيان حال هذه الأحاديث من حيث القبول والرد، ليكون المسلم على بينة من دينه ولا يلتبس عليه ما يشغب به أهل الأهواء.
   وقد جعلته على صفة المسند، فجمعت أحاديث كل صحابي سواء كانت مرفوعة أو موقوفة، ثم أتبعتها ببعض الآثار عن التابعين دعت الحاجة لتحقيق قولهم في المسألة.
والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة ليلة 21 / رمضان / 1446
21 / 3 / 202


أولًا: أحاديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- :
 1 ـ عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". [1]

  2 ـ وفي رواية:  عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: " فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر - أو قال : رمضان - على الذكر، والأنثى، والحر، والمملوك صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير"، فعدل الناس به نصف صاع من بر، فكان ابن عمر رضي الله عنهما، " يعطي التمر"، فأعوز أهل المدينة من التمر، فأعطى شعيرًا"، فكان ابن عمر "يعطي عن الصغير، والكبير، حتى إن كان ليعطي عن بني"، وكان ابن عمر رضي الله عنهما "يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين". [2]

   3 ـ وعن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة".[3]
  وفي رواية لمالك في الموطأ عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان" يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر، بيومين أو ثلاثة ".

   4 ـ عن نافع، عن ابن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين فرض صدقة الفطر: صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فكان لا يخرج إلا التمر". [4]

  5 ـ عن نافع ، عن ابن عمر قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، فكان عبد الله يخرج عن الصغير والكبير والمملوك من أهله صاعًا من تمر فأعوزه مرة،

فاستلف شعيرًا، فلما كان زمان معاوية عدل الناس مدين من قمح بصاع من شعير". [5]

  6 ـ وعن عمر بن صهبان عن نافع، عن ابن عمر، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم، " لا يغدو يوم الفطر حتى يغدي أصحابه من صدقة الفطر". [6]

  7 ـ عن أبي مجلز، عن ابن عمر، أنه كان "يستحب التمر في زكاة الفطر ".[7]
  8 ـ عن أبي معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كنا نؤمر أن نخرجها، قبل أن نخرج إلى الصلاة، ثم يقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المساكين إذا انصرف، وقال: " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ". [8]
9 ـ عن أبي مجلز، قال: قلت لابن عمر: قد أكثر الله الخير، والبر أفضل من التمر؟، فقال: " إني أعطي ما كان يعطي أصحابي، سلكوا طريقًا فأريد أن أسلكه ". [9]
قلت: وقد أعرضت عن أحاديث أخرى رويت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- لأنها تحمل نفس المعنى الذي في هذه الأحاديث.


ثانيًا: أحاديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- :
  10 ـ عن عياض بن عبد الله العامري، عن أبي سعيد الخدري، قال: " كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، عن كل صغير، وكبير، حر أو مملوك، صاعًا من طعام ، أو صاعًا من أقط ، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب"، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًا، أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: "إني أرى أن مدين من سمراء الشام، تعدل صاعًا من تمر"، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: "فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه، أبدا ما عشت". [10]

  11 ـ عن عياض بن عبد الله بن سعد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: "كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام"، وقال أبو سعيد: "وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر ". [11]

12 ـ وعن عياض بن عبد الله بن أبي سرح ، قال : قال أبو سعيد الخدري : وذكروا عنده صدقة رمضان، فقال: "لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاع تمر، أو

صاع حنطة، أو صاع شعير، أو صاع أقط "، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح؟
 فقال : " لا ، تلك قيمة 
معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها". [12]

  13 ـ وفي رواية عن أبي سعيد الخدري، قال: " كنا نخرج زكاة الفطر من ثلاثة أصناف: الأقط، والتمر، والشعير". [13]

  14ـ وفي رواية، عن أبي سعيد -رضي الله عنه-، قال: "كنا نطعم الصدقة صاعًا من شعير". [14]

  15ـ عن ربيح بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "جاء رجال من أهل البادية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله إنا أولو أموال فهل يجوز عنا من زكاة الفطر؟ قال: " لا؛ فأدوها عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط". [15]

  16 ـ عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده قالوا : نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة بزكاة الفطر ، وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال ، وأن تخرج عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو مدان من بر ، وكان يخطب رسول الله صلى
عليه وسلم قبل الفطر بيومين فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى ، وقال : " أغنوهم " يعني المساكين عن ط
واف هذا اليوم". [16]


ثالثًا: أحاديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- :
  17ـ عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات ". [17]

  18 ـ عن أبي رجاء العطاردي، قال : سمعت ابن عباس، يخطب على منبركم - يعني منبر البصرة - يقول: "صدقة الفطر صاع من طعام". [18]

    19 ـ عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس، أنه كان يقول: "صدقة رمضان صاع من طعام من جاء ببر قُبل منه، ومن جاء بشعير قُبل منه ومن جاء بتمر قبل منه، ومن جاء بسلت قُبل منه، ومن جاء بزبيب قُبل منه، وأحسبه قال: "ومن جاء بسويق أو دقيق قبل منه". [19]
  20 ـ عن الحسن البصري، قال: قال ابن عباس - وهو أمير البصرة - في آخر الشهر أخرجوا زكاة صومكم، فنظر الناس بعضهم إلى بعض، فقال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا فعلموا إخوانكم فإنهم لا يعلمون أن "هذه الزكاة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ذكر وأنثى، حر ومملوك، صاعًا من شعير أو تمر أو نصف صاع من قمح"، فقاموا "[20]

  21ـ عن عطاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخًا ببطن مكة ينادي: "إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير، أو كبير: ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، حاضر أو باد، صاع من شعير أو تمر". [21]

    22 ـ عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، مثله". [22]

  23 ـ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه أمر بزكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو مدين من قمح على كل حاضر وباد صغير وكبير حر وعبد".[23]

  24 ـ عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "يخرج الرجل زكاة الفطر عن مكاتبه، وعن كل مملوك له، وإن كان يهوديًا أو نصرانيًا".[24]
  25 ـ عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك نصف صاع من بر ، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير " . [25]

قلت: وقد أطلت عن عمد في تتبع أحاديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في هذا الباب، لأنها كما سيأتي اعتمد عليها من خالف السنة في هذه الشعيرة، واحتج بها كأنها من المتفق على صحته،  وأغلبها كما مر من رواية الضعفاء والمتروكين.


رابعًا: أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه.

  26 ـ عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : إني محتاج، وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه".[26]
  27 ـ محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله
عنهما ، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كخ كخ " ليطرحها، ثم قال: "أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة". [27]

  هذا، وقد اعرضت عن حديث أخرجه ابن زنجويه في الأموال، والطحاوي في مشكل الآثار، لأنه من رواية ابن لهيعة، وسيأتي قريبًا حكم أحاديثه.


خامسًا: حديث ثعلبة بن صُعير -رضي الله عنه-:

   28ـ عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري، عن أبيه، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا وأمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، عن كل واحد أو عن كل رأس أو صاع قمح بين اثنين". [28]

سادسًا: حديث عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه-:
   29 ـ عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على كل صغير وكبير ذكر وأنثى عبد وحر صاعًا من تمر أو صاعًا من طعام أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط".[29]
سابعًا: أحاديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:
  30 ـ عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: " كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح، بالمد الذي تقتاتون به". [30]

31   ـ عن هشام بن عروة عن أبيه، عن أسماء قالت: " كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين". [31]

ثامنًا: أحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
     32 ـ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم " بعث مناديًا ينادي في فجاج مكة ألا إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم، على كل ذكر وأنثى حر وعبد وصغير
وكبير مدان من قمح، أو  صاع مما سواه من الطعام".[32]

ـ أثر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- :
   33 ـ عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن ابن قارظ أخبره، أن عمر بن الخطاب كتب إلى الأجناد في زكاة الفطر: "أن أدوا صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو مدين من قمح، وأعطوا من أصفى ما

 عندكم ".[33]


ـ أثر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :

  34 ـ عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي قال: "زكاة الفطر عن كل إنسان تعول، من صغير أو كبير، أو حر أو عبد، وإن كان نصرانيًا مدين من قمح، أو صاعًا من تمر". [34]

تاسعًا: حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- :

  35 ـ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك  قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" وفي رواية: 

" ويأكلهن وترًا ".[35]

  وفي رواية لأحمد في المسند: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الفطر، لم يخرج حتى يأكل تمرات يأكلهن إفرادًا ".


ـ أثر معاذ بن جبل -رضي الله عنه- :
  36 ـ قال البخاري: وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: " ائتوني بعرض ثياب خميص 
-أو لبيس- في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ".[36]

    قلت: حاولت تتبع كل ما روي في هذا الباب من الأحاديث المرفوعة والموقوفة، وتبقت بعض الآثار عن التابعين أو تابعيهم يشغب بها من يخالف السنة في هذه الشعيرة، يزعم بها أنه له سلف في مخالفته هذه.
  والأمر كما أسلفنا في المقدمة أن الدين قال الله قال رسوله قال الصحابة، وما خالف هذا فهو مردود، فلو صح عن تابعي أو أكثر ما يخالف ما جاءنا في الكتاب والسنة وفعل الصحابة، فهل يجوز لنا العمل به؟ بالطبع لا.
   ومع ذلك سنحقق هذه الآثار لكي لا يكون لأحد بعد ذلك حجة، ويكون المسلم على بينة من دينه.


أثر عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- :

  فإنه قد وردت آثار عنه -رحمه الله-، منها ما هو موافق للسنة ومنها ما هو مخالف لها، فمن ذلك:

  37 ـ عن ابن عون، قال : سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي يقرأ بالبصرة: "في صدقة رمضان على كل صغير وكبير، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى نصف صاع من بر ، أو صاع من تمر". [37]

  38ـ عن النضر بن شميل، أخبرنا الربيع بن صبيح قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز في صدقة رمضان: "عن الصغير، والكبير ، والعبد، والحر، والذكر، والأنثى، نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير". [38]

    39 ـ عن عوف ابن أبي جميلة ومجاهد، قالا: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة كتابًا، فقرأه على منبر البصرة، وأنا أسمع: "أما بعدُ: فمر من قبلك من المسلمين أن يخرجوا زكاة الفطر صاعًا من تمر أو نصف صاع من بر".[39]

  40 ـ عن قرة بن خالد السدوسي، قال : جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر " نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم ". [40]


ـ آثر أبي إسحاق السبيعي -رحمه الله- :
  41 ـ عن زهير، قال : سمعت أبا إسحاق، يقول: "أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام". [41]

ـ أثر الحسن البصري -رحمه الله- :

  42 ـ عن هشام، عن الحسن، قال: "لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر". [42]

 

الهامش

[1] ـ متفق على صحته.

[2]  ـ هذا لفظ البخاري، ورواه مسلم مختصرًا.

[3] ـ متفق على صحته، ورواه مالك في الموطأ رقم: (55).

[4]  ـ رواه ابن خزيمة في صحيحه (2392  ـ الأعظمي) من طريق سليمان بن طرخان التيمي عن نافع مولى ابن عمر.

[5] ـ رواه ابن خزيمة في صحيحه (2393) ، وأصل الحديث في البخاري.

[6] ـ حديث ضعيف جدًا، رواه ابن ماجة ( 1755 )، وفيه ثلاثة ضعفاء:

ـ جبارة بن المغلس الحماني، ضعيف مضطرب الحديث.

ـ مندل بن علي العنزي، قال أبو زرعة: لين الحديث.

ـ عمر بن صهبان الأسلمي، قال أبو حاتم والنسائي: متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث.

[7] ـ حديث موقوف، وإسناده حسن، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10366)، ورواه الطبراني في معجمه الكبير  (13961) : عن أبي مجلز، قال: قال ابن عمر: "أما نحن فكنا نعطي صدقة الفطر التمر".

[8] ـ  حديث منكر، رواه الدارقطني في سننه (2133)، والحاكم في معرفة علوم الحديث، وقال في المستدرك (1495): "تركته إذ ليس من شرط الكتاب". اهـ ، ورواه البيهقي في سننه الكبرى (7739 )، وابن عدي في الكامل(7 / 55)، جميعًا من طريق نجيح بن عبد الرحمن السندي المديني
وأبو معشر هذا ضعفه الإمام أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وقال البخاري منكر الحديث، وقال علي بن المديني: "كان شيخا ضعيفا ضعيفا، وكان يحدث عن محمد بن قيس، ويحدث عن محمد بن كعب بأحاديث صالحة، وكان يحدث عن المقبري، وعن نافع بأحاديث منكرة" . اهـ .

قلت: وهذا الحديث من مناكيره فهو من رواية نافع، فضلًا عن تفرده بهذا الحرف عن الثقات مع ضعفه.
وجاء عن ابن عمر موقوفا عليه حديثا أشد من هذا الحديث في النكارة، انظره في هامش (23).
قال البيهقي في الخلافيات (4 / 324): قلنا: هذا الخبر غير ثابت، وراويه (5) أبو معشر نجيح السندي، وهو ممن اختلط في آخر عمره، وبقي في ذلك سنين حتى كثرت المناكير في روايته، وتعذر تمييزه، فبطل الاحتجاج به.
والحديث ضعفه ابن عدي في الكامل، قال ابن حجر في التقريب (7100) في ترجمة أبي معشر هذا: "ضعيف من السادسة، أسن واختلط مات سنة سبعين ومائة" . اهـ
هذا؛ وسيأتي قريبًا طريقًا لهذا الحديث من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[9] ـ  حديث موقوف، وإسناده صحيح، رواه ابن زنجويه في كتاب الأموال ( 2390  )، باب: السنة في زكاة الفطر.

[10] ـ متفق على صحته، وفي رواية ابن خزيمة (2408): "فلم نزل نخرجه، حتى قدم علينا معاوية من الشام حاجًا أو معتمرًا، وهو يومئذ خليفة، فخطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم ذكر زكاة الفطر، فقال: "إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، فكان أول ما ذكر الناس بالمدين حينئذ".

[11] ـ رواه البخاري.

[12] ـ رواه ابن خزيمة(2419)، وقال: "ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهمورواه ابن حبان (3306).

[13] ـ رواه مسلم (985).

[14] ـ رواه البخاري (1505).

[15] ـ ضعيف، رواه عبد الله بن وهب في الجامع (195)، والبيهقي في سننه الكبرى (7731)، وفيه: "كثير بن عبد الله بن عمرو المزني"، منكر الحديث، وسيأتي حاله بشيء من التفصيل في حديث (27)

[16] ـ ضعيف جدًا، رواه ابن سعد في الطبقات (1 / 249 ) من طريق الواقدي، وهو متروك الحديث _وإن كان من الحفاظ _، ومثله لا يعتمد على روايته في أحاديث الأحكام، بيد أن هذا التفصيل في هذه الرواية يُبين المقصود بالإغناء، وهو أن تكون زكاة الفطر طاعًا من طعام شعير أو تمر أو زبيب، والله أعلم.

[17]ـ حديث حسن، رواه أبو داود (1609)وابن ماجة(1827)، والدارقطني في سننه(2067)، وقال عن رواته عقب الحديث: "ليس فيهم مجروح". ، ورواه الحاكم في المستدرك(1488) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه"؛ والحديث اختاره الضياء المقدسي، وقال ابن الملقن في البدر المنير ( 5 /  619 ) : قال المنذري: إسناده حسن. ورواه الحاكم في «مستدركه» كذلك، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وكأنه أراد بكونه على شرطه أنه من رواية عكرمة؛ فإنه احتج به في غير ما موضع من (صحيحه) ، ولم يخرج لسيار و (لا) لأبي يزيد، وقد أثنى مروان على أبي يزيد ووصفه بأنه شيخ (صدق) ، وقال أبو زرعة في سيار: لا بأس به
واعترض الشيخ تقي الدين في «الإلمام» على الحاكم، وقال: فيما زعمه نظر؛ فإن يزيد وسيارًا لم يخرج لهما البخاري. وقد أسلفنا قريبًا أن مراد الحاكم بقوله: «إن الحديث على شرط الشيخين أو أحدهما» أن رجاله في الثقة كهم لا هم أنفسهم، وقد صرح بذلك في خطبته". اهـ
قلت: وكذا حسنه الشيخ الألباني في غير موضع من كتبه.

[18] ـ حديث موقوف، وإسناده صحيح، رواه النسائي في الصغرى (2510 )، وقال: "هذا أثبت الثلاثة "، يعنى: أبو رجاء العطاردي، لأنه روي الحديث عن ابن عباس ومن طريق الحسن ومحمد بن سيرين، وحديثهما مرسل وفيه نكارة، وسيأتي حديثهما قريبًا.

وقد جاء في كتب الأحناف حديثًا يروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قريبًا من هذا المتن، أخرجه ابن حزم في المحلى، وهو أيضًا ضعيف، فإنه لم يصح حديثًا في النص صاع كما قال البيهقي إلا حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-.

[19] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف مرسل، أخرجه ابن خزيمة واللفظ له، وعبد الرزاق في المصنف (5767) والدارقطني (2091)، والبيهقي في الكبرى(7714)، وغيرهما؛ وعلة هذا الحديث أن محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس، وزاد الحديث وهنًا أنه روي مرفوعًا أيضًا، ولم يصح في حديث مرفوع في الباب ذكر الدقيق، قال البيهقي في الكبرى:

"وهذا أيضًا مرسل، محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئًا إلا أنه يوافق حديث أبي رجاء العطاردي الموصول عن ابن عباس فهو أولى أن يكون صحيحًا، وما شك فيه الراوي ولا شاهد له، فلا اعتداد به. والله أعلم".

[20]ـ  حديث ضعيف مرسل، رواه النسائي في الصغرى(2508) والدارقطني في سننه(2130)، وآفته: تدليس الحسن البصري، قال ابن حجر في التقريب: "ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرًا ويدلس".

[21] ـ حديث ضعيف، أخرجه الحاكم في المستدرك(1492) ومن طريقه البيهقي في سننه الكبرى(7726)، وآفته: يحيى ابن عباد السعدي، ضعفه الدارقطني، وقال العقيلي في الكامل: يحيى بن عباد مجهول بالنقل لا يقيم الحديث.
قال البيهقي عقب الحديث: وهذا حديث ينفرد به يحيى بن عباد، عن ابن جريج هكذا، وإنما رواه غيره عن ابن جريج عن عطاء من قوله في المدين، وعن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سائر ألفاظه.

[22] ـ حديث ضعيف، أخرجه الترمذي في جامعه (674)، واستغربه، فقال: حسن غريب، وقول الترمذي حديث حسن، يعني حديث معل، أو لا يخلو من ضعف من جهة الرواة، وتفصيل ذلك لا يسمح به المقام، ولكن كل سلسلة عمرو بن شعيب في جامعه حكم عليها بالحسن، ثم أورد بعضها في كتابه العلل الكبير، كما سيأتي.
ورواه الدارقطني، وضعفه ابن عدي في الكامل، وقد اختلف على ابن جريج إسناده، فمرة يرويه عن ابن عباس، ومرة عن ابن عمر، ومرة عن عمرو بن شعيب مرسًلا.
قال الترمذي في العلل الكبرى: " سألت محمدًا (يعني البخاري) عن حديث ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديًا: "ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم" فقال:

"ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب".

[23] ـ  حديث ضعيف جدًا، رواه الدارقطني (2087) من طريق الواقدي، وهو متروك الحديث.

[24] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف، رواه عبد الرزاق في المصنف (5812)، وفيه رجل لم يسم.

[25]ـ حديث ضعيف جدًا، رواه الدارقطني(2119) من طريق عن سلام الطويل، عن زيد العَمي، عن عكرمة، ثم قال عقبه: "سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده غيره".
قلت: وفيه أيضًا "زيد العمي" وهو  ضعيف، قال أبو زرعة الرازي: ليس بقوى واهي الحديث؛ وضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم.
وروى أيضًا الدارقطني قريبًا من هذا المتن رواية عن ابن عمر، من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن نافع عنه، بلفظ: "أنه كان يُخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد صغير وكبير ذكر وأنثى كافر ومسلم حتى إنه كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه "،قال الدارقطني: "عثمان هو الوقاصي متروك".

[26]  ـ رواه البخاري(2311)، والنسائي في الكبرى(10729).

[27] ـ متفق على صحته، وله شاهد عن أحمد في مسنده من حديث أبي الحَوراء السعدي، وأخرج أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي -صلي الله عليه وسلم- وجد تحت جنبه تمرة من الليل، فأكلها، فلم ينم لخط الليلة، فقال بعض نسائه: يا رسول الله، أرقت البارحة؟، قال: "إني وجدت تحت جنبي تمرة في فأكلتها، وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه".

[28] ـ حديث ضعيف مضطرب، رواه أبو داود في سننه(1620)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني(629)، والحاكم في المستدرك(5214)، وقال: "هذا حديث رواه أكثر أصحاب الزهري عنه، عن عبد الله بن ثعلبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا أباه".

قلت: فنبه -رحمه الله- على علة الحديث، وأنه مضطرب، وقد ذكر أبو داود في سننه أوجه اختلاف الرواة على الزهري.
وقد رواه أحمد في المسند عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير مرسلًا.
قال مهنا: "ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير، في صدقة الفطر نصف صاع من بر. فقال: ليس بصحيح، إنما هو مرسل، يرويه معمر بن جريج، عن الزهري مرسلا. قلت من قبل من هذا؟ قال من قبل النعمان بن راشد، ليس هو بقوي في الحديث". [المغني لابن قدامة 3 / 82 ].
وذكر البيهقي في سننه الكبرى اختلاف الرواة على ألفاظ الحديث، فقال: " قال محمد بن يحيى الذهلي في كتاب العلل : إنما هو عبد الله بن ثعلبة ، وإنما هو عن كل رأس أو كل إنسان ، هكذا رواية بكر بن وائل لم يقم هذا الحديث غيره قد أصاب الإسناد والمتن". اهـ

[29] ـ حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، أخرجه الدارقطني في سننه(2092)، وفيه: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، قال أحمد: منكر الحديث، ليس بشيء، وقال أبو زرعة الرازي: واهي الحديث، وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو داود والدارقطني، وقال ابن حبان: " روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في  الكتب و لا الرواية عنه إلا على وجه التعجب". اهـ
وقد رواه ابن خزيمة مختصرًا بلفظ: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزكاة على المسلمين صاع تمر أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط أو صاعًا من شعير".

[30] ـ حديث ضعيف، رواه أحمد(26936)، والحارث في مسنده، وابن زنجويه في الأموال(2377)، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط، والطحاوي في مشكل الآثار(3112).
قال الطبراني في الأوسط(8972): " لم يرو هذا الحديث عن أبي الأسود إلا ابن لهيعة".
قلت: وابن لهيعة العمل على تضعيف حديثه كما قال الذهبي، وهو أيضًا مدلس كما قال السيوطي، وقد عنعن هذا الحديث، هذا من جهة السند.
وأما المتن فباطل، فإنه لم يصح في المدين حديث، قال البيهقي رحمه الله في معرفة الآثار: "فقال: " تواترت هذه الروايات، عن عياض بن عبد الله، وهو من الثقات الأثبات  عن أبي سعيد بأن التعديل إنما كان من معاوية رحمنا الله وإياه، وأنه أنكر ما فعله من ذلك، فثبت بحديثه، وحديث ابن عمر خطأ الروايات التي ذكر فيها فرض النبي صلى الله عليه وسلم نصف صاع من بر ، وثبت بحديث أبي سعيد أن التعديل كان من معاوية بخلاف قول من زعم أن ذلك كان من جماعة الصحابة، وكيف يجوز دعوى الإجماع فيه، وأبو سعيد الخدري ينكره على معاوية؟ واختلفت الرواية فيه، عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، فروي عن كل واحد منهما: صاع من حنطة، وروي نصف صاع، وعبد الله بن الزبير ذهب إلى أنه صاع". اهـ
قلت: فالكيل بنصف صاع أو مدين، هذا أُحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين من بعده، وأول ظهور له كان في خلافة معاوية رضي الله عنه، فكل حديث مرفوع في هذا الباب أو موقوف على الخلفاء فهو باطل.

[31] ـ حديث ضعيف، رواه الطحاوي في مشكل الآثار(3407)، وفيه: "سلامة بن روح الأموي"، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عن سلامة بن روح ، فقال : أيلى ضعيف منكر الحديث.

وقال: سمعت أبى وسئل عن سلامة بن روح، فقال: ليس بالقوى، محله عندى محل الغفلة.

قلت: يروي الحديث عنه ابن أخيه " محمد بن عُزِيز الأيلي" قال ابن حجر في التقريب: " فيه ضعف، وقد تكلموا في صحة سماعه من عمه سلامة" . اهـ

[32] ـ  حديث ضعيف مضطرب، رواه الترمذي في جامعه واستغربه، والدارقطني في سننه(2080)، وذكر له عدة طرق، مدارها على ابن جريج، و بيانها كالآتي:
فرواه سالم بن نوح عن ابن جريج مرفوعا كما في هذه الرواية، وسالم هذا ليس بشيء كما قال ابن معين.

ورواه عبد الرزاق وعبد الوهاب بن عطاء عن ابن جريج مرسلًا.

ورواه يحيى بن عباد السعدي عن ابن جريج من حديث ابن عباس.

ورواه يحيى بن أبي طالب عن عبد الوهاب عن  ابن جريج من قول عطاء بن أبي رباح.

وقال الترمذي في جامعه(674) بعد أخرج طريق سالم بن نوح: وروى عمر بن هارون هذا الحديث ، عن ابن جريج، وقال عن العباس بن ميناء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا الحديث ، حدثنا جارود قال : حدثنا عمر بن هارون هذا الحديث. اهـ

قلت: وعمر بن هارون هذا، قال فيه ابن معين: ليس بثقة، وقال أبو زرعة : سمعت إبراهيم بن موسى ، وقيل له : لم لا تحدث عن عمر بن هارون ؟ فقال : الناس تركوا حديثه.

هذا؛ وسبب اضطراب هذا الحديث تدليس ابن جريج، فقد قال الترمذي في العلل الكبير : سألت محمدا عن حديث ابن جريج , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا : " ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم " فقال : ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب". انظر حديث 

رقم ( 20 ).

[33] ـ  حديث موقوف، وإسناده ضعيف، رواه ابن زنجويه في الأموال(2373)، وابن قارظ في هذا الإسناد: هو إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، ثقة، غير أنه لم يدرك عمر رضي الله عنه، فالحديث منقطع.
وهو أيضًا من رواية ابن لهيعة وقد عنعنه، وقد مر في كلام البيهقي أن نصاب المدين لم يعرف إلا في خلافة معاوية رضي الله عنه. انظر حديث رقم (28).

[34] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف، رواه ابن زنجويه في الأموال(2375)، وفيه: عبد الأعلى بن عامر الثعلبي.

ضعفه أحمد وأبو زراعة والنسائي، وكان ابن مهدي لا يحدث عنه، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ليس بقوي، وقد روي نفس المتن عن أبي هريرة من طريق ابن لهيعة، وهذا دليل على ضعفه -رحمه الله- .

[35] ـ رواه البخاري(953)، وأحمد في المسند(12268).
قلت: ولا تعرف سنة أكل التمر وترًا إلا في هذا الحديث، فاعتقاد الإفطار في رمضان على تمرات وترًا ليس من السنة، كما قال الشيخ محمد صالح بن عثيمين -رحمه الله-.

[36] ـ حديث موقوف، وإسناده ضعيف منقطع، علقه البخاري في صحيحه، وأسنده عبد الرزاق في المصنف(7133)، عن طاوس، عن معاذ بن جبل: "أنه كان يأخذ من أهل اليمن في زكاتهم العروض"، وأسنده ابن أبي شيبة(10540) قال: حدثنا ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، قال : قال معاذ: "ائتوني بخميس، أو لبيس آخذ منكم"، وفي رواية(10538) حدثنا عبد الرحيم، عن الحجاج، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، قال : "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ الصدقة من الحنطة ، والشعير . فأخذ العروض الثياب من الحنطة والشعير"، وفي ثالثة (10541): حدثنا وكيع، عن سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس؛ "أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة".
قلت: فمدار هذه الروايات
المرفوع منها أو الموقوف على طاوس، وهو : طاوس بن كيسان اليماني الحميري صاحب ابن عباس رضي الله عنه ثقة كبير الشأن، غير أنه لم يدرك معاذ بن حبل رضي الله عنه، قال ابن حجر في تغليق التعليق ( 3 / 13 ) : " وهو إلى طاوس إسناد صحيح، لكنه لم يسمع من معاذ فهو منقطع".
وقال في فتح الباري (3 / 312): "وقال طاوس: "قال معاذ لأهل اليمن"، هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع؛ فلا يغتر بقول من قال: ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده، لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا" اهـ
قلت: وسبب تحقيقي لهذا الأثر مع أنه غير داخل في أحاديث زكاة الفطر، لأني وجدت من يدلس ويزعم أن معاذًا -رضي الله عنه- أخذ مكان زكاة الفطر القيمة، ثم أتى بقول ابن رشيد: "وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل". مع أن هذا النقل عن ابن رشيد نقله من دلس عن ابن حجر قبل سطر واحد من كلامه السابق والذي بين فيه فساد هذا الإسناد لأن طاوسًا لم يدرك معاذ بن جبل -رضي الله عنه- .
والعجيب أن البخاري بوب بهذا الحديث لزكاة العروض، فلما أسند أحاديث الباب روى بسنده عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك أن أنسًا رضي الله عنه حدثه: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء". اهـ
قلت: فأين هذا الحديث من زكاة الفطر؟، ولكن هو الكذب والتدليس والخيانة، وإنما أحاديث الباب تتناول أحاديث زكاة عروض التجارة، ودليل ذلك تتمة تبويب البخاري لأحاديث الباب، بعد أن أشار لحديث معاذ من طريق طاوس، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله " وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تصدقن ولو من حليكن " " فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها ، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها ، ولم يخص الذهب والفضة من العروض.
هذا؛ وقد اختلف العلماء في جواز أخذ العروض في الزكاة، أسند ابن أبي شيبة في باب: من كره العروض في الصدقة.

عن إبراهيم النخعي، قال: "كانوا يستحبون زكاة كل شيء منه؛ الورق من الورق، والذهب من الذهب، والبقر من البقر، والغنم من الغنم".
وأسند إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب في صدقة التمر : "أن يؤخذ البرني من البرني ، واللون من اللون ، ولا يؤخذ اللون من البرني".
والراجح أخذ القيمة في زكاة العروض لحديث أبي بكر الصديق السابق، أما في زكاة الفطر، فلا يجوز لعدم ثبوت ذلك في حديث صحيح، وهو ما عليه الأئمة الثلاثة، كما لم أقف على نص لأبي حنيفة بالجواز، والله أعلم.

[37] ـ إسناد جيد، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10352)، وجاء عن ابن عون رواية في القيمة، ولكنها ليس فيها ذكر زكاة الفطر.

[38] ـ إسناد حسن، رواه ابن زنجويه في الأموال(2387)، والربيع بن صبيح، صدوق لا يُدلس، وقد اختلفوا عليه، فحسن حاله أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو الوليد الطيالسي، وضعفه أخرون، قال ابن عدي في الكامل: "له أحاديث صالحة مستقيمة، ولم أر له حديثًا منكر جدًا، وأرجو أنه لا بأس به، ولا برواياته".

قلت: وعلى كلٍ فالأثر يُقوى بما سبقه.

[39] ـ إسناده حسن، رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار بإسنادين (3139، 3140 ) ، ويشهد لهما ما سبق.

[40] ـ إسناده شاذ، رواه ابن أبي شيبة في المصنف(10369)، وإن كان قرة بن خالد ثقة، إلا أنه خالف من هم أكثر منه عددا، فثلاثة رواة ذكروا كتاب عمر بن عبد العزيز ولم يذكروا فيه الدراهم.
وحتى لو صح هذا عنه -رحمه الله- فهو مردود عليه بالسنة الصحيحة وفعل الصحابة رضي الله عنهم.
قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطى دراهم يعني في صدقة الفطر؟ قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وقال لي أبو طالب قال لي أحمد: لا يعطى قيمته، قيل له قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: قال فلان؛ قال ابن عمر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال: تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}.
 وقال: قوم يردون السنن قال فلان، وقال فلان!

قال ابن قدامة: وظاهر مذهبه، إنه لا يجزئه إخراج القيمة في شئ من الزكوات، وبه قال مالك والشافعي". [المغني 3/87].

[41] ـ إسناده ضعيف، رواه ابن أبي شيبة في المصنف(10371)، وزهير هو ابن معاوية الجعفي، قال صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: "زهير فيما روى عن المشايخ ثبت بخ بخ، وفى حديثه عن أبى إسحاق لين، سمع منه بأخرة"؛ وقال أبو زرعة الرازي: "ثقة إلا أنه سمع من أبى إسحاق بعد الاختلاط"؛ وقال أبو حاتم: "ثقة متقن صاحب سنة؛ تأخر سماعه من أبى إسحاق".
هذا من جهة الإسناد، أما من جهة المتن ففيه نكارة شديدة، فظاهر الكلام أن أبا إسحاق السبيعي أدرك عامة الصحابة -عليهم الرضوان-، وهذا لم يكن.
كما أنه يقول: "
أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام"، وهذا يخالف ما صح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- حيث قال: "كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، ... صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب".
وفي رواية أخرى: "كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام"، وقال أبو سعيد: "وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر". 
فالحديث ضعيف الإسناد، باطل المتن.
وسبب تحقيق هذا الأثر أني وجدت من يزعم أن قول أبي إسحاق السبيعي: "أدركتهم" المقصود بهم الصحابة، هكذا بإطلاق!. ويريد أن يهدم بهذا الأثر ما ثبت في الصحيحين في هيئة زكاة الفطر.
والأثر ضعيف منكر، فلا يعول عليه، ولا يلتفت إليه.
هذا؛ وقد اعرضت عن أقوال تنسب لبعض السلف، لكونها لا تتعدى أراء شخصية مجردة من الدليل، أو لأنها منقطعة لا يصح لها إسناد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة. ومثال ذلك ما ينسب إلى سعيد بن المسيب -رحمه الله- أنه قال: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فرض زكاة الفطر مدين من قمح"، وفي رواية: " كانت الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر نصف صاع من قمح".
قلت: أخرجهما أبو داود في كتابه المراسيل، فليس لهما حكم الرفع، ولهذا أعرضت عنهما.
ولكن لعلنا نتعرض إلى بعض هذه الآثار عند الكلام على مذهب الأحناف في المسألة، لأنهم يكثرون الاستدلال بمثلها ويعرضون عن الصحيح المرفوع للرسول -صلى الله عليه وسلم- .

[42] ـ إسناده ضعيف، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10370)، وهشام هو ابن حسان القردوسي الأزدي، ثقة حافظ غير أن حديثه عن الحسن لا يصح، قال علي بن المديني: "كان يحيى بن سعيد وكبار أصحابنا يثبتون هشام بن حسان ، وكان يحيى يضعف حديثه عن عطاء، وكان الناس يرون أنه أخذ حديث الحسن عن حوشب"، وقال أيضًا: "، أما حديث هشام عن محمد فصحاح، وحديثه عن الحسن عامتها تدور على حوشب"؛ وقال سفيان بن عيينة: "لقد أتى هشام أمرا عظيما بروايته عن الحسن، قيل لنعيم بن حماد: لِمَ ؟ قال : لأنه كان صغيرا ". وذكر لجرير بن حازم هشام بن حسان، قال: "ما رأيته عند الحسن قط"، وكذا قال عباد بن منصور وقد سئل عن هشام بن حسان القردوسي؟ قال : "ما رأيته عند الحسن قط"، وقال إسماعيل بن عُليه: "كنا لا نعد هشام بن حسان في الحسن شيئًا"، وقال ابن حجر في التقريب: ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفى روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما".
 قلت: وقد أطلت في تحقيق هذه الأثر لأنه عمدة من يجوز إخراج زكاة الفطر قيمة بزعم لنا سلف في المسألة، وهو قول الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز، وقد ظهر ضعف ما ينسب إليهما رحمهما الله، ولم يكن يتصور فيهما وهم من أئمة السنة أن يخالفوها.
  غير أني أعيد ما ذكرته في أثر أبي إسحاق السبيعي، بفرض صحة هذه عن أحد العلماء أو التابعين، فإنه لا يتعدى راي شخصي يخالف الدليل الصحيح والسنة الثابتة، فلا يقابل ويعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد كائن من كان، ولكننا نتأدب مع السلف، فإن صح عن أحدهم خلاف السنة، نقول أجتهد فأخطأ، ولا نتابعه على خطئه، لأن قوله لا يحتج به في دين الله، وإنما الحجة كما أسلفنا قال الله قال رسوله قال الصحابة.

الاثنين، 10 مارس 2025

السنة في النزول إلى السجود

 

السنة في النزول إلى السجود

  الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
  فإن لعلماء الحديث الأوائل قواعد اتفقوا عليها ينبغي لمن أراد الوصول للحق في المسائل الخلافية التماس هذه القواعد والأصول، من هذه القواعد: التساهل في أحاديث الترغيب والترهيب والسير والتاريخ ما لم تحمل نكارة أو تتضمن حكمًا؛ والتشدد في أحاديث الأحكام والحلال والحرام.
  قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "إذا روينا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد؛ وإذا روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضائل الأعمال وما لا يضع حكمًا ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد".

  وعن الميموني قال: سمعت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- يقول: أحاديث الرقاق يحتمل أن يُتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم".

   وقال سفيان الثوري:" لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ".

  وقال أبو زكريا العنبري: "الخبر إذا ورد لم يحرم حلالًا، ولم يحل حرامًا، ولم يوجب حكمًا، وكان في ترغيب أو ترهيب، أو تشديد أو ترخيص، وجب الإغماض عنه، والتساهل في رواته".
  قلت: والغفلة عن هذا الأصل وعدم الالتزام به يخلق فوضى علمية، كالطعن في الإمام الحاكم ووصفه بالتساهل لعمله بهذا الأصل، فقد قال في أول كتاب الدعاء والذكر من المستدرك: "وأنا بمشيئة الله أجري الأخبار التي سقطت على الشيخين في كتاب الدعوات على مذهب أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي في قبولها، ... يقول: إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام، والأحكام، شددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال والثواب، والعقاب، والمباحات، والدعوات تساهلنا في الأسانيد ". اهـ

  وقال في بداية كتاب معرفة الصحابة -وهو أكبر كتب المستدرك-: "لم أستغن عن ذكر محمد بن عمر الواقدي وأقرانه في المعرفة".
  قلت: فهو -رحمه الله- يُبين منهجه وأنه سيتساهل في هذه الأبواب، أو أنه سيمشي أحاديث مختلف على علتها كرواية أبي الزبير عن ابن عباس كما صرح في بداية كتاب المغازي والسرايا.

  وكذا أحاديث كثيرة ضعفها هو أو نبه على علتها ثم أغمض عنها!.
   فمن الظلم البين تضعيف أحاديث يعلم الحاكم نفسه ضعفها ثم رميه بالتساهل والغفلة.
  والشاهد من ذكر منهج الإمام الحاكم في هذا المقام= هو عمل العلماء بهذا الأصل، ولهذا أول كتاب المستدرك أنظف في الأسانيد من اخره، لأن أوله أحاديث الأحكام والحلال والحرام.
  كما أن إغفال هذا الأصل يخلق خلافًا لا أصل له، مثل النزاع في حكم النزول للسجود، هل السنة النزول على الركبة أم على اليدين؟
  فوجدنا من ألف في المسألة، ومن ناظر عليها، ومن دافع عن مذهبه فيها بالقواعد الفقهية وما أشبه
   ثم في المنتهى لم نجد حكما تطمئن النفس إليه، وذلك:
  لعدم العمل بهذا الأصل "التشدد في أحاديث الأحكام"
  فمثلًا في كلام أحد العلماء وهو يدافع عن مذهبه في المسألة، قال: أن الحديث انقلب على الراوي!.
  وهذا عجيب جدًا، كيف يستدل بحديث يزعم أنه انقلب على راويه؟
لو كانت هذه حجته في هدم إدله مخالفه، لكان له وجه، أما أن يكون هذا دليله، فهو من أعجب العجب!.
  فالحديث المقلوب من الأحاديث شديدة الضعف، إذ أنه يدل على شدة غفلة راوي الحديث، فكيف يسوغ أن يكون مثل هذا الراوي عليه المدار في حديث عمدة من أحاديث الأحكام؟ فالله المستعان.
  والحق أنه لم يصح في ضوء هذا الأصل حديثًا مرفوعًا في هذا الباب .
  فحديث كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يضع ركبتيه قبل يديه، حديث ضعيف، مداره على شريك القاضي، قال الترمذي في جامعه: "
لا نعرف أحدًا رواه غير شريك ".
  وقال: "
قال يزيد بن هارون: ولم يرو شريك، عن عاصم بن كُليب، إلا هذا الحديث". اهـ


  قال عبد الرحمن بن أبى حاتم: "سألت أبا زرعة عن شريك يحتج بحديثه؟ قال : كان كثير الخطأ، صاحب وهم، وهو يغلط أحيانًا".

   وقال يعقوب بن شيبة: " شريك صدوق ثقة سيئ الحفظ جدًا".

  وقال ابن حجر في التقريب: " صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولى القضاء بالكوفة".


  قلت: وأما قول الترمذي : "هذا حديث حسن غريب".
فالحديث الحسن عنده هو الحديث المُعل، أو الذي لا يخلو من ضعف ما من جهة الرواة كما في حديثنا هذا، ففيه ضعف بسبب شريك، ولهذا قال عنه أنه حسن، وقوله: غريب، لتفرده به.
  ويؤكد أن الترمذي يعني بقوله أن الحديث الحسن هو الحديث المعل أو الذي لا يخلو من ضعف، أنه أخرجه بنفس الإسناد في علله الكبير، وقال: "وروى همام بن يحيى عن شقيق، عن عاصم بن كليب شيئًا من هذا مرسلًا لم يذكر فيه عن وائل بن حجر، وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم". اهـ
  وبيان مراد الترمذي بقوله: "حديث حسن" يحتاج إلى بسط طويل ليس هذا موضعه، ذكرت أدلته في ثلاثة دروس اثناء شرح الموقظة.
   وخلاصته ما ذكرته في هذه الإشارة؛ وهذه نكتة عزيزة يُعض عليها بالنواجذ، والحمد لله على توفيقه.

   وأما حديث كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يضع يديه قبل ركبتيه، فهو أيضًا حديث ضعيف، تفرد به " عبد العزيز بن محمد الدراوردي".
  قال أبو زرعة الرازي: "
سيئ الحفظ، فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ".
  وقال النسائي: "
عبد العزيز الدراوردي ليس بالقوي ...، وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر".
  قلت: وهذا الحديث من مناكيره، إذ أنه يحدث به عن عبيد الله بن عمر القرشي".
وصواب حديث الداروردي أنه موقوفًا على ابن عمر ولا يصح مرفوعًا.
قال الدارقطني في العلل (2912) : "
يرويه الدراوردي، واختلف عنه؛ ... وقال أَبو نعيم الحلبي: عن الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، فعله، موقوفًا، وهو الصواب". اهـ
وعليه
:
  إن أحاديث الباب سواء كان فيها تقديم اليدين قبل الركبتين في السجود، أو العكس من تقديم الركبتين قبل اليدين، أن هذا الأحاديث لا يصح منها شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

  والصحيح في هذا الباب إنما هو عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- موقوفًا عليه، من أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه.
   روى عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح عن نافع، أن ابن عمر، كان يقول:

"إذا سجد أحدكم فليضع يديه مع وجهه، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، وإذا رفع رأسه فليرفعهما معه".
   ورواه البيهقي في سننه الكبرى بلفظ: " إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه ".
   قلت: ولفظ البيهقي أصح وأشهر وهو ما في مسند أحمد والنسائي.

  وقد ذهب ابن المنذر في الأوسط إلى أنه صح موقوفًا عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.
   وقال الحاكم في المستدرك بعد تتبع أحاديث الباب: " فأما القلب في هذا فإنه إلى حديث ابن عمر أميل لروايات في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين".
  وكذا قواه البخاري في الصحيح، قال البخاري في أبواب صفة الصلاة من صحيحه، باب: يهوي بالتكبير حين يسجد.
  وقال نافع: "كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه". اهـ
  فلم يسند البخاري الحديث لأنه موقوف على ابن عمر، فليس على شرط الكتاب، ولكنه أرشد أن حديث ابن عمر أصح ما روي في هذا الباب.
   وهناك فائدة ذكرها ابن عبد البر -رحمه الله- في غير هذا الموضع، أن زهد الشيخين عن حديث في الأحكام يَدل على أنه لم يصح في هذا الباب ما يصلح للرواية.
والخلاصة
:
  إن الأقرب للسنة النزول للسجود على اليدين قبل الركبتين،
وهو ما ذهب إليه الإمام مالك وأحمد؛ والله أعلم.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 9 / رمضان / 1446 ه
9 / 3 / 2025


الأربعاء، 3 يوليو 2024

ماذا يحدث لو أسقطنا تراث الشيخ الألباني رحمه الله؟

 

ماذا يحدث لو أسقطنا تراث الشيخ الألباني رحمه الله؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فقد راسلني بعض الإخوة أن هناك من يطعن في الشيخ الألباني -رحمه الله-، وأرسلوا لي كلام هذا المتكلم.
فوجدت أنه يدندن حول ما يدندن حوله إخوانه من الحدادية، فالأمر لا شأن له بعلم الحديث ولا يحزنون؛ إذ الذي يحكم على رجل من أهل الحديث ينبغي أن يكون من أهل هذا الشأن، والرجل ليس من أهل الحديث ولا يفهم فيه كما سأُبَيِّن. 
  فهذا الطاعن لم يكتف بإسقاط تحقيقات الشيخ الألباني -رحمه الله- بل زعم أنه لا يَعتدُّ بتخريجات غيره من المتأخرين، أمثال: السخاوي والسيوطي وابن حجر والعراقي وحتى وصل للبيهقي.
وهؤلاء الحدادية يلبسون على غيرهم بقضية منهج المتقدمين والمتأخرين.
ثم يبدؤون الطعن في علم أكابر الأمة بزعم أنهم من المتأخرين، وأما هم فعلى منهج المتقدمين كأبي زرعة وأبي حاتم والبخاري غيرهم من النقاد المتقدمين
.
 فإذا سمع هذا التأصيل من يجهل حقيقة هؤلاء ظن أن الحق معهم، فمن الذي يُقدِّم علم ابن حجر على علم البخاري؟
إذن منهج المتقدمين هو الحق.  
وفي الحقيقة أنه لا خلاف أن علم المتقدمين ومنهجهم في النقد والتحقيق لا يقارن بمنهج من جاء بعدهم، كما لم يخترع من جاء بعدهم منهجًا جديدًا يخالف منهج هؤلاء الأكابر، ولكن وجد بعض المخالفة لسنة الله الكونية من نقص العلم مع مرور الزمان وموت العلماء وقلتهم.
وإهدار علم من تأخر من محدثي الأمة بزعم أنهم لهم منهجًا يخالف منهج المتقدمين يحدث فجوة عظيمة عند التطبيق، بمعنى: أننا لو أردنا الحكم على أحاديث في سنن النسائي أو ابن ماجة، أو مسند أحمد أو ابن أبي يعلى أو غيرها من كتب السنة التي لم يشترط أصحابها الصحة.
فهل سنجد حكمًا لأهل الحديث المتقدمين على كل حديث في هذه الكتب، أم أن هؤلاء العلماء أجابوا على أحاديث مُشكلة سُئلوا عنها فَبيَّنوا الصواب فيها وكشفوا عِلَلها؟
فالسائل لولا أنه يعرف أن هذا الحديث مُعلّ ما سأل عنه الشيخ.
وأما باقي الأحاديث المحتملة، والتي يتجاذب فيها العلماء الحكم بين القبول والرد، هل أجاب عنها هؤلاء العلماء المتقدمين؟
والجواب: لا لم يفعلوا؛ وعامة هذه الأحاديث داخلة في حيز الحديث الحسن، وهو من أصعب الأحاديث عند التحقيق؛ لأنه يتجاذب سنده بين القوة والضعف، حتى قال عنه الإمام الذهبي -رحمه الله- : " فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يُرقيه إلى رتبة الصحيح. فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما. ولو انفك عن ذلك، لصح باتفاق".
وقال: " لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياسٍ من ذلك! فكم من حديث تردد فيه الحفاظ: هل هو حسن؟ أو ضعيف؟ أو صحيح؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد: فيومًا يصفه بالصحة، ويومًا يصفه بالحسن، ولربما استضعفه". اهـ
قلت: فتأمل يرحمك الله قول هذا الإمام المحقق أن الحافظ يتغير اجتهاده في هذا الصنف من الحديث، فربما يُضعِّف ما صحَّحه قبلُ، وربما يصحح ما ضعف.
وصاحبنا يعيب على الشيخ الألباني -رحمه الله- هذا الأمر، ويقول: "لو طال به العمر لنقل السلسلة الضعيفة إلى السلسلة الصحيحة".
 والآن، نجيب نحن جوابًا سُنيًّا من غير هوى عن السؤال الذي أجاب عنه هذا الرجل، وهو: هل تحقيقات الشيخ الألباني فيها تساهل وعدم اعتناء بعلل الحديث؟
والجواب: أن الحق أنه لا يوجد متأخر إلا وهو يستدرك على من تقدمه، فنجد ابن حجر يستدرك على الذهبي، والذهبي يستدرك على الحاكم وابن القطان، وابن القطان يستدرك على عبد الحق الأشبيلي، والبيهقي يستدرك على ابن فورك، وأبو زرعه وأبو حاتم والدارقطني يستدركون على البخاري، وابن معين يستدرك على نعيم بن حماد، وسفيان الثوري يستدرك على بعض محدثي زمانه، وهكذا..
فهي سنة في علم الحديث.
فالشيخ الألباني هناك بعض ما يُستدرك عليه كغيره من العلماء، لكن هل هذه الأخطاء التي توجد في كتب الشيخ تسقط علمه وتراثه؟!
مع التنبيه أن المستدرك على الشيخ لم يستطع أن يقف على الخطأ إلا بسبب البرامج الحديثية، ووالله الذي لا إله غيره لو سحب الحاسوب من الواحد منهم لصار أجهل من حمار أهله.
ووالله أكثر هؤلاء لا يستطيع الواحد منهم أن يخرج حديثًا من الفهارس وبطون الكتب، وإنما هو يكتب كلمة من الحديث في المكتبة الشاملة ثم تخرج له النتائج، وربما تحقيقات أيضًا، فينظر فيها ثم يبدأ بالطعن في علماء السنة.
وهذا الطاعن في الشيخ يستطيع أن يكذبني بأن يخرج علينا ونذكر له حديثًا يُخرِّجه لنا أمام الكاميرا من الفهارس والكتب.
كما أنه لابد أن يوضع في الاعتبار أن تحقيقات الشيخ التي يستدركونها كُتب بعضها قبل 60 سنة، ولم يكن طبعت كثير من الكتب التي بين أيدينا اليوم من كتب المسانيد والأجزاء وخاصة كتب العلل والسؤالات، ولا طبعت بعض الرسائل والأبحاث المتخصصة.
ولهذا نجد الشيخ الألباني -رحمه الله- يلجأ لكلام المنذري في الحكم على كثير من الأحاديث، فسند الحديث الذي يحققه في كتاب السيوطي مثلًا، ليس بين يدي الشيخ، وليس بين يديه إلا قول المنذري عن الحديث رجاله ثقات، أو رجاله رجال الصحيح.
فيُصحِّح الشيخ الألباني الحديث بناء على قول هذا العالم.
فيأتي من يستدرك على الشيخ اليوم، وقد طبع الأصل الذي فيه هذا الحديث، فيجد أن فيه ثقة ولكنه مدلس وقد عنعنه، أو راو ثقة ولكنه ضعيف في شيخ بعينه، فيُضعّف الحديث بسبب هذه العِلَّة، ويُشغِّب على الشيخ، وبعضهم يُخطِّئ الشيخ بسبب قضية خلافية بين العلماء، أو راوٍ تنازع العلماء في الأخذ بحديثه كابن لهيعة مثلًا، فيريد أن يلزم الشيخ بمنهجه ولا يتأول له.
هذا؛ ولو سلمنا لهذا المفتري بإسقاط تحقيقات الشيخ الألباني ومن قبله ابن حجر والسخاوي والسيوطي والبيهقي وغيرهم ممن ذكر، لأنهم على منهج المتأخرين بزعمه.
وأردنا أن نقف على تحقيق حديث في كتب السنة التي لم يشترط أصحابها الصحة، أو في كتب المسانيد أو المصنفات، فماذا نفعل؟
هل وجود كلمة لعالم في الحكم على حديث في هذه الكتب أفضل، أم الأفضل أن نقف أمام الحديث حيارى لا ندرى عنه شيئًا؟
فهذه هي الفجوة التي حدثتك عنها، وهي إن إهدار علم من يرميهم الحدادية بأنهم على منهج المتأخرين، يجعل الناس حيارى أمام كم كبير من أحاديث السنة.
فهم حمقى وأصحاب غل على أهل السنة، كإخوانهم من الخوارج سفهاء الأحلام، لا دينًا أقاموا، ولا دنيا أبقوا.
هذا؛ وكلمتي هنا ليست دفاعًا في المقام الأول عن الشيخ الألباني -رحمه الله- في علم الحديث، ولكن هي من باب دفع البغي عن عالم من علماء أهل السنة.
فالشيخ الألباني -رحمه الله- له هذه المنزلة بين أهل الإسلام لأنه من علماء السنة الذين هم على منهج السلف، وهؤلاء هم من يُحمل عنهم العلم، لأن الأمر كما قال محمد بن سيرين -رحمه الله-: "إنَّ هذا العلم دِين فانظروا عمَّن تأخذون دِينكم".
  فإن لم نلتزم بهذه السنة السلفية لفسد علينا العلم ولتصدى لتعليم الناس مثل هذا الجاهل المستدرك على الشيخ -رحمه الله- وجعله من أهل الفردوس الأعلى.

  وقد ذكرت في أول الكلام أن هذا الرجل يجهل علم الحديث، والمسكين يظن أنه بحمل رسالة دكتوراه فيه قد أصبح من أهله.
ورحم الله الشيخ مقبل الوداعي عندما قال: إنما هي عمائم على...
كما يظن هذا المسكين أن هذا الدجل الذي يتلاعب به في صفحته من أنه لم يصح حديث في باب كذا وكذا، وأن انبهار الجهلة بهذا الكلام يجعل كاتبه على شيء، فيظن أن الجميع جهلاء، وأن هذا الدجل ينطلي على الجميع، وكأننا لا نعلم أن أصل هذا الكلام موجود في مؤلفات الفيروز آبادي والشيخ بكر أبو زيد وغيرهما ممن ألف وصنف في هذا الباب.
وقبل أن أبدأ في توضيح جهله أريد أن أُوضِّح نكتة مهمة، وهي: أن العالم كلما زاد تأليفه كلما زاد الاستدراك عليه، ولهذا يقولون: من ألَّف فقد استهدف.

قال سليمان بن أحمد الدمشقي, قال: " قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أكتب عمن يغلط في عشرة؟ قال: نعم. قيل له: يغلط في عشرين؟ قال: نعم. قلت: فثلاثين؟ قال: نعم. قلت: فخمسين؟ قال: نعم ". اهـ
قلت: وكلام ابن مهدي هنا لا يُحمل على من يُحدِّث بألف حديث مثلًا فيغلط في خمسين، ولكن هذا للمُكثر.
ومؤلفات الشيخ الألباني لا يستطيع منصف إنكار نفاسة مواضيعها مع طولها، فقراءتها تستهلك عمرًا طويًلا، فما بالنا بكتابتها وتصنيفها وتحقيق أحاديثها ومسائلها؟
ولهذا من الطبيعي أن يوجد في كتب الشيخ ما يستدرك عليه.
فالسلسلة الصحيحة تفوق أحاديثها 4000 حديث، والسلسلة الضعيفة تتجاوز 7000 حديث، والأمر ليس متوقف على تحقيق الحديث وحسب، بل يذكر الشيخ بعض أحكامه، وما فيه من سنن، وما ينبه عليه من بدع، وغير ذلك مما هو معلوم.
مع بيان سبب التصحيح أو التضعيف وتخريج طرق الحديث.
وكل هذا مما يسطو عليه محققو العصر ثم يستدركون على الشيخ.
فيسرقون جهده، ثم يجحدون فضله.
وأقلهم شرًا من يسرق مجهود الشيخ وينسبه لنفسه، ثم يتأكل به.
أما أحاديث الجامع الصغير فتتجاوز 10000 حديث، فتأمل عدد الأحاديث التي حققها الشيخ في هذه الكتب الثلاثة فقط، فما بالنا بباقي مؤلفاته؟
فإذا أردنا الأخذ بنصيحة هذا الطاعن المتعالم سنكون أمام هذا الكم الهائل من الأحاديث والتي أغلبها لم تحقق من قبل.
ولكن لا بأس..  فعندنا هذا الدكتور وعصابته، يكفون الأمة هذا العناء..
فالرجل يحقق للأمة الأحاديث بالجملة، يقول: لا يصح أحاديث في باب كذا وكذا.
فدعكم من تحقيقات الألباني وابن حجر والسخاوي والبيهقي، فأنا موجود وفي الخدمة.
وأذكر أيضًا قبل البدء في بيان جهل هذا الدكتور مسألة نبهت عليها من قبل، وهي: أنك لا تجد بين هؤلاء الحدادية من يصحح حديثًا -إلا في القليل النادر-، فهم لا يعرفون إلا التضعيف، والطعن فيمن يصحح أحاديث خارج صحيح البخاري.
وهذا يشبه النفس التكفيري عند الخوارج لمن تأمله.
وهذا الدكتور الذي يزعم أنه لا يَعتد بتراث الشيخ الألباني وغيره من العلماء الذين مر ذكرهم، لأنهم على منهج المتأخرين.
خرج علينا منذ أسبوعين ليضعف حديثًا في صحيح مسلم.
 فهل عنده الإمام مسلم على منهج المتأخرين أيضًا؟ يجيب متابعيه..
ولهذا كنت مضطرًا للنظر في كلامه حتى نعلم علم الرجل وعقله.
فوجدته يزعم بلسان حاله أن مسلمًا خَفيت عنه عِلَّة هذا الحديث! وهو بدكتوريته كشف هذه العلة!
والحديث هو: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده".
والذي أخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان وأبو عوانة، وهم ممن اشترط الصحة في كتبهم.
ويلزمه هنا أن يبين لمتابعيه ما الفرق إذا بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين إن كان صحيح مسلم وابن خزيمة وابن حبان لم يسلم منه؟
وهل هم في نفس المنزلة التي فيها البيهقي وابن حجر والسخاوي والألباني؟
أم هم على نفس منهج المتقدمين كالبخاري والنسائي؟
وأخشى أن يقول: أنهم في منزلة بين المنزلتين.
نريد منه الجواب..
وهذه العلة الخفية التي وقف عليها هذا المتعالم الجاهل، وقد خفيت على الإمام مسلم وغيره من أصحاب كتب الحديث:
أن راوي الحديث ليس هو الصحابي المشهور أبو قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-، وإنما هو التابعي "أبو قتادة تميم بن نُذَير العدوي"، .. هكذا خبط لزق.
وأن هذه عِلَّة خفية لم يطَّلع عليها الإمام مسلم -بالطبع لأنه ليس معه دكتوراه في الحديث- وكذا رواة الحديث لم يكونوا يعرفون أن أبا قتادة هو التابعي، وظنوا أنه الصحابي المعروف، فكانوا دهرًا طويلًا يروون الحديث-على التَّوهُّم والظَّنِّ- كما هو نص عبارته.
وبالطبع هذه العِلَّة لم ينتبه لها أيضًا الترمذي والنسائي عندما أخرجا الحديث، ولا إمام الأئمة ابن خزيمة أو ابن حبان عندما أخرجا الحديث في صحيحيهما، ولم ينتبه لها الدارقطني أو أبو عمار الشهيد عندما غربلا صحيح مسلم في البحث عمَّا يستدرك عليه.
أو شك في هذه العلة ولو مرة طالب حديث فسأل عنها أبا زرعة أو أبا حاتم أو غيرهما من أئمة الصنعة.
وبالطبع، كيف يقفون على مثل هذه العلة الخَفيَّة وهم لا يحملون شهادة دكتوراه في الحديث كصاحبنا؟!
وكل هذا الهراء بناه هذا الدكتور لأنه وقف على كلمة للبخاري قال فيها: أنه لا يعرف سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة.
و عبد الله بن معبد هو الزماني البصري رواي الحديث عن أبي قتادة، وهو ثقة، وَثَّقه النسائي والذهبي وغيرهما.
ومن يتأمل في كلام البخاري لا يجد أنه قال أن أبا قتادة الذي في سند الحديث هو التابعي وليس الصحابي.
غاية ما في كلمة البخاري أنه نفى معرفته بسماع عبد الله من أبي قتادة، كما أن كلام البخاري هنا لا يفهم منه إلا أنه يتكلم عن الصحابي أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-.
وهذا هو الذي يفهمه كل من له عناية بهذا العلم، ولهذا قال الذهبي -رحمه الله- في ترجمة عبد الله بن معبد، بعد أن ذكر نفي البخاري معرفته بسماع عبد الله من أبي قتادة، قال: "لا يضره ذلك". [ديوان الضعفاء ص / 229].
قلت: لأن نفي العلم ليس بعلم كما لا يعلم الدكتور.
ولهذا لم يقل البخاري -رحمه الله-: عبد الله بن معبد عن أبي قتادة، مرسل، أو لا يصح.
ثم إن الرجل أراد أن يمتع متابعيه بتحقيقاته النادرة وهو يدلل على خطأ الإمام مسلم ومن معه من أصحابه ممن لم ينتبه لهذه العِلَّة الخفية التي كشف عنها الرجل بدكتوريته.
فذكر حديثًا رواه النسائي، وقال: إسناده جيد.
فلما رجعنا إلى الحديث وجدنا أن فيه رجلًا لم يسم، فلا أدري في أي كتاب درسه الرجل أن مثل هذا السند يُحسَّن فضلًا عن أن يجود؟

 ثم إن الرجل شعر أن كلمة سند جيد تتماشى مع الدكتوراه، فالكل يقول حديث صحيح أو حديث حسن، أما حديث جيد؛ هذه قليلة الاستعمال.
فقال مرة أخرى: " كما أخرج ابن جرير بسند جيد عن أبي السوار: أنه سأل ابن عمر عن صوم يوم عرفة، فنهاه". 
  قلت: وتأمل حال هذا المسكين المتعالم الذي يعيب على الشيخ الألباني أنه يلجأ إلى تهذيب المزي ليعلم أسماء الشيوخ والتلاميذ للراوي -ولا أدري الصراحة ما العيب في ذلك؟ ربما عندهم في الدكتوراه الرجوع إلى كتب العلل في الكشف عن شيوخ وتلاميذ الراوي -.
وهذا المسكين لو طالبناه بأن يأتي بترجمة أبي السوار راوي هذا الحديث، ويثبت لنا أنه حَدَّث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ما استطاع.
 لأن الراوي عن ابن عمر هو أبو السوداء، وحديثه أخرجه النسائي، والمسكين يخرج الحديث من عند ابن جرير الطبري، والله المستعان.
وعلى كل حال، فالدين النصيحة: أقول له: صحِّح نسختك من المكتبة الشاملة، فإن الذي عند ابن جرير خطأ، لأن أبا السوار المذكور في سنده هو العدوي البصري الثقة، صاحب حديث "الحياء لا يأتي إلا بخير"، وهو متفق عليه.
وأبو السوار هذا لو رجعت إلى تهذيب المزي كما عِبت على الشيخ الألباني، لعلمت أنه لم يروِ عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
ثم يستمر هذا الدكتور في إمتاع متابعيه ويكشف ما يؤيد أن حديث مسلم فيه عِلَّة خفية، ويبدأ الكلام في المتن، فهو معه دكتوراة في الحديث كما مر، فلا بد أذن أن يعلم الناس أن هذا الحديث أيضًا ضعيف في متنه كما هو ضعيف في سنده.
فقال: "عن سليمان الأحول قال : ذكرت لطاوس صوم يوم عرفة أنه يعدل صوم سنتين، فقال:" أين كان أبو بكر وعمر عن ذلك ؟ ". اهـ
فالرجل يريد أن يقول: إن كان هذا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا لم يصم صاحباه؟

ولهذا استدل بكلام الإمام الثقة "طاوس بن كيسان".
والحق أن هذه المرة الحديث الذي استدل به رجاله ثقات، غير أنه ضعيف، ففيه علة غير خفية إلا على مثل هذا الدكتور من أدعياء العلم، وهي: أن طاوسا لم يدرك الشيخين -رضي الله عنهما- ، فالحديث بذلك يكون ضعيفًا لا يصح كما درس هو في البيقونية -إن شاء الله-.
وله من البلايا الكثير في هذا الحديث فقط، هي مذكورة في رَدِّي المُفصَّل عليه.
فهذا حال من يستدرك على هؤلاء العلماء، وهذا مستواه العلمي، لم يَسلم له حديث واحد تعرض له بالتحقيق، فوقع في كل هذه الأخطاء العلمية والمنهجية التي يستحي صاحبها أن يتكلم في دين الله بعدها.

وختامًا:
على من يعجبه طعن هؤلاء الحدادية الجهلة في الشيخ الألباني ومن ذكر معه من العلماء، عليه أن يختار بينهم وبين هذا الرجل ومن على شاكلته.
ثم ينظر هل يسلم له دينه بعدها؟
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 26 9 / ذو الحجة / 1445
2 / 7 / 2024



السبت، 15 يونيو 2024

الرد على من ضعف حديث صوم يوم عرفة.

 الرد على من ضعف حديث صوم يوم عرفة.

 الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن طلب العلم من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه، وغايته من هذا هو العمل بما تعلمه، ثم بثه بين الناس زكاة له.
وطالب العلم في طريقه يقف على صنوف وألوان من المباحث العلمية.. تختلف أحكامها، منها: ما حكمه أن يُبث ويشاع في الناس، ومنها: ما حكمه أن يحجب عنهم؛ فليس كل ما يُعلم يُقال.
ومنها: ما يخص به طلبة العلم أمثاله -إن كانوا أهل فهم ودراية- يُعْلمهم بما وقف عليه ليتدارسوه بينهم.
   غير أن كثيرًا من هؤلاء الطلبة لا يَصبر على كتم هذا اللون من العلم عن العوام؛ وكيف لا والأبعدُ منهم يحب الإغراب وأنه أتى بما لم يأت به الأوائل؟
فهو لا يظن أنه بهذا يفتح باب فتنة على هؤلاء المساكين، وإنما يشغله فقط أن يشار له بالبنان وقوة التحصيل.
  وهذه الشهوة الخبيثة قريبة مما دفع بعض رواة الحديث الأُول إلى سرقة حديث غيرهم، أو شراء الكتب من الأسواق وادعاء سماعها.
  هذا؛ وقد نبه العلماء على حكم بسط المسائل العلمية بين العوام حتى لا تقع فتنة بسبب بذل العلم عند غير أهله.
  وقد أصبحت مواقع الشبكات الإلكترونية والتواصل مرتعًا لهذه المخالفة، فدخلت بالأمس لأُبين كلمة فيها طريقة فهم العلماء لحديث الصماء في النهي عن صوم يوم السبت وأنه لا يكفي عندهم صحة السند في قبول الحديث، فهذا معناه خلوه من العلة فقط، وليس معناه خلوه من الشذوذ، وبيان بعض مسالك العلماء في التعامل مع هذا الصنف من الحديث.
غير أني صدمت بأحدهم يُضعف حديث صوم يوم عرفة الذي أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه-.
  فوقع في قلبي حسرة من الجرأة على هذا الكتاب العظيم، وكيف أن الناس أفسدها فسق التصور وعدم تعظيم علم السلف فأصبحوا يتكلمون في الصحيح ويستدركون على الأئمة؟.
  وزاد الأمر حزنًا تقصير أهل السنة الخُلص في تراث أسلافهم، فهذه الصنعة هي ميراثهم الذي لا ينازعهم عليه أحد، لأنه لا يُوفق لهذا الميراث صاحب هوى أو صاحب غل على السلف أبدًا.
   وسأحاول أن أبين من خلال الرد على صاحب هذه المقولة والتي ليست من كيسه، وإنما سرق فكرتها من غيره، ثم ساقها بطريقة حديثة، فالأمر كما كان يقول الشيخ الألباني-رحمه الله-: "إنما هو تغير شكل من أجل الأكل، ولا جديد".
  وسألجأ إلى الرد على كلامه بحروفه، من باب "من فمك أدينك"، وحتى لا يقال أني حرفت كلامه.
   وأتمنى إن وجد في بعض كلامي شدة أن يتجاوزها القارئ فهي غير معني بها الكاتب، فهو كغيره يخطأ، ومن المعصوم من الخطأ؟
  وإنما منبعها من حميتي على صحيح مسلم الذي حاول الحدادية والجهلة المعاصرون العبث به وبأصوله، والله المستعان.
  قال صاحبنا -عفا الله عنا وعنه-: " صيام يوم عرفة مشروع كسائر صوم النفل، ولا يوصف بأنه سنة، فضلاً عن أن يكون سنة مؤكدة. كما لا ينبغي وصفه بأنه بدعة أو غير مشروع. وقد روى النسائي بسند جيد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "وأنا لا أصومه، ولا آمرك ولا أنهاك، غير إن شئت فصم، وإن شئت فلا تصم". اهـ
  قلت: قوله بأن صيامه ليس بسنة هو تضعيف لحديث مسلم والذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده".
وسيأتي مناقشة سند الحديث بعدُ.
  ثم قال: "وقد روى النسائي بسند جيد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "وأنا لا أصومه، ولا آمرك ولا أنهاك، غير إن شئت فصم، وإن شئت فلا تصم". اهـ
  قلت: والحكم على السند بالجودة يعني أنه نَزل على مرتبة الصحيح درجة، فهو أعلى مرتبة من الحديث الحسن.
  وهذا الحديث الذي ذكرها الكاتب، رواه النسائي برقم (2827)، وسنده: أنبأ محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد عن شعبة عن بن أبي نجيح عن أبيه عن رجل عن ابن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمرك ولا أنهاك عنه إن شئت فصم وإن شئت فلا تصم" . الحديث
   قلت: فتأمل -يرحمك الله- إلى حال من ذهب يضعف حديثًا في مسلم يجود إسناد فيه رجل لم يسم " عن شعبة عن بن أبي نجيح عن أبيه عن [رجل] عن ابن عمر".
   وأنا أعلم أن الحديث رواه غير النسائي بإسناد ليس فيه هذه العلة، وإنما نحن اتبعنا ما دلنا عليه الرجل، ورجحنا أيضًا ما رجحه النسائي رحمه الله لأن هذا السند معل، وأن راويه اضطرب فيه فرواه مرة بذكر الرجل، ومره من غيره.
  والطريق الصحيح بذكر هذا الرجل الذي لم يسم، وهذه طريقة الإمام أحمد رحمه الله في إعلال الأحاديث.
   ثم قال: "ولم يصح في حديث قط أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عرفة ولا مرة في حياته، إلى أن لقي الله تعالى، لا في حجته، ولا قبلها.

  وهذا أبو بكر وعمر وعثمان لم يصح عن واحد منهم أنه صام يوم عرفة مطلقاً، لا في حج ولا في غيره". اهـ
  قلت: فتأمل -يرحمك الله- إلى طريقته، كأنه ينفي صحة الأحاديث التي بينت أنه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الثلاثة لم يصموا يوم عرفة.
فيقول: "ولم يصح".
  قلت: وهل ورد أصلًا شيء في هذا الباب حتى يقال يصح أو لا يصح؟.
غاية ما هنالك حديث فطره صلى الله عليه وسلم في الحج وشربه اللبن، وحديث النسائي الذي حذف منه الكاتب موطن الشاهد، من قول ابن عمر: " حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه".
فالأحاديث تتكلم على صوم يوم عرفة للحاج، وحديث مسلم يتكلم عن صوم عرفة بعموم.
فالرجل يستدل بالعدم، فيقول " ولا يصح" ، وأين هذه الأحاديث حتى تحكم عليها بعدم الصحة؟
  ثم قال: "
والقائلون باستحباب صوم يوم عرفة لا يفرقون بين الحج وغيره، إنما يصومونه لمطلق فضله. فقد كانت عائشة رضي الله عنها، والحسن البصري، وعثمان بن أبي العاص، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، يصومون يوم عرفة بعرفة وغيره. ولذلك قال الترمذي: "وقد صام بعض أهل العلم يوم عرفة بعرفة". اهـ
   قلت: والذي ذكره الترمذي الإمام -رحمه الله- هو مفهوم السنة، من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يترخص أحيانًا لرفع الحرج عن أمته، فأفطر يوم عرفه في الحج، وأظهر فطره حتى لا يشق على الناس، كما فعل في ترك التراويح في المسجد في رمضان رفعًا للحرج وخشية أن تفرض على الأمة.
  أخرج البخاري في صحيحه من حديث أم الفضل بنت الحارث، أن ناسًا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، «فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره، فشربه».
  وعنده أيضًا في رواية ميمونة رضي الله عنها: "أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة «فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه» والناس ينظرون". [ورواه مسلم
في الصيام باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة].

  قلت: ولعله يظهر من الحديثين أن الناس لم تكن تعلم أن من سنته الفطر يوم عرفة، ولذلك شكوا في صومه وفطره، فأفطر على مرأى من الناس حتى يترخصوا، وكذا كان يأمر بالفطر في الجهاد ليستعينوا بالفطر في القتال.
فأين دليل الرجل أنه لم يصح صوم النبي صلى الله عليه وسلم في الحج وقبله؟ والصحابه كانت لا تدري هل هو صام في الحج أم لا؟
بمعنى أنهم يعرفون من سنته الصيام في عرفة، غير أنه أشكل عليهم صوم عرفة في الحج.
حتى هو ذكر أن عائشة كانت تصوم هذا اليوم، فهل أتت ببدعة؟
  ثم قال صاحبنا: "وحديث أبي قتادة عند مسلم من حديث غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني البصري عن أبي قتادة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" حديث ضعيف معلول بعلة خفية. وهي الإرسال، وهو نوع من الانقطاع. فأبو قتادة راويه ليس هو الصحابي الأنصاري الحارث بن ربعي المدني، إنما هو التابعي البصري أبو قتادة تميم بن نُذَير العدوي. وعليه فالحديث مرسل. والمرسل ضعيف.

والقرائن الدالة على أنه التابعي - وليس الصحابي - كثيرة جداً؛ منها: أن البخاري نفى سماع عبد الله بن معبد الزماني البصري من أبي قتادة الصحابي.

وقد بقي الحديث دهراً يروى عن أبي قتادة من غير نسبة، حتى جاء شعبة واستوثق من شيخه: غيلان بن جرير أهو الأنصاري؟ فقال – على التوهم والظن – نعم. وجرى عليه الناس بعد شعبة، فصاروا ينسبونه اعتماداً على قول غيلان. والحق أنه ليس هو الأنصاري، كما سبق النقل عن البخاري الخبير بالرجال والعلل.

وقد تابع الزماني على روايته عن أبي قتادة: حرملة بن إياس البصري، فرواه عنه من غير نسبة.

وقد قال ابن معين: "كلّ شيء يُروى عن ابن سيرين، وعن البصريين، عن أبي قتادة، فهو أبو قتادة العَدوي". فهذه قرينة أخرى قوية تدل على أن أبا قتادة راويه هو: العدوي التابعي، وليس الصحابي". اهـ
   قلت: لو فتح هذا الباب للحكم على الأحاديث بهذه الطريقة لهدمت السُنة، فهذا العلم له أهله الذين يفهمون فيه وليس كل متوهم يرى كلمة مُشكلة في كتاب يَبني عليها حكمًا.
فالرجل -هداه الله- يُجهل الإمام مسلما -رحمه الله-، ويزعم أنه أخرج حديثًا معلًا في صحيحه هو لا يعلم علته، ثم جاء من بعده من غربل صحيحه ليستدرك عليه كالناقد الحاذق الدارقطني، وكذا أبو عمار الشهيد، كما استخرج أبو عوانة طريقين على نفس الحديث وقد وافق مسلمًا على حديثه هذا ولم يخالفه.
  ثم جاء من بعد مسلم إمام الأئمة ابن خزيمة -رحمه الله- فاخرج الحديث في كتاب الصيام والذي قال في أوله: " كتاب الصيام «المختصر من المختصر من المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم على الشرط الذي ذكرنا بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه صلى الله عليه وسلم، من غير قطع في الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار إلا ما نذكر أن في القلب من بعض الأخبار شيء، إما لشك في سماع راو من فوقه خبرًا أو راو لا نعرفه بعدالة، ولا جرح فنبين أن في القلب من ذلك الخبر، فإنا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه، فالله الموفق للصواب". اهـ
قلت: فهذا ابن خزيمة الإمام -رحمه الله- يخرج الحديث في صحيحه مؤكدا أنه لا يخرج في باب الصيام حديثًا إلا على هذا الشرط: "بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه صلى الله عليه وسلم، من غير قطع في الإسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار".
 وذلك لأن الإمام ابن حزيمة يتدين بقوله: "فإن لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه".
هذا، ولم يكتف ابن خزيمة بتخريج الحديث وحسب، بل علق عليه، فقال: " فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده , فدل أن العمل الصالح قد يتقدم الفعل فيكون العمل الصالح المتقدم يكفر السنة التي تكون بعده".

وهذه نكتة عزيزة لمن تأملها.
كما أن الحديث أيضًا أخرجه الإمام ابن حبان البُستي في صحيحه، وقد اشترط الصحة والتي من شروطها : اتصال السند.
 نعم من الممكن أن ينازع ابن حبان في توثيق الرجال، أما الغفلة عن الإرسال فهذه لا أعلم من قالها قبلُ.
  والحديث أيضًا رواه النسائي في سننه الصغري في كتاب الصيام، وسكت عليه.
والنسائي إذا أخرج حديثًا وسكت عليه فهذا معناه أنه ليس فيه علة عنده كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في
نتائج الأفكار( 1/ 402 : 403) في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر، ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك".

هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عبد السلام بن مطهر...
فأما الترمذي فقال: حديث أبي سعيد أشهر شيء في هذا الباب، وبه يقول أكثر أهل العلم، وقد تكلم بعضهم في سنده، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي.

وأما النسائي فسكت عليه، فاقتضى أنه لا علة له عنده". اهـ
   قلت: فالحديث ليس له علة إسنادية عند إمام العلل النسائي -رحمه الله- ولهذا قال عقب هذا الحديث في سننه: " هذا أجود حديث عندي في هذا الباب، والله أعلم".

   قلت: ولو أردت أن استرسل في هذا الباب لطال الكلام، ولكن يكفي ما مر، من أن المؤلف يزعم أن في الحديث علة خفية خفيت على الإمام مسلم وأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان والنسائي، ثم كشفها هو، فالحمد الله على نعمة الإسلام والعقل.
ثم قال الرجل -سامحه الله- : "
والقرائن الدالة على أنه التابعي - وليس الصحابي - كثيرة جداً؛ منها: أن البخاري نفى سماع عبد الله بن معبد الزماني البصري من أبي قتادة الصحابي". اهـ
  قلت: وكل من دخل هذا العلم ليستدل بعد أن اعتقد زل ولا بُدْ.
فالرجل توهم تبعًا لمن سبقه بهذا الهراء أن الحديث ضعيف، فذهب يفتش على كل ما يساعده على اثبات نظريته، ليسمي هذه الأوهام قرائن!!
  وهي ليست سوى هلاوس سمعية وبصرية، فجعلته يفهم الكلام من قفاه، فالرجل يقول أن أبا قتادة راوي الحديث ليس هو الصحابي المشهور، بل هو تابعي خفي أمره على الإمام مسلم وأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان والنسائي، والبخاري كما سيأتي!!
  ودليل ذلك عنده:"أن البخاري نفي سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة".اهـ
 والمرء والله يتعجب من طريقة عمل عقل هذا الإنسان، أين القرينة هنا في اثبات أن الراوي هنا هو التابعي أبو قتادة، وليس الصحابي أبو قتادة؟
فغاية ما هنالك -إن صح- أن يقال أن الراوي مدلس؟
  فليس هناك قرينة في اثبات أنه روى عن شيخه وليس عن الصحابي، بل هذه الصورة إن ثبت إرسال الراوي، تؤكد أن أبا قتادة هو الصحابي وليس شيخ الراوي، لأنه بدون هذا سيكون الحديث مقطوعًا.
ومن هلاوس الرجل أنه زعم أن البخاري نفى [هكذا]
سماع عبد الله بن معبد الزماني البصري من أبي قتادة الصحابي.
  ولم يتحفنا بالمصدر الذي فيه نفي البخاري لسماع الراوي من أبي قتادة الأنصاري.
ولهذا نلجأ إلى كتب البخاري لنرى ماذا قال؟
  قال البخاري في تاريخه الأوسط ( 1/ 266): "
1293- حدثنا محمد بن كثير عن همام عن عطاء عن أبي الخليل عن حرملة بن أبي إياس عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء

1294 - وقال بعضهم حرملة بن إياس الشيباني وقال بعضهم عن مولى أبي قتادة

1295 - وقال بعضهم أبو حرملة ولا يعرف له سماع من أبي قتادة

1296 - ورواه عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء ولم يذكر سماعًا من أبي قتادة". اهـ
  قلت: تأمل عبارة البخاري -رحمه الله- فإنه قال: أن حرملة بن إياس
لا يعرف له سماع من أبي قتادة، فلما جاء لـ " عبد الله بن معبد الزماني" ، قال بالحرف: "ولم يذكر سماعًا من أبي قتادة".
يعني أن
عبد الله بن معبد لم يقل: حدثنا أو أخبرنا وإنما قال: عن أبي قتادة.
فليس هناك نفي للسماع بمرة، كما أن البخاري هنا يتكلم عن أبي قتادة الصحابي، إذ لو كان التابعي، فما الفائدة في بحث هذا السماع في حديث مرفوع؟
وقال البخاري في تاريخه الكبير وهو يتكلم عن ترجمة "حرملة بن إياس الشيباني" رقم (240)، قال:
"حرملة بن إياس، الشيباني.

عن أبي قتادة، أوعن مولى أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصوم...
وقال علي، وعبد الله بن محمد: عن ابن عيينة، عن داود بن شابور، عن أبي قزعة، عن أبي الخليل، عن حرملة، عن أبي قتادة.

وزاد عبد الله: عن أبي حرملة، مولى أبي قتادة.

ولم يصح إسناده.

وروى غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا يعرف سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة". اهـ
قلت: فهذا ما عند البخاري في تاريخه الكبير أيضًا، وهو أنه يجهل سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة، ولم ينفي السماع، وإنما أقر بأنه لا يعرف فقط.
  ولهذا لم يحكم على حديثه بالضعف كما قال في حديث
حرملة بن إياس، قال: " ولم يصح إسناده". فانتبه!.

  وهذا ليس فهمي بل هو فهم أئمة الصنعة، فهذا الذهبي الإمام لما تكلم على من ظن ضعف عبد الله بن معبد الزماني لعدم معرفة البخاري بسماعه من أبي قتادة.
قال الذهبي: "لا يضره ذلك". [ديوان الضعفاء ص / 229].
  قلت: لأن نفي العلم ليس بعلم، وهذه القضية التي تكلم عنها الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، وأن أهل العلم يكتفون في تصحيح الحديث بالمعاصرة، وأن اشتراط اللقاء والسماع إنما هو أمر زائد، قال هذا مسلم عندما ألف صحيحه، ولم يكن في هذا الوقت قد ألتقى بالبخاري أو أخذ عنه حتى يُقال أنه كان يرد على البخاري، فصحيح مسلم كتب بزمن قبل لقاء مسلم بالبخاري ولهذا لم يرو عنه في الصحيح.
فقضية عدم اشتراط السماع كانت محدثة في زمن الإمام مسلم لا يشترطها أهل زمانه، ولهذا رد عليها برد طويل مفصل في مقدمة صحيحه.
  قلت: نتابع باقي تخرصات الرجل، قال: "
وقد بقي الحديث دهراً يروى عن أبي قتادة من غير نسبة، حتى جاء شعبة واستوثق من شيخه: غيلان بن جرير أهو الأنصاري؟ فقال – على التوهم والظن – نعم. وجرى عليه الناس بعد شعبة، فصاروا ينسبونه اعتماداً على قول غيلان. والحق أنه ليس هو الأنصاري، كما سبق النقل عن البخاري الخبير بالرجال والعلل". اهـ
   قلت: هذا الرجل مسكين لا يدري ما يخرج من رأسه، عنده هلاوس شديدة، نسأل الله العافية، يزعم أن رواي الحديث الثقة "غيلان بن جرير الأزدي" يُسأل فيجيب على التوهم والظن، فيسأله شعبة بن الحجاج هل راوي الحديث هو أبي قتادة الأنصاري؟
فيجيب على التوهم والظن : نعم هو الأنصاري؟

قلت: وهذا الذي ذكره أخرجه أبو عوانة في مستخرجه على مسلم :" باب بيان فضيلة صوم عرفة وثوابه":

 حدثنا الصاغاني ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت غيلان بن جرير يحدث، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة. قلت: الأنصاري؟ قال: الأنصاري"اهـ .
   فراوي الحديث هنا يؤكد أن أبا قتادة هو الصحابي، غير أن صاحبنا يأبى إلا أن يطعن في السلف وينسبهم إلى التوهم والظن والجهل بما ينقلون.
والرجل -سماحه الله- يقول: "
الحديث دهراً يروى عن أبي قتادة من غير نسبة".
  قلت: وليس من هذا شيء، فالحديث -كما لا يعلم المسكين- عند الإمام أحمد من غير طريق شعبة، ومنسوب إلى أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-، فرواه أحمد من طريق قتادة، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة الأنصاري".
والحديث منسوب أيضًا إلى أبي قتادة الأنصاري الصحابي -رضي الله عنه- عند مسلم في صحيحه، رقم (1162)، وابن خزيمة (2126)، وأبي نعيم في مستخرجه على مسلم (2545).
وأخرجه الحاكم في مستدركه (4179) منسوبًا إلى أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-، ثم قال:" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إنما احتج مسلم بحديث شعبة عن قتادة بهذا الإسناد : صوم يوم عرفة يكفر السنة وما قبلها".
  قلت: ثم استمر الرجل في هلاوسه، فقال: "
والحديث غريب فرد ليس لأبي قتادة فيه متابع". اهـ
  فالرجل والله لا أدري ما يقال في مثله، كأنه يَرد أحاديث الأحاد، فلابد عنده في صحة الحديث أن يتابع عليه راويه حتى لا يكون غريبًا.
  ورحمة الله على إمام الصنعة ابن حبان -رحمه الله- لما بَين أن عامة الأخبار إنما هي أحاد.
ويتابع الرجل هراءه ليثبت وجهة نظره، وهو كما قلت مسكين يظن أنه يفهم في هذا العلم، فينقل آثر عن طاوس فيه: "عن سليمان الأحول قال : ذكرت لطاوس صوم يوم عرفة أنه يعدل صوم سنتين، فقال:" أين كان أبو بكر وعمر عن ذلك ؟ ". اهـ
قلت: والحديث أخرجه ابن أبي شيبة ورجال السند ثقات، إلا أنه ضعيف، لعدم أدرك طاوس أبا بكر أو عمر حتى يروي عنهما.
فهذه علة ظاهرة كما نرى، فما بالنا برجل يستخرج العلل الخفية من صحيح مسلم؟
ثم يعود ويجود إسناد حديث أخر، كأنه تعلم هذا الحرف قريبًا، فقال:
"
كما أخرج ابن جرير بسند جيد عن أبي السوار: أنه سأل ابن عمر عن صوم يوم عرفة، فنهاه". 
  قلت: فالرجل الذي يتكلم عن علل خفية في صحيح مسلم، يؤكد لنا أنه دخيل على هذه الصنعة، ككثير ممن استخدموا تضبيق المكتبة الشاملة فظنوا أنهم أصبحوا من المحدثين!!.
  فإن سألناه من الراوي الذي يروي عن ابن عمر ويعرف بـ "أبي السوار" هذا، لا يستطيع أن يجيب، لأنه لا وجود له إلا في هلاوس الرجل.
  فصاحب ابن عمر هو أبو السوداء، وهو مقبول الحديث إن توبع على ما أصل ابن حجر في تقريبه.
  أما أبو السوار فهو العدوي البصري الثقة، صاحب حديث " الحياء لا يأتي إلا بخير" والذي أخرجه البخاري ومسلم.
يروي عن: ع"لي بن أبي طالب وعمران بن حصين وجندب بن عبد الله"، ولا يعلم له رواية عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم جميعًا-.
والخلاصة:
   فهذا حال الرجل الذي يطعن في صحيح مسلم، ويجتمع عليه الجهلة ويظنون أنه على شيء.
وأكتفى بهذا القدر مع أني أمامي الكثير مما يقال في هذا المقام، ولكن يكفى هذا فقد شغلنا هذا المسكين في هذا اليوم الفاضل.
   مع التنبيه أن هذا المرض الذي يعاني منه هذا الرجل قديم، فهذا الإمام الألباني -رحمه الله- رد على رجل مثله، وكأنه يرد عليه بالحرف، فقال في الصحيحة حديث (3007 ـ بتصرف) في رده على المدعو حسان عبد المنان محقق "رياض الصالحين " : "
لقد كنت أسمع عن هذا الرجل ومجازفاته في الطعن في الأحاديث الصحيحة، وأنه وضع لنفسه قواعد- بزعمه- ينطلق منها في تضعيفها، وأحيانًا يتساهل فيقويها- اتباعًا للهوى- غير ملتزم في ذلك القواعد العلمية التي وضعها العلماء، فكنت أتريث حتى نجد من آثاره ما ندينه به؛ حتى صدر كتابه، فتأكدت من ذلك، وصدَّق الخُبر الخَبر، ولا أريد الإفاضة في ضرب الأمثلة، فالمجال ضيق الآن، فحسبنا الآن قوله المذكور أعلاه؛ فإنه يكفي للدلالة على ما تقدم، وذلك من وجوه: ...

  وجملة القول؛ أن الرجل واسع الخطو جدًا في تضعيف الأحاديث الصحيحة دون الاعتماد على القواعد العلمية، وفي كثير من الأحيان يتشبث في التضعيف ببعض الأقوال المرجوحة، كما فعل في إعلاله لحديث أبي قتادة مرفوعًا (رقم 957) : "صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية " بأن الراوي عن أبي قتادة- وهو عبد الله بن معبد الزماني- لا يعرف له سماع من أبي قتادة! وهو تابعي ثقة، والمعاصرة كافية في الاتصال، ولم يُرْمَ بالتدليس، فلا أدري هل هو يجهل هذا؛ أم هو التجاهل؟!

"فيا عجبًا لوبْر تدلى علينا من قَدوم ضال "يتعالى على هؤلاء الحفاظ، ويخطئهم وهو كما قيل: "ليس في العير، ولا في النفير"، وما ذلك منه إلا تشوفًا وحبًا للظهور، متجاهلًا قول العلماء: "حب الظهور يقصم الظهور". وذاك- والله- منتهى العجب والغرور!" اهـ.
قلت:
   فالمرض قديم ومتفشي، ولهذا يلزم أهل السنة الأخذ على أيدي هؤلاء الدخلاء، صيانة للسنة، وحفاظًا على دين الناس.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة (يوم عرفة) 9 / ذو الحجة / 1445
15 / 6 / 2024