إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 12 أبريل 2013

حسم الجدال في رؤية الهلال


حسم الجدال في رؤية الهلال


الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
 فقد أعتاد المسلمون على استقبال شهر رمضان بخلافٍ وجدالٍ ، وعلى توديع شهر رمضان بخلافٍ وجدالٍ يقع فيما بينهم ، فأما الخلاف الأول فهو مسألة " رؤية الهلال " ، والخلاف الثاني في مسألة " هيئة خروج زكاة الفطر " .
وبما أننا على مشارف استقبال الشهر الكريم ، فنتعرض للخلاف الأول وهو مسألة " رؤية الهلال " .

ولعل أصل الخلاف في هذه المسألة نابع من أن الشارع علق أمر الصيام على الرؤية ، فقد قال
عز وجل : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [ البقرة 185 ]  ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :  (( صوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته ... )) [ متفق على صحته ] ؛ وقد أجمع المسلمون على أنه لا يُبدأ الصيام إلا بعد رؤية الهلال ؛ ولكن الخلاف في إذا اختلفت المطالع .
 فهل إذا ظهر الهلال في بلد وجب على جميع المسلمين الصيام ، أم أن لكل بلد رؤيتها الخاصة ؟!
 
ومع أن الله ـ تعالى ـ منَّ علينا بحديث عند مسلم في صحيحه هو عمدة في هذه المسألة ، ولكن الخلاف مازال قائماً ، وفيه : (( أن أم الفضل بنت الحارث بعثت كريباً ـ وكان مولاً لها ـ إلى معاوية بالشام . قال : فقدمت الشام . فقضيت حاجتها . واستهل على رمضان وأنا بالشام . فرأيت الهلال ليلة الجمعة . ثم قدمت المدينة في آخر الشهر . فسألني عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما . ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة . فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم . ورآه الناس . وصاموا وصام معاوية . فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت . فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين . أو نراه ـ يعني : هلال شوال ـ . فقلت : أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا . هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ) [ رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة ] .
 وأم الفضل بنت الحارث هي امرأة العباس ، وأخت ميمونة أم المؤمنين ـ رضي الله عنهم ـ [ شرح سنن ابي داود – العباد 13 /29 ] . 

قال الإمام الترمذي : حديث ابن عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيح غريب ، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم . 

وقال الإمام " الطحاوي " في ( مُشكل الآثار ) بعد أن أورد الحديث : (( ففي هذا الحديث عن ابن عباس أنه لم يكتف برؤية أهل بلدٍ غير بلده الذي كان به ، وإخباره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك )) .

 وقال " ابن عبد البر " في ( التمهيد ) ( 14 /356 ) : (( أختلف العلماء في الحكم إذا رأى الهلال أهل بلد دون غيره من البلدان ، فروى عن ابن عباسٍ ، وعكرمة ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، أنهم قالوا : لكل أهل بلدٍ رؤيتهم ، وبه قال إسحاق بن راهويه ، وحُجة من قال هذا القول ما حدثناهُ ... ( وذكر حديث كريب ) ، ثم قال : وفيه قول آخر روى عن :" الليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل " ، قالوا : إذا ثبت عند الناس ان أهل بلدٍ رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا ، وهو قول مالك فيما روى لابن القاسم ، وقد روى عن مالك ، وهو مذهب المدنيين من أصحابه أن الرؤية لا تلزم غير البلد التي حصلت فيه إلا أن يحمل الإمام على ذلك ، وأما مع اختلاف الكلمة فلا إلا في البلد بعينه ، قال أبو عمر ( يعني : ابن عبد البر ) : إلى القول الأول أذهب لأن فيه أثرا مرفوعاً ، وهو حديث حسن تلزم به الحجة ، وهو قول صاحب كبير لا مخالف له من الصحابة ، وقول طائفة من فقهاء التابعين ، ومع هذا فإن النظر يدل عليه عندي ، لأن الناس لا يُكلفون علم ما غاب عنهم في غير بلدهم ولو كُلفوا ذلك لضاق عليهم ... ، وقول ابن عباس عندي صحيح في هذا الباب ، والله الموفق للصواب )) . أ هـ

وقد سُئل العلامة ابن عثيمين - رحمه الله – هل يلزم المسلمين جميعاً في كل الدول الصيام برؤيه واحدة ؟
 فأجاب : (( أن المسألة أختلف فيها أهل العلم إلى ثلاثة أقوال ( الفريق الأول والثاني ) دليلهم مشترك، وهو قول الله تعالى :  { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [ البقرة 185 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا رأيتموه فصوموا )) ، فذهب الفريق الأول أن الخطاب عام لجميع المسلمين ، وذهب الفريق الثاني أنه اذا اُختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته، وذلك لمن كان في مكان لا يوافق مكان الرائي في مقطع الهلال لم يكن رآه حقيقةً ولا حكماً ، وقالوا : التوقيت الشهري كالتوقيت اليومي، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي، فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري ، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره بإتفاق المسلمين .
 قال الشيخ : هذا القول كما ترى له قوته بمقتضى اللفظ ، والنظر الصحيح ، والقياس الصحيح أيضاً قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي .ثم ذكر الرأي الثالث وهو أن لولي الأمر إن رأى وجوب الصوم صام الناس )) . [انظر الشرح الممتع [ 3 /13 وما بعدها  ط دار العقيدة ].

 وهذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني - عليه الرحمة – مع أنه رجح القول الأول الذي يقول أن الخطاب عام لجميع المسلمين ، إلا أنه يرى أن يعمل المسلمون الآن بالرأي الثاني ، وهو : أن لكل بلدٍ رؤيته منعاً لوقوع الخلاف والفرقة ، حتى يأذن الله باتفاق كلمة المسلمين على إمام واحد ))[ انظر  تمام المنة للألباني : 398 ].

وهو قرار اللجنة الدائمة بالمملكة ، وهيئة كبار العلماء رقم (10 /135 شاملة )
قالوا : (( قد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرنا، لا نعلم منها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة؛ فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه، وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته ) أهـ .


فضلاً عن أن هذا ما فهمه علماء السنة من رواة الحديث :

فقد بوب الإمام مسلم لحديث كريب ( باب بيان أن لكل بلدٍ رؤيتهم ) .


وبوب الإمام الترمذي لنفس الحديث ( باب ما جاء أن لكل أهل بلد رؤيتهم ) .

و بوب الإمام ابن خزيمة ( باب الدليل على أن الواجب على أهل بلدةٍ لرؤيتهم لا رؤية غيرهم ) .

وقد حكى ابن المنذر هذا القول عن عبد القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، كذلك عكرمة مولى ابن عباس
وجماعة .

قلت : حتى أن المسألة يبدوا أنها لم يكن فيها خلاف قديماً، فإن الإمام الترمذي قال : (( والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ، ولم يحكي غيره )) ، وحكى ابن عبد البر الإجماع عليه في ( الاستذكار ) ! . ثم ياتي بعد ذلك من يهمش و يرد كلام حبر الأمة ، وتُرجمان القرآن " ابن عباس " ـ رضى الله عنهما ـ بدعوى أنه اجتهاد منه !، وأن اجتهاده غير مُلزم ، ويرد كذلك ما ذهب إليه السلف كـ "عكرمة ، والقاسم بن محمد ، ..".
 ثم يُنصب من شئت من الفقهاء ويدعي أن فتواهم مُلزمة مع أن آرائهم مجردة من الدليل ، وهي لا تتعدى الشُبه ، كما قال " أبو الحسن المباركفوري " في ( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ) ( 6 /428 ) قال : (( وعندي كلام الشوكاني مبني علي التحامل يرده ظاهر سياق الحديث )). أهـ  
وأعظم حججهم أنهم قالوا : لو سلمنا باختلاف المطالع ، لقلنا أنه سيكون هناك لأهل الإسلام عيدان ( فطر وأضحى ) ، مع أن من تأمل فقط حديث ابن عباس رضى الله عنهما يعلم أن أهل المدينة كانوا على خلافٍ في الصيام مع أهل الشام ، وهذا يتضمن بديهياً أنهم سيختلفون أيضاً في يوم عيد الفطر ، ومع ذلك أصر ابن عباس ـ  رضى الله عنهما ـ على رأيه موضحاً أن هذا ما أمر به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ . 

ويتبقى على من يُعاند في هذه المسألة ، ويدعى أن قول ابن عباس غير مُلزم ، أن يوضح لنا ما حكم من صام مع غير أهل بلده بيوم فيكون بذلك صام يوم الشك في بلده ؟
 وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك !
وأيضاً ما حُكم صلاة العيد لمن أفطر مع غير أهل بلده ؟
ومعلوم أن صلاة العيد فرض لا تؤخر عن وقتها ، وهذا اليوم يكون المتمم لرمضان في بلده !

و أيضا ما حكم من أخرج زكاة الفطر بعد أن صلى أهل البلد الأخرى العيد ؟

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة وليست بزكاة !

إلى غير ذلك من الإشكاليات .

وأما من خالف اجتهاده هذا،  فليصم في السر ويفطر في السر، ولا يفتن الناس، ويتذكر قول السلف (( إن ما تكرهون في الجماعة ، خير مما تحبون في الفرقة )) . 

نسأل الله عز وجل أن يفهمنا حقيقة الدين ، وأن يرنا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ، ويرنا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
وصلى الله على محمد على وآله وصحبه وسلم .
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 22 / 7 / 2011

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

مختصر"رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " للأستاذ / محمود محمد شاكـر





مختصر"رسالة في الطريق إلى ثقافتنا "

للأستاذ / محمود محمد شاكـر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد .

  فقد روى بسند صحيح أبو داود الطيالسي و أحمد وغيرهما من حديث أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

 "ألا لا يمنعن رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه".

 هذا الحديث هو ما افتتح به الشيخ شاكر رسالته المباركة " رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " والتي بَين فيها الشيخ الأستاذ أنه لَبِث عشر سنوات من شبابه في حيرة وشكوك من تلك الحياة الأدبية الفاسدة التي كان منغمسًا فيها من كل وجه ، فخاف على نفسه الهلاك، وأن يخسر دنياه وآخرته، وكان في هذه الفترة في السابعة عشرة من عمره عام 1926م، وحتى بلغ السابعة والعشرين من عمره عام 1936م.
هذا الخوف أدى به إلى قراءة كل ما وقع تحت يديه من الشعر العربي بتمهلٍ وتدبرٍ ونظرٍ في طريقِ البحث عن الحق، فأكسبته هذه المرحلة تذوقً للغة الشعر، ثم همّ بقراءة كل ما وقع تحت يديه من كتب السلف من تفسير للقرآن إلى علوم القرآن إلى دواوين السنة وشروحها إلى ما تفرع منها من كتب المصطلح، وكتب الرجال والجرح والتعديل، إلى كتب الفقه وأصوله، وكتب الملل والنحل ثم كُتُبْ الأدب، والبلاغة والنحو والصرف، وما شئت من أبواب العلم؛ فمنَّ الله -عز وجل- عليه بعد هذا بابتكار منهج يسمى

"منهج التذوق"، وهو تذوق الكلام العربي وما يقصد به وما وراءه من معاني .

وبيد أنه خرج بكشف غريب !!
وهو أن الأمة الإسلامية من بعد الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى القرن الحادي عشر الهجري كانت في علو وهمة وتقييدٍ لعلمها واعتزاز بتراثها، ثم حدثت فجوة
!

وقبل الكلام عن هذه الفجوة .. يجب أن تعلم أن حفظ ثقافة العرب منذ 1400 سنة إلى الآن، هو أن الثقافة عندهم هي الدين، وإهمال البحث عن أسباب تلك الفجوة التي حدثت في التراث العربي الذي هو الدين

" جبنًا عن طلب الحق".

فنرجع إلى سنة 489 هـ الموافق 1096م، أي: بعد ستة قرون من سقوط الحضارة الرومانية ، وظهور دولة الإسلام بدينه وثقافته، وبسط ملكه على رقعة تبدأ من حدود الصين إلى الهند ومن أقصى الأندلس إلى قلب أفريقية، وأنشأ حضارة نبيلة متماسكة بعد أن رد النصرانية وأخرجها من الأرض وحصرها في الرقعة الشمالية التي فيها هؤلاء الهمج الرعاع الذين يعرفون اليوم بإسم أوربة، ولما طال الزمان عن هؤلاء النصارى الفارين في الشمال ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا يذكر مع جيوش المسلمين، رأوا أن يُدخِلوا السكان الأصليين لأوربة في النصرانية حتى يكونوا جندًا لجيوش جرارة تُطْبق على ثغور الإسلام وعواصمه.
  وانطلق الرهبان يجوبون شمال أوروبة ليُدخِلوا هؤلاء السكان السكسون الهمج في النصرانية وإعدادهم لخوض المعركة العظمى، وكان جزءً من هذا الإعداد تشنيع الإسلام في عيونهم، وأن أهل الإسلام وثنيون، وأن رسول الإسلام كان وكان، فلم يتركوا بابًا من الكذبِ والتمويه إلا دخلوه.
  وجاءت اللحظة، وأصبح هؤلاء الرعاع من السكسون جيشًا بقيادة الرهبان وملوك الإقطاع وبدأت ما تسمى بالحروب الصليبية التي استمرت قرنين كاملين، تسفك الدماء المسلمة وتكتسح ثغور الإسلام وعواصمه الشمالية، وكانت فرحة رائعة لهؤلاء الرهبان، لكنها لم تستمر حتى انتهت بالإخفاق واليأس من حربِ أهل الإسلام، وذلك كان في عام 690 هـ الموافق1291م، لكنها تركت بصيصًا من اليقظة والتنبه لهؤلاء الهمج من المقاتلين باحتكاكهم المستمر بحضارة راقية كانت تفتنهم وتبعث في نفوسهم الشك مما كانوا يسمعوا عنها من الرهبان.
 وبعد أن بَطُل عمل السلاح بالإخفاق واليأس، خمدت الحروب بين الإسلام والصليب نحو قرن ونصف، ثم وقعت الواقعة واكتُسحت الأراضي المسيحية في آسيا في شمال الشام ودخلت برمتها في حوزة الإسلام، وفي يوم الثلاثاء 2 من جمادى الأولى سنة 857 هـ الموافق 29 مايو 1453م . سقطت القسطنطينية عاصمة المسيحية ودخلها محمد الفاتح بالتكبير والتهليل، وارتفع الآذان في طرف أوروبة الشرقي، وأيقنت النصرانية أن المواجهة مع الإسلام لا تُفيد بعد دخول الناس في الإسلام طوعًا لا كرهًا، كانوا بالأمس نصارى متحمسين في قتال المسلمين الوثنين، واليوم أصبحوا هم جند الإسلام؟ فلجؤوا إلى سلاح آخر خفي ... فانبعث منهم رجال يطلبون العلم والمعرفة في أرض الإسلام ما استطاعوا، في المشرق والأندلس
.

 وظهر رجال من طبقة "روجر بيكين" الإنجليزي الذي جاهد في التعلم جهادًا مستميتًا حتى يخرج نفسه وأهله من عوامل الجهل .

  وقضى الله في السابع عشر من جمادى الآخرة 690 هـ الموافق 17يونية 129م سقوط آخر حصن كان للصليبين في الشام، ورجعت آخر ملوك الحملات الصليبية إلى أوربة بالخزى والعار، وبدأ إعجاب المسلمين بكثرتهم وغرتهم الحياة الدنيا، ووقعوا في محارم الله سبحانه.
  أما في الجهة الأخرى المسيحية في دأب لا يعوقه ملل لإصلاح الخلل الواقع في الحياة المسيحية منذ دخول محمد الفاتح القسطنطينية قبل صلاة العصر، حيث اتجه إلى كنيسة آيا صوفيا، فوجدهم يُصلون فأمرهم بالإتمام، ولما جاء وقت العصر أذّنوا وصلوا وتحولت لمسجد، ومن حينها اهتزت أوربة كلها ولم يبق عليها راهب، ولا ملك، ولا أمير، ولا صعلوك إلا انتفض انتفاضة الغضب لدينه، وهَـّم القساوسة، والساسة لتوحيد اللغة، وإلقاء ما تعلموه من ثقافة المسلمين على هؤلاء الرعاع الهمج لكي يتخصلوا من رعب المسلمين في نفوسهم
.

  وقاموا بتعلم اللسان العربي لأنه مفتاح العلوم في دار المسلمين، فبعثوا أفواجًا إلى ديار المسلمين تجمع الكتب شراء أو سرقة، وتتعلم لكى تمُد علماء اليقظة بهذه الكنوز النفسية في بلاد الإسلام، وكان أهم ما لاحظوه هذه الغفلة المطبقة على أرض الإسلام والتي أورثهم إياها الاستنامة إلى النصر القديم على المسيحية، والاغترار بالنصر الحادث بفتح القسطنطينية، ثم سماحة أهل الإسلام عامتهم وخاصتهم مع من دينه يخالف دينهم ولا سيما اليهود والنصارى لأنهم أهل كتاب وذمة.
  ومن هذا الباب دخلوا وداهنوا العامة والعلماء، ينافقونهم بالمكر والخداع، وأنهم طلاب علم لا غير، خالصة قلوبهم لحب العلم والمعرفة، ومن يؤمئذ نشأت هذه الطبقة من الأوربيين التي عُرفت فيما بعد بالمستشرقين، ثم أمد هؤلاء المستشرقين الساسة الأوربيين بالمعلومات اللازمة لغزو بلاد المسلمين والاستيلاء على كنوزها، وهذه الفئة من الساسة تسمى برجال الاستعمار الذين ألقوا في قلوب رجال الكنيسة الحمية مرة أخرى لكي يُنَصّروا المسلمين في بلاد الإسلام وسموا بالمبشرين، ووقع تحت يد الاستشراق آلاف مؤلفة من مخطوطات وكتب في ديار الإسلام، نفيسة ومنتقاه "مشتراة أو مسروقة" موزعة ومفرقة في جميع أرجاء أوروبا وأديرتها ومكاتبها  "من كتب الدين، واللغة، والتاريخ، والطب، والرياضة، والصناعات، والآلات"، كل ذلك يدرسونه بدقة ونظام وترتيب.
   ولصد المسيحيين عن الإسلام وحتى لا يُفتَنوا به كما حدث من قبل، كتبوا كٌتبًا عن أهل الإسلام أنهم جهال جاءهم رجل ادعى أنه نبي وخلط بين النصرانية واليهودية وقام بفتح البلاد بالسيف لنشر دينه، وثقافتهم مسروقة من اليونان وغيرهم، وأن علماءهم من غير العرب إلى غير ذلك ...
  وسقطت الأندلس كلها بعد أربعين سنة من فتح القسطنطينية 897 هـ، ثم فُقدت دار الخلافة في القسطنطينية بعد مرور مائتا عام على فتحها، فأيقظت هذه الحادثة بعض رجال المسلمين الذين قاموا لإيقاظ الجماهير المستغرقة في غفوتها، رجال عظماء أحسوا بالخطر المحيط بأمتهم فهبوا بلا تواطؤ بينهم، من هؤلاء الرجال خمسة، هم:

 "عبد القادر بن عمر البغدادي" صاحب خزانة الأدب وكان في منتصف القرن الحادي عشر الهجري وكان في مصر، وظهر في جزيرة العرب "محمد بن عبد الوهاب"، الذي هبَّ لمكافحة البدع والعقائد التي تُخالف ما كان عليه سلف الأمة من صفاء عقيدة التوحيد، ولم يقنع بتأليف الكتب بل نزل إلى عامة الناس في بلاد جزيرة العرب وأحدث رجة هائلة في قلب دار الإسلام .

وظهر أيضًا في مصر اثنان هما:

" الجبرتي الكبير" وكان فقيهًا حنفيًا أحيا التراث وجمع كتبه من كل مكان وحرص على تعلم أسراره وألفاظه، وقضى في ذلك عشر سنين من هذا التعلم حتى دانت له الهندسة والكيمياء والصنائع الحضارية كلها حتى النجارة والخراطة، أما الآخر فهو:
 "المرتضى الزبيدي" الذي أحيا التراث اللغوي والديني وعلوم العربية، وهبَّ أيضًا في أرض اليمن الإمام الشوكاني الفقيه الذي أحيا عقيدة السلف وحرم التقليد في الدين، وحطم الفُرقة والتنابذ الذي أدى إلى الاختلاف والعصبية، وكان ظهور هؤلاء بداية تهديد لهذه القوة الجديدة التي ظهرت في أوروبة، وأصبحت هذه اليقظة في ديار الإسلام تُخَوفهم .
  وعمل جهاز الاستشراق على إخماد هذه اليقظة بأن أسرعت إنجلترا إلى سواحل الجزيرة العربية لإخماد صحوة "محمد بن عبد الوهاب" الذي نادى بتنقية الدين مما علق به من بدع ومحدثات، جاءت لتسيطر على تلك الصحوة وتحتويها ولكن بزي الناصر والمعين.
  أما في الجهة الأخرى فجاء التدبير من الاستشراق الفرنسي لإخماد اليقظة التي حدثت في الديار المصرية، والتي ظهر فيها من يقظة اللغة على يد الشيخين  "البغدادي والزبيدي"، ويقظة علوم الحضارة على يد الشيخ "الجبرتي الكبير" وتلاميذه، وأن هذه اليقظة متمثلة في جامعين هما الجامع العتيق "جامع عمرو بن العاص -رضى الله عنه- "، والجامع الأزهر، وهما اسمان يترددان في أرجاء العالم الإسلامي، فاليقظة التي تأتي من قبيلِهما سوف تؤدي إلى يقظة دار الإسلام كلها
.

  وقيض الله لفرنسا قائدًا أوروبيًا محنكًا صار اسمه مثيرًا للرعب في القلوب بأنه القائد الذي لا يُقهر وهو الفاجر نابليون.
  وفي 17 من المحرم سنة 1213 هـ الموافق لأول يولية سنة 1798م ، هوى نابليون على مهد اليقظة في الديار المصرية، فنزل الإسكندرية ثم زحف إلى القاهرة ومعه جيشه ومصطحبًا معه عشرات من صغار المستشرقين وكبارهم، وطائفة من العلماء في كل فن وعلم، ولما دخل القاهرة بدأ في استمالة المشايخ من رجال الأزهر لكي يستجيبوا له، فلما رأى امتناعهم عليه عجل فأطلق جنوده الغزاة ليستبيحوا كل شيء، حتى دخلوا الجامع الأزهر بالخيل، وكسروا القناديل، وألقوا المصاحف على الأرض وداسوها بأرجلهم، وبَالوا في المسجد، وشربوا الخمر.
  ولكن بعدما أحس هذا الفاجر بغليان في الشارع المصري جراء ما حدث، سافر إلى فرنسا، وعين على الحملة كليبر الذي ضرب القاهرة بالمدافع وأخذ في تقتيل الأبرياء، حتى منّ الله على المسلمين بسليمان الحلبى في يوم السبت 21 من المحرم سنة 1215هـ فقتل كليبر، ثم جاء على الحملة بعد كليبر الكذاب المنافق مينو الذي أعلن إسلامه من باب خطة الاستشراق لتسكين المسلمين، وتزوج من إحدى بنات مدينة رشيد، وبقى مينو في إمارته يُنْزل بالناس المصائب والبلايا حتى إجلاء الحملة من مصر في يوم الاثنين 21 ربيع الآخر سنة 1216 هـ الموافق 31 أغسطس 1801م، ولكنهم أخذوا ما جاؤوا إليه من كل نفيس من الكتب والعلوم وتركوا لنا رموز حجر رشيد
!.

  ولا تظن أنهم جاؤوا لنهب الكتب والثروات العلمية فقط .

  ولكن لتجريد بلاد الإسلام من أسباب اليقظة التي حملها الجبرتي الكبير والبغدادي والزبيدي.
   وينبغي التنبيه هنا على أن نابليون قُبيل رحيله فعل أمر هام وهو : إنشاء ما يُسمى بالديوان، وهو عبارة عن: "صورة هزلية لحكومة دستورية، وعين عليه بعض المشايخ الذين كانت لهم هيبة عند الناس وكانوا من أعيان البلاد الذين امتازوا بمركزهم العلمي وكفاءتهم ولكنهم في الأصل مواليين للفرنسيس"، وتم اختيارهم لتنفيذ أغراض المستشرقين وتحسين صورة هؤلاء الصليبين، فكان عملهم إماتة روح الجهاد في قلوب المسلمين.
 ولكن استنكر عليهم الناس، والتفوا حول صغار المشايخ من الأزهر لأن معهم صريح أوامر الله سبحانه وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-
.

  وقاموا بثورة القاهرة التي هزت هذا الغزو الفرنسي، والذي لم يفهمه نابليون أن المشايخ بخلاف القساوسة، فإن القسيسين يحكمون بآرائهم المطلقة، أما المشايخ فهم تحت سلطان الكتاب والسنة.
وبعدها سافر نابليون إلى فرنسا، ولكنه أرسل رسالة مهمة جدًا إلى كليبر، وهى التي غيرت الحياة الأدبية والإسلامية في مصر والعالم العربي والإسلامي إلى يومنا هذا
.

 وفيها أنه قال: "ستظهر السفن الحربية الفرنسية بلا ريب في هذا الشتاء أمام الإسكندرية أو البرلس أو دمياط (اجتهد في جمع خمسمائة أو ستمائة شخص من المماليك حتى متى لاحت السفن الفرنسية تقبض عليهم في القاهرة أو الأرياف ونسفرهم إلى فرنسا؛ وإذا لم تجد عددًا كافيًا من المماليك فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان، فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يُحجزون مدة سنة أو سنتين يُشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية، ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزبٌ يُضم إليه غيرهم . وسأهتم اهتمامًا بإرسال فرقة تمثيلية لأنها ضرورة للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد)  . اهـ

  هذا؛ ولم تذهب معاناة دار الإسلام في مصر من بلايا السنوات الثلاث من فعل الفرنسيس هدرًا، فإن ثورتها على جند الحملة الفرنسية أخرجت من غمار الناس ومن مشايخ الأزهر قادة جدد، علمهم الصراع والقتال ما لم يكونوا يعلموا، وأصبحوا هم حماة القاهرة، ومضت أربع سنوات على رحيل الفرنسيس، واستقر أمر المشايخ والقادة على إسناد أمر مصر إلى رجل كانت تركية بعثته في ثلاثمائة من الجند في أواخر أيام الحملة الفرنسية كان اسمه "محمد علي باشا" في سنة 1801م، وكان "محمد علي" هذا الذي أُسند إليه أمر ولاية مصر وهو في الخامسة والثلاثين من عمره جاهلًا لم يتعلم قط شيئًا من العلوم، وكان لا يقرأ ولا يكتب، وقضى أكثر عمره تاجر للدخان ثم انضم إلى الجند، ولكن كان ذكيًا داهية عريق المكر، يَلبس لكل حالة لبوسها وكان مغامرًا لا يتورع عن كذب ولا نفاق ولا غدر، خالط المشايخ والقادة والمماليك وأظهر لهم المودة والنصح والسلامة حتى انخدع به المشايخ والقادة وآثروا ولايته على ولاية المماليك، فنصبوه واليًا على مصر وعلى رأس من انخدع به السيد "عمر مكرم" أكبر قائد للمشايخ والجماهير، فبذل كل جهده في إسناد ولاية مصر إليه، وكان ما أراد الله أن يكون.

 ولم يكن يَخفي على الاستشراق أمر هذا المغامر الجديد، فكان مُراقَبًا من أول يوم جاء فيه إلى القاهرة .

  فلما تمت ولايته أحاطت به قناصل المسيحية الشمالية إحاطة كاملة فبدؤوا يُغيرون صدره على المشايخ والقادة الذين نصبوه واليًا على مصر، يُخَوفونه عاقبة سلطانهم على جماهير المسلمين، وصادف ذلك استجابة طبيعية لما في قلب هذا المغامر الجريء من الدهاء والخبث وترك التورع عن الغدر وإنكار الجميل، فكان أول من غدر به هو السيد "عمر مكرم" نقيب الأشراف الذي بذل كل جهده حتى ينصبه حاكمًا على مصر، فنفاه إلى دمياط ثم إلى طنطا فتوفي رحمه الله في 1822م يعني استمر نفيه عشر سنوات، ثم استدار بعد ذلك إلى المشايخ ليقضى عليهم، وعزل الأزهر ومشايخه عن قيادة الأمة, وبدأ الاستشراق يستخدم ذلك المسلم الجاهل الأهوج لهدم الإسلام في ديار المسلمين، ولم يكتفِ بهذا في مصر بل أمده بالسلاح والقوة لكي يقضي على اليقظة في بلاد الحجاز التي أنشأها شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب"، ثم بعد ذلك التحول إلى الخلافة العثمانية لتفكيك وحدتها وإسقاطها، وتمهيده للمسيحية الشمالية في بلاد المسلمين .

هذا في مصر..
  أما في فرنسا فمشروع نابليون كان يسير بانتظام، ولكن بتعديل بسيط أحدثه "المسيو جُومار" الذي كان على رأس المشروع، وهو إبدال الشيوخ والمماليك من شيوخ كبار إلى شباب صغار حتى يكونوا أشد استجابة على اعتياد لغة فرنسا وتقاليدها فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزبًا لفرنسا، وعلى مر الأيام يَكبرون ويَتولون المناصب صغيرها وكبيرها ويكون أثرهم أشد تأثيرًا في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكار التي يطلقونها في صميم شعب دار الإسلام في مصر.
  وكان على رأس أول بعثة أرسلت إلى فرنسا، رجل خرج مع البعثة إمامًا لها يصلى بهم الصلوات الخمس ويُراقب أفراد البعثة وهو "رفاعة الطهطاوي" ابن الثالثة والعشرين من عمره، الصعيدي المنشأ، الأزهري الدراسة، التي لم ترَ عينه سوى الريف وضواحي الأزهر القديمة المتهالكة
.

  فرجع بعد ست سنوات من فتنته بباريس وتلك الأبهة والنساء الكاسيات العاريات، وتلك الحضارة الفاجرة، عاد ليخرج مصر من الظلمات إلى النور ومن التخلف إلى التحضر، وأنشاء عند رجوعه مدرسة الألسن التي كانت تُدرس الآداب الغربية والتاريخ المزور، لكي تنافس من طرف خفي الأزهر الشريف الذي أسقط هيبة مشايخه "محمد علي" مؤسس مصر الحديثة .
   وذهب "محمد علي" وذهب ملكه، وجاء أبناؤه على نفس الضرب وسيطر عليهم الاستشراق أيضًا.
   ومضت الأيام حتى جاء الاحتلال الإنجليزي في 1299 هـ الموافق 15 سبتمبر 1882، ووكل أمر التعليم في مصر إلى قسيس مُبشر خبيث هو " دنلوب" ليؤسس أصول الاحتلال الإنجليزي في مصر ويُمَكن لثقافته، ويَمسخ كل ما هو إسلامي وعربي في قلوب الطلبة حتى لا تتطلع إلى ما فيه، ولكي يملؤوا هذا الماضي المفرغ من العربية والإسلام جاؤوا بماضي بائد غامض كالفرعونية والفينيقية لكي يُزاحم بقايا ذلك الماضي المتدفق الحي،.
 وظهرت في الصحف والمجلات ظاهرة تسمى بالإرهاب الثقافي، وتتلخص في كلمات جوفاء "القديم والجديد" و "التخلف والتحضر" ، و "التجديد والتنوير" ، و "ثقافة العصر" .

والنفوس بصفة عامة تميل للجديد، وترفض القديم .

والصحيح لكلمة "التجديد" ليس هو إماتة القديم، وإنما هو إحياء القديم وأخذ ما يصلح منه للبقاء  ..

وهذا المختصر دعوة للرجوع إلى أصل الكتاب .

وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مراجع للتوسع:

كتاب أباطيل وأسمار.

كتاب جمهرة المقالات

للشيخ الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله تعالى.

واختصره

أبو صهيب وليد بن سعد.
10 / شعبان / 1432 ه
11 / 7 / 2011  

النصارى و الشرق الأوسط الجديد

 


النصارى و الشرق الأوسط الجديد 
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا
 نبي بعده ، و بعد : 
فإنه لا يخفى على أحد يعيش في أرض مصر حجم 
اللوبي الإقتصادي الصليبي المصري " شنوده و حزبه " .
يقول د. محمد عمارة في معرض كلامه عن الملف الصليبي المصري :
عددهم لا يزيد عن 3 ملايين و يسيطرون على إقتصاد ما يزيد عن 60 مليون ، فهم يمتلكون :
- 22.5% من الشركات التي تأسست بين عامي 1974 مـ ، 1995 مـ .
- 20 % من شركات المقاولات في مصر .
- 50% من المكاتب الإستشارية .
- 60% من الصيدليات .
- 45% من العيادات الخاصية .
- 20% من رجال الأعمال .
- 15% من وظائف وزارة المالية .
- أكثر من 20% من المستثمرين في مدينتي " السادات و العاشر " أ هـ ( نقلاً من و ا محمداه ص /135 )
قلت : و كما هو معلوم أن آخر وزير للمالية للحكومة السابقة قبل الثورة كان " يوسف بطرس غالي " و الذي خرج من البلاد في توقيت مُريب ، و الذي يزيد الإنسان يقيناً أن أمر هذه الثورة أمر دُبر بليل و له جدول زمني .
و قد فصلت في مقالة  "
أصل ثروة نصارى مصر"  كيف إستطاع نصارى مصر بقيادة شنوده السيطرة على ثروات البلاد ، و ما هي الطريقة التي إتبعوها لإخراج هذه الثروات ، و كيف أنهم أصبحوا أكبر قوة إقتصادية في تجارة الذهب في الشرق الأوسط بعد أن كانوا حتى عام 1968 مـ من أفقر طبقات المجتمع المصري ، و بيان أن أكبر نجاح حققوه هو إخراج هذه الأموال خارج البلاد و إعادة إدخالها مرة أخرى فيما يسمى بـ " غسيل الأموال " .
و ذلك عند حدوث " الفجوة الأمنية " التي أعقبت إغتيال السادات ، و تدور الأيام و تحدث الفجوة الأمنية مرة أخرى بعد ثورة 25 يناير ، و يظهر النصارى مرة أخرى بسيناريو جديد ( من أطفيح إلى إمبابة إلى ماسبيرو إلى ..... ) و مازال سيناريو الفتنة الطائفية مستمر ، و لن يهدأ حتى تحقق النصرانية المصرية ما حققته النصرانية السودانية من تقسيم البلاد و تهيأتها للتفتيت و التقسيم و هو ما يُسمى بـ " مشروع الشرق الأوسط الجديد " و هو على رأس جدول أعمال الكونجرس الأمريكي منذ أواخر الثمانينات ، و ملخصه تقسيم البلاد العربية الإسلامية إلى دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها يَسْهُل السيطرة عليها ، و قد تم تنفيذ بعض أجزاء هذا المشروع في بعض الدول بصورة كاملة مثل " العراق " فقد تم تقسيمه الى ثلاث دويلات صغيرة و ذلك بعد الغزو الصليبي الأمريكي لها ، فبعد أن كانت دولة واحدة سنية صارت دويلة شيعية و أخرى سنية و أخرى كردية عاصمتها " أربيل " ، و تم تنفيذ أجزاء من هذا المشروع بصورة جزئية على أرض " السودان " ، فقد تفاجئ المسلمون بتقسيم أكبر بلد إسلامي الى جزئين في الوقت الذي كانت البلاد الإسلامية منشغلة بربيع الثورات المباركة و التي ما هي إلا جزء من هذا المشروع " الصهيوصليبي " ، و الذي يخصنا هنا هو نصيب مصر في هذا المشروع و هو على النحو الآتي :
مصر تقسم الى 4 دويلات

1- سيناء وشرق الدلتا: "تحت النفوذ اليهودي" (ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات).

2- الدولة النصرانية:
* عاصمتها الإسكندرية.
* ممتدة من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط وتتسع غربًا لتضم الفيوم وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالإسكندرية.
* وقد تتسع لتضم أيضًا جزءًا من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح.

3- دولة النوبة:
* المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية.
* عاصمتها أسوان.
* تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر.

4- مصر الإسلامية:
* عاصمتها القاهرة.
* الجزء المتبقي من مصر.
* يراد لها أن تكون أيضًا تحت النفوذ الإسرائيلي (حيث تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى التي يطمع اليهود في إنشائها).

قُلت : هذا بيان ... فإنتبهوا ...
قبل أن نطالب بحقوق الأقليات المسلمة في هذه البلاد

و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلم .
و كتب 
أبو صهيب وليد بن سعد 
القاهرة 26 / 10 / 2011 

من سب عمرو ومعاوية فأمه هاوية


لماذا بنو أمية (2 ) ؟
 من سب عمرو ومعاوية فأمه هاوية 

الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، أما قبل : فقد بينا أنفًا سبب الكتابة في هذا الموضوع ، انظر هنا .


ثم أما بعد :


قال عز وجل : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ التوبة :117] .
وقال سبحانه : { وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة : 100] .
وقال الله تعالى : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى } [ الحديد : 10 ] .

وقال سبحانه : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الحشر : 9] .

وقال سبحانه : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }[ الفتح : 29].

وقال سبحانه : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } [ الفتح : 18 ] . وقال : { ... يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ التحريم : 8 ] .

وعند مسلم في الصحيح : عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم " والله أعلم أذكر الثالث أم لا ، قال : " ثم يخلف قوم يحبون السمانة ، يشهدون قبل أن يستشهدوا ".

ومن حديث عائشة ، قالت : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير ؟ قال : " القرن الذي أنا فيه ، ثم الثاني ، ثم الثالث ". رواه مسلم .
وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " يأتي على الناس زمان ، يغزو فِئَامٌ من الناس ، فيقال لهم : فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يغزو فِئَامٌ من الناس ، فيقال لهم : فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون :   نعم ، فيفتح لهم ، ثم يغزو فِئَامٌ من الناس ، فيقال لهم : هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم فيفتح لهم " . متفق على صحته .

قلت : فِئَامٌ من الناس : يعني جماعة ، ولا واحد له من لفظه . النهاية.

وعند أحمد في المسند ومسلم في الصحيح : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون " وقال ـ صلى الله عليه وسلم  ـ : " لا تسبوا أحدا من أصحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ، ما أدرك مد أحدهم ، ولا نصيفه" . متفق عليه .

قلت : و"المُد" هو : كيل يوزن به ، والمراد القدرُ والقيمة والمكانة .

ومرت يومًا جنازة والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس بين أصحابه فأثنوا عليها خيرًا فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " وجبت ، وجبت ، وجبت " ، ومرت جنازة فأثني عليها شرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت ، وجبت ، وجبت " ، قال عمر : فدى لك أبي وأمي ، مر بجنازة ، فأثني عليها خير ، فقلت : " وجبت ، وجبت ، وجبت " ، ومر بجنازة ، فأثني عليها شر ، فقلت : " وجبت ، وجبت ، وجبت " ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض . متفق عليه من حديث أنس بن مالك .
 
فهؤلاء هم أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكل من لقي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمن به ، ومات على ذلك ، فهو من أصحابه ، وتنزل عليه هذه الآيات وتلك الأحاديث , ولا تشترط الرؤية في الصحبة لأنه وجد من صحبه ولم يراه كابن أم مكتوم الذي نزل فيه قوله تعالى :{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى }[ عبس 2:1 ] .

فكان أعمى لا يُبصر ومع ذلك هو من صحابته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورضي الله عنهم أجمعين .
يقول الإمام مالك: في من ينتقص الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ : من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب محمد ـ عليه السلام ـ فقد أصابته الآية : { ... وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ... } . [ رواه الخلال ( 478) ، و أبو نعيم ( 6/ 327 ) ] .

فكل من غاظه الصحابة فهو من الكفار :{ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ، وكيف لا ؟! ، وقد قال الله عز وجل فيهم : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَانًا } .
فهذه هي صفة الصحابة خاصة ، وصفة المؤمنين عامة ، أنك تجد أحدهم شديدًا عنيفا على الكفار , رحيمًا برًا بالمؤمنين ، كما قال الله تعالى : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } [ المائدة : 54 ] .

ومع فضل الصحابة وعلو مكانتهم ـ رضي الله عنهم ـ , نرى من أهل السنة من يلتبس عليه أمر جماعة منهم أو أحدهم , لأنه عندما أحب أن يتعرف عليهم لجأ من نفسه إلى كتب السيرة وكتب الرجال , ولم يرجع لأهل العلم أولًا حتى يبينوا له ما هو الطريق الصحيح للتعرف عليهم .
و قد قيل : من كان شيخه كتابه غلب خطئه صوابه .

ومعلوم : أنه قد عبث بكتب السيرة والتاريخ أُناس لهم مصالح خفية دفعتهم إلى دس بعض الأكاذيب وآلافك التي تخدم أغراضهم ؛ مثل : أبي الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني , فهو رجل شعوبي كارة للعرب والمسلمين ، أخذ التشيع عن أمه التي كانت مسيحية .
قال فيه ابن الجوزي : ومثله لا يوثق بروايته يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق ، ويهون شُرب الخمر .
ونقل الخطيب البغدادي بسنده أن أبو الفرج الاصبهاني كان من أكذب الناس .

فترى كثير من الناس يلجأ إلى كتاب الأغاني لمعرفة ترجمة صحابي أو رجل من أهل العلم , ومؤلف الكتاب حاله كما مر ـ من كذبه ، وكرهه للعرب ، وغيظه من الصحابة ـ ووصول الكذب والافتراء به إلى تأليف قصص عشق وغرام ربما وصلت إلى أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . 
 ومع هذا ترى من يقرأ لهذا الرجل ويظن أن ما في كتابه صواب!.

و أيضا تجد في كثير من بيوت المسلمين كتاب نهج البلاغة المنسوب كذبًا وزورًا إلى : على بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ ومؤلفه في الأساس هو : ابن الحديد المرتضى ـ تلميذ الوزير ابن العلقمي ـ الرافضي الخبيث الذي وشي بالمسلمين عند هولاكو، و اضعف الجيش المسلم بتسريح معظمه، أو بمنع رواتب الجند، حتى فعل المغول بالمسلمين ما هو معلوم .
 مثل هذه الكتب تُهدم من أصلها لمعرفتنا بمؤلفيها ونواياهم .

أما بالنسبة لكتب علماء السنة ، فالأمر أشق على الناس، فأن هؤلاء العلماء عند كتابتهم لهذه الكتب كانوا يحدثون من يفهم مفاتيح العلم، فلو أخذنا ( تاريخ ابن كثير ) مثلاً المسمى بالبداية والنهاية ، ترى  ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند ذكر القصة أو الحادثة يذكر من قائلها ، والمفترض بالقارئ أن يعرف هل تصح هذه الحادثة أم لا ؟ وذلك من معرفة القارئ لترجمة راوي الواقعة .
وأكثر من روى أخبار الفتنة التي دارت بين الصحابة هو : سيف بن عمر التيمي وهو : ضعيف متروك الحديث .
قال فيه ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات.
فإذا ما قال ابن كثير : قال سيف بن عمر ، ويذكر حادثه ، فكأنه يقول للقارئ هذا الكلام كذب صراح لا تصدقه فقائله سيف بن عمر الكذاب ، وكذا الحال بالنسبة لـ ( لوط بن يحيى أبو مخنف) .
قال فيه الذهبي : أبو مخنف إخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره .
وقال فيه ابن عدى : شيعي مُحترق .
وترى مثلاً حادثه التحكيم التي وقعت بين أبي موسى الأشعري ، وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ مدارها على : زكريا بن يحيى الكندي الحميري الأعمى .
قال فيه ابن معين : ليس بشيء .

كأنه الريح ، كأنه السراب ، ومع هذا نرى من يخرج على المسلمين و يُدافع عن هذه الحادثة ، ويطعن في الأصحاب لمجرد أن ابن كثير ذكرها في كتابه ، ولا شأن له بالإسناد.
فننوه على هذا، ونوضحه للناس ، حتى لا يوجد بيننا من ينتقص واحدا من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمجرد خبر وجده في كتاب .. اللهُ عليم بصحته .
 وحينها نخشى أن تصيبه الآية ...
وحتى لا أطيل في هذه المقدمة . 
أريد أن أترجم اليوم لصحابيين من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ساء نظر بعض المسلمين لهما لتلك الأسباب التي ذكرنا أنفًا من افتراء الكذب عليهما . ووقوع بعض أصحاب الأقلام المسمومة فيهما في الفترة الأخيرة ألا وهما : أمير المؤمنين معاوية بن أبى سفيان ، وأبو عبد الله عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ . وعمرو ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ قد زاد الخراصون من الكذب والافتراء عليهما ، لأنهما كانا في صف واحد في الفتنة التي حدثت بين الصحابة ، والتي كان سببها اختلاف الصحابة في  القصاص من قتلة عثمان بن عفان شهيد الدار ـ رضوان الله عليه ـ 
 فعلي بن أبي طالب،  وكان أمير المؤمنين ، بايعه أهل المدينة  ومن حولها، كان يرى أن يؤخر القصاص من هؤلاء القتلة حتى يُمكنّ للدولة وتستقر البلاد = لأن قتلة عثمان كانوا من رؤوس القبائل ؛ فإذا قُتلوا ربما ثارت قبائلهم لهم من باب الحمية.
أما معاوية فلم يكن عنده شك أن عليًا أفضل منه دينًا وعلمًا ، وأنه هو السلطان والخليفة ، فلم ينازعه على الخلافة وطلب الأمارة .
بيد أن الخلاف كان حول القصاص من قتلة عثمان الذين دخلوا عليه الدار وقتلوه صبرًا وقطعوا يد زوجته وانتهكوا حرمة بيته.
  فعلي ـ رضي الله عنه ـ هو السلطان والخليفة ، نعم.. إلا في دم عثمان؛ فإن معاوية هو السلطان ، لأنه صاحب الدم ، وقد أعطاه الله السلطان هنا في طلب القصاص ، فقال سبحانه : { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ  جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا } [ الإسراء : 33 ] .
ولاشك أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ قُتل مظلومًا ، وأن معاوية هو وليه وصاحب الدم ، فطلب هذا ممن يستطيع القصاص من القتلة ، وهو "علي" أمير المؤمنين ، فليس الخلاف هنا على ملك أو سلطان ، ولكن النزاع حول مسألة اجتهد فيها كل فريق، فالمصيب له أجران ، أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، والمخطئ له أجر واحد،  وهو أجر الاجتهاد ..
مع اعتقادنا أن ما وقع بين الصحابة أمر قدري ، لا مفر لهم من الوقوع فيه ، أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل وقوعه .
فعند البخاري ومسلم ومسند الحميدي بسند صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان من المسلمين دعواهما واحدة ، يكون بينهما مقتلة عظيمة أولهما بالحق التي تغلب فبينما هم كذلك، إذ مرقت منهم مارقة ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) . يعنى : الخوارج ، وهم ظهروا في جيش علي ـ رضي الله عنه ـ و قاتلهم وقتلهم جميعًا على بكرة أبيهم إلا خمسة فروا ، منهم : حرقوص بن زهير .
 فعلمنا أن الحق كان في صف علي ، وأن معاوية ـ رضي الله عنه ـ أجتهد فأخطأ ، وأن الله كان يعلم ما سيقع بينهما ، ومع هذا قال في كتابه : { رَّضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ االمائدة : 119 ] .
والطعن في عمرو بن العاص ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ هو من دين الزنادقة ، وقد ذكرنا طرفًا من هذا في الجزء الأول هنا .

ونبدأ هنا بترجمة أمير المؤمنين "معاوية بن أبي سفيان" ـ رضي الله عنهما ـ .

يقول أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي : (( معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه )) . تاريخ بغداد ( 1 / 290 ) ، و البداية ( 8 / 142 ) .



يُتنع إن شاء الله ...

و كتب 
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة الثلاثاء 9 / أبريل / 2013 م

لا . للدولة المدنية لا . للدولة الدينية نعم . للــــــــدولـــــــة ...




لا . للدولة المدنية

       لا . للدولة الدينية
                 نعم . للدولـــــــة .....


الحمد لله ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ..


فإنه مما لا شك فيه أن الثورة المصرية فجرت معها ثورة من المصطلحات التي لم يعتاد الناس على إستعمالها ، او حتى سماعها ، فلا يمر عليك يوماً الان الا وتسمع في وسائل الإعلام ، او تقرأ في الصحف عن ( الليبرالية ، العلمانية ، الحداثة ، الفوضى الخلاقة ، الايدلوجية ، الإشتراكية .... ) وغيرها كثير.


وكل هذه المصطلحات ما هي الا شعارات براقة لاسماء لا تفسر لمستمعيها ، او لقارئيها ، وذلك عن عمد .
وما ذلك الا نكاية في الإسلام واهله ، فان عادة أعداء الإسلام استعمال " مصطلحات وشعارات " ظاهرها فيها الرحمة ، وباطنها من قبلها العذاب ، متبعين في ذلك سُنة قائدهم الأعظم " ابليس " عندما قال لآدم - عليه السلام – : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } [ طه 120] .


ولعل من أخطر هذه المصطلحات التي باتت تُردد على مسامع الناس في الآونة الاخيرة ، وخاصة بعد الإستفتاء الاخير ، هو مصطلح " الدولة المدنية " ، فمنذ اليوم الاول لهذه " الفوضى " اقصد " الثورة " خرج من ينادي ( نعم للدولة المدنية ، لا للدولة الدينية ) .


من البلاء الذي يعيش فيه المسلمين اليوم ، هو انسياق كثير من المتكلمين ، او المنظرين باسم الأمة لاي محدثة تأتي على الأمة تحت تسليط إعلامي يزعم ان هذه المحدثة فيها التقدم والتحضر ، فلما ظهرت " الإشتراكية " خرج هؤلاء يدعون ان " الإشتراكية " من الإسلام ، ولما لمعت وسائل الإعلام " الديموقراطية " خرجوا مرة اخرى يقولون الإسلام دين الديموقراطية ، و الحق ان الأمر ليس كذلك ففرق كبير بين " الشورى " وبين " الديموقراطية " ، وايضا ً لا يحرم الإسلام " الملكية الفردية " فكيف يقول هؤلاء ان " الإشتراكية " من الإسلام ! .


و أصل هذا البلاء من استخدام الألفاظ المجملة او المحدثة التي ليس لها أصل عندنا في الشرع نفهمها به ، وان كان لابد من استخدامها ، فلابد من شرح معانيها ، وما يقصد بها بفهم اصحابها الأصليين الذين اخترعوها وابتدعوها ( فأهل مكة اعلم بشعابها ) .


فنظرنا الى من ينادي بالدولة المدنية فوجدناهم " العلمانيون " الذين يطالبون بفصل الدين عن الدولة ، ثم النصارى الذين ينادون بلا للدولة الدينية ونعم للمواطنة ، وان وجد غيرهما فيطالب بدولة مدنية كفرنسا مثلاً.
اذاً فليس ما يقصده هؤلاء بالدولة المدنية انها ليست دولة عسكرية ، او بُدائية ، ولكنهم اعطونا مثالاً للدولة المدنية التي يُريدون كـ ( فرنسا ) وانها تقوم على المواطنة .


وعليه فالدولة التي ينادي بها هؤلاء ، هي التي تكفل " الحقوق والحريات " ، يعني ان كل فرد في الدولة حُر يفعل ما يشاء وقتما يشاء ، فالقانون في الدولة المدنية يحمي حرية الإعتقاد فمن اراد ان يعبد بقرة فهذا شأنه ، ومن اراد ان يتحول من الإسلام الى البوذية مثلاً فلا شئ عليه ، فلا يوجد ما يسمى بالرِدة ، ولكن فيها حرية الإعتقاد ، وكذا " الحريات " فحرية الفسوق والفجور ايضاً مكفولة ، وان كان هذا علي العلن من خلال القنوات الفضائية فيما يسمى " بمسابقات الشاطئ " وهي مسابقات لقياس اعضاء النساء ! ، وايضاً حرية الرأي مكفولة ، و إن وصل الأمر لسب الله عز وجل ، او انتقاص الأنبياء فيما يسمى بـ " الحداثة " ، وان كنت تعتقد ان هذا خطأ وحرام فالقانون يكفل لك حق الرد ، ولكن لا تكفر من سب الله ، أو سب الانبياء ، ولكن تبين انه اخطأ فقط ، فالدين في الدولة المدنية " حرية شخصية " .


فضلاً عن مشروعية " اللواط " و " السحاق " ، او زواج المثلين فيما يسمى بـ " الزواج المدني ! " والذي طالب به مؤخراً  . عمرو حمزاوي – من المطالبين بالدولة المدنية - ، ولا خلاف في الدولة المدنية حول مشروعية العلاقة الجنسية بين الانسان والحيوان .


اما عن الخمور ، وبيع الخنازير ، والقمار ، والربا ، والزنا ، فكله يدخل تحت الحرية الشخصية القائمة على موافقة الطرفين " البايع والمشتري " .


اما معنى ان الدولة المدنية قائمة على المواطنة يعني انها قائمة على جنسية المواطنين وليس دياناتهم .


مثال لتطبيق الدولة المدنية في مصر :


فالمجتمع المصري مكون من عدة عناصر


فـ محمد مسلم مصري
مينا نصراني مصري
عزرا يهودي مصري
مدحت بهائي مصري
فلو نظرنا الى النسيج المكون منه المجتمع المصري كما في المثال السابق ، نلاحظ انهم مختلفين في شيئين ، و مجتمعين في أمر واحد ، مختلفين في الدين والأسماء ، و مشتركين في كونهم مصريين ، فمصر هي الوطن الذي يجمع هؤلاء جميعاً .


وعليه فالمواطنة هي النظر لأفراد المجتمع من حيث الجنسية والقومية ، وليس من حيث الديانة ، وهذا هو معنى ان " الدولة المدنية " دولة لا دينية ، وهذا هو السبب الرئيسي في اصرار هؤلاء على ان تكون الإنتخابات القادمة على اسس دولة مدنية ، فقد ظهر لهم بعد هذا الإستفتاء " الديموقراطي " الاخير الذي كانت نتيجته ان اكثر من 70% من المصريين يُريدون بقاء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، يعني ان الأغلبية تُريد الدين ، فماذا نفعل ؟


نجعل الإنتخابات الرئاسية القادمة على اسس الدولة المدنية ، فان جاءت هذه الإنتخابات بالشيخ " الشعراوي " مثلاً ، واصبح هو رئيس الجمهورية ، فمرحباً ، ولكن مع ذلك لا يستطيع ان يحكم بالإسلام ، وذلك لأننا انتخبناه رئيساً لدولة مدنية قائمة على تنحية الدين من الحكم .


و عليه
فإن الدولة المدنية بهذا الشكل المتمثل في تنحية الدين ، وفي اشاعة الفاحشة واستحلال الخمور ، والربا ، والرضا بالكفر ، والفسوق ، واطلاق الحقوق والحريات بلا قيد ولا زمام ، هي نذير بهلاك الأمة ، سُئل رسول الله صل الله عليه وسلم : ( أنهلك وفينا الصالحون ؟ ، قال : نعم اذا كثُر الخبث ) رواه البخاري .


فما اكثر الخبث الذي سينتشر بفضل هذه الدعوة " الدولة المدنية " .


ولعل القائل الان يقول اذاً النجاة في " الدولة الدينية " .


نقول ايضاً هذا خطأ ، فمصطلح " الدولة الدينية " مصطلح له معنى عند اصحابه ، يقصدون به " دولة الكنيسة " في العصور الوسطى المظلمة في اوربا ، وهي دولة كانت قائمة على ان هؤلاء الكهنة والرهبان زعموا ان الحاكم هو ظل الله في الأرض ، لأنه لا يكون حاكماً الا بتفويض الهي من قبل الاله ، وما يقوله الحاكم لا يقبل الرد ، او التعديل ، او التشكيك ، او الرفض ، فهو ليس كلام الحاكم ، بل هو كلام الرب .


وليس هذا فحسب بل كانت قائمة على معاداة العلم ، وان كل من اشتغل به كان " زنديقاً ، ملحداً " لا يعطى صك الغفران من الرهبان ، بل يطرد من الملكوت السماوي ، ويخلد في النار ، وهذه الدولة يسميها اصحابها من الإفرنج " ثيوكراتيك " اي السلطان الالهي - وهي الدولة التي قامت ضدها الثورة الفرنسية – وهذه الدولة بهذا الشكل لا نعرفها ، فنحن لا نعتقد ان الحاكم او الخليفة معصوم ، او ان طلب العلم حرام ، او انه يستطيع " رجال الشريعة " حرمان انسان من الجنة او ادخاله النار ، وليس لعلماء الشريعة حكم على الناس وانما الحكم لله وحده لا شريك له .


فهذه هي الدولة الإسلامية التي ساوت بين الناس ، ولم تميز بينهم الا بالتقوى ، ولم تحارب العلم بل جعلته فريضة على كل مسلم ، ولم تكره احد في باب الإعتقاد فـ { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } ، و تدعو الى اليسر وعدم التعسير ، والإتفاق وعدم الإختلاف ، كما تدعو للعفة و حسن الخُلق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .


فلعل قائل يقول اذاً لماذا لا نجمع بين الأمرين فندعو لـ " دولة مدنية بمرجعية إسلامية " ؟


و الجواب : لماذا يكون الإسلام هو التابع للمدنية وليس العكس ؟


ولكن نقولها بكل صراحة.


لا . للدولة المدنية

لا . للدولة الدينية

نعم . للــــــــدولـــــــة الإســـلامـــيــة


وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


وكتب

أبو صهيب وليد سعد
القاهرة 15 صفر 1344 هـ