إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 24 مارس 2015

القرآنيون .. الفرقة المارقة !.

القرآنيون .. الفرقة المارقة!.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن مصادمة ما جاء به الشرع بشبه العقل، بدعة قديمة ظهرت في نهاية الدولة الأموية، وازدهرت في الدولة العباسية، وذلك مع بداية ترجمة كتب الفلسفة اليونانية وغيرها إلى العربية.
فاستحسن أهل الأهواء والبدع ـ وخاصة المعتزلة ـ ما يوجد في هذه الكتب، وبدءوا في استخدام هذه الفلسفات والجدليات في ترويج وتزييف بدعهم ونحلهم.
فتصدى لهم أهل السنة والحديث، وردوا عليهم بدعهم وشبهاتهم، نصحاً للمسلمين، وحفظاً لجناب الدين، حتى لا يدخل فيه ما ليس منه.
لأن إدخال شيء في الدين = كإخراج شيئا منه.
ولعل كتاب " تأويل مختلف الحديث في الرد على أعداء أهل الحديث " للإمام الأديب المحدث " ابن قُتَيْبة الدِّيْنَوَريْ " المتوفى سنة 276 هـ ـ رحمه الله ـ ، من أول الكتب التي تتبعت مقالات هؤلاء المبتدعة، وردت عليهم بالكتاب والسنة والعقل أيضًا، ومن النادر جداً أن تجد شبهة تسمعها اليوم لا توجد في هذا الكتاب!.
فلا جديد .. فمبتدعة اليوم ليسوا إلا بغبغاوات لمبتدعة الأمس!.

وكان كلما ظهرت فرقة جديدة بتأصيل جديد يخدم بدعتها ولا يعرفه السلف، انتصب لها عالم من أهل السنة يهدم باطلهم بنور الوحيين الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتابعيهم بإحسان.
ولعل فارس هذا الميدان المشهور هو شيخ الإسلام " ابن تيمية " ـ رحمه الله ـ حتى أصبح مجرد ذكر اسمه فقط، يُلقي الرعب في قلوب المبتدعين والمنحرفين عن السنة، حتى يوم الناس هذا.
وكتابه " درء تعارض العقل والنقل " عمدة في هذا الباب الذي نحن بصدد الكلام عليه، فقد بَيّن في هذا الكتاب أنه لا يتعارض "عقل صريح مع نقل صحيح"، والأمر في منتهاه لا يتجاوز "السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات"، وهذا منتهى كل مبتدع خالف شيئا من الكتاب والسنة حتى في المسائل العملية والقضايا الفقهية (1).
وبَيّن ـ رحمه الله ـ في مقدمة كتابه أن: قاعدة تسليط العقل على نصوص الشرع، وجعله حكما عليها، يشبه ما وضعته النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم وردوا نصوص التوراة والإنجيل إليها.
وقد سبق شيخ الإسلام "ابن تيمية" ـ رحمه الله ـ في هذا الباب، إمام الأندلس " محمد بن حزم" ـ رحمه الله ـ إذ تحدى القائلون بهذه البدعة أن يأتوه بآية وحديث ظاهرهم التعارض وهو يوفق بينهم.
وأصل الفكر المعتزلي الداعي أن يكون العقل حكما على نصوص الكتاب والسنة، أصوله يهودية نصرانية فلسفية، فـ "الجعد بن درهم" ـ شيخ الطريقة ـ أخذ فكره عن "أبان بن سمعان"، وأخذها "أبان" عن "طالوت"بن أخت "لَبيد بن الأعصم": اليهودي الذي سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (2).
وكذلك أخذ "معبد الجهني" و "غيلان الدمشقي" ما كانا عليه من الزندقة والردة من رجل نصراني يدعى "أبو يونس سنسويه"، ويقال له "سوسن" (3).
وتأثر "حمدان بن هذيل العلاف" بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان.
وكان شيخهم "إبراهيم بن يسار النظام" في الأصل على دين البراهمة ـ مشركي الهند ـ .(4)
ولهذا تجرؤا على الذات الإلهية، وأفحشوا في القول، وذهب "أحمد بن خابط" و "الفضل الحدثي" ـ من أصحاب النظام ـ إلى القول : "بإن المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة!، وأنه هو الكلمة القديمة المتجسدة في الجسد الجسماني"(5).
قلت: وهو عين عقيدة النصارى.
وقد وجد أعداء الأمة الإسلامية من أهل الصليب وغيرهم، بغيتهم في هذه الفرقة المنحرفة، فساعدوا رجالها ولمعوهم، وقدموهم للأمة على أنهم أهل الفكر والنظر والمنطق!. 
ففي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، بدأت تغزو الهند الدعوة إلى الاعتماد على القرآن ونبذ السنة في التشريع الإسلامي، على نحو ما قررته بعض فرق المعتزلة الأول، وتحديداً في القرن الثاني الهجري، وعرفت الفرقة الهندية الجديدة باسم "أهل القرآن!" أو "القرآنيين!!".
وزعمت أن القرآن وحده هو المصدر الوحيد للتشريع، ولا حاجة للسنة النبوية، إذ أن معظمها مكذوب !!(6)
فما كان من الاستعمار البريطاني الصليبي في ذلك الوقت ـ والذي كان في حرب مع أهل هذه البلاد من المسلمين ـ إلا أن يُساند ويَدعم زعيم هذا الفكر" أحمد خان" ومنحه لقب سير!، ليصبح " السير أحمد خان" الذي وقف ضد ثورة أبناء بلاده من الهنود ضد المستعمر الصليبي سنة 1857، وزعم نفي شرعية الجهاد لنشر الدين!، وذلك من أجل تسكين الثوار.
فكان له ما أراد، وانتهت الثورة، وفتك المستعمر بالمسلمين فتكاً ذريعًا، ثم أكرمه البريطانيون بعدها بلقب "صاحب نجمة الهند"، كما عيّن زميلاً وعضو شرف في الجمعية الملكية الآسيوية في لندن، وعيّنوا له راتباً شهرياً...
وبعد ذلك، أخذ "أحمد خان" على عاتقه نشر الثقافة الغربية بين المسلمين، معتبراً أن ذلك من أهم وسائل إصلاح أحوالهم.
وفي سنة 1862م، نشر شرحًا واسعًا للإنجيل، ليكون أول مسلم يقوم بهذا النوع من البحث.
ثم جاء تلميذه من بعده "سيد أمير علي" ليحل زواج المسلمة بالكتابي!.(7)
ويُعد " أحمد خان" أوّل من اختط طريق التعويل على القرآن فقط في العصر الحديث، وفهمه فهماً عصرياً، والتشكيك بالأحاديث والأخبار، والدّعوة لغربلة التراث!.
ثم تبعه على هذه الزندقة والردة جماعة منهم:
1 ـ "عبد الله بن عبد الله الجكرالوي" ـ مؤسس جماعة أهل الذكر ـ ، ولد بمقاطعة البنجاب الباكستانية في نهاية العقد الثالث من القرن التاسع عشر الميلادي. كان بارعاً في المناظرة والجدل، كثير الإهانة للتراث الإسلامي، ألف كتب يَنشر من خلالها ضلاله وفكره، منها : " البيان الصريح لإثبات كراهة التراويح" ، و" رد النسخ المشهور في كلام الرب الغفور" ، و" تفسير القرآن بآيات الفرقان"، وغيرها، وتلقفته أيدي الاستعمار البريطاني بالرعاية والمساعدات المادية كما فعلت بصاحبه في الطريق " أحمد خان"، وانتهى به الحال إلى أن شرّع لأنصاره طريقة جديدة للصلاة، وقال: إن الأذان والإقامة بالشكل الذي يفعله المسلمون بدعة!.
2ـ "أحمد الدين الأمرتسري" مؤسس فرقة "الأمة الإسلامية"، والمولود سنة 1861م بمدينة آمرتسر بالهند.
كان ناقداً لاذعاً لنظام الميراث عند المسلمين، وغير ذلك، وقد توفي سنة 1936م.
3ـ "حافظ محمد أسلم جراجبوري"، ولد سنة (1880م)، وكان من أركان القرآنيين البارزين، وكاتباً لأحد الأعمدة الرئيسية لصحيفة بيسة اليومية التي كانت تصدر في لاهور بباكستان، وعمل محاضراً في جامعتي عليكرة، والمليّة.
ومن مؤلفاته: "الوراثة في الإسلام، تاريخ الأمة الإسلامية، عقائد الإسلام".
توفي في نهاية عام 1955 في الهند، وكان قبلها، وتحديداً سنة 1947، قد هاجر إلى دولة باكستان عند قيامها، لكنه عاد إلى الهند بعد مدة قصيرة لعدم وجود جو مناسب له.
4ـ "غلام أحمد برويز" رئيس جمعية أهل القرآن، ومؤسس حركة طلوع إسلام. ولد سنة 1903م بالبنجاب الشرقية في الهند، أصدر سنة 1938 مجلة "طلوع إسلام" دون تسجيلها باسمه الخاص. وكان يمتاز بالاطلاع الواسع على الأفكار الأوربية، ويرى وجوب صبغ الإسلام بها، وبالإضافة إلى ذلك يعتقد أن النظريات العلمية حقائق لا تقبل الجدل والمناقشة، لذا يجب تفسير القرآن بمقتضاها!، مثل القول بالتطور في وجود الخلق (نظرية داروين)، وإنكار خوارق العادات.
ويعتبر "برويز" أكثر القرآنيين كتابة وتأليفاً، حتى أسماه البعض (مؤلف الحركة القرآنية)، أفتى ما لا يقل عن ألف عالم من علماء الدين من باكستان والهند والشام والحجاز بتكفيره وخروجه عن ربقة الإسلام وقد توفي سنة 1985. 
5ـ "جعفر شاه بلواري" أحد زعماء جماعة "طلوع إسلام"، وأحد المكثرين في الكتابة عن آراء القرآنيين في الآونة المعاصرة. تقلد عدة مناصب حكومية في باكستان، وفي السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، كان أحد أعضاء إدارة الثقافة الإسلامية بلاهور(8).
وما زالت هذه الفرقة حتى اليوم تزاول حركتها الهدامة في القارة الهندية تحت اسم "البرويزيين" ـ نسبة ترجع إلى "غلام أحمد برويز" ـ

أما خارج الهند، فظهر في مصر سنة 1898 م دكتور اسمه " محمد توفيق صدقي" ، ومعه رجل نصراني أسلم! يدعوان لهذا الفكر، ثم تبعهم جماعة من أشهرهم:
1ـ الماسوني " محمد عبده" مفتي الديار المصرية السابق، القائل: "لا يمكن لهذه الأمة أن تقوم مادامت هذه الكتب فيها (أي: الكتب التي تدرس في الأزهر وأمثالها)، ولن تقوم إلاّ بالروح التي كانت في القرن الأول، وهو (القرآن). وكل ما عداه فهو حجاب قائم بينه وبين العلم والعمل".
2ـ "محمد بخيت" الذي أجاز في أحد أبحاثه تولي غير المسلم سدّة الخلافة العظمى، بعد أن أنكر جميع ما ورد في السنة، وأوّل آيات القرآن تأويلاً يوافق مذهبه، تبريراً للحكم الإنجليزي في مصر آنذاك.
3ـ الخواجة "أحمد أمين" صاحب كتاب "فجر الإسلام" و "ضحى الإسلام" و "ظهر الإسلام" ، والذي بعث فيهم شبه المستشرقين وتباكى على موت المعتزلة!.
4ـ "محمود أبو رية" صاحب كتاب "أضواء على السنة المحمدية".
5ـ "أحمد زكي أبو شادي" صاحب كتاب "ثورة الإسلام"، الذي قال فيه (ص44): "هذه سنن ابن ماجة والبخاري، وجميع كتب الحديث والسنة طافحة بأحاديث وأخبار لا يمكن أن يقبل صحتها العقل، ولا نرضى نسبتها إلى الرسول، وأغلبها يدعو إلى السخرية بالإسلام والمسلمين والنبي الأعظم، والعياذ بالله".
6ـ "أحمد صبحي منصور"، الذي كان يعمل أستاذاً بجامعة الأزهر، فتم فصله بسبب انحرافاته. غادر مصر إلى الولايات المتحدة واستقر بها. ويعتبر الأب الروحي للقرآنيين في مصر.
7ـ المستشار "محمد سعيد العشماوي" القائل: بعدم كفر اليهود والنصارى، ونجاتهم في الآخرة وإن لم يؤمنوا بالإسلام!!.
والقائمة تطول ..

وهناك عدة قضايا يُركزون عليها، ويدعون إليها، أهمها:
1ـ اعتبار القرآن الكريم المصدر الوحيد للشريعة الإسلامية دون سواه.
2ـ استبعاد كل المصادر الأخرى المشَكلة للشريعة الإسلامية كالسنة، والسيرة والتفسير والقياس والاجتهاد وسير الصحابة والإجماع وفتاوى الأئمة.
3ـ إنكار السنة النبوية بزعم أنها غير محفوظة مثل القرآن، وأن نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير يقينية.
4ـ اعتبارهم أن الكعبة صنم، وأن الطواف حولها من طقوس الوثنيين في الجاهلية.
5ـ إنكار النسخ في القرآن.
6ـ تبني نظرية (مركز الملّة) التي تعني أن الآيات التي تأمر بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم غير مختصة بهما، إنما تعني طاعة الحاكم أو الإمام الذي يتولى منصب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بعده.
وقد أعطوا لهذا (المركز) صلاحيات تعيين حكم الشرع في الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن، دون أن يلتزم بما سبقته من الأنظمة، والتمتع بالتحريم والإطلاق والتقييد لما يراه غير موافق لظروفه من الأحكام القرآنية.
7ـ إنكار وقوع خوارق العادات، وأنه لم يحدث للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزة عدا القرآن!.
8ـ إنكار عذاب القبر ونعيمه!.
إلى غير ذلك من الزندقة والردة الظاهرة عن دين الإسلام..

ويتضح مما سبق:
أن هذا الفكر قام في القديم على أصول يهودية نصرانية فلسفية، انتهى ببعض أصحابه إلى القول بأن " المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة!" كما مر، ولهذا لم يتوقف السلف في تكفير أئمة هذا الفكر، وقَتل أئمة الإسلام بعض هؤلاء على الزندقة والردة عن دين الإسلام، فـ "غيلان الدمشقي" قتله "هشام بن عبد الملك"، و "الجهم بن صفوان" قتله "سالم بن أحوز" ، " والجعد بن درهم" قتله " خالد القسري" يوم عيد الأضحى...
ثم بدأ هذا الفكر يَظهر مرة أخرى في العصر الحديث على أيدي المستعمر الصليبي عندما كان مستخربًا لبلاد الإسلام، فبعد طول قتاله مع المسلمين، أكتشف أن قوة المسلمين ليست في أسلحتهم، ولكن في تمسكهم بدينهم، فاستخدم أناس يُنسبون لهذا الدين، يعملون على تخريب أصوله من الداخل، ومعلوم أن الطعن لو جاء ممن يَدعي الإسلام سيكون له وقع في النفوس أعظم، بخلاف لو جاء من نصراني أو يهودي.
وقد ذكر الشيخ الأستاذ " محمود محمد شاكر" ـ رحمه الله ـ هذه القصة كاملة.. وكيف بدأت مراحل هذا المخطط، والأسماء التي تم استخدامها للقيام بهذا الأمر، في كتابه النادر "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا".
فهذه الفرقة الحديثة المارقة عن ملة الإسلام، ليست سوى صنيعة الاستعمار الصليبي لهدم الإسلام وتفريق المسلمين في المنطقة ، مثل " القاديانية " و "البهائية " وغيرهما من الحركات الهدامة .
وأن كل من أعتنق هذا الفكر فهو خارج عن ملة الإسلام، وإن زعم لنفسه الإسلام، وانتسبت إلى القرآن. وإن انتسابه إلى القرآن باطل، لأنه كفر بالقرآن في نفس اللحظة التي كفر فيها بالسنة، فإنه لا تفرقة بين القرآن والسنة، فهما يخرجان من مشكاة واحدة، هي مشكاة الوحي الإلهي المعصوم.
فليحذر المسلم من أن ينخدع بحيل هؤلاء، ويتأمل قول الرب ـ سبحانه وتعالى : {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة/217].
هذا؛ والله وحده هو المسئول أن ينصر دينه، ويعز الإسلام وأهله.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 3 / جماد أخر / 1436
23 / 3 / 2015

الهامش
______________
(1): انظر درء تعارض العقل والنقل ( 2 / 15 ) . دار الكتب العلمية.
(2): انظر مقدمة الفتوى الحموية لشيخ الإسلام
وحديث سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، والسحر الذي وقع لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، هو سحر التخيل ، كما قالت عائشة : ((حتى إنه ليخيل إليه أنه قد صنع الشيء وما صنعه))، وسحر التخيل مذكور في القرآن في قصة موسى ـ عليه السلام ـ ، قال تعالى: { ... قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}. [ طه 66: 69].
(3): قال الأوزاعي :" أول من نطق في القدر رجل من العراق يقال له سوسن ، كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصَّر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد ". [الشريعة للآجري ص / 242 ].
(4): سمي بهذا الاسم لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة، ولد سنة 185هـ، وتوفي سنة 231هـ، أعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات، ولذلك أنكر إعجاز القرآن وما رُوِىَ من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليتوصل بذلك إلى إنكار نبوته - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنه استثقل أحكام الشريعة فأبطل الطرق الدالة عليها، ومن ثَم أبطل حجية الإجماع والقياس في الفروع، وأنكر الحجة من الأخبار التي لا توجب العلم الضروري، وأكثر من الزندقة حتى حكم بكفره المعتزلة أنفسهم.
(5): انظر الموسوعة الميسرة (1 / 71 ) ط / الخامسة.
(6): هذا عين الطعن في القرآن نفسه، إذ أن من أُنزل عليه القرآن، هو هو من انطقه الله بالسنة، وهو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والذي بلغ القرآن وحمله للأمة، هو هو من نقل لها السنة، وهم أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالطعن في السنة ونقلتها = طعنا في القرآن؛ فلينتبه!.
والسنة الصحيحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي وحي من الله ـ عز وجل ـ أيضاً كالقرآن، قال ـ سبحانه ـ : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[ النجم :4 ].
وقال الله ـ تعالى ـ : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة:2].
فالكتاب هنا في الآية هو : القرآن
والسنة هي: الحكمة.
ولعل قوله تعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل:44]، من أوضح الآيات في بيان أن السنة منزلة من الله ـ عز وجل ـ كالقران الكريم.
هذا؛ وكأن رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوحي إليه أنه سيخرج في هذه الأمة من يقول بهذه المقالة الكفرية، فقال: ((يوشك الرجل متكئا على أريكته ، يحدث بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله ".
وفي رواية: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)).[ رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع (2643)].
(7): انظر الموسوعة الميسرة ( 1 / 73 )، و مجلة الراصد.
(8): مجلة الراصد بتصرف.

الأحد، 9 نوفمبر 2014

سيدهم " أحمد البدوي"!


سيدهم " أحمد البدوي"!

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن " أحمد البدوي" من أكبر أولياء الصوفية الصالحين!، ليس في مصر وحدها.. بل في جميع أنحاء العالم!
ومع هذا تجدهم لا يعلمون عن سيدهم " أحمد البدوي"! سوى اسمه ولقبه وأنه مقبور في مدينة طنطا بمصر.
ولأن ترجمته عزيزة، فأحببت أن أبصر الناس بحقيقته وعقيدته!

اسمه: أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد البدوي.
ولد بمدينة فاس بالمغرب سنة 596 هـ ، وتوفي سنة 675 هـ .
قال الشيخ "مصطفى عبد الرازق ـ وكان شيخاً للأزهر ـ : أنه وقع على مخطوطة فيها أن " أحمد البدوي" كان علوياً شيعياً (1) يهدف إلى إرجاع الملك العبيدي، وأن والده كان شيعياً إسماعليا نزح من المغرب إلى مكة ولم يتجاوز "البدوي" سبع سنوات، وكان ذلك في عام 603 هـ (2).

ذهبوا إلى مكة في هيئة حجاج، يسترون بلحاف التصوف والزهد، وكان سبب رحلتهم نشر دعوتهم الباطنية الضالة، واستغلال انشغال الخلافة العباسية بالحروب الصليبية.
وكان " الحلاج" و "ابن عربي" و "الشاذلي" من دعاة هذه الدعوة الباطنية الخبيثة.
وتأسست أول نواه لهم في العراق في " أم عبيدة" على يد " أحمد الرفاعي" ، وأَرسل إلى مصر " أبو الفتح الواسطي" ـ جد إبراهيم الدسوقي ـ ، فلما مات جاء " أحمد البدوي" لتولي منصبه!.
فكان في مصر في القرن السادس والسابع من هؤلاء الدعاة:
ـ الدسوقي بمدينة دسوق.
ـ أبو الحسن الشاذلي بمدينة الإسكندرية.
ـ أحمد البدوي بين القاهرة وطنطا.
وكان هدفهم إسقاط الخلافة العباسية، ونشر دعوتهم الباطنية التي كانوا يرجون بها إعادة ملك الدولة العبيدية (الفاطمية).

ظل " أحمد البدوي" عزباً بدون زواج طوال حياته.
تقول دائرة المعارف الإسلامية ( 1 / 465 ) : ((إن تصوف البدوي يشبه تصوف فرقة اليوجا الهندية)) . (يعني: في التبتل وعدم الزواج).

ظهرت أول علامات الولاية عليه عندما كان يتعبد في غار أبي قبيس بمكة، ونزلت عليه الملائكة!.
ثم جاءه هاتف في المنام، وفيه أن " أحمد الرفاعي" و "عبد القادر الجيلاني" يقولان له: ((يا أحمد لقد جئنا بمفاتيح العراق واليمن والهند والسند والروم والمشرق والمغرب بأيدينا! فإن كنت تريد أي منها شئت أعطيناك إياه، فقال: أما منكما فلا، ولكني ما أخذ المفتاح إلا من يد الفتاح! ))(3).

ذهب بعدها إلى العراق هو وشقيقة " الحسن" وقاما بزيارة قبر " الحسن بن منصور الحلاج ـ الذي أعدم عام 319 هـ بسب زندقته ـ ، ثم اتجها إلى شمال العراق لزيارة ضريح "عدي بن مسافر الهكاري" ـ صاحب الطريقة العدوية ـ ، ثم تجولا في الموصل، ولم يحسن الأكراد أهل المنطقة معاملتهما، فأشار "الحسن" ـ شقيق البدوي ـ بيده وقال لهم : ((موتوا بإذن الله تعالى!)) فوقعوا جميعا على الأرض موتى!، بيد أن البدوي حرص على التحلي بخلق العفو عند المقدرة! فالتفت إلى الأكراد الموتى وقال لهم: ((قوموا بإذن من يحي الموتى ويميت الأحياء))، فدبت فيهم الحياة ونهضوا جميعاً يقبلون أقدام البدوي والحسن!(4).
قلت: لا تخفى العداوة التي كانت بين هؤلاء الباطنية والأكراد، وذلك لأن الذي هدم الدولة العبيدية كان " الناصر صلاح الدين الأيوبي" وكان كردياً ـ رحمه الله ـ وقد شكر له العلماء ذلك، وألف الإمام ابن الجوزي حينها كتاب سماه " النصر على مصر " .
فهذه القصة خصيصا تخدم هذه النكتة، أما أمر الأحياء والإماتة فهذا تكرر أكثر من مرة!.
فقد ذُكر أيضاً أن " البدوي" أمات سبعة ألاف جمل ثم أحياهم مرة أخرى (5).
قلت : ظاهر جدا في هذه الروايات إدعاء هؤلاء للإلهية كما ذكر الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تاريخه عندما كان يتكلم عن الدولة العبيدية.
وقال "محمد فهمي عبد اللطيف" في كتابه "السيد البدوي ودولة الدراويش": (( إن هؤلاء المتصوفة قالوا بإلوهية الأئمة، وحلول الإلهية فيهم، والقول بالقطب، وأشربوا أقول الشيعة)).

نعود..
رجع البدوي بعد هذه الرحلة إلى "طنطا" ، وسكن سطح دار الشيخ " ركين الدين" ، ولم يأكل أو يشرب لمدة أربعين يوماً(6).
وأستمر على السطح حوالي 12 سنة ( ولعل هذا هو السبب في تسمية الطريقة السطوحية بهذا الاسم) .

وذكر الحافظ السخاوي في كتابه " الضوء اللامع": أن "ابن حيان" زار البدوي يوم الجمعة، فلما فرغ الخطيب من خطبته، وضع الشيخ أحمد البدوي رأسه في طوقه بعدما قام وكشف عن عورته بحضرة الناس!، وبال على ثيابه وعلى حصير المسجد!.

وذكر الشعراني ـ له ضريح مشهور في ميدان باب الشعرية بالقاهرة ـ في كتابه " الطبقات الكبرى " : إن أحد المريدين ويسمى " عبد الحميد" أصر على رؤية وجه البدوي ـ وكان ملثماً لا يُظهر إلا عينيه كعادة البدو ولهذا سمي بالبدوي ـ ، فقال البدوي: كل نظرة برجل!، فقال عبد الحميد: رضيت!، فكشف له سيدي أحمد اللثام الفوقاني فصعق عبد الحميد ومات في الحال (7).

وقال في (1 / 161): ((لما دخلت بزوجتي فاطمة (أم عبد الرحمن) وهي بكر مكثت خمسة أشهر لم أقرب منها، فجاءني البدوي وأخذني وهي معي! وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي حلوى ودعا الأحياء والأموات إليها!!، وقال: أزل بكارتها هنا!، فكان الأمر تلك الليلة)).
وقال: أن البدوي كان يتكلم بالعجمي والسرياني والزنجي وسائر لغات الوحوش والطير (8).

وأنه أعترض رجل على ما يحدث في مولد البدوي من اختلاط فسلب الإيمان!، فاستغاث بالبدوي!!، فقال: بشرط ألا تعود! ، قال: نعم، فرد عليه ثواب إيمانه، ثم قال له: ماذا تنكر علينا؟، قال اختلاط الرجال بالنساء، فقال له سيدي أحمد: وذلك واقع في الطواف!.
وجاء عن "أحمد البدوي" أنه قال: (( وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته!، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار وأجمعهم بعضهم ببعض! أيعجزني ربي حماية من يحضر مولدي؟!)).
قلت: ولهذا تجد كل الموبقات في مولد البدوي، من خيام للممارسة الفاحشة ( أخته في الطريقة)، وشرب للخمر (البوظة)، والقمار ( التلات ورقات)، فكل شيء مباح في مولد البدوي فـ ( البساط أحمدي!)، بيد أن الظريف أن المتصوفة لا يتخذون لأوليائهم مولد إلا بعد موته، وفي الرواية السابقة يقول البدوي: (( وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته! ...))، فلعل هذا مما ينحله سدنة القبر لتحفيز الناس لشهود المولد والنذر للقبر وإنفاق المال على مجاذيب البدوي وخدامه، والله المستعان.
ولعل من هذا الباب أيضاً ما رواه "الجبرتي": أنه في عام 1147 هـ شاع بين الناس أن يوم القيامة سيكون في يوم الجمعة 26 من ذي الحجة!، وأخذ الناس يودع بعضهم البعض، ويكثروا من الصلوات والاستغفار، فلما كان اليوم المحدد ولم تقم الساعة، علل الناس أن البدي والدسوقي تشفعوا عند الله عز وجل لتأجيل الساعة حتى يشبع الناس من الدنيا!، فعقب الجبرتي ـ رحمه الله ـ قائلا:
وكم ذا بمصر من المضحكات.......... ولكنه ضحك كالبكاء.
هذا؛ والذي قام ببناء مسجد البدوي هو: "على بك الكبير" وتم توسعة المسجد في عهد الرئيس السادات.
وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم

وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 15 / محرم / 1436
8 / 11 / 2014

الهامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1)  : العلويون هم النصيرية .. وهم باطنية يبطنون الزندقة والكفر ويظهرون الإسلام ، يعتقدون بإلوهية "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه! .
(2)  : مجلة السياسة الأسبوعية عدد 89.
(3)  : كتاب السيد البدوي (ص / 57) للدكتور سعيد عاشور.
(4)  : كتاب السيد البدوي دراسة نقدية ( ص / 18) للدكتور عبد الله صابر.
(5)  : المصدر السابق ( ص / 20 ).
(6)  : لهذا الرقم (40) لمن تتبعه فلسفة كبيرة عند كثير من الفرق المنحرفة، وقد ذكر أحد أئمة البدع ـ والذي يقال أنه عاد إلى السنة في أخر حياته ـ الحكمة وراء هذا الرقم، أما مسألة أنه "لم يأكل أو يشرب لمدة أربعين يوما" فهذا أمر عادي في دنيا التصوف .. فإنهم ذكروا في ترجمة أحد أوليائهم " أنه كان يخلو في بيته صامتاً متفكراً، وما دخل حماماً قط.
(7)  : الطبقات الكبرى ( 1 / 160 )
انظر ـ يرحمك الله ـ هل هناك أظهر من هذا على أن هذا الشخص كان يدعى الإلهية، فهذا هو ما جاء في قصة موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ { قَالَ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ].

(8)  : المصدر السابق ( 1 / 162 ).

الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

مختصر أحكام الأضحية

مختصر أحكام الأضحية


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن من أعظم القربات إلى الله ـ عز وجل ـ ومن الخطوط الفاصلة بين التوحيد والشرك هي : إراقة الدماء والذبح ابتغاء مرضات الله  ـ سبحانه ـ ، قال عز وجل: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ العالمين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين } [ الأنعام : 162-163 ] .
وهي من شعائر الإسلام التي يحصل بها العباد تقوى القلوب، قال سبحانه: { لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ } [ الحج : 37 ].
وقد سن لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدد من الآداب والسنن لمن أراد أحياء هذه الشعيرة.

وهذا تلخيص لأحكام شعيرة الأضحية:

1ـ هي سنة وليست بواجبة، قال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : "هي سنة ومعروف" . [البخاري].
وقال قال الإمام النووي في الروضة [ 3 / 129 ]: " التضحية سنة مؤكدة وشعار ظاهر ينبغي لمن قدر أن يحافظ عليها" .
قلت: وفي المسألة خلاف.

2ـ لابد أن تكون من بهيمة الأنعام ( الإبل ـ البقر ـ الغنم ) .. ولا فرق بينها بين ذكر أو أنثى.

3 ـ لابد أن تكون مسنة، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا تذبحوا إلا مسنة ، إلا أن يعسر عليكم ، فتذبحوا جذعة من الضأن" . [رواه مسلم].
والمسنة من البقر ما تمت سنتين ودخلت في الثالثة، ومن الإبل التي تمت خمس سنوات فما فوق، ومن المعز ماله سنة، ومن الضأن ماله ستة أشهر.

4 ـ وتجزيء الشاة عن الرجل وعن أهل بيته، وتجزيء البدنة والبقرة عن سبعة بأهاليهم .
قال أبو أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ :  " كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون". [رواه الترمذي وصححه الألباني].
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ  قال: " ... أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة". [ متفق على صحته].

5 ـ ويتقى من الضحايا المعيبة والمريضة ـ فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا ـ يقول الرسول ـ صلى الله  عليه وسلم ـ :  " أربع لا تجوز في الأضاحي - فقال - : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسير التي لا تنقى" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وفي رواية : " العجفاء" بدلاً من " الكسير". والمقصود بها الهزيلة التي لا مخ لها لضعفها.
قلت : والظلع: العرج.
وإن كان العرج يسيرًا، أو العور غير واضح، جاز في الأضحية لأنه قيد في الحديث بكونه " بينًا " يعني واضحاً، والله أعلم.

6 ـ ويستحب في الأضحية السمنة
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين". [رواه أحمد وابن ماجة وصححه الشيخ في الإرواء (1138)].
وقال أمامة بن سهل ، قال : " كنا نسمن الأضحية بالمدينة ، وكان المسلمون يسمنون" . [البخاري].

7 ـ ويجوز الأضحية بالفحيل والخصي
تقدم في الحديث قبل السابق أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ضحى بكبشين أملحين موجوءين". الحديث
والموجوء هو : الخصي
وعن أبي سعيد الخدري قال : " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل ...".[ رواه الترمذي وصححه الشيخ ناصر في المشكاة (1766)].
والفحيل هو: كامل الخلقة لم تقطع أنثياه.

فائدة: قال الإمام البغوي في شرح السنة: " قد كره بعض أهل العلم الموجوء ، لنقصان العضو ، والأصح أنه غير مكروه ، لأن الخصاء يفيد اللحم طيبا ، وينفي عنه الزهومة ، وسوء الرائحة ، وذلك العضو لا يؤكل".أهـ

8 ـ ويحرم على من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئًا لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة ، فلا يأخذن من شعره ، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي ".[رواه مسلم].

9 ـ ولا تصح الأضحية إن ذبحت قبل صلاة العيد لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك في شيء".[رواه البخاري].
وفي رواية: " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ومن لم يذبح فليذبح".
قلت: وتأمل قول الرب ـ عز وجل ـ : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر : 2 ].

10 ـ ومن الإحسان في الذبح : شحذ السكين، وإراحة الذبيحة، وعدم ذبحها أمام أخرى .
فعن شداد بن أوس ، قال : ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، فليرح ذبيحته ".
[رواه مسلم].
وعن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتريد أن تميتها موتات هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ".[ رواه الحاكم وصححه ووافقه الألباني في الصحيحة (24)].

11ـ ويتوجب ذكر الله عليها عند ذبحها، قال الله تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام}. [الحج : 34].
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ  قال : " ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما ".[متفق عليه].
وعنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بكبشين أقرنين ، ووضع قدميه على صفاحهما ، وقال : " بسم الله ، والله أكبر".
وتقول أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ  أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بكبش أقرن ...، فأتي به ليضحي به ، فقال لها : " يا عائشة ، هلمي المدية " ، ثم قال : " اشحذيها بحجر " ، ففعلت : ثم أخذها ، وأخذ الكبش فأضجعه ، ثم ذبحه ، ثم قال : " باسم الله ، اللهم تقبل من محمد ، وآل محمد ، ومن أمة محمد ، ثم ضحى به". [رواه مسلم].

12 ـ ولا يشترط الذبح بالنهار فقط على الصحيح كما رجح شيخ الإسلام ووافقه الشيخ العثيمين في شرحه الممتع.

13 ـ ويجوز للمضحي أن يستعين بغيره ليتولى الذبح عنه شريطة أن لا يعطيه الأجرة من الأضحية؛ ولكن إن أعطاه من الأضحية فوق الأجرة فلا شيء عليه إن شاء الله.

14 ـ وله أن يأكل من أضحيته ويدخر منها لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " كلوا وأطعموا وادخروا".[متفق على صحته].

15 ـ لا يجوز بيع لحم الأضحية أو استبدال أجرة الجزار بجلدها، عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه ، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها ، وأن لا أعطي الجزار منها ". [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].

هذا؛ ونسأل الله ـ عز وجل ـ أن يحينا على التوحيد والسنة وأن يتوفانا على الأمر العتيق .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 4 / ذي الحجة / 1435

29 / 9 / 2014


الاثنين، 8 سبتمبر 2014

داعش .. والمهمة الصليبية!




داعش .. والمهمة الصليبية!

قال قديماً الشيخ " محمد سعيد رسلان" عن الغرب الصليبي:
"يشيعون الفوضى ويرسلون المُخلص".

وها هي "داعش" صورة جديدة لتطبيق هذا الأسلوب
صنعت على عين الأمريكان، كما صنعت "القاعدة" من قبل على أعينهم
فضربوا بها المقاومة السورية حتى تفقد الدولة قوتها
وتستمر الحرب أكبر وقت ممكن!.
فبعد إن كان "الجيش الحر" ـ وأغلبه من المبتدعة ـ كاد أن يقضي على بشار ـ بشره الله بالنار ـ وجيشه.
ظهرت "داعش" ـ صنيعة الأمريكان ـ في سوريا وبدأت في تقتيل الجيش الحر، وترك بشار وجنوده!.
فلما ظهرت نتيجة مهمتهم ونجاحهم ، وظهر بشار مرة أخرى على الساحة بعد أن كاد يتخلى عنه كل من حوله لعلمهم أنه على وشك السقوط.
جاء الإذن من السيد للعبد بالخروج من سوريا والتوجه للعراق
فخرجت "داعش" من سوريا لتكمل ما لم يستطيعه "المالكي" الرافضي في العراق.
فقامت بذبح أكبر قدر تبقى من أهل السنة هنالك باسم القضاء على الشيعة!!
فدخلوا المدن "السنية" ـ  كالموصل ونينوى ـ وقتلوا أهلها، وتركوا المدن "الشيعية" ـ كالنجف كربلاء ـ .
وهذه سنتهم من قديم "تقتيل أهل التوحيد والإسلام ، وترك أهل الشرك والأوثان!.

ثم لما كان لسيدهم الصليبي ما كان، حانت اللحظة التي لابد أن يتم التخلص فيها من العبد الغبي حتى لا يكشف شيء مما يعرف ـ إن كان يعرف شيئاً ـ   فتم قذفهم بالطائرات باسم الدفاع عن حقوق الأقليات!
وفي المنتهى الذي سيدفع للأمريكان فاتورة القضاء على "داعش" هم من وجدت "داعش" من أجل القضاء عليهم!!
وأما "البغدادي"  .. فلعله الآن يستمتع مع صاحبه "أسامة بن لادن" في شوارع نيويورك !
وذلك بعد أن حلقوا لحاهم ، ولبسوا اللباس الإفرنجي، وأتموا مهمتهم على أكمل وجه!.
ولا تعجب فأني لا أقتنع بقصة مقتل "بن لادن" على هذا النحو.
أيكون " سليمان الحلبي " ـ رحمه الله ـ  والذي لم يقتل منهم إلا واحد ، محنط في متحف عند القوم بعد أن خزوقوه !، ليكون عبرة لم يعتبر، ثم يلقى بـ" أسامة بن لادن"ـ الذي يزعمون أنه فعل بهم الأفاعيل ـ في عرض البحر!!.. 

فالله المستعان.

فما هذا كله إلا حلقة من حلقات حرب الخوارج على الكفار في الظاهر ومودتهم لهم في الباطن!.
بدأ من أبن الأشعث ـ شيخ القراء ـ حتى أبو قتادة الفلسطيني!.

وصدق من قال: "تلك هي سيرتهم في جهادهم : أما مع المسلمين , فضربُ الهامِ , وأما مع الكفار فحربُ كلامٍ , ولاَ يَغرَّنكم مَضاءُ ألسنتهم في أعراض الكفار , ولا غليانُ أَفكارِهم بهَا ولو كانت كغلي القُدورِ , فليس أكثر من تحريشِ ربِّاتِ الخُدورِ "
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 12 / ذو القعدة / 1435
7 / 9 / 2014

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

مختصر أحكام الصيام

مختصر أحكام الصيام

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
عن عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " بني الإسلام على خمسة ، على أن يوحد الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، والحج " ، فقال رجل : الحج ، وصيام رمضان ، قال : " لا ، صيام رمضان ، والحج " هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". (أخرجه مسلم).
فوصف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإسلام ببيت قائم على أعمدة ودعائم، وهذه الدعائم خمسة، وهي: التوحيد، والصلاة ، والزكاة، والصيام، والحج.
ومع أن الجهاد عمود الإسلام ، وذروة سنامه، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يذكره مع هذه الخمسة، وذلك لأنه من فروض الكفايات، وقد يسقط في بعض الأوقات.
أما هذه الخمسة فهي فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل.
ولهذا يتوجب على المسلم تعلم أحكامها ..حتى يأتي بها على الوجه المقبول.
وهذا تلخيص لأحكام فريضة الصيام لعل الله ـ عز وجل ـ ينفع بها مسلم.
أولاً: يبدأ الصيام برؤية هلال رمضان.
لقول الرب ـ عز وجل ـ : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ البقرة : 185 ].
وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). [متفق عليه].
والراجح أن لكل بلد مطلع، فلا يصوم المسلم إلا مع أهل بلده، وهذا ما عليه السلف، وفيه حديث "كريب" ـ مولى أم الفضل بنت الحارث ـ في صحيح مسلم، وأن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لم يتابع أهل الشام على رؤيتهم للهلال، مع أنه كان فيهم "معاوية بن أبي سفيان" ـ رضي الله عنه ـ ، وعلل ابن عباس الأمر بقوله: " هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ". [ انظر صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم].

ثانياً: للصيام ركنان:
الركن الأول : النية.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إنما الأعمال بالنية )). [ متفق عليه]. 
والنية: هي عزم القلب على الفعل.
فمن عزم بقلبه على الصوم فقد تحققت نيته، وعليه: فلا يلزم التلفظ بها، بل التلفظ بها بدعة.

الركن الثاني: الإمساك.
والمقصود به: الامتناع عن المفطرات من الطعام والشراب والنكاح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
لقول الرب ـ عز وجل ـ : { وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الاسود مِنَ الفجر } [ البقرة : 187 ]
وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن - أو قال: حتى تسمعوا أذان - ابن أم مكتوم " وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى ، لا يؤذن حتى يقول له الناس : أصبحت)). [ متفق على صحته].
هذا؛ ولا يعرف في الشرع الامتناع عن الطعام والشراب عند سماع مدفع الإمساك!، أو عند بدء تواشيح الفجر!، بل إن هذه الأمور من جملة البدع.
فأخر وقت للأكل والشرب هو عند سماع أذان الفجر.

ثالثا: ما يبطل به الصوم.

1ـ الأكل والشرب عمداً.
وقلنا: "عمداً"، لأنه من أكل أو شرب ناسياً فصيامه صحيح.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من أكل ناسيا ، وهو صائم ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه)). [متفق عليه].
وهذا الحكم عام في صيام الفرض أو النفل، أما من تعمد الأكل أو الشرب فهذا أفسد صومه، وارتكب كبيرة من الكبائر.

2ـ تعمد القيء:
فمن تعمد القيء ـ وهو استفراغ ما في المعدة ـ فقد أفسد صومه.
لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء)). [رواه أبو داود وابن حبان، وهو صحيح].
ومعنى ذرعه القيء: غلبه على الخروج من غير تعمد.

3ـ نزول دم الحيض أو النفاس على المرأة
فإذا نزل دم الحيض أو النفاس على المرأة في أي ساعة من نهار رمضان فقد فسد صومها، وعليها قضاء هذه الأيام بعد طهرها... لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ((كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نطهر ، فيأمرنا بقضاء الصيام ، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة)) [رواه مسلم وهذا لفظ الترمذي].
قلت: فهذه الحالات الثلاثة: الأكل أو الشرب عمداً، أو القيء عمداً، أو نزول دم الحيض أو النفاس على المرأة .. هذه الحالات من مبطلات الصوم ، وعلى أصحابها قضاء ما أفطروه بعد رمضان.
ويتبقى حاله على صحابها قضاء ما أفطره مع كفاره
وهي من وقع على أمرأته في نهار رمضان عامداً أنزل أو لم ينزل!
وذلك لحديث متفق على صحته وفيه: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هلكت ، يا رسول الله ، قال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، قال : " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال : لا ، قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ " قال : لا ، قال : ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر ، فقال : " تصدق بهذا " قال : على أفقر منا ؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : " اذهب فأطعمه أهلك".
ومعنى "عرق " : هو وعاء من خوص تكال به الأشياء، ويسمى زنبيلا.
قلت: وفي الحديث ترتيب الكفارة على المقدرة والاستطاعة ، فمن وجد رقبة يعتقها لا يحل له الصيام، ومن قدر على الصيام فلا يحل له الإطعام.

ـ الحالات التي يجوز فيها الفطر:
رخص الرب ـ عز وجل ـ في الفطر لعدة حالات منها:

1 ـ المريض
لقول الله ـ عز وجل ـ { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ].
فالمريض معه رخصة الفطر في رمضان، وقضاء ما أفطر بعد أن يتعافى، أما أن كان مريضاً بمرض لا يرجى برؤه .. فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهو نفس الحكم بالنسبة للشيخ الكبير والمرأة العجوز
فإنك من الممكن تجد شيخ مسن وأمرأة عجوز ليس بهما مرض ، ولكنهما لا يستطعان الصوم لكبر السن وضعف القوة، فهذان يفطران ويطعما عن كل يوم مسكيناً ، وهو ما عليه جمهور أهل العلم.
والفقهاء على أنه ليس كل مرض مبيح للفطر، ولكن المرض الذي يشق معه الصوم، أو يتضاعف بسبب الصيام، أما الذي لا يشق معه الصوم كالصداع وما شابه فلا يبيح الفطر، وخالف الظاهرية في هذه المسألة.

3ـ السفر
لقوله تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ].
فالسفر مع المرض وكبر السن من الحالات التي يجوز فيها الفطر
ولا اعتبار لوجود المشقة في السفر حتى يباح الفطر، كما أنه لا اعتبار للمسافة، فما كان في عرف الناس سفر فهو سفر
والمسافر أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر
فـ "حمزة بن عمرو الأسلمي" قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ - وكان كثير الصيام - ، فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر" [ متفق عليه].
وعند مسلم عن أبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم ، قالا : " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيصوم الصائم ، ويفطر المفطر ، فلا يعيب بعضهم على بعض ".
فإذا أخذ المسافر برخصة الفطر .. جاز له إتيان الزوجة ، ولا كفارة عليه كما يوجد على من جامع في الحضر.
بيد أنه لا يجوز التحايل بالسفر لهذا الغرض، لأن التحايل على إسقاط واجب لا يسقطه.

4ـ المرأة الحامل والمرضع 
فيباح لهما الفطر لحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله تعالى وضع شطر الصلاة ، أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر ، وعن المرضع ، أو الحبلى" [رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع].
وعن ابن عباس قال : ( إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما ). [قال الشيخ الألباني في الإرواء: إسناده صحيح على شرط مسلم].
وعن نافع قال : ( كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش وكانت حاملا فأصابها عطش في رمضان فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا ) . [قال الألباني : إسناده صحيح].
فالحامل إن خافت على نفسها فيجوز له الفطر وكذلك المرضع إن خافت على ولدها، ولا قضاء عليهما، ولكن يفطرا عن كل يوم مسكيناً.

هذا ولا يَفسد الصوم بـ : 

1ـ التقبيل والمباشرة 
تقول أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه ) . [رواه الجماعة إلا النسائي ].
و قال عمر بن الخطاب: هششت ، فقبلت وأنا صائم ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : لقد صنعت اليوم أمرا عظيما ، قال : " وما هو؟ " ، قلت : قبلت وأنا صائم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أرأيت لو مضمضت من الماء " ، قلت : إذا لا يضر ، قال : " ففيم". [صحيح ابن حبان].

2ـ المذي
فمن أمذى وهو صائم فصيامه صحيح، ولا يبطل إلا بالإنزال حال اليقظة، لأن من أنزل في نومه وكان صائماً فصيامه صحيح أيضاً، والله أعلم.

3ـ البخور والعطور
الراجح أنها لا بأس بها للصائم، إذ أنها كانت معروفة على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع هذا لم ينبه على أنها تفسد الصوم، فمن زعم خلاف هذا فعليه الدليل. 

4ـ بقايا الطعام في الفم وغبار الطريق
فكل ما لا يمكن أن يحترز منه الصائم لا يفطر، بل يجوز له تذوق الطعام.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ، ما لم يدخل حلقه وهو صائم" . [مصنف ابن أبي شيبة].
ومن التنطع كثرة التفل خشية بلع الريق!.

5ـ القطرة والحقن
فالراجح أن قطرة العين والأذن لا تفطر، ولكن يحترز من قطرة الأنف لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للقيط بن صبرة ـ رضي الله عنه ـ : " أسبغ الوضوء ، وخلل الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" .[ رواه أبو داود وغيره، وهو صحيح].
وكذلك الحقن ذهب جمع من أهل العلم أنها لا تفسد الصوم، والله أعلم.

6ـ السواك 
يجوز للصائم استعمال السواك في أي ساعة من ساعات الصيام، ولكن يجتنب السواك إن كان له نكهه!. ولا تعلق لحديث " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " بهذا الحكم.
فالسواك كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم : "مطهرة للفم ، مرضاة للرب" .

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 15 / رمضان / 1435
14 / 7 / 2104