إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

نفخ الطيب في ذكر وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم.


 

نفخ الطيب في ذكر وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

  الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

  ففي الوقت الذي تبدأ فيه أوربة الصليبية، حملة جديدة للطعن في دين الإسلام، وتشويه صورة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يتزعم هذه الحملة هذه المرة الرئيس الفرنسي، فيقر نشر رسوم تسيء للرسول صلى الله عليه وسلم..
في هذا الوقت لو تجولت في بلاد المسلمين لوجدت الناس قد نصبت الخيام، وعلقت الزينة، وجهزت الحلوى والعرائس، بزعم قرب الاحتفال بالمولد النبوي!، وهو بدعة ممقوتة قبيحة، يأثم فاعلها قولا واحدا، ومن يفتى الناس بجوازها، وأنها مما يتقرب به العبد لربه، فقد أفتاهم بدين النصارى؛ فإنه لا يوجد في دين الإسلام ما يسمى بعيد الميلاد أو الكريسماس، فهذا من دين عباد الصليب.

  فضلا عن كون اليوم الذي يحتفلون فيه بمولد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس هو على الراجح اليوم الذي ولد فيه.

  فإنه بلا خلاف بين الأمة أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولد يوم الاثنين؛ فقد سئل عن صوم يوم الاثنين ؟ فقال : " ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت - أو أنزل علي فيه - ". [رواه مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري].

  فهو ولد بلا خلاف يوم الاثنين، في ربيع الأول، من عام الفيل، الذي يوافق سنة 571م، واختلفوا في أي يوم ولد من شهر ربيع على أقوال منها: أنه ولد في "اليوم التاسع، أو الثاني عشر، أو الرابع والعشرين، أو السابع والعشرين"، فهذا محل خلاف.

  وأهل التحقيق من الفلكيين يقولون أنه يستحيل أن يوافق يوم الاثنين من هذه السنة إلا يوم التاسع، وهذا يوافق ما عليه كثير من أهل العلم والتواريخ. [ انظر الرحيق المختوم للمبَارَكفُوري ص / 71، ط الرابعة، دار الوفاء].

    فالذين يحتفلون بمولده ـ صلى الله عليه وسلم ـ في يوم الثاني عشر من ربيع الأول يسيئون للرسول من عدة وجوه:
  الأول: أخذهم بسنة النصارى وترك سنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عدم احتفاله بيوم مولده.

  الثاني: جهلهم بتاريخ مولده على التحقيق، مما يبين زيف محبتهم.
  الثالث: أن هذا اليوم يوافق يوم وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما سيأتي.

  فعند البيهقي في دلائل النبوة، والطبراني في الكبير، وغيرهما، جميعا من حديث ابن لهيعة، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "   ابن عباس قال : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ونبي يوم الاثنين ، وخرج من مكة يوم الاثنين ، وفتح مكة يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين".

  فيوم الاثنين يوم ولد فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأنزل عليه فيه، وهاجر فيه، وتوفي فيه.

    ولو سئل الذين يحتفلون بيوم مولده، عن وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ هل يجدون جوابا.

فلو قيل لهم:
ـ في أي يوم دفن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟
ـ وهل دفن بالنهار أم بالليل؟

ـ ومن قام على تجهيزه وغسله؟
ـ وهل جرد من ملابسه أم غسل عليها؟
ـ وكم رجل حمل نعشه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟
ـ ومن كان إمام المسلمين في الصلاة عليه؟
وغيرها من الأسئلة التي تكشف زيف محبة هؤلاء الذين يحتفلون بمولده يوم وفاته.

  ولهؤلاء وغيرهم نسوق على عجالة أحداث وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعل الله أن ينفع بها، ويتوب من يحتفل بهذا اليوم، ويعلم أنه يوافق يوم وفاته  ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس يوم مولده.

  تكلم الله عز وجل في كتابه عن بشرية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه يجري عليه ما يجرى على البشر، فقال سبحانه: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }. [ الزمر:30 : 31].

  وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}(1).

[ الأنبياء : 34 ].

  فتكلم القرآن عن حتمية وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ هو بشر، بيد أن الله ـ عز وجل ـ أنزل سورة تبين دنو أجله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهي سورة النصر، فقال سبحانه: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. [سورة النصر].
نزلت هذه السورة في أواسط أيام التشريق من حجة الوداع، فعرف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أجله نُعي إليه، فقام خطيبا في الناس، وقال: " يا أيها الناس خذوا عني مناسككم، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا".
[رواه النسائي في الكبرى، وابن خزيمة في صحيحه].

  ـ وطفق يودع الناس، وقد التزم التسبيح والاستغفار من ساعتها كما أمره ربه.

  ـ وكان من سنته أنه يعتكف عشرة أيام، فاعتكف سنتها عشرين يوما.
  ـ ثم خرج إلى بقيع الغرقد في جوف الليل يستغفر لأهله، بعد أن أمره ربه بذلك، فيخرج إلى البقيع ويقول لأهله ممن توفاهم الله: " السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون"
[رواه مسلم].
  ـ ثم يرجع إلى بيته ويدخل على عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقد أصابها صداعا تشكو منه، قالت: دخل علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اليوم الذي بدئ فيه، وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول : وارأساه , فقال : " بل أنا وارأساه "
(2). [رواه أحمد وغيره بسند حسن].

  ـ ثم أشتد عليه الوجع في الأيام التالية، فقال لعائشة: " يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم ". [رواه البخاري].
يقول عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : " لأن أحلف بالله تسعا ، إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتل قتلا ، أحب إلي من أن أحلف واحدة ، وذلك بأن الله عز وجل اتخذه نبيا ، وجعله شهيدا " . [رواه أحمد بسند صحيح].

  ـ ثم يبدأ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذكر أمور من وصيته الأخيرة، فيقول لعائشة: " ادعي لي أبا بكر ، أباك ، وأخاك ، حتى أكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". [رواه مسلم].

  وهذا الحديث مما يستأنس به أهل السنة على تعين خلافة أبي بكر من بعد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويضم إليه حديث ابن عباس عند البخاري الذي قال فيه: خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرضه الذي مات فيه ، عاصب رأسه بخرقة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد ، غير خوخة  أبي بكر "(3).

   وكذا اختياره ليصلى بالناس، فقد صلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالناس وهو مريض 11 يومًا، وقد بدأ مرضه في اليوم الثامن أو التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11 ه، فصلى هذه المدة بالناس، ثم أشتد عليه المرض قبل وفاته بأربعة أيام، فكان أخر صلاة صلاها بالناس، صلاة المغرب ليوم الخميس، قرأ فيها بسورة المرسلات، ثم لم يستطع الخروج للمسجد في صلاة العشاء، فأرسل إلى أبي بكر أن يصلى بالناس، فصلى أبو بكر تلك الأيام  17 صلاة في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهي صلاة العشاء من يوم الخميس، وصلاة الفجر من يوم الاثنين، وخمس عشرة صلاة فيما بينهن. [البخاري مع الفتح 2 / 193 ح (681) بواسطة الرحيق المختوم ص / 472].

  ـ وكان مما أوصى به في مرضه هذا، إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب. (4)

  ـ وقد ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها : مارية ، وكانت أم سلمة ، وأم حبيبة رضي الله عنهما أتتا أرض الحبشة ، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فرفع رأسه ، فقال : " أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله". [رواه البخاري].

  وقال: " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا" . [متفق عليه].

  ـ وأوصى الناس مرارا:" الصلاة وما ملكت أيمانكم ، الصلاة وما ملكت أيمانكم " . حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره ، وما يكاد يفيض بها لسانه". [رواه أحمد بسند صحيح].
  ـ ثم وجد في نفسه خفة قبل موته بيوم أو يومين، فخرج بين رجلين لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلى بالناس، فجلس إلى يسار الصديق،  وهم أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه بألا يتأخر، فكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويُسمع الناس التكبير.
[رواه البخاري].

  ـ ثم قبل وفاته بيوم ـ يوم الأحد ـ أعتق غلمانه، وتصدق بستة أو سبعة دنانير كانت عنده.

  ـ ثم في فجر يوم الاثنين كشف ستر حجرة عائشة، وكان يطبب فيها طوال فترة مرضه(5)، ونظر للمسلمين وهم يصلون خلف الصديق ـ رضي الله عنه ـ ثم تبسم يضحك، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر، ثم لم يأتي عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقت صلاة أخرى . [البخاري].

  ـ وبدأ الاحتضار بعد الضحى (6)، فأسندته عائشة إليها، وقد ألنت له سواك، فاستن به، وكان بين يديه ركَوْة فيها ماء، فجعل يدخل يديه فيها فيمسح به وجهه، ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات" . [رواه البخاري].
  ـ وما أن فرغ من السواك حتى رفع أصبعه، وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول: " في الرفيق الأعلى " حتى قبض، ومالت يده". [رواه البخاري].

    وكان ذلك حين أشتد الضحى من يوم الاثنين 12 / ربيع الأول / سنة 11 ه، وقد تم له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاث وستون سنة وزادت أربعة أيام. [ الرحيق المختوم ص / 475].  
  وقيل: ضحى يوم الاثنين 13/ ربيع الأول / 11هـ، 8 يونيو سنة 633م.

  ـ ثم اجتمع عليه عمه العباس، وبعض أبناء عمومته، وأحد مواليه، لتجهيزه وتكفينه.
  تقول أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ : لو استقبلت من الأمر ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه"
.[ رواه أحمد والحاكم].
  وتقول أيضا ـ رضي الله عنها ـ : "لما اجتمعوا لغسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اختلفوا بينهم ، فقالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نجرد موتانا ، أو نغسله وعليه ثيابه ؟ ، قالت : فأرسل الله عليهم النوم حتى إن منهم من رجل إلا ذقنه في صدره ، ثم نادى مناد من جانب البيت - ما يدرون ما هو - أن اغسلوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليه قميصه . قال : فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ، فغسلوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليه قميصه ، يصبون عليه الماء ويدلكونه من وراء القميص ، وكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب ، أسنده إلى صدره . قالت : " فما رئي من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيء مما يرى من الميت". [رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني].

  وكان هذا يوم الثلاثاء، والقائمون بالغسل "العباس عم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعلي بن أبي طالب، والفضل وقثم ابني العباس، وشقران مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأسامة بن زيد، وأوس بن خَوْلى.
  ـ ثم  كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية سحولية ـ من قطن ـ  ، ليس فيها قميص ولا عمامة" .
[رواه البخاري].
  

  ـ ثم لما لَمّا أرادُوا أن يَحْفِرُوا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اختلفوا مرة أخرى، هل يُلحد له القبر أم يشق؟

  وكان في المدينة رجل يشق القبر كحفر أهل مكة، وأخر يلحد القبر، فأرسلوا إليهما، فأتى صاحب اللحد أولا.

  قال سعد بن أبي وقاص  ـ رضي الله عنه ـ في مرضه الذي هلك فيه : " الحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا ، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم". [رواه مسلم].

  ـ واختلفوا كذلك في مكان الدفن، ثم اتفقوا أن يدفن في حجرة عائشة في المكان الذي قبض فيه، فرفع فراشه الذي مات عليه وحفر تحته.
ـ ثم بدأ يدخل عليه الناس إرسالا، الرجال ثم النساء ثم الصبيان، يصلون عليه أفذاذا ليس عليهم إمام، فكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إمامهم حيا وميتا.
ومضى في ذلك يوم الثلاثاء كاملا، ومعظم ليلة الأربعاء.
[الرحيق المختوم ص / 477].

   تقول عائشة:"ما شعرنا بدفن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى سمعنا صوت المساحي ـ المجارف ـ  من آخر الليل". [رواه عبد الرزاق بسند صحيح].
قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : " " لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء "، قال : "وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ". [ رواه أحمد والترمذي بسند حسن].
  

وقالت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ : "يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التراب".
وقالت: " يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه ، من جنة الفردوس ، مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه".
[رواه البخاري].

  ـ فوفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعظم المصائب التي نزلت بالأمة، كما جاء في الاثر : "  إذا أصاب أحدكم مصيبة ، فليذكر مصيبته بي ، فإنها من أعظم المصائب ".
فلا يحسن بمسلم قد رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبيا ورسولا، أن يحتفل في يوم وفاته!.

  ومن كان صادقا حقا في محبته، وأبى إلا الاحتفال بمولده!، فليصم كل يوم اثنين كما جاءت بذلك السنة، فهذا اليوم بلا خلاف قد ولد فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ونسأل الله أن يجنبا الفتن والبدع وكل استحسن وليس من دين الله.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد.
القاهرة 11 / ربيع الأول / 1442
28 / 10 / 2020

الهامش
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1): وهذه الآية تهدم زعم المتصوفة بأن الخضر ما زال حيا، وأنه يحضر مجالسهم!.

(2): حدد ابن حبان أن بدأ الوجع يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر  كما في ثقاته (2 /130 ).

(3): الخوخة : باب صغير يكون بين بيتين.

(4) : قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ  : "لأخرجن اليهود ، والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما". [رواه مسلم].
(5): عندما اشتد عليه المرض  كان في بيت ميمونة بنت الحارث، وكان ينتقل بين بيوت أزواجه، فاستأذن منهن أن يمرض في بيت السيدة عائشة، فأذِنَّ له.
(6): قال القسطلاني: اختُلف في مدة مرضه، فالأكثر أنها ثلاثة عشر يومًا،
وقيل أربعة عشر، وقيل اثنا عشر، وقيل عشرة أيام. [المواهب اللدنية ( 4/ 516)].

 


       

السبت، 24 أكتوبر 2020

ماكرون جديد!

 

ماكرون جديد!.

   الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:


    فإن الكلام الذي قاله أخيرًا علج الفرنسيس "ماكرون"، حول أزمة الإسلام، وإقراره لرسوم مسيئة لرسولنا - صلى الله عليه وسلم -،  ليس سوى جولة جديدة من جولات الغرب الصليبي لتشويه صورة الإسلام، وصورة نبيه - صلى الله عليه وسلم - يقصد بها في المقام الأول وقف زحف الإسلام إلى هذه القارة التي تموج بالإلحاد والشك.

   فإن كل ما تقوم به هذه القارة الصليبية، من رصد مبالغ مالية ضخمة، وبعث قوافل طبية وتبشيرية إلى أحراش أفريقيا السوداء من أجل تنصير شعوب هذه الأراضي، أو تشكيك المسلمين في دينهم .. كل ذلك يرتد عليهم في عقر ديارهم = بإسلام أبناءهم ومثقفيهم!.

   فحيلتهم التي يلجئون إليها بين الحين والآخر لوقف هذا الزحف، وخف الضغط عليهم = هي سب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانتقاصه، يقوم بهذه المهمة جندي من جنود هذه القارة الخبيثة، فليس الرئيس الفرنسي"ماكرون" هو أول من قام بهذه المهمة المقدسة عندهم، وإنما هو واحد من هذه السلالة التي أخذت على عاتقها وقف زحف الإسلام إلى القارة العجوز!، وإن كان أظهر اسمه حقيقة ما عليه القوم من مكر بالإسلام وأهله!.

فهو "ماكرون"!، وهم "ماكرون"!.

   والقوم يعلمون حمية أهل الإسلام تجاه هذه القضية؛ خاصة إن جاء هذا السب من كافر، أما إن جاء ممن ينسب إلى القبلة فإن أكثرهم لا يتعدى موقفه الحسبنة والاسترجاع!.

ومما يعود عليهم من افتعال هذه القضية بين الحين والآخر:

   - إيجاد ردود أفعال لمسلمين يستطيعون من خلالها إثبات ما يروجون له من وحشية تعاليم دين الإسلام، وجهل أهله!.

    - إصدار قوانين يستطيعون من خلالها تحجيم نشاط الدعوة في هذه البلاد.

   - فتح فجوة جديدة في الديار الإسلامية بين الشعوب وحكامها بسبب تعامل الحكومات مع هذه الدول الكافرة، وأن هذا التعامل من الرضا بمثل هذا السب، وأنه من خيانة الدين، وأنه ... وأنه ... مما هو معلوم.

    - إثارة الفوضى في بلاد المسلمين من خلال خفافيش الظلام من أهل البدع وأصحاب الأغراض، الذين يتغذون على مثل هذه الأفعال ويستغلونها لاصطياد نشأ جديد يضم إلى نحلهم وأحزابهم.

   - الهاء المسلمين عما يخطط لهم بالفعل من إبادة شعوب إسلامية بالكامل، كما يُفعل مع أهل السنة في العراق وسوريا وغيرهما، وحصر الصراع في كلمة قالها علج من علوج الغرب، أو صورة نشرت في جريدة عندهم.

 

    وللخروج من هذه الدائرة التي تتجدد كل عدة سنوات للأسباب المذكورة آنفا أو غيرها، فلابد للمسلمين الالتزام بما جاء في شريعة دين الإسلام:

  

   - من ترك العيش بين أظهر هؤلاء الكفار وفي ديارهم.

  - عدم اتباع أسلوب وطريقة القوم في تغير المنكر من خروج المظاهرات والاعتصامات، والرجوع للأمر بالمعروف بمعروف، والنهي عن المنكر بغير منكر.

    - عدم التدخل في شؤون ولاة الأمر في مثل هذه القضايا وغيرها، فالسياسة لا تعرف التصريحات العنترية التي تعجب الجماهير، وإنما هي مواقف سياسية واقتصادية لا يلحظها إلا المتخصص.

   - معاملة القوم بضدد قصدهم، فيركز من يحسن لسان القوم لدعوتهم لدين الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.

   - ترك التشبه بعادات القوم في المظهر والمأكل، مما يقطع عليهم الطريق من الترويج لثقافتهم داخل ديار الإسلام، ومما ينمي عقيدة الولاء والبراء في نفوس المسلمين، وذلك لأن المشابهة في الظاهر ينتج عنها رضى في الباطن.

 

   هذا، ولعلمائنا نصائح وتوجيهات متقدمة في حوادث شبيهة، يُرجع إليها وتُتأمل، ليقف الناس على حقيقة هذا المكر الصليبي، وطرق مواجهته.

والله أسأل أن لا يجعلنا فتنتة للذين كفروا، ويغفر لنا، أنه هو العزيز الحكيم.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب

أبو صهيب وليد بن سعد.

القاهرة 6 / ربيع أول / 1442 ه
23 / 10 / 2020

الثلاثاء، 26 مايو 2020

قطر السماء في صحيح أذكار الصباح والمساء


 قطر السماء

في صحيح أذكار الصباح والمساء


صحيح أذكار الصباح

1 ـ "أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
 [صحيح . رواه أحمد (15360) ط الرسالة، والنسائي في الكبرى وغيرهما، وصححه الألباني (2989 )] .
 وهو من أذكار الصباح خاصة

2 ـ "سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ". [ثلاث مرات]
[رواه مسلم في صحيحه (2726) (79) ، والبخاري في الأدب المفرد (647)]. 
وهو من أذكار الصباح خاصة.

 3 ـ "أَسْتَغفِرُ اللهَ". [مائة مرة].
[رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (30058 ) ط دار القبلة، والنسائي في الكبرى (10202 ) ط دار الرسالة، وغيرهما، بسند صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة ( 1600 )].
وهو من أذكار الصباح خاصة.


4 ـ " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ".
[رواه البخاري (6306) الفتح]، من رواية "شداد بن أوس ـ رضي الله عنه ـ وليس له في البخاري إلا هذا الحديث كما قال المنذري.

5 ـ "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِا الْيَوْمِ وَخَيْرِ مَا فِيهَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّه وَشَرِّ مَا فِيهَ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ وَفِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ".
[رواه مسلم ((2723) (75)، وأبو داود والترمذي].

6 ـ "اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرُّهُ إِلَى مُسْلِمٍ".
[صحيح، رواه أحمد في مسنده (51) ط مؤسسة الرسالة، والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (2763)]. 
وهو من أذكار النوم أيضًا.


7 ـ "اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ أَمْسَيْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ".
[صحيح، رواه البخاري في الأدب المفرد (1199)، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في الصحيحة (263)].


8 ـ " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
[صحيح، رواه أحمد وأبو داود ( 5077 )، وغيرهما، وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة ( 3867 )].
سنة عزيزة!
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة ـ مكتوبة ـ إذا سلم : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". [متفق عليه].
9 ـ  "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ".
[حسن . أخرجه النسائي في الكبرى، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وحسنه، ووافقه الشيخ الألباني في الصحيحة (227)].


10 ـ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ ، وَأَهْلِي وَمَالِي . اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي . اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي".
[صحيح رواه أحمد (حديث : ‏ 4785 ‏)، والبخاري في الأدب المفرد (حديث : ‏ 1200 ‏) وابن أبي شيبة والنسائي في الكبرى ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد].

11 ـ "سورة: الإخلاص , والفلق , والناس". [ثلاث مرات].
[حديث حسن، رواه النسائي في الكبرى (5445) وفي مسند أحمد ،  وعبد بن حميد في مسنده، ورواه الترمذي عنه في جامعه حديث : ‏3575‏   وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب ، ورواه أبو داود في سننه باب ما يقول إذا أصبح،  وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي (2829) ].
فائدة وتنبيه:
تكرار سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات في هذا الحديث هو خاص بأذكار الصباح والمساء،ولا تعلق له بالذكر بعد الصلاة، فلم يصح قراءة سور الإخلاص في أذكار دبر الصلاة، وإنما وردت في حديث باطل، انظر الضعيفة (6012) - ( مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ [ و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ] دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ
مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلا الْمَوْتُ ) .
قال الشيخ الألباني: باطل بذكر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } . اهـ
 والصحيح قراءة المعوذتين دبر الصلوات، لحديث: " اقرؤوا المعوِّذات في دُبرِ كل صلاة " .((صحيح أبي داود)) (1363) .
وكما تجدأنه ليس في الحديث عدم التكرار ثلاثا، أو تخصيص صلاة الفجر والمغرب بثلاث مرات كما هو مشهور.
وقد سؤال الشيخ الألباني كما في سلسلة الهدى والنور : "هل ثبت أن النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه كان يقرأ الإخلاص دبر كل صلاة كالمعوذات وآية الكرسى ؟
الشيخ : لا
السائل : لم يثبت ، بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب؟
الشيخ : أى صلاة ، لم تثبت". اهـ
فالخلاصة:
فالأول: أنه ليس من السنة قراءة سورة الإخلاص دبر الصلاة.
 والثاني: ليس من السنة تكرار المعوذتين ثلاث مرات دبر الصلاة؛ وإنما هذا خاص بأذكار الصباح والمساء فقط.

12 ـ " بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". [ثلاث مرات].
[صحيح . رواه أحمد (528)، والنسائي في " اليوم والليلة " (15) والطحاوي في مشكل الآثار  من طريق محمد بن كعب القرظي، وصححه الشيخ الألباني في 6426 في صحيح الجامع] .

13ـ "أَصْبَحْتُ أُثْنِيَ عَلَيْكَ حَمْدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ". [ ثلاث مرات].

[رواه النسائي في الكبرى (10018)، بسند حسن مسلسل بالتحديث، رواته كلهم عراقيين ثقات خلا شيخ النسائي " معاوية بن صالح بن أبي عبيد أبو عبد الرحمن الأشعري "، فهو دمشقي. وقد صح سماعه من العراقيين كما في ترجمته من تهذيب الكمال ( 6059 )، قال مسلمة بن قاسم: أرجو أن يكون صدوقا، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق.
أما باقي رجال الإسناد: منصور بن أبي مزاحم واسمه : بشير التركي أبو نصر البغدادي، وثقه ابن معين، والدارقطني، وغيرهما، وقال ابن حجر في التقريب: ثقة.
ـ وأبو المحياة هو: يحيى بن يعلى بن حرملة التيمي الكوفي،اجتمعت الكلمة على توثيقه وهو من رجال مسلم، في الجرح والتعديل للرازي (850 ): ثقة، وفي تاريخ ابن معين (1307 ): ثقة، وذكره ابن حبان في ثقاته (16328 )، ووثقه الذهبي في المغني في الضعفاء (7073 )، وفي الكاشف (6271 )، وابن حجر في التهذيب
( 487 )، وذكره ابن شاهين في كتاب "الثقات" كما في إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي الحنفي ( 5225 ).
ـ أما منصور هو: ابن المعتمر السلمي أبو عتاب الكوفي، ثقة مأمون كثير الحديث، قال أبو داود كما في تهذيب الكمال ( 6201 ): منصور لا يروي إلا عن كل ثقة. وقال البخاري في التاريخ الكبير: كان من أثبت الناس.
ـ ومالك بن الحارث فهو وإن لم يعينه النسائي فهو : مالك بن الحارث السلمي الكوفي، يتبين ذلك من أمور، منها: طبقته، وأنه من شيوخ منصور بن المعتمر.
ففي ترجمته في الجرح والتعديل ( 909 ) : مالك بن الحارث السلمي كوفي روى عن بن عباس وعبد الرحمن بن يزيد وأبيه روى عنه منصور بن المعتمر والأعمش ... وعن يحيى بن معين أنه قال: مالك بن الحارث "ثقة". اهـ
وقال البخاري في تاريخه ( 1307): مالك بن الحارث سمع بن عباس وعبد الرحمن بن يزيد كوفي يروي عنه منصور. اهـ
قال ابن حبان في الثقات ( 10925 ): مالك بن الحارث الكوفى يروى عن أبيه عن أبى موسى روى عنه منصور والأعمش. اهـ
ف " مالك بن الحارث" هو صاحبنا السلمي الكوفي، ويؤكد ذلك فإنه كما مر أن "منصور بن المتعمر" لا يحدث إلا عن ثقة.
وقد روى لمالك مسلم في المتابعات.
ـ أما "أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي" هو: الكوفي و اسمه هرم، ثقة من رجال البخاري ومسلم.
وقد حسن الحديث الشيخ مقبل الوداعي ـ عليه الرحمة ـ في كتابه "الجامع الصحيح لما ليس في الصحيحين ( 2 / 473 )، قال: هذا حديث حسن، رجاله رجال الصحيح إلا شيخ النسائي معاوية بن صالح، وقد قال: لا بأس به، وقال مسلم: أرجوا أن يكون صدوقا، كما في تهذيب التهذيب.
قلت: وقد وقع تصحيف هنا، فقائل " أرجوا أن يكون صدوقا" ليس مسلم، بل مسلمة بن قاسم، والله أعلم.

 14 ـ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".[ عشر مرات].
[صحيح، رواه أحمد (23568 )، والطبراني في الكبير، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة ( 114 )].

15 ـ "سبحان الله وبحمده".[ مائة مرة].
أو "سبحان الله العظيم وبحمده" .
[رواه البخاري ومسلم]، وفيه: عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال : سبحان الله وبحمده ، في يوم مائة مرة ، حطت خطاياه ، وإن كانت مثل زبد البحر". هذا لفظ البخاري.
زاد مسلم في أوله: " حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده ، مائة مرة ...".
وعند أبي داود بسند صحيح: "سبحان الله العظيم وبحمده".

16 ـ : "سُبْحَانَ اللهِ". [ مائة مرة، كلما زاد كان أفضل].
"الْحَمْدُ لِلَّهِ" . [ مائة مرة، كلما زاد كان أفضل].
"اللَّهُ أَكْبَرُ". [ مائة مرة، كلما زاد كان أفضل].
"لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".[ مائة مرة، كلما زاد كان أفضل].
[حسن، رواه النسائي السنن الكبرى  - حديث : ‏  10246‏]،  من حديث عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده، قال يحيى بن سعيد القطان : "عمرو بن شعيب" إذا روى عنه الثقات فهو ثقة يحتج به .
قلت: وهذا الحديث رواه عنه الأوزاعي ـ رحمه الله ـ ، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(658).

صحيح أذكار المساء

1 ـ "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ". [ثلاث مرات ].
[رواه مسلم ] وصحح الشيخ الألباني رواية الترمذي، وفيها: من قال حين يمسي ثلاث مرات : "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره حمة تلك الليلة". وقال الترمذي: حديث حسن.
أما رواية مسلم فليس فيها ذكر للعدد، وفيها:
 عن أبي هريرة ، أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة ، قال : " أما لو قلت ، حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم تضرك ".
وهو من أذكار المساء خاصة.

2ـ " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ".

3ـ "أَمسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، وَفِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ".

4 ـ"اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي ، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرُّهُ إِلَى مُسْلِمٍ".

5 ـ "اللَّهُمَّ بكَ أَمْسَيْنَا ، وَبِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِليْكَ الْمَصِيرُ".

6ـ " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

7 ـ "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ".

8 ـ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ ، وَأَهْلِي وَمَالِي . اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي . اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي".

9ـ "سورة: الإخلاص , والفلق , والناس". [ثلاث مرات].

10ـ "بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". [ثلاث مرات].

11ـ "أمسيت أُثْنِيَ عَلَيْكَ حَمْدًا ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ". [ثلاث مرات].

12ـ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".[ عشر مرات].

13ـ "سبحان الله وبحمده".[مائة مرة].
أو "سبحان الله العظيم وبحمده" .

14 ـ : "سُبْحَانَ اللهِ". [مائة مرة وكلما زاد كان أفضل]
ـ "الْحَمْدُ لِلَّهِ". [مائة مرة وكلما زاد كان أفضل]
ـ"اللَّهُ أَكْبَرُ". [مائة مرة وكلما زاد كان أفضل].
- " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" . [مائة مرة وكلما زاد كان أفضل].

وكتب
وليد بن سعد
القاهرة 3 / شوال / 1441 ه

26 / 5 / 2020

الأحد، 29 مارس 2020

حـقـيقـة الحَـجْر الصحـي


 
في ضوء نازلة فيروس كورونا (5)

حـقـيقـة الحَـجْر الصحـي
  الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

   فإن عامة من يستدل بقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل ، أو على من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض ، فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض ، وأنتم بها فلا تخرجوا ، فرارا منه". [متفق عليه].
عامة من يستدل بهذا الحديث يذهب إلى إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنّ في هذا الحديث ما يعرف في لغة الناس اليوم ب" الكرنتينا" أو "الحَجْر الصحي"، وذلك حفاظا على سلامة الأصحاء وللحد من انتشار الوباء.
 "ولكن هذا غير صحيح؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ راعى ما هو أعم وأهم، وهو الفرار من قدر الله، قال: «لا تخرجوا منها فرارًا منه". [انظر الشرح الممتع للعثيمين (11 / 111) ط ابن الجوزي].

   وقصر الحديث على أن المقصود منه الحد من انتشار الأوبئة، والمحافظة على سلامة الأصحاء!، هو تفسير مادي بحت، يشبه ما عليه الغربيين.
وكيف يستقيم هذا، وهو صلى الله عليه وسلم من نهى الأصحاء من الخروج من الأرض الموبوءة بالطاعون؟، وهو مرض إنتاني وبائي معدي قتّال. 

   وإن كان هذا الذي ذكر آنفا يدخل في معنى الحديث، إلا أنه في المقام الأول يستهدف مسألة عقائدية مهمة، وهي رضا العبد بقضاء الله وقدره، خيره وشره.
وهذا ظاهر حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال : " ليس من أحد يقع الطاعون ، فيمكث في بلده صابرا محتسبا ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له ، إلا كان له مثل أجر شهيد". [رواه البخاري].
   ومفهوم الحديث: أنه لكي يحصل العبد أجر الشهادة، يتوجب عليه أن يكون معتقدا أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له، مع مكثه صابرا محتسبا.
فإن صبر واحتسب ورضا بقضاء الله، نال أجر الشهادة ـ وإن لم يقتله الطاعون ـ .

    فالحديث في المقام الأول يعتني بمعتقد المسلم وإيمانه، مع فوائد أخرى ذكرها العلماء، منها:
   ـ توقى المكاره قبل وقوعها، والتسليم لأمر الله وقدره إذا وقعت المصائب والبلايا ، وهذا كقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  : " لا تمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ". [متفق عليه].

   ـ إن نهي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الدخول في الأرض الموبوءة أو الخروج منها صيانة لمعتقد المسلم، وأسكن لنفسه، وأقطع لوساوس الشيطان، حتى لا يقول الداخل: دخلت فهلكت، أو يقول الخارج: خرجت فنجوت، وإنما نجا من لم يجى أجله ، ومات من جاء أجله". [إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (كتاب السلام / باب: الطاعون والطيرة والكهانة)].
  
   ـ خروج الأقوياء كسر لقلوب الضعفاء عن الخروج، ولئلا تضيع المرضى بعدم من يتفقدهم، والموتى بعدم من يجهزهم، فالمسلمون لحمة واحدة. [أحكام القرآن لابن العربي (1 / 304 :305)].

    وهذه قضية أخلاقية لا تجدها عند غيرهم، حتى عند من يتشدقون بالإنسانية من هؤلاء الغربيين، فقد ظهر كذبهم وزيف حضارتهم في هذه النازلة، فقد نُقل أنه هرب القائمون على دار للعجائز في أسبانيا، وتركوا النزلاء يواجهون الموت، حتى تعفنت الجثث، وأن بعض أبناء بريطانيا تركوا آباءهم وأمهاتهم في المشفى، ورفضوا رؤيتهم قبل الموت خوفا من العدوى!، فضلا عن ما أعلنت عنه "أيرلندا" تلميحا من العمل بنظرية "سوبر مان" لفريدريك نيتشه، وفيها: التخلص من العجائز والمرضى والضعفاء، من أجل إخراج جيل قوي معافى!،  
ولعل لنفس السبب أعلنت مؤخرًا بعض الولايات في أمريكا عدم معالجة مرضى متلازمة داون والشلل الدماغي والتوحد وإعطاء الأولوية للأسوياء في العلاج من فيروس كورونا.
      
    ـ  إن البلاء إذا نزل إنما يقصد به أهل البقعة، لا البقعة نفسها، فمن أراد الله إنزال البلاء به فهو واقع به ولا محالة فأينما توجه يدركه، كما في تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} .[البقرة : 234].
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : كانوا أربعة آلاف ، خرجوا فرارا من الطاعون ، وقالوا : نأتي أرضا ليس بها موت . فقال لهم الله : موتوا فماتوا فمر بهم نبي ، فسأل الله أن يحييهم فأحياهم ، فهم الذين قال الله عز وجل : وهم ألوف حذر الموت " . [رواه الحاكم (3045) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه"].

   وقد ذكر "المدائني": "أنه وقع الطاعون بمصر في ولاية "عبد العزيز بن مروان" إياها فخرج هاربا منه، فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها سكر، فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك فقال له "عبد العزيز": ما اسمك؟ قال: "طالب بن مدرك"، فقال: "أوه ما أراني راجعا إلى الفسطاط أبدا، فمات في تلك القرية". [التمهيد لابن عبد البر].
   
   ـ إلى غير ذلك مما ذكره علماؤنا من المفسرين وشراح الحديث.
فالخلاصة:
     إن الحجر الصحي مع قيام مقتضاه، جائز في الشريعة, بل قد يكون من باب الوجوب، بيد أن قصر مفهومه أنه خاصا بالحفاظ على سلامة الأصحاء، والحد من انتشار الوباء، هو مسلك مادي لا يعرفه الإسلام، بل حقيقة الحجر الصحي يدخل فيها كل ما مر ذكره.
والله أعلم.
            وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة 4 / شعبان / 1441هـ
27 / 3 / 2020م

ماتت القرية كلها ونجا هذا الرضيع!


في ضوء فيروس كورونا (4)
ماتت القرية كلها ونجا هذا الرضيع


  الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

   فقد انقسم الناس في هذا الوباء إلى ثلاثة أقسام، طرفين ووسط.
  قسم تملّكه الهلع والفزع وأصبح يطارده شبح الموت في يقظته ومنامه، وتيقن بالهلاك!.
   
   وقسم غرّه طول الأمل، حتى كأنه أيقن أنه ممن كتبت له النجاة؛ بل بدأت تُحدثه نفسه بحبك القصص التي سيحكيها للأجيال القادمة، وكيف اجتاح الوباء الأرض؟، والمعاناة التي كان فيها الناس، وكيف تعامل من ندرة الطعام؟ وكل هذا الموروث العالق في ذهنه من رؤية الأفلام السينمائية!.
   
    والقسم الثالث، هو من عرف أن له أجلًا، وله ساعة كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهو على يقين إن جاءت هذه الساعة، فلا فرق عندها بين الموت بهذا الوباء أو بغيره.

    وما عليه القسم الثالث، هو ما يَجب أن يكون عليه معتقد المسلم؛ فإن الموت مما استأثر الله بعلمه، فلا يَعرف موعده نبي مكرم، أو ملك مقرب.
   قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفاتح الغيب خمس: ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. [رواه البخاري ومسلم].

   فمن جاء أجله مات للحظته ، قال الله تعالى: { إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .[نوح: 4].
     وقال سبحانه: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}. [الأعراف: 34].
    وقال عز وجل: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}.
[آل عمران: 145].
     والموت إذا نزل بالعبد فلا يَنفع معه سلطان ولا مال، ولا يَدفعه صديق، ولا حرس أو تحصينات، قال الله تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}. [النساء: 78].
  ولا هو مما يُستطاع الهروب منه، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. [الْجُمُعَة: 8].

   فمن كان هذا معتقده، هانت عليه الدنيا وفهم معنى الحياة، وأصبح يُبصر الأمور على حقيقتها، وأصبح عنده رضا بكل بما قدره الله وقضاه، حتى أنك تعجب من حال من فهم هذه الحقيقة وأصبحت من معتقده..

    فهذا إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر، قَتل في معركة الدرعية الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ثم  أراد أن يَغيظ أباه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهما الله ـ ، فـقـال له :
قَـتـلـنـا ابنك سليمان، فأجابه الشيخ عبد الله بكل يقين وإيمان : "إن لم تقتله مات".
تأملتها؟!
                                "إن لم تقتله مات".


   فهذا المقتول قُدر عليه الموت في تلك الساعة، فإن لم يَقتله إبراهيم باشا، كان سيموت حتمًا.

   وتأمل هذه القصة العجيبة التي ذكرها الإمام ابن كثير ـ عليه الرحمة ـ في تاريخه وهو يتكلم عن الطاعون الذي وقع سنة تسع وستين: عن رجل، يكنى أبا النفيد، وكان قد أدرك من هذا الطاعون، قال:" كنا نطوف بالقبائل وندفن الموتى، فلما كثروا لم نقو على الدفن، فكنا ندخل الدار وقد مات أهلها فنسد بابها عليهم!.

   قال: فدخلنا دارًا ففتشناها، فلم نجد فيها أحدًا حيًا فسددنا بابها، فلما مضت الطواعين، كنا نطوف فنفتح تلك السدد عن الأبواب، ففتحنا سدة الباب الذي كنا فتشناه - أو قال الدار التي كنا سددناها - وفتشناها فإذا نحن بغلام في وسط الدار طري دهين، كأنما أخذ ساعتئذ من حجر أمه، قال: فبينما نحن وقوف على الغلام نتعجب منه إذ دخلت كلبة من شق في الحائط فجعلت تلوذ بالغلام والغلام يحبو إليها حتى مصّ من لبنها، قال معدي: وأنا رأيت ذلك الغلام في مسجد البصرة وقد قبض على لحيته". [البداية والنهاية (8 / 288) ط دار التراث العربي].

   فتأمل ـ يرحمك الله ـ هذا رضيع لا يمَلك من نفسه حول ولا قوة، وفي وسط قوم أموات بمرض فتّاك معدي، ومع ذلك لم يصبه مكروه، ويُقيد الله من يَأتيه برزقه، لأن ساعته لم تأت بعدُ.

   فإذا علم العبد ذلك، فعليه المسارعة بإصلاح شأنه، ويتهيأ للقاء ربه، فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.

  وبالطبع لن تجد من يَكره لقاء الله إلا العاصي؛ أما المحسن، فإنه يرجو لقاء الله ليثيبه ويكرمه.
  فعلى العصاة منا ـ وكلنا عصاة ـ المسارعة بالتوبة، ورد المظالم، وإزالة المنكرات، وإن كان صغيرة في عين صاحبها، كالأغاني والأفلام التي على الهواتف، وفي الحواسيب، والإقلاع عن التدخين، إلى غير ذلك مما يكره المرء أن يقابل ربه به.

    مع التزام طريق الاستقامة والصلاح، والإقبال على الطاعات، بالمحافظة على الصلاة، وغيرها من القربات، حتى يَغفر الله ويتجاوز عما سبق.

   وقد قرب لنا القضية أحد سادة السلف، بكلمات قلائل، فهذا الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ يقول لرجل: "كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف، عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول، فليُعدَّ للسؤال جوابًا، فبكى الرجل، فقال: يا فضيل، وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال الرجل: وما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: أن تتقيَ الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي." اهـ

   قلت: فاجعلها منك يا عبد الله على ذُكر: "اتق الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي".
              إِلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي ... مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّي

            وَما لي حيلَةٌ إِلا رَجائي ... وَعَفوُكَ إِن عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنّي

          فَكَم مِن زِلَّةٍ لي في البَرايا ... وَأَنتَ عَلَيَّ ذو فَضلٍ وَمَنِّ

        إِذا فَكَّرتُ في نَدَمي عَلَيها ... عَضَضتُ أَنامِلي وَقَرَعتُ سِنّي

       يَظُنُّ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي ... لَشَرُّ الناس إِن لَم تَعفُ عَنّي.
            وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
وليد بن سعد
القاهرة 2 / شعبان / 1441هـ
25 / 3 / 2020م