في
ضوء فيروس كورونا (4)
ماتت
القرية كلها ونجا هذا الرضيع
الحمد
لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد
انقسم الناس في هذا الوباء إلى ثلاثة أقسام، طرفين ووسط.
قسم
تملّكه الهلع والفزع وأصبح يطارده شبح الموت في يقظته ومنامه، وتيقن بالهلاك!.
وقسم غرّه طول الأمل، حتى كأنه أيقن أنه ممن كتبت له النجاة؛ بل بدأت تُحدثه نفسه بحبك القصص التي سيحكيها للأجيال القادمة، وكيف اجتاح الوباء الأرض؟، والمعاناة التي كان فيها الناس، وكيف تعامل من ندرة الطعام؟ وكل هذا الموروث العالق في ذهنه من رؤية الأفلام السينمائية!.
والقسم الثالث، هو من عرف أن له أجلًا، وله ساعة كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهو على يقين إن جاءت هذه الساعة، فلا فرق عندها بين الموت بهذا الوباء أو بغيره.
وما
عليه القسم الثالث، هو ما يَجب أن يكون عليه معتقد المسلم؛ فإن الموت مما استأثر
الله بعلمه، فلا يَعرف موعده نبي مكرم، أو ملك مقرب.
قال
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفاتح الغيب خمس: ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ
الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ
غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
[رواه البخاري ومسلم].
فمن جاء أجله مات للحظته ، قال الله تعالى: { إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .[نوح: 4].
وقال
سبحانه: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ
أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.
[الأعراف: 34].
وقال
عز وجل: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ
أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}.
[آل عمران: 145].
[آل عمران: 145].
والموت
إذا نزل بالعبد فلا يَنفع معه سلطان ولا مال، ولا يَدفعه صديق، ولا حرس أو تحصينات،
قال الله تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُوا
يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}. [النساء: 78].
ولا هو مما يُستطاع الهروب منه، قال تعالى: { قُلْ
إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. [الْجُمُعَة: 8].
فمن كان هذا معتقده، هانت عليه الدنيا وفهم معنى الحياة، وأصبح يُبصر الأمور على حقيقتها، وأصبح عنده رضا بكل بما قدره الله وقضاه، حتى أنك تعجب من حال من فهم هذه الحقيقة وأصبحت من معتقده..
فهذا إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر، قَتل في معركة الدرعية الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ثم أراد أن يَغيظ أباه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهما الله ـ ، فـقـال له :
قَـتـلـنـا
ابنك سليمان، فأجابه الشيخ عبد الله بكل يقين وإيمان : "إن لم تقتله
مات".
تأملتها؟!
تأملتها؟!
"إن
لم تقتله مات".
فهذا المقتول قُدر عليه الموت في تلك الساعة، فإن لم يَقتله إبراهيم باشا، كان سيموت حتمًا.
فهذا المقتول قُدر عليه الموت في تلك الساعة، فإن لم يَقتله إبراهيم باشا، كان سيموت حتمًا.
وتأمل
هذه القصة العجيبة التي ذكرها الإمام ابن كثير ـ عليه الرحمة ـ في تاريخه وهو
يتكلم عن الطاعون الذي وقع سنة تسع وستين: عن رجل، يكنى أبا النفيد، وكان قد أدرك من
هذا الطاعون، قال:" كنا نطوف بالقبائل وندفن الموتى، فلما كثروا لم نقو على الدفن،
فكنا ندخل الدار وقد مات أهلها فنسد بابها عليهم!.
قال: فدخلنا دارًا ففتشناها، فلم نجد فيها أحدًا حيًا فسددنا بابها، فلما مضت الطواعين، كنا نطوف فنفتح تلك السدد عن الأبواب، ففتحنا سدة الباب الذي كنا فتشناه - أو قال الدار التي كنا سددناها - وفتشناها فإذا نحن بغلام في وسط الدار طري دهين، كأنما أخذ ساعتئذ من حجر أمه، قال: فبينما نحن وقوف على الغلام نتعجب منه إذ دخلت كلبة من شق في الحائط فجعلت تلوذ بالغلام والغلام يحبو إليها حتى مصّ من لبنها، قال معدي: وأنا رأيت ذلك الغلام في مسجد البصرة وقد قبض على لحيته". [البداية والنهاية (8 / 288) ط دار التراث العربي].
فتأمل ـ يرحمك الله ـ هذا رضيع لا يمَلك من نفسه حول ولا قوة، وفي وسط قوم أموات بمرض فتّاك معدي، ومع ذلك لم يصبه مكروه، ويُقيد الله من يَأتيه برزقه، لأن ساعته لم تأت بعدُ.
فإذا
علم العبد ذلك، فعليه المسارعة بإصلاح شأنه، ويتهيأ للقاء ربه، فإن من أحب لقاء
الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
وبالطبع لن تجد من يَكره لقاء الله إلا العاصي؛ أما المحسن، فإنه يرجو لقاء الله ليثيبه ويكرمه.
فعلى
العصاة منا ـ وكلنا عصاة ـ المسارعة بالتوبة، ورد المظالم، وإزالة المنكرات، وإن
كان صغيرة في عين صاحبها، كالأغاني والأفلام التي على الهواتف، وفي الحواسيب،
والإقلاع عن التدخين، إلى غير ذلك مما يكره المرء أن يقابل ربه به.
مع التزام طريق الاستقامة والصلاح، والإقبال على الطاعات، بالمحافظة على الصلاة، وغيرها من القربات، حتى يَغفر الله ويتجاوز عما سبق.
وقد
قرب لنا القضية أحد سادة السلف، بكلمات قلائل، فهذا الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ
يقول لرجل: "كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة
تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل:
يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل:
يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه
موقوف، عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول، فليُعدَّ للسؤال جوابًا، فبكى الرجل، فقال:
يا فضيل، وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال الرجل: وما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل:
أن تتقيَ الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي." اهـ
قلت: فاجعلها منك يا عبد الله على ذُكر: "اتق الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي".
قلت: فاجعلها منك يا عبد الله على ذُكر: "اتق الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي".
إِلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي
... مُقِرٌّ بِالَّذي
قَد كانَ مِنّي
وَما لي حيلَةٌ إِلا رَجائي ... وَعَفوُكَ إِن عَفَوتَ
وَحُسنُ ظَنّي
فَكَم مِن زِلَّةٍ لي في البَرايا
... وَأَنتَ عَلَيَّ
ذو فَضلٍ وَمَنِّ
إِذا فَكَّرتُ في نَدَمي عَلَيها
... عَضَضتُ أَنامِلي
وَقَرَعتُ سِنّي
يَظُنُّ الناسُ بي خَيراً وَإِنّي
... لَشَرُّ الناس إِن
لَم تَعفُ عَنّي.
وصلى الله على محمد وعلى آله
وصحبه وسلم.
وكتب
وليد بن سعد
القاهرة 2 / شعبان / 1441هـ
القاهرة 2 / شعبان / 1441هـ
25 / 3 / 2020م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق