مشاهدتي في الصين!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا
نبي بعده، أما بعد:
فإن أول
ما يَلفت نظرك عند خروجك من باب الطائرة، هو: طبيعة مناخ الصين، إذ هو جو استوائي لم
نَعتاد عليه، فالجو غائم، والأمطار كالسيول، ومع ذلك الحرارة مرتفعة!.
فربما يمر عليك أسبوعين ولا ترى الشمس، مع وجود نور
النهار!، ولكن ليس هناك وجود لقرص الشمس أو حرارتها، وقد رأيت مرة قرص الشمس بعد غياب
طويل قبل الغروب بخمس دقائق ثم أظلمت السماء!.
ويَنتج عن هذا رائحة عفن ورطوبة، لشدة بلل كل شيء، ولكنها ليست السبب الوحيد
في هذه الرائحة الكريهة التي تُصدم بها عند خروجك من باب الطائرة، ولكنك تكتشف بعد
فترة قصيرة جدًا أن هذه الرائحة سببها أبخرة الطعام، فالجو الاستوائي تكون فيه الرطوبة
عالية ولا يوجد فيه هواء كافي يقلب الجو، فتجد هذه الروائح منتشرة جدا وإن كنت بعيدا
عن مكان المطاعم!، فالأمر يشبه أنك تمر بزقاق ضيق فيه أكثر من محل للمشويات على اختلاف
أصنافها، فتجد الدخان يملأ المكان .
ولكن
يتبقى اللغز، ما سبب الرائحة الكريهة هذه؟
والجواب: هو رائحة الميتة التي تُطبخ!
فتمر بجوار محل مطعم، فترى البط في الشواية الكهربائية، قد غرز في السفود ـ
السيخ ـ برأسه ومنقاره!، فلا تُذبح عندهم الحيوانات قبل الأكل، فضلا عن رائحة شوربة
الضفادع والثعابين وغيرهما مما هو معروف.
وقد دخلت يوما سوقا لشراء طماطم وخيار .. فبعد فترة من أكل المعلبات تظن أن
نجاتك من موت محقق يَكمن في طبق سلطة فريش!، فدخلت السوق، ووجدت زحاما شديدا، فأخذني
فضول المصريين لمعرفة علة الزحام؛ وما هي إلا خطوات وقد بدأت أفقد الوعي، فرجعت سريعا
وبعد أن خرجت من الزحام سألت عن سببه؟ فقالوا: أنهم يجتمعون على شراء لحم تمساح!، فعرفت
سبب تعبي وهو: رائحة النشارد الشديد الخارجة منه، وهو غاز يحرق الأكسجين، وتجد نفس
الرائحة في سمك القرش إن كنت ممن ابتلي بصيد الأسماك. فلا تفكر فتح بطن القرش في مكان
مغلق!.
المهم: طبيعة مناخ الصين استوائي، الرطوبة فيه شديدة، الأمطار غزيرة جدا صيفا
وشتاء، يصعب أن تتجول هناك بدون مظلة ـ شمسية ـ، وقد تأقلم الناس مع هذا المناخ، فتجد
بعض المنازل جعلت وجهتها من السيراميك كأنك تجلس في الحمام!، وبعضهم زرع أسطح البيوت
للاستفادة من المطر، والصراحة الأمطار جعلت واجهة البلد جميلة، فكل ما حولك نظيف، والأشجار
شديدة الخطرة.
وللمطر قانون خاص، وهو: أنه يغض الطرف عن تطبيق القانون
في عدة أمور بمجرد نزول المطر، فتتحول السيارات الملاكي إلى أجرة، وتجد من يمشي في
الطريق العكسي، وهكذا.
أما عن طبيعة الأسعار والحياة الاجتماعية، فيكاد يكون كل ما يؤكل جنوني السعر
بالنسبة إلى أسعار مصر، فلك أن تتخيل أن الكانتلوب الذي يباع عندنا الكيلو بثلاث جنيهات،
أنه يباع هناك بالقطعة في حجم قطعة الخيار التي تقطع في طبق السلطة، فيضع لك البائع
قطعة أو اثنين على ميزان نستخدمه في مصر في وزن الجمبري!.
والبطيخ تشتريه من السوبر ماركت بالشريحة، تقطع أمامك وتلف في استرتش وتوضع
على الميزان ثم تعرف سعرها على حسب الوزن!.
فطبق السلطة مثلا الذي كان عبارة عن خيارة
واحدة وحبة طماطم فقط ، كلفني 7 إيوان، يعني حوالي 21 جنيه مصريا.
ولم أضع عليه ليمون، لأني سألت عن الليمون فوجدته
يباع في محلات خاصة، فلك أن تتخيل السعر!.
وهذه هي الخدعة التي يكذبون بها علينا في الإعلام،
أنهم في الغرب يشترون ما يحتاجون فقط، فيشترون تفاحة واحدة، أو برتقالة، ولا يزيدون
عن حاجتهم، وهذا حق، ولكن ليس لعدم التبذير كما يروج، ولكن لغلاء المعيشة جدا، فحلم
المرء هناك أن يشبع فقط، ولهذا تجدهم يضعون كمية كبيرة جدا من الخضروات التي تشبه البقدونس
على طبق مكرونة فيه عود أو اثنين من المكرونة الاسباجيتي ليس لشيء إلا لسد الجوع!.
ومما ينصح به عدم المرور في الشارع وقت صلاة الظهر، فإنه يكاد يكون الصينيون
جميعا يأكلون في هذا الوقت، ولن تحتمل رائحة طعامهم!.
وأشهر
المطاعم عندهم: مطعم بروسلي.
وأعلم أنه
سيقول البعض لو الأسعار مرتفعة، ستجد المرتبات أيضا مرتفعة، فأقول: سألت بعضهم فوجدت
مرتبه حوالي 1500 إيوان، وربما يزيد قليلا.
تخيل هذا الراتب مع أسعار السكن الفلكية في المدينة، وأسعار المواصلات، فثلاث
محطات المترو ب 7 إيوان ، وكلما زاد عدد المحطات زاد السعر، مع أفضلية المترو الناطق
عندنا عن المترو المستخدم عندهم.
والحق أن وسائل المواصلات عندهم متنوعة وكثيرة ومرفهة جدا، مع أنك في الغالب
لا تجد سيارات ملاكي صينية، فأغلبها ألماني وياباني، وسيارات الأجرة كورية الصنع.
أما الحياة الاجتماعية، فيغلب الإلحاد على أغلب البلد، حتى أنك ترى على بعض
الكباري الصورة المشهورة لنظرية التطور لداروين، ولكن بتعديل قليل، فالصورة تبدأ بالرجل
منحني الظهر والذي يغطيه الشعر كالقرد!، ثم يبدأ في التطور!، فيستقيم ظهره ويقل الشعر
عن جسده، حتى يجلس على مكتب وأمامه لاب توب!.
ومع ذلك تجد الخرافة لا تفارقهم!، فيعتقدون أن الوسغ الصغير "البرص"
أنه " خودا " بخلاف الكبير فإنه " بوخودا
" يعني غير جيد هه هه، فأظن أن هذا من عقيدة تناسخ الأرواح التي يؤمن بها الدروز
حتى اليوم، فإنهم يزعمون أن من مات وكان صالحا انتقلت روحه لحيوان طيب!.
ويوجد معابد للبوذيين منتشرة، كما يوجد
أيضا مساجد، فيوجد في مدينة "كوانزو" مسجدا كبيرا لصحابي لم نَسمع عنه من
قبل!، "مسجد الصحابي الجليل أبي وقاص"!، يصلي الناس فيه صلاة الجمعة، فيجتمعون
بأعداد عظيمة، ويظهر هناك على الناس تعظيم الصحابة، فقد سمعت الخطيب يقول: "نحن
نحب الصحابة، والصحابة دول ناس كويس!، والصحابة لهم فضل كبير، وحب الصحابة لازم يكون!"
هذا ما استطعت فهمه من عربيته، فلما تكلم بالصينية ظهر على وجه الناس البشر والفرح
وأعجبهم الكلام.
ويظهر من حبهم للإسلام، أنهم إذا رأوا رجلا عربيا ظنوا أنه بينه وبين الرسول
ـ صلى الله عليه وسلم ـ قرابة!، ولو كان من ملتحيا ومن بلد الأزهر فهو من علماء المسلمين!!،
يظهر ذلك لمن عاشر المسلمين هناك.
بيد أن المحزن أنهم إذا سألوك عن أخبار العالم
الإسلامي لا يذكرون من العلماء سوى "يوسف القرضاوي" والدجال "عبد
المجيد الزنداني"!، وهذا يبين نشاط تنظيم الإخوان هناك، وكذا جماعة "التبيلغ
والدعوة" لها نشاط، ولكن يضاف إلى جرائمهم هناك: النصب على الأجانب باسم
"التصدير وشحن البضائع".
والمسلمون
هناك يسمون بالشماليين، وهم يختلفون في البنية الجسمانية عن سائر الصينيين، كما أنك
تستطيع بسهولة هناك تمييز الصيني من الياباني، فبينهم اختلاف واضح.
والمسلم هناك لا يستغني عن القلنسوة "غطاء الرأس" وزوجه تلبس الحجاب
"الايشارب فقط"، ولهم تجارة، أغلبها في بيع الطعام الحلال.
وقد
رأيت بعض النصارى من الصينيين، ولم أجد ما أكرهه في معاملتي معهم، سوى من شاب بوذي
يعمل في الفندق، وجدت منه غلا لا يظهره، وحقدا لا يستطيع أن يخفيه.
أما سائر الشعب فأكلهم الإلحاد، وأصبحت الدنيا بالنسبة لهم هي كل شيء، وغالب
اهتمامهم بشعرهم!، فتجد منه أشكال وقصات وألوان غريبة.
ثم تأتي الكلاب لتحتل المرتبة الثانية، فتجد أيضا
منها أنواع كثيرة، وتمر على محلات الحلاقة فتجد الرجل يجلس على كرسي، وبجواره كلبا
يجلس على الكرسي المجاور، وربما يستخدمان نفس الأدوات!.
ثم تحتل
الهواتف المحمولة المرتبة الثالثة، فمن النادر أن تجد شابا هناك لا ينظر في هاتفه.
والشباب الصغير هم النجدة للأجنبي هناك، فهم من يستطيع الكلام بالإنجليزية،
أما من تجاوز العشرين سنة، لا يعرف شيئا عن الإنجليزية، وربما ترجموا له الصينية!
- إن كان من أهل القرى - فهناك أكثر من لغة يتكلمون بها، تستطيع تميزها بنغمة الصوت.
هذا؛
ولا أدري في الحقيقة ما دفعني لكتابة هذا الكلام، فلعله هذا المطر الشديد الذي يشبه
أمطار الصين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة ١٧/ رجب / ١٤٤١ هـ
12 / 3 / 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق