إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 مارس 2020

هذا تهور وليس من التوكل في شيء!


في ضوء نازلة فيروس كورونا (3)
هذا تهور وليس من التوكل في شيء!


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
   فإن طبيعة الفتن .. تجعل الإنسان يتخبط ولا يُبصر الحق؛ إلا من عصمه الله بالعلم الصحيح والإخلاص.
   ومن ذلك ما نراه من بعض الناس في هذه النازلة، فتجد أحدهم لا يلتزم بتعليمات الوقاية الصحية لتجنب الإصابة بهذا الوباء، كما لا يَلتزم بالمكث في بيته وعدم الخروج إلا للضرورة؛ بل ربما تجده عن عمد يقتحم التجمعات، ويصرّ على مخالطة الناس، زاعمًا أن هذا من الإيمان، وحسن التوكل، وقوة اليقين!، وربما إذا نُصح، تلا على الناصح له، قوله تعالى: { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. [التَّوْبَة: 51].
   وهذا الإنسان ومن على شاكلته، إنما أتُي من الجهل، ولا ينفعه في هذا المقام النية الصالحة، فالنية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد.

      والذي عليه هذا الإنسان إنما هو من التهور والجرأة المذمومة، وليس من التوكل على الله في شيء، ولعل هذا التهور نزعة خارجية ظهرت في ردة فعله.

   وتأمل حال هذا الإنسان، وحال أمير المؤمنين " عمر بن الخطاب" ـ رضي الله عنه ـ ، فعند ذهابه إلى الشام بعد فتح بيت المقدس، عَلم أنه وقع الطاعون بأرض الشام، فتشاور مع أصحابه، ثم همّ بالرجوع إلى مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له أبو عبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ : "أفرارا من قدر الله ؟ فقال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ؟ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله".[متفق على صحته].
  
  ثم ضرب له مثالًا يُظهر أن التوكل لا يَتنافى مع الأخذ بالأسباب، فقال: ـ رضي الله عنه ـ : "أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟". اهـ

     فليس من التوكل في شيء أن يَترك المرء عند رعيه لإبله الأرض الخصبة كثيرة الزرع، ويَقدم بالإبل على الأرض الجدبة التي لا زرع فيها، هذا ليس من التوكل في شيء، بل هذا ربما كان دليلًا على خفة وضعف عقل هذا الإنسان.

   فحال أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" ـ رضي الله عنه ـ في هذه القصة، كمن أراد الدخول إلى دار فرأى بها مثلًا حريقا تعذر طفؤه فعدل عن دخولها لئلا يصيبه". [فتح الباري لابن حجر، باب ما يذكر في الطاعون].

  وقد  كان  الفاروق ـ رضي الله عنه ـ في هذه النازلة أفقه نفسًا من هؤلاء؛ إذ اجتمع في قلبه مقام التوكل على الله، ومقام التمسك بالأسباب، ولم يَدخل تحت قوله تعالى:  {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}  [الْبَقَرَة: 195].

وعليه:
   فلا يُعدّ الالتزام بتعليمات الحَجْر الصحي، ولزوم البيوت حتى يَرفع الله عنا هذا الوباء، لا يُعد من ترك التوكل، أو ضعف الإيمان، بل هو مما يُثاب عليه المرء ـ إن شاء الله ـ ، فهو من دفع الضر عن النفس والغير، ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم يقول: " لا ضرر ولا ضرار". [رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في الإرواء]. 

   كما أن التهور والجرأة المذمومة لا يُثاب عليه العبد، بل يأثم، ويزيد الإثم لو تعدى إلى جلب الضر على المسلمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
وليد بن سعد
القاهرة 29 / رجب / 1441هـ
24 / 3 / 2020م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق