الحمد لله، وبعد:
سألني أحد الأخوة عدة أسئلة
واشترط الاختصار، فكان مما سئل:
من هم الخوارج؟
قلت: هم فرقة من أهل القبلة انحرفت عن فهم
الدين الصحيح، ترى كفر كل من وقع في ظلم من الحكام وإن كان الحاكم الرسول صلى الله
عليه وسلم!
ففي صحيح البخاري قَسم الرسول ـ صلى الله
عليه وسلم ـ غنيمة بين جماعة من المؤلفة قلوبهم ـ حديثي الإسلام ـ ولم يعط آخرين،
فقال رجل يسمى ذو الخويصرة التميمي : "أعدل يا محمد فهذه قسمة لم يرد بها وجه الله"!
فرمى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشرك!،
إذ جعل عمله لوجه الناس وليس لوجه الله!.
وخرجوا على شهيد الدار عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وقتلوه بزعم أنه يولي أقاربه المناصب!
وخرجوا على علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ
وكفروه، وقالوا: أنت أمير الكافرين !، وذلك لأنه جعل أبو موسي الأشعري رضي الله عنه
حكماً في أحدى القضايا، فقالوا: كيف هذا والله يقول: { إن الحكم إلا لله }؟، وهم
مستمرون في الخروج في الأمة حتى يخرج أخرهم مع الدجال كما في سنن الترمذي.
من هم ولاة الأمور؟
قلت: هم كل من تولى أمر المسلمين وحكمهم، ولهذا
يُقال له حاكم، ويُقال له سلطان لأن له سلطة، ويُقال له ملك لأنه يملك زمام الدولة،
فلا يُلتفت للمسمى وإنما يلتفت إلى واقع الحاكم، فإن كان له سلطة وقوة، ويَستطيع عقد
الاتفاقات الدولية، وعزل الوزراء وما شابه، فهو ولي أمر يُسمع له ويُطاع
في المعروف، ولا سمع له ولا طاعة في المعصية كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
كيف تكون ولايته؟
- قلت:
- أبو بكر الصديق تَولى ببيعة من كان في ثقيفة بني ساعدة، وهو ما يُسمى بيعة أهل الحل والعقد.
- وعمر الفاروق تَولى بوصية من الحاكم الذي قبله، أعني: أبا بكر.
- وعثمان تولى بالشورى، إذ جعل عمر الفاروق أمر الخلافة بعده في ستة مات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو عنهم راض، فاختار الناس عثمان بن عفان من الستة.
- ومعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ تولى بتنازل الحاكم السابق له، إذ تنازل له الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ عن الحكم.
- ويزيد بن معاوية تولى بوصية من أبيه، إذ كان يزيد قائد الجند فخاف معاوية أن يعود الاقتتال مرة أخرى بين المسلمين إن تولى رجل ضعيف.
- وتولى عبد الملك بن مروان بالسيف بعد أن قتل الحجاج بن يوسف ابن الزبير وصلبه في الكعبة، ومع هذا بايع له ابن عمر كما في صحيح مسلم وقال : ونصلي وراء من غلب.
- وقامت دولة المماليك البحرية على من قَتل الحاكم أخذ مكانه!، وكان أشهرهم بيبرس الذي قَتل قطز وأخذ مكانه.
- وقامت الدولة المصرية الحديثة بتولية "محمد على" من قِبل أهل الحل والعقد من شيوخ الأزهر، فجعل الحكم بين أبنائه من بعده.
- ثم حدث الانقلاب العسكري من الجنود الأحرار! على الملك فاروق، وأصبح محمد نجيب أول رئيس عسكري في دولة مدنية!.
- ثم دخلت الديمقراطية ومعناها حكم الأغلبية وتَولى بها جماعة من الحكام.. وكل هذه الهيئات لم يَقل العلماء أن الحاكم الذي يتولى بها غير شرعي، إذ الأصل أننا نُصلي وراء من غلب كما قال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ، ولهذا بَين الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ أننا نَسمع ونَطيع للأمراء بأي طريقة كانت وليتهم، المهم أن يُسمى أمير المؤمنين، يعنى: يُطلق عليه اسم الحاكم لسيطرته على الحكم والملك، ويكون مسلماً.
هل يجوز اشتراك المسلمين في
أحزاب؟
قلت: لا؛ إذ الحزبية والفُرقة سنة فرعونية ليست
من دين المسلمين، قال تعالى : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا
فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي فرقاً يشيعونه على ما يريد ويطيعونه،
لا يَملك أحد منهم مخالفته، أو يشيع بعضهم بعضاً في استخدامه ،
أو فرقاً مختلفة قد أغرى بينهم العداوة ليكونوا له أطوع.
ولهذا جاءت
الشريعة الإسلامية بالبراءة من الفُرقة والحزبية، فقال تعالى مخاطباً النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ: { إِنَّ الذين فَرَّقُواْ
دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ . . } [ الأنعام : 159
].
وقال تعالى : { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}،
وهذه هي العلة في منع التحزب والفُرقة: وهو أن كل جماعة وكل حزب يَحسب أنه فاز
بالصواب ووقع الخطأ من غيره، فيفرح ولا يلتفت ولا يستمع لنصح، فتطيع الأمة!، إذ إن خيرتها في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
طيب
كيف تطبق الشريعة إذاً؟
قلت: الأصل أن نَفهم ما
هي الشريعة أولاً، فمن فَهم الشريعة بأنها إقامة الحدود فقط، فهذا قد زعم أن الرسول
ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان معطلاً للشريعة في فترة وجوده في مكة!، والذي فَهم أن التمكين
في الأرض هو الغاية من الشريعة فهو أيضاً واهماً، إذ قال الرب عز وجل : { الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، فليس
التمكين مقصوداً لذاته، ولكن لإقامة الغاية التي خلق من أجلها الخلق { وَمَا خَلَقْتُ
الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ]،
فالشريعة معنى جامع لكل ما جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فإقامة الصلوات من
تطبيق الشريعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تطبيق الشريعة، وإقامة الحدود
من تطبيق الشريعة، والغزو في سبيل الله من تطبيق الشريعة، وطلب العلم وتعليمه من
تطبيق الشريعة، وإطلاق اللحية من تطبيق الشريعة، ومخالفة سنن الكفار من تطبيق
الشريعة، وتربية الأولاد على سنن الإسلام من تطبيق الشريعة، و...
فالكل مطالب
بتطبيق الشريعة، كلٌ على قدر استطاعته، فليس الأمر مُتوقف على الحاكم فقط!، فأنت رئيس
دولة بيتك ، ستُسأل لماذا لم تحجب أمرآتك وتكف أذاها عن المسلمين؟ ، وتُسأل عن
أبنائك لماذا لم تقومهم على سنن المسلمين؟ ، وتسأل عن نفسك لماذا أخذت الرشوة أو
سكت عن من أخذها؟ وهكذا دوليك...
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب
أبو صهيب وليد بن
سعد