رد شبهة صوفية شركية!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن بعض الصوفية يستدلون بجواز الاستغاثة بالنبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعائه وقصد قبره.. بقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا
اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}. [النساء : 64]
فيزعمون أن معنى الآية: لو أنهم كلما ظلموا أنفسهم
جاءوا الرسول صلى الله عليه وسلم فاستغفروا الله عنده، وهو بدوره يكون الواسطة بينهم
وبين الله في رفع هذا الاستغفار، لوجدوا الله توابا رحيما!!
كهيئة كرسي الاعتراف عند النصارى!!.
وهذا البلاء والشرك أتى من فهم أن "إذ"
في الآية تأتي بمعنى "كلما"، والأمر ليس كذلك، وإنما "إذا" هي
من تأتي ويقصد بها "كلما"، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ
...}. [الممتحنة: 10].
يعني: كلما جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن،
هكذا على الاستمرارية.
أما "إذ" المذكورة في الآية، فتأتي للتعبير
عن حادثة حصلت مرة واحدة، كما في قوله تعالى: {إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ
ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ"
[النمل: 7].فهي حادثة حصلت مرة واحدة ولم تتكرر.
وقوله تعالى: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ
مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}. [إبراهيم
: 6]. و"إذ" هنا
تكررت في حادثتين لم يتكررا.
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
}. [الصف: 5].
وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ
إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ
وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا }. [مريم 41: 42].
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ
مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ
لَهَا عَاكِفُونَ }. [الأنبياء
51: 52].
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ }. [الزخرف 26: 27].
وقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} . [آل عمران : 45].
وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ
إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا...}. [مريم : 16].
فيظهر من سياق هذه الآيات أن "إذ" إنما
تأتي للتعبير على حادثة حصلت مرة واحدة، وأنه بهذا الفهم يكون مقصود الآية حادثة حدثت
مرة واحدة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تتكرر .
وأن قصد
قبره والاستغفار عنده إنما هو شرك وبدعة.
وقد كان من دعاء الرسول ـ صلى الله عليه
وسلم ـ قبل موته بأيام:
"
اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". [رواه أحمد وغيره بسند صحيح ].
والوثن: ما يعبد من دون الله وليس له صورة، كالقبر والشجر والحجر، والتمثال ما كان
له صورة.
ويقول جندب بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ : " سمعت النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ قبل أن يموت بخمس ، وهو يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل،
فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا
يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن
ذلك". [رواه مسلم].
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لعنة
الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" . [رواه البخاري].
قالت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها
ـ :" فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا".
وقد رأى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ
رضي الله عنهما ـ رجلا يجيء إلى فرجة كانت
عند قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيدخل فيها فيدعو ، فدعاه فقال : ألا أحدثك بحديث
سمعته من أبي ، عن جدي ، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " لا تتخذوا
قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ". [رواه ابن أبي شيبة بسند جيد، وأخرجه أبو داود من دون
القصة بسند حسن].
والعيد من عاد يعود، فدعا الرسول صلى
الله عليه وسلم أن لا يتخذ قبره عيدا يعود الناس إليه في موعد معين كل عام كحال
الموالد الصوفية، كما أمر بصلاة النوافل في البيوت حتى لا تصبح كالقبور، وفيه أن
القبور والأضرحة ليست مكانا للصلاة، ومن أراد أن يصلي على الرسول فلا يتكلف المجيء
إلى مسجده، ولكن فليصل عليه من أي مكان كان، وقد كفل الله ملَكا يبلغه هذا.
فالخلاصة:
إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل
موته بأيام قليلة يحذر أمته من الوقوع في شرك الأمم السابقة، والذي من أجله لعن
الله اليهود والنصارى، وذلك لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، فيدخل
الواحد منهم المسجد، وقلبه ليس معلق بالله، وإنما هو متعلق بصاحب القبر!، فيدعوه
ويسأله!!، وهو ميت لا يملك لنفسه حولا ولا قوة، ويترك دعاء الحي الذي لا يموت سبحانه.
ويكون الواحد من هؤلاء في المسجد "
بيت الله " ويسأل سواه سبحانه، والله عز وجل يقول: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ
فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }. [الجن: 18].
فليتق
الله هؤلاء في أنفسهم، وليتمسكوا بوصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحبر
الأمة عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ : " إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت
فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد
كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك . رفعت
الأقلام وجفت الصحف".
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
الاثنين 24 / ربيع اخر / 1443
29 / 11 / 2021