إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 27 مارس 2013

قبل أن يُذبح المنهج ...


 قبل أن يُذبح المنهج ...




الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، وبعد:
أولاً : هو سبيلٌ واحد :

قال الله عز وجل : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[الأنعام : 153].
وروى أحمد، والنسائي، وغيرهما جميعا عن عبد الله بن مسعود قال :(( خط لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطاً
، فقال : "هذا سبيل الله" ، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: "وهذه سُبل على كل سَبيل منها شيطان يَدعو إليه "، ثم تلا : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾)).
وذكر الطبري في كتاب (آداب النفوس): بسنده ...عن معمر عن أبان أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد (جمع : جادة، وهو الطريق )، وثَمَّ رجال يدعون من مرَّ بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود:
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً. [نقلاً من تفسير القرطبي] .
 
وروى ابن بطة فى الإبانة الكبرى ( 165 ) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ((أيها الناس إنه لا عذر لأحد بعد السنة فى ضلالة ركبها حسبها هدىً، ولا في هدىً تركه حسبه ضلالة، فقد بُيِّنت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر)) .

 
وعند ابن بطة أيضاً ( 189 ) عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (( يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا ( يعنى : مَفْصِل الأنملة ) فإن تركتموهم جاءوا بالطامة الكبرى)) .

 
وروى الإمام محمد بن نصر المروزي فى السنة ( 81 ) عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ((إنكم اليوم على الفطرة، وإنكم ستُحدثون، ويحدَثُ لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأول)) .

 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمة كما في مجموع الفتاوى ( 4 /57 ): ((وَعَامَّةُ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ إنَّمَا تَطَرُّقُ مَنْ لَمْ يَعْتَصِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ : كَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ : " الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ هُوَ النَّجَاةُ " ، وَقَالَ مَالِكٌ " السُّنَّةُ سَفِينَةُ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ " . وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ وَالشَّرِيعَةَ وَالْمِنْهَاجَ : هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي يُوَصِّلُ الْعِبَادَ إلَى اللَّهِ . وَالرَّسُولُ : هُوَ الدَّلِيلُ الْهَادِي الْخِرِّيتُ فِي هَذَا الصِّرَاطِ )). أ.هـ

 
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص / 297 : ((العلم هو السنة ، و الجهل هو البدعة)) .

 
ثانيا :
﴿وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ[فصلت : 46] :
قال الله تعالى :
﴿فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ[الصف : 5]، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ فى تفسيره ( 6 / 82 ) : ((ولذلك يجب أن يُعلم أن من أشد عقوبات الذنوب أن يعاقب الإنسان بمرض القلب والعياذ بالله، فالإنسان إذا عوقب بهلاك حبيب أو فقد محبوب من المال، فهذه عقوبة لا شك، لكن إذا عوقب بانسلاخ القلب فهذه العقوبة أشد ما يكون؛

 يقول ابن القيم :
 والله ما خوفي الذنوب فإنها لعلى طريق العفو والغفران
  وإنما أخشى انسلاخ القلب من تحكيم هذا الوحي والقرآن 
 هذا هو الذي يخشاه الإنسان العاقل، أما المصائب الأخرى فهي كفارات وربما تزيد العبد إيماناً)). أهـ
 
وفي الحلية ( 8455 ) عن عطاء بن أبى رباح ـ رحمه الله ـ قال : ((بلغنا أن الشهوة والهوى يغلبان العلم والعقل والبيان)) .

 
وروى أبو نعيم فى الحلية ( 15559 ) عن أبى الحسين بن هند الفارسي قال : ((المتمسك بكتاب الله هو الملاحظ للحق على دوام الأوقات، والمتمسك بكتاب الله لا يخفى عليه شيء من أمر دينه، بل يجري فى أوقاته على المشاهدة لا الغفلة، فيأخذ الأشياء مَعْدنِها ويضعها فى مَعْدنِها )).

 
وقال الإمام الشافعي كما فى الحلية (13337 ) : ((ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها منَّي إلا هبته واعتقدت مودته، ولا كابر أحد على الحق ودفع الحجة الصحيحة إلا سقط من عيني ورفضته)) .

 
وروى الخطيب فى الفقيه والمتفقه ( 1150 ) عن إياس بن معاوية أنه قال : ((إن البناء إذا بُني على غير أُسِّ لم يكد يَعتدل)) .
والأُس : الأصل.

 
وقال الحسن البصرى ـ رحمه الله ـ كما عند أبو نعيم فى الحلية ( 1825 ) : ((إن العالم يرى الفتنة وهي مقبلة، ويراها الجاهل وهي مدبرة)).

 
ثالثا :
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَ‌هُمْ وَرُ‌هْبَانَهُمْ أَرْ‌بَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ[التوبة: ٣١]:

روى الخطيب البغدادي في ( الفقيه والمتفقه ) عن ابن عباس ـ عليه الرضوان ـ قال ( 380 ) :(( تمتع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أي : في مناسك الحج ) فقال عروة بن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : أراكم ستهلكون !! أقول : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقولون : أبو بكر وعمر!. (وفي رواية) : هذا الذي أهلككم، والله ما أرى إلا سيعذبكم .
فقال عروة : هما والله كانا أعلم بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأتبع لها منك)) .
قال الخطيب : قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما به عروة، إلا أنه لا ينبغي أن يُقَلَّدَ أحدٌ في ترك ما ثبتت به سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

 
وروى ابن عبد البر ( 980 ) عن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ أنه قال : ((إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكلما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه)) .

 
وعند أبي نعيم فى الحلية ( 4007 ): ((كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يوماً جالساً فغطى رأسه، ثم اضطجع فبكى، فقيل له : ما يبكيك ؟! قال : رياء ظاهر، وشهوة خفية، والناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتهم، ما أمروهم به ائتمروا، وما نهوهم عنه انتهوا )). أهـ

 
وعن صالح بن مهران كما فى الحلية أنه قال ( 15726 ) : ((كل صاحب صنعة لا يَقدر أن يعمل في صناعته إلا بآلة، وآلة الإسلام العلمُ، وإذا رأيت العالم لا يَتورع في علمه فليس لك أن تأخذ منه)) .

 
وسُئل سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ كما فى الحلية ( 9315 ) : ((أيُّ شيء شر ؟! قال : اللهم غَفراً، العلماء ـ (أي : إذا فسدوا) )) .

 
وروى ابن أبي شيبة في المصنف في كتاب الفتن عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال ( 38725 ) :((إن أخوف ما أخاف عليكم أن تؤثروا ما ترون على ما تعلمون، وأن تضلوا وأنتم لا تشعرون )).

 
وعند ابن أبى شيبة فى المصنف ( 38498 )، وصححه الحاكم فى المستدرك عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال :
((إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا، فلينظر فإن كان رأى حلالاً كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حراماً كان يراه حلالاً فقد أصابته)) .

 
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كما عند الدارمي ( 193 ) قال : ((كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يَهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير، إذا ترك منها شيء، قيل : تركت السنة، قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا ذهبت علماؤكم، وكثرت جهلاؤكم، وكثرت قراؤكم، وقَلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقَلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين)) .

 
وروى ابن أبي شيبة فى المصنف من كتاب الفتن ( 38361 )، عن هلال بن خبَّاب قال : سألت سعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟! قال : ((إذا هلك علماؤهم)) .

قيل لهلاك العلماء وجوه :
 أولها : موتهم، كما في حديث قبض العلم بقبض العلماء وهو في الصحيحين .
والوجه الثاني: أن يشتروا بآيات الله ثمناً قليلا ً، ويشتروا الدنيا بالآخرة، فيهلك الناس بهلاكهم .

 
والوجه الثالث: إذا حادوا بالناس عن المنهج القويم والصراط المستقيم الذي كان عليه سلفنا الصالح، وقالوا بآرائهم وقدّموها على قول الصحابة، ومن تبعهم بإحسان من الأئمة، فابتدعوا في الدين ما ليس منه.

 
و أخيراً : جماعة واحدة لا جماعات: 

روى أحمد فى مسنده ( 21607 )، وابن خزيمة في صحيحه ( 1486 ) عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ((عليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)) .

 وعند ابن ماجة بسند صححه الألباني ( 3989 ) عن عوف بن مالك، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار ))، قيل : يا رسول الله من هم؟ قال : (( الجماعة ))، وفي رواية : سئل ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن صفة هذه الجماعة فقال : ((ما أنا عليه وأصحابي)) .
 
 يقول الشيخ بكر أبو زيد في (حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب ص / 107): ((الإسلام مبني على الوحدانية، فالرب الخالق المعبود واحد، والرسول واحد، والقبلة واحدة، والحق واحد، فالدعوة إلى ذلك واحدة بسبيل واحدة، والمسلمون حزب واحد، قال تعالى:
﴿
أولئك حِزْبُ الله أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون[ المجادلة : 22 ] . أهـ
 
قلت: ومعلوم أن تعدد السُبل بتعدد الأحزاب حلٌّ لعُرى الجماعة، وتبديد للسبيل إلى سُبل بينهما من الاختلاف والاضطراب ما هو معلوم، ولهذا يتوجب على أهل هذه الجماعة التماس طريق سلفهم الصالح حتى يَعودوا بالمسلمين مرة أخرى إلى الخلافة الراشدة بعيداً عن أهواء الناس من تلك الحزبيات والبدع .
أخرج أحمد في المسند ( 18406 )، وصححه الشيخ ناصر الدين فى الصحيحة ( 5 ) عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ـ يعنى : طريق النبوة ـ ، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً ـ أي : وِراثيا ـ فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت.
فلن تعود الأمة إلى الخلافة الراشدة، والحكم بشريعة الرحمن إلا بالتماس منهاج النبوة، والثبات عليه، والإيمان أنه لا سبيل سواه، والتبرؤ من المناهج المخالفة له التى يُزين لها شياطين الإنس والجنِّ.
فنسأل الله بكرمه ولطفه الثبات على هذا المنهاج حتى الممات، وأن يتوفانا على الأمر العتيق.
وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
جمع وترتيب
أبو صهيب وليد بن سعد

 القاهرة، الاثنين 26 ربيع الثاني 1433 هـ
 19/مارس/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق